ليبرالية قيادات الحزب الشيوعي أم اشتراكيتها


عمار ديوب
2004 / 10 / 17 - 11:26     

تصور ظاهرة التخلي عن البرامج الاشتراكية وهموم الثورة الصناعية والدفاع عن الطبقات الكادحة والضرورة التاريخية لمشروعها القيادي في إحداث تقدم جدي في البلدان المتخلفة على أنها ظاهرة نضوج وعقلانية واندراج ضمن روح العصر , و كي تكتمل الصورة عند المصورين يشجعون تلك الظاهرة على تبني مشاريع جزئية كحقوق الإنسان والديموقراطية كانتخابات وحقوق المرأة وإعلان التوبة عن الفكر الماركسي والتحول باتجاه الواقعية ودعم النظام الرأسمالي وديموقراطيته ؟ وبأحسن الأحوال إفتاء ماركس- وتكفير لينين - ودمجه ضمن جذرهم الليبرالي مقتطفين بعض العبارات التي تؤيد دعاويهم ؟!
هذه الظاهرة تتجنب الدخول في العمق من جهة تحليل اللوحة العالمية لعصر العولمة الإمبريالية بما فيه المستوى السياسي والذي يتساوي لديهم مع الديموقراطية والأخيرة مع الانتخابات 0 وهذا يجعلنا نشير إلى بعض القضايا التي نعتبرها أساسية في أي تحليل جاد للمشكلات المستحدثة في العالم على أثر انهيار نظام القطبين والتفرد الأمريكي :
1- انفلات النظام الأمريكي باتجاه نظام إمبراطوري إمبريالي عولمي مستخدماً الحرب العارية والمكشوفة في كل أنحاء العالم وكل إشكال الحرب الباردة , من حصار اقتصادي وحروب بالنيابة على أراض الغير وفرض عقوبات اقتصادية على بعض الدول والشركات إلى منع الأسلحة عن البلدان المتخلفة وحتى عن الصين إلى الحرب المدمرة وبدون غطاء دولي – ديموقراطي- ابتداءً من يوغسلافيا وتوابعها إلى أفغانستان مروراً بالصومال وصولاً إلى العراق وبواد ر الدخول في السودان ولا تزال القائمة طويلة اتجاه كل من دول الشر وغيرها بالعشرا ت من كل شاكلة ولون من دول ومنظمات , والسؤال لماذا كل هذا الانفلات الأمريكي ؟
2- تجاهل الدولة الأمريكية لدور المنظمات العالمية - كهيئات ديموقراطية – ( هيئة الأمم المتحدة , ومجلس الأمن الدولي وغيرها ) وعدم دفع المستحقات بخصوص البيئة والماء والفقر , واعتبارها منظمات ذيليه من بقايا الحرب الباردة ويجب تغييرها , حيث يأتي ممثلي الدولة الأمريكية للخطاب بها , وان لم توافق الدول على دعاويها تمارس كل أنواع الابتزاز عليها وتجعل نفسها غير ملتزمة بأية معاهدات دولية وتستخدم الفيتو كما تشاء , فمن ليس معنا في حربنا ضد الإرهاب فهو ضدنا بالضرورة ( لاحظ وضع السجناء في غواتيناما والمبررات التي تسوقها الدولة الأمريكية لذلك ) 000
3- تجاهل كل القرارات الدولية بخصوص الشعب الفلسطيني ودعم كلي لإسرائيل في تقتيل الفلسطينيين رغم الظاهرات التي تفقأ العين وأخرها مشكلة مفاعل ديمونة النووي وأثاره المدمرة على مستقبل البلدان العربية وتحديداً الأردن 000
4- تراجع وضع الحريات في أوروبا وأمريكا وكذلك الوضع الاقتصادي والعودة عن كثير من الحقوق التاريخية للطبقة العاملة وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان والتقارير الاقتصادية 000
5- بطالة ترتفع بصورة مستمرة مع نمو اقتصادي لا يذكر والأصح ركود اقتصادي يضرب معظم الاقتصاديات المتقدمة 000،مع تعملق كلي لدور الشركات متعدية القوميات ، بالإضافة للمضاربات المالية ، وعدم التوظيف في القطاعات الإنتاجية والتوظيف في الخدمات كمشكلة تضرب تلك الاقتصاديات الخ 000
