وثيقة حزب دعم - العرب في اسرائيل 1999-2004: من الانتفاضة الى الهوامش


ميخال شفارتس
2004 / 10 / 16 - 12:26     

الذكرى الرابعة لانتفاضة اكتوبر مرت عموما كيوم عاديّ على الجماهير العربية في البلاد. جذور اللامبالاة تكشفها وثيقة سياسية اقتصادية شاملة اقرّها الاجتماع العام الاخير لمنظمة العمل الديمقراطي "دعم" (حزيران 2004). ويكشف الفصل الخاص بالجماهير العربية في اسرائيل عن ازمة الهوية العميقة التي اصيب بها الجيل الصاعد، ويبيّن اسبابها الايديولوجية والسياسية والاجتماعية. فيما يلي مقتطفات رئيسية:

ميخال شفارتس

قبل اربع سنوات بالضبط دخلت الجماهير العربية في اسرائيل الى مركز الحدث السياسي المحلي والعالمي. الدور الهام الذي لعبه المواطنون العرب في انتفاضة اكتوبر، فاجأ سلطات الامن الاسرائيلية والاحزاب العربية نفسها. فخلال اسبوعين انتشرت الانتفاضة لتشمل المناطق المحتلة، العالم العربي واسرائيل. اصطدام الشباب العرب بقوات الامن الاسرائيلية واغلاقهم الشوارع الرئيسية، خلقا شعورا بان الشباب العرب اندمجوا سياسيا وجماهيريا مع العالم العربي، مما اعطى دفعة كبيرة للانتفاضة في ايامها الاولى. وهو ما جر رد الفعل الاسرائيلي العنيف بشكل خاص.
ولكن بعد الانتفاضة طرأ تراجع حاد على الجماهير العربية وقيادتها انعكس في ازمة هوية لدى الجماهير العربية، هي الاخطر منذ عام 1948. ونتيجة لذلك يقف المجتمع العربي اليوم ازاء الهجمة العنيفة للسلطات الاسرائيلية، ممزقا، ضعيفا، دون صوت يمثله في الكنيست او الشارع، ودون الحد الادنى من الشروط لممارسة حياته اليومية.
كيف يمكن تفسير التناقض بين الانفجار الجماهيري الذي خلق انطباعا بان الجماهير حددت هويتها واخذت زمام المبادرة تجاه الدولة، وبين سلبيتها امام هجوم السلطات وأزمة الهوية التي تشلها وتتركها بلا طريق؟ الرد على هذا السؤال يستلزم فحص ازمة الجماهير على مستويين، الاول الازمة السياسية-الايديولوجية على الصعيد الحزبي والبرلماني، وازمة الجماهير الاجتماعية والاقتصادية، والتي تتجلى بكل حدتها في ازمة السلطات العربية المحلية.