6- إخضاع الدولة المحلية المتخلفة على هزالها لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبيوتات المالية ومحاولة إجبارها على الدخول في مشروع التجارة الدولية الحرة ومنذ بداية السبعينيات وبالتالي تهميش الأغلبية الشعبية من دول المحيط 0 ومفيد هنا ملاحظة دور الشركات متعددة الجنسيات في دعم النظام العسكري في إندونيسيا في القضاء على الحزب الشيوعي الإندونيسي ( منذ السبعينيات ) والسيطرة على إندونيسيا من خلال المشاريع الاقتصادية آنذاك , وأثار الانفتاح المصري المدمر بعد السادات والمقارنة بينه وبين النظام الناصري وعلى كل المستويات 0 آفاق البرجوازية التابعة: ان المشروع الأمريكي العولمي مترافقاً مع المشروع الأوربي هدفه بالدرجة الأولى المحافظة على استقرار النظام الرأسمالي العالمي وتأمين مصالح الشركات المتعدية القوميات واستنزاف الثروات الباطنية والطبيعية للدول المتخلفة وتحويلها جزئياً إلى أسواق لفئات محددة من الكمبرادور 000واذا اعتمدنا هذه المقدمة تصير الدعوة الليبرالية في البلدان المتخلفة دعوة وهمية , ونسوق ذلك على أرضية الأصل التاريخي لنشوء البرجوازية التابعة والمترافق مع دخول النظام الرأسمالي في طوره الإمبريالي وتتبيعه لكل بلدان المحيط ومنعها من التحول إلى بلدان متقدمة , فالبرجوازية المحلية لن يترك لها إلا التجارة والسمسرة والنهب المنظم والاندماج ضمن مشروع الشركات المتعدية القوميات , فكيف سيكون لها مشروع حداثي والشركات العولمية تلتهم ليس فقط البلدان المتخلفة بل حتى الدولة الإمبريالية ذاتها وتسخيرها هي وجيوشها لصالح الشركات العولمية , وهذا يعني أن البرجوازية المحلية وحتى ولو توفرت الوطنية منها ( الصناعية ) ولا أقول الليبرالية, لن تستطيع ضمن هذه المرحلة العولمية , من التصدي لمشروع الشركات العولمية لأنها جزئ منه 00 قيادة الحزب الشيوعي : فهل كانت القيادات التاريخية للأحزاب الشيوعية متنبهة للأصل العقيم للبرجوازية العربية ، وهل كانت ملتزمة بمشروع الاشتراكية , وهل دافعت عن دورها القيادي في التحالفات الوطنية الديموقراطية للوصول إلى السلطة وتحقيق التقدم التاريخي المرتبط بها حصراً , نعتقد أن ذوي العقل النقدي يعلمون جيداً أن الأحزاب الشيوعية بمعظمها كانت واقعةً تحت إطار الأيديولوجية السوفيتية والتي تبنت التعايش السلمي بين القطبين وحتى قبل إعلانها كسياسة عامة للدولة ابتداءً من سياسة الدولة البيروقراطية العمالية باتجاه تثبيت الاشتراكية في بلد واحد وما على الأحزاب الشيوعية في العالم إلا دعم ذلك البلد 000 ودون أن نغفل أن قيادات الأحزاب الشيوعية - في سوريا ولبنان وتحديداً بعد تسلم خالد بكداش القيادة وإقصاء القيادات التاريخية القديمة - نشأت ضمن عقلية وبنى المجتمع المتخلف والذي من خصائصه الزعامات المطلقة والوجهات وإقصاء كل رأي مخالف واتهامه بالخيانة ( لاحظ رسالة سالم أي فرج الله الحلو والذي أجبرته القيادة البكداشية على كتابتها ) , وباعتبار الوضع كذلك تصير تلك القيادات متربيّة ومؤد لجة تماماً ضمن المنظور الليبرالي والذي كان يقتصر على المطالب الاقتصادية بخصوص تحسين أوضاع العمال في إطار المؤسسات الرأسمالية أو الحريات العامة والديموقراطية ( في الخمسينيات ) وعدم التصدي لمشكلات الفكر التاريخية أو مشكلات الممارسة السياسية للحزب ومبررات وجوده التاريخي ، أو مطالب النزوع اليساري المحض مع اليسار الجديد ، متجاهلين الشروط التاريخية المستجدة ( لصعود البرجوازية المتوسطة ) وأشكال النضال الممكنة ،وبغياب القطب السوفييتي شهدنا العودة شبه الجماعية , المعلنة والمخفية لكثير من القيادات نحو العمل الليبرالي العلني والصريح , وبذات العقلية ، مضحين وبشكل كلي بتاريخهم الشخصي السياسي ونضالا تهم ، وبكل ما أنجزته الدولة المحلية ( الوطنية ) ومتبنين مفاهيم جزئية تفتيتية للعمل السياسي باتجاه العمل الاجتماعي مع تحويله لصالح الليبرالية المخصيّة وعلى أرضية السوق الاقتصادية الحرة باعتبار الديموقراطية متلازمة مع الرأسمالية والاندماج ضمن السوق العالمية أي ضمن السوق الذي تخطط له الإمبريالية العولمية الأمريكية؟! 