الدولة تغير قوانين اللعبة

انتفاضة اكتوبر كانت نتيجة لعاملين، اولهما الغضب والاحباط على خلفية نمو البطالة والفقر وتبدد اوهام السلام والوعود بالمساواة؛ وثانيهما النشوة الاسلامية والقومية التي تغذت بالتحديد من انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان تحت نيران حزب الله، واستفادت ايضا من انتشار الاسلام الاصولي الممثل ببن لادن. فقد اعتبرت اسرائيل انتفاضة الجماهير العربية امتدادا للانتفاضة الفلسطينية، واشارة لتغلغل نفوذ حماس داخل الخط الاخضر، وخطرا استراتيجيا على وجود الدولة. من هنا جاء قرار الحكومة بتغيير قوانين اللعبة، وتلقين العرب درسا لا يُنسى.
على هذا التوجه الجديد دل استخدام قوات الامن الاسرائيلية للرصاص الحي بهدف قمع الهبة الجماهيرية، مما أسفر عن مقتل 12 مواطنا اعزل. ضمن نفس التوجه اتخذت السلطات خطوات مشددة ضد القيادات والنواب العرب، فاعتقلت الشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الراديكالي للحركة الاسلامية، ونزعت حصانة النائب عزمي بشارة، رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي. واقر الكنيست الاسرائيلي تعديلا في قانون الجنسية يهدف لعزل المواطنين العرب في اسرائيل عن سائر ابناء الشعب الفلسطيني والعالم العربي.
وقد رافقت الاجواء العدائية تصريحات عنصرية صدرت عن جهات رسمية. فصرّح مثلا وزير الداخلية السابق، ايلي يشاي، بالقول: "اننا في وضع حرب، وعلينا الدفاع عن انفسنا" ، في حين قال بنيامين نتانياهو، وزير المالية الحالي، في مؤتمر هرتسليا في كانون ثان (يناير) 2004، ان اسرائيل تواجه خطرا ديمغرافيا لا يكمن في فلسطينيي المناطق المحتلة، بل في التكاثر الطبيعي للمواطنين العرب في اسرائيل.
الاحزاب العربية حاولت اعتلاء موجة الانتفاضة التي سُمّيت "انتفاضة الاقصى". الحركة الاسلامية بشقّيها، المعتدل والراديكالي، رأت في الانتفاضة تعبيرا عن اندفاع الجماهير نحو الافكار الدينية وتأكيدا على صحة خطها، فيما اعلن حزب التجمع ان الانتفاضة اثبتت فكره القومي، ودلت على النهضة القومية بين المواطنين العرب. ولكن الواقع الجماهير خرجت للشوارع دون قيادة وبرنامج سياسي او اجتماعي، وهو ما يفسر ايضا عودتها الى بيوتها بعد اسبوعين، مهزومة، محبطة، ويائسة اكثر مما كان حالها قبل انتفاضها.
وقد نقلت اسرائيل سياسة العقاب الجماعي من المناطق المحتلة، الى الوسط العربي ايضا. وكانت النتيجة اولا ابتعادا جماهيريا جارفا عن السياسة، وثانيا نموا ملحوظا للتيار المتطرف الهامشي للمواطنين العرب المشاركين في الاعمال المعادية للدولة. وكان اول منفذ لعملية انتحارية من اسرائيل المواطن شاكر حبيشي من قرية ابو سنان، وقد وقعت بمدينة نهاريا في ايلول 2001. كما تم مؤخرا اتهام مواطنين من كفر كنا وكفر مندا بتشكيل "خلية ارهابية لاستهداف الجنود الاسرائيليين".

ضعف ايديولوجي واستراتيجي

وكان من نتائج السياسة الحكومية الانتقامية، انقلاب القيادات العربية على توجهها. فلم نعد نسمع الخطابات الرنانة التي نادت ب"تكسير عظام الشرطة التي تهدم البيوت"، ولا ب"توسيع حيز المقاومة". كما لم نعد نرى الاشتباكات المتلفزة بين عناصر من النواب العرب وقوات الامن. فجأة، صمت القادة عن الكلام، وتحولوا الى حاضرين غائبين، وما زادوا الجماهير بذلك الا احساسا بالهزيمة واليأس والاحباط.
اعتقال الشيخ رائد صلاح ورئيس بلدية ام الفحم، سليمان اغبارية، لم يُخرج الجماهير للتظاهر في الشوارع. حزب التجمع شهد تراجعا مماثلا. ورغم ان التجمع فاز بثلاثة مقاعد في انتخابات عام 2003، الا ان الديون التي تراكمت بسبب حملته الانتخابية، اضطرته في شباط 2004 لوقف اصدار اسبوعية "فصل المقال"، الصحيفة الوحيدة الناطقة بلسانه.
تصرف التيارين، القومي والاسلامي، ازاء حملة الدولة الشعواء ضد العرب، اشار الى ضعف ايديولوجي واستراتيجي. في السنوات الاخيرة ربطت الاحزاب العربية مصيرها بمصير السلطة الفلسطينية. وفي اللحظة التي هُمّشت السلطة همشت الاحزاب العربية معها، خاصة بعد ان فقد الاسرائيليون وبضمنهم اليسار الثقة بالشريك الفلسطيني.
وما زاد في تراجع دور الاحزاب العربية داخل اسرائيل، ارتكانها على الانظمة العربية، وبالذات سورية ومصر. فقد ثبت انه ليس بالامكان الارتكان على هذه الانظمة التي تفتقد الدعم الشعبي. وكفى دليلا على ذلك الانهيار السريع للنظام العراقي الذي لم يهب الشعب لنصرته في مواجهة الغزو الامريكي.
تراجع الاحزاب العربية عموما كان تعبيرا عن التراجع الذي حل بالتيار الوطني القومي بعد التوقيع على اتفاق اوسلو. شعاراتها الوطنية مثل "التضامن مع اخواننا في العالم العربي" و"اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع"، فرغت من مضمونها. حتى شعار التفاوض مع السلطة الفلسطينية، لم يعد ذا شأن منذ طرح شارون خطة الانسحاب الاحادي الجانب المدعومة من احزاب اليسار الاسرائيلي. ونستطيع ان نتكهن انه في حال ابدت السلطة الفلسطينية استعدادا للتعاون مع الخطة من وراء الكواليس، وهو امر وارد، فستضطر الاحزاب العربية لدعم الموقف والتنازل عن شعارها الوطني الاخير.
الى هذا يضاف تراجع الاحزاب الاسلامية على خلفية افتقار الاسلام السياسي العالمي للدعم الدولي، منذ اعلان بوش "الحرب العالمية على الارهاب" بعد 11 ايلول. وقد ادت الشعارات الغيبية التي تبناها هذا التيار الى عزل المجتمع العربي عن العالم، وتكريس تخلفه وتعريضه لمزيد من الملاحقات.

الانتخابات: من المقاطعة للطائفية

في الانتخابات للكنيست ال-15 قبل عام من اندلاع الانتفاضة دعم 95% من المصوتين العرب مرشح حزب العمل، ايهود براك، وكان هذا العامل الحاسم في فوزه برئاسة الحكومة. ولكن سرعان ما تبين ان شعار الانتخابات الذي رفعه براك "الدولة للجميع"، كان زيفا وكذبا.
وكان تجاهل براك للعرب مقدمة هامة للانتفاضة، اذ زادت من انعدام ثقة الجماهير بالمؤسسات الديمقراطية الاسرائيلية وباحزاب اليسار. لذلك فان الانتفاضة التي لم تستمر اكثر من اسبوعين داخل اسرائيل، كانت نقطة انعطاف مفصلية في العلاقة بين الجماهير العربية والدولة، كما انها ساهمت في تعميق شعور المجتمع الاسرائيلي بالاغتراب عن المجتمع العربي، لدرجة مقاطعة القرى والاحياء العربية. وهو ما ردت عليه الجماهير العربية بمقاطعة الانتخابات لرئاسة الحكومة التي اجريت في شباط 2002، فور انهيار حكومة براك. وادى هذا الموقف لهزيمة حزب العمل وفوز شارون باغلبية ساحقة.
كانت هذه المرة الاولى التي يتخذ فيها الجمهور العربي في اسرائيل موقف المقاطعة. وكان هذا يعني اعلان الطلاق من حزب العمل، واعاقته عن الوصول الى سدة الحكم، خاصة على خلفية تصاعد قوة اليمين. في تلك الانتخابات قررت الجماهير العربية انه لا فرق جوهريا بين حزب العمل وحزب الليكود. وقد اثبت حزب العمل صحة الموقف عندما دخل حكومة الوحدة بعد فترة وجيزة من الانتخابات، وتحول الى شريك في سياسة القمع التي انتهجت ضد العرب في اسرائيل وضد الشعب الفلسطيني.
في الانتخابات الاخيرة عام 2003 كان الفائز حزب اللامبالاة. فمن المصوتين العرب وصل 62% فقط الى صناديق الاقتراع في انتخابات الكنيست ال16 (كانون ثان – يناير 2003). انخفاض نسبة المشاركة عبّر عن لامبالاة شعبية، خلافا لمقاطعة انتخابات رئاسة الحكومة عام 2001 التي كانت ردا عربيا واعيا وفعالا ضد عملية القتل التي اقترفتها حكومة العمل في اكتوبر 2000.
نسبة التصويت المرتفعة نسبيا لصالح الاحزاب العربية، لم تعبر عن عملية تسييس بل عن انجرار وراء الحمائل التي بحثت عن استغلال انتخابات الكنيست لمضاعفة قوتها تمهيدا لانتخابات السلطات المحلية. نتائج الانتخابات للكنيست جسّدت عمق الازمة التي مرت بها القيادة العربية. فقد تراجعت قوة الكتلتين الايديولوجيتين المركزيتين: الجبهة المؤسسة على الحزب الشيوعي، والقائمة العربية الموحدة المؤسسة على الحركة الاسلامية. فقد هبطت الجبهة الى مقعدين كان الثالث لرئيس الحركة العربية للتغيير، احمد الطيبي. هذا في حين تراجعت "الموحدة" من خمسة مقاعد الى مقعدين.
ازاء تراجع قائمتي الجبهة والموحدة، برز بشكل مفاجئ تقدم حزب التجمع، برئاسة عزمي بشارة، الذي حصل على ثلاثة مقاعد. مع هذا، لا يمكن اعتبار النتيجة انتصارا بقدر ما هو فقاعة، اذ فشل الحزب في التغلغل بين الجماهير. وكان شعاره الانتخابي "هوية وطنية، مواطنة كاملة"، محاولة غير موفّقة للربط بين القومية الفلسطينية والديمقراطية الليبرالية.

ازمة السلطات المحلية العربية

تواجه السلطات المحلية العربية في السنوات الاخيرة تآكلا متزايدا في مكانتها. وقد كانت تشكل السند الرئيسي للجماهير العربية، اذ سيطرت على الميزانيات، وشغّلت عددا كبيرا من الموظفين ووفرت الخدمات اليومية. قوتها المادية التي مكنتها من ادارة شبه حكم ذاتي داخل الدولة، منحتها اهمية سياسية واجتماعية نافست الاحزاب العربية. وهو بالضبط السبب الذي جعل الاحزاب العربية تتحالف مع العائلات والطوائف في انتخابات الكنيست عام 2003، تمهيدا لخوضها الانتخابات للسلطات المحلية.
ومعروف ان السلطات المحلية خاضعة لمصالح العائلات والتحالفات الطائفية، وتُدار بواسطة الرشاوى وشراء الاصوات، علنًا وبلا حياء، كما تمارَس فيها ضغوطات جبارة على الناخبين للتصويت من اجل مرشح العائلة. ومن شأن هذا ان يفسر خروج 62% من الناخبين العرب لانتخابات للكنيست ال16، في حين خرج في العام نفسه 90% للتصويت لانتخابات السلطات المحلية.
المنافسة الضارية على تزعم السلطات المحلية كما يبدو غير متأثرة بالازمة الحقيقية التي تواجهها هذه السلطات. وتنبع الازمة من عدة عوامل، اهمها التمييز في ميزانيات التطوير. اذ تحصل السلطات المحلية العربية على 4% فقط من هذه الميزانيات، في حين تحصل السلطات اليهودية على ال96% الباقية. سوء الادارة، الفساد وتعيين ذوي القربى، هي اسباب اخرى للازمة، يضاف اليها صعوبة جباية الضرائب من المواطنين العرب الذين ارتفعت بينهم نسبة البطالة بشكل حاد.
نسبة البطالة العالية والتمييز في الرواتب هما من الاسباب الرئيسية للوضع الاقتصادي المتدهور الذي يعاني منه المجتمع العربي. وتصل نسبة الفقر بين العائلات العربية الى ضعف نسبته بين العائلات اليهودية – 33% بين العرب مقارنة ب15% بين اليهود. ويلقي هذا الوضع بظلاله على اتساع الفجوة في مجال التربية والتعليم بين الاغنياء والفقراء. وقد اضر هذا التحول بالمجتمع العربي تحديدا، الذي يعيش نصف اولاده تحت خط الفقر.

ازمة هوية

وصول التيارين القومي والاسلامي الى طريق مسدود، منذ دعمهما حزب العمل، سبب فراغا دخلت اليه الافكار الغربية الذاتية والجري وراء المصالح الشخصية. وادى هذا الى عملية تدريجية من تمزق النسيج الاجتماعي العربي، الامر الذي وضع جيلا جديدا كاملا امام ازمة هوية حادة.
خيبة الامل من الانظمة العربية والسلطة الفلسطينية، بعد اربع سنوات من انتفاضة المنتحرين، اضعفت الهوية الفلسطينية لدى الشباب العرب في اسرائيل. يشير الى ذلك هبوط نسبة متابعة قناة الاخبار "الجزيرة" ذات الخطاب الاسلامي التحريضي، وبالمقابل ارتفاع نسبة متابعة برامج اللهو والترفيه في القنوات العربية مثل برنامج "ستار اكاديمي".
في نظر الشباب العرب تعتبر دولة اسرائيل اكثر تطورا من الدول العربية، من ناحية مستوى المعيشة وطبيعة النظام. غير ان حقيقة رفض هذه الدولة للعرب بسبب طابعها اليهودي العنصري، تخلق لدى الشباب في نفس الوقت البلبلة والارباك. من جهة اخرى يشهد الشارع اليهودي نموا في التيارات المتطرفة المعادية للعرب.
ويساهم هذا في تنمية الشعور باللامبالاة لدى الشباب العرب. رجا زعاترة، الرئيس السابق للاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب، قال: "ان معظم ابناء هذا الجيل منهمكون بمصالحهم الشخصية. لا يهمهم ما يحدث لابناء شعبهم. ابناء هذا الجيل متأثرون بثورة الاتصالات، ومنشغلون بعالم الاستهلاك، وببرامج "سوبر ستار" و"ستار اكاديمي".. هناك خوف كبير من النشاط، اذ يعيش الشباب احساسا ثقيلا من التشاؤم، ولا يؤمنون بقدرتهم على تغيير شيء في واقعهم" .
ويضيف فادي ابو يونس، الرئيس الحالي للاتحاد القطري للطلاب العرب: "مجتمعنا لا يزال يعاني وجبات من العنصرية، ومع هذا لا يفعل شيئا. الجيل الجديد منشغل بمسابقات الموسيقى في العالم العربي التي تبثها القنوات الفضائية. هناك وضع سياسي نابع من الانجرار وراء العولمة وتقليد الحياة الامريكية. ورغم الشعارات القومية التي يرفعها بعض الشباب، الا انه ليس هناك وعي عميق تاريخي للهوية الفلسطينية" .
من جهة اخرى، يُلاحظ ارتفاع في نسبة مشاركة شباب وشابات عرب في المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد اسرائيل. ورغم اهمية هذه الظاهرة، الا انها تبقى محصورة في شريحة ضيقة من المجتمع، ومتأثرة بشكل عام بالاسلام السياسي المتطرف. بين هؤلاء المتطرفين وبين الاغلبية اللامبالية تفصل فجوة سحيقة يصعب جسرها.

حزب دعم

هناك اجماع بان الجماهير العربية تعود اليوم للوضع الذي ساد الخمسينات والستينات، بلا وعي، بلا قيادة، مع احساس ثقيل بالهزيمة. ولا يمكن فصل الازمة الحالية عن الازمة السياسية التي يمر بها العالم العربي ككل. فغياب المعارضة الفعالة، والتبعية المطلقة التي تبديها الانظمة العربية لامريكا، فتحا المجال للافكار الدينية المتطرفة، وابقتا الجماهير العربية دون برنامج سياسي واقعي وثوري