00ويأتي المديح في هذا السياق لإلغاء كل تجذر في بحث القضايا المصيرية وتجاهل للشروط الجديدة – الاحتلال الأمريكي للعراق – والشروط القديمة – إسرائيل والبنى المتخلفة 000فهل تعتبر ظاهرة التخلي ظاهرة عقلانية أم ظاهرة لاعقلانية ؟ وكيف تُعالج فعلياً , إن الخطأ فيها لا أعتبره خطأً مصلحياً ، أي لا اعتبره ضمن مفهوم تغيير الولاءات والخيانة وغيرها من المفاهيم المستهلكة والصحيحة أحياناً وإنما اعتبره خطأً معرفياً هدفه التنظير للمشروع الليبرالي يتلاقى مع العودة التدريجية للطبقات الليبرالية ليست المخصية فقط بل والميتة أيضاً, وما عودتها الملاحظة تماماً إلا نتاج قوة المشروع الأمريكي وضعف التمثيلات السياسية الشيوعية , وكنتيجة لاستبداد الأنظمة البرجوازية وإفلاسها ، وتحولها في ذات الإطار ، وذاك الاستبداد موجه تاريخياً وبالتحديد ضد القوى العلمانية وحصراً الماركسية منها وبشكل منهجي ؟! وهذا يتطلب من المثقفين والنقاد العودة لمناقشة الشروط الجديدة والقضايا المصيرية والتي نحددها : أولاً : دراسة إمكانية البرجوازية المحلية على التصدي لمشكلاتها التاريخية ( التصنيع ، والديموقراطية كنظام سياسي , استرجاع الأراضي المغتصبة ، الوحدة ) ضمن إطار سيطرة الشركات المتعدية القومية والحرب المفتوحة على البلدان المتخلفة 000 ثانياً: دور البنى التقليدية المعاد إنتاجها عبر سيطرة البرجوازية المخصية واحتمالات إفرازها قوى دينية سياسية ظلامية تستمد مشاريعها من الماضي وتقطع مع الحاضر العلماني مؤيدة كل ما هو متخلف من أشكال الفكر ( طائفية ، وعشائرية وجهوية ومناطقية الخ ) ومثبتة مصالح الرأسمالية العالمية 000 ثالثاً: مناقشة فعلية لدور الاشتراكية المتحققة لصالح التقدم الإنساني وأخطائها وإيجابياتها مع دراسة مآلات الدولة الصينية باعتبارها من الدول الاشتراكية وكوبا و فيتنام و كوريا الشمالية واعتبارها من البروفات التاريخية لإلغاء النظام الرأسمالي العالمي 000 رابعاً :إعادة النظر بتاريخ الأحزاب الشيوعية مستفاداً من الانتقادات التي وجهت لها من الياس مرقص و ياسين الحافظ ومهدي عامل وعبد الله العروي وغيرهم الكثيرين 000 خامساً : مناقشة جدية لحصيلة بلدان التحرر الوطني والآثار المترتبة عليها من جراء انفصال برجوازياتها عن المشروع التحرري واندماجها ضمن المشروع الرأسمالي العولمي ، واثر هذا المشروع في حال التصادم المدمر بينهما ( العراق) على مستقبل هذه البلاد 000 من المهمات النظرية : أما بخصوص الماركسيين ( من جميع القوى السياسية – شيوعية وقومية ونقدية جديدة ) واللذين ما يزالون يجدون في الماركسية منهجياً تحليلياً ، وبعض النظريات الفكرية ، وحزباً سياسياً ، ودوراً قيادياً في إحداث تقدم جدي على كل المستويات نقول , لا بد من : * دراسة الماركسية بأصولها التاريخية وايلاء الجدل المادي والدراسات الماركسية النقدية والعلوم الحديثة دوراً مركزياً في مشروعهم التاريخي 000 * دراسة التجربة التاريخية للدول الاشتراكية وتقديم نقد موضوعي وعلماني وبعيداً عن نظرية المؤامرات والخيانة وغيرها 000 * دراسة الواقع العربي بكل مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية دراسة علمية وإنتاج مفاهيم معرفية على أرضية الجدل المادي تتوافق معه ، وتقطع كلية عن آلية سحب المفاهيم الجاهزة من التراث الماركسي أو من التراث العربي أو من التراث الحداثي لأوربا الغربية 000 * المحافظة على الاستقلالية التنظيمية والممارسة السياسية عن الأحزاب الأخرى , وتبني مفاهيم تنظيمية مدققة , على أرضية العمل الجماعي ، مأخوذاً بعين الاعتبار ومنقودةً الأشكال التنظيمية تاريخياً للأحزاب الشيوعية والثغرات المدمرة لها ولدورها والمختصر للحزب في شخصية الأمين العام ومستفاداً من التراث الثوري في إطار تعميق العمل الجماعي كحصيلة عمل الأفراد الواعين والأحرار في اختيارهم ذلك العمل وتبني العمل الجماعي كشكل عمل حياتي قادر فعلياً على إحداث تغيير فعلي في ممارسات الماركسيين ودورهم التاريخي 000 * إحداث طرق تعبيرية تضمن المحافظة على وحدة العمل الجماعي وحرية المجموعات المتخالفة في تقديم أفكارها وأرائها حول جميع أوجه العمل الجماعي أي أشكال الممارسة السياسية المحتملة مستقبلاً
· قراءة الشروط الإمبريالية – العولمية الجديدة والقديمة – المشروع الصهيوني – والمشاريع المخططة لهذه الأمم والعمل على صياغة برنامج قومي ديموقراطي اشتراكي بالضرورة يعترف بالعمل الديموقراطي كنهج حياة وليس كنظام سياسي , واحترام مشاريع القوميات الأخرى وحقوقها التاريخية متضمناً حق تقرير المصير , والحقوق الثقافية والسياسية والديموقراطية العامة , بل إن مصدر ديموقراطية المشروع القومي العربي تكمن في طريقة تعامله مع القوميات الأخرى ، وهذا الأمر سيجعله قادراً على تأسيس مشروع تاريخي اشتراكي مضاد للمشروع الأمريكي الإمبريالي وقادراً على إنجاز تحالف بين القوميات التاريخية في هذه المنطقة من العالم 000 * إعطاء قضية الدين والأحزاب السياسية أهمية كبيرة في إطار النقد ، والتفرقة بينهما , وبين دور الدولة في تسخيرها للدين السياسي والفقهي والاجتماعي ، وهذا النقد يتضمن النص الديني من جهة واعتبار المشكلة ليست مع الدين كنص تاريخي أو مع وجدان المؤمنين من جهة أخرى وكذلك الإمبريالية التي تخلق كل أوضاع التخلف المعاد تجديده بشكل يستدعي البنى المتخلفة ومنها الدين السياسي مع دراسة الأسباب الموجبة لتلك العودة 000 * الاستفادة من تراث الحداثة الأوربية في إطار مفاهيم العلمنة والديموقراطية والمجتمع المدني ودور المرأة وفهما في إطار الصعود التاريخي الطبيعي ( بدون معيقات خارجية) للبرجوازية الأوربية وإنجاز الثورة الصناعية ومشكلة الأرض وتوحيد السوق القومية وكذلك الاستفادة من التراث الثوري للحركات والأحزاب الشيوعية وعلى أرضية الإلغاء الفعلي للنظام الرأسمالي وقوته الأساسية , الاحتكارات الكبيرة , وأجهزته القمعية وعدم الدخول في مساومات تاريخية تعمق الأزمات التاريخية لهذه الشعوب وتدمر مستقبلها وتبني الدور القيادي للماركسيين مع تحالفاتهم مع القوى الأخرى كممثلين فعليين للطبقة العاملة والفلاحين والفئات المنسلخة من المشروع البرجوازي 000 * النقد الجذري لآليات العمل الليبرالي وخاصة البرجوازي , وعقلية المجموعات والشلل والأفراد , وفتح حوار دائم حول هذه القضايا انطلاقاً من أن الخطاْ في إطار العمل الجماعي أساسه معرفي ويمكن أن يكون مصلحي أو خياني في حالات جزئية ومحدودة 000 وفي النهاية نقول : ان تلك الظاهرة , ظاهرة طبيعية رغم لا عقلانيتها في المراحل الانتقالية وهي بالدرجة الأولى نتاج خطاْ معرفي فيه جانب مصلحي واضح تماماً , وهي نتاج الإرث الليبرالي للأحزاب الشيوعية وانعكاس لأوضاع استبداد البرجوازيات العربية ورد فعل على انهيار النظام الاشتراكي ولاعقلانية سياسية تندرج ضمن التنظير لمشروع الليبرالية التقليدية والمشروع الأمريكي العولمي المتحالفين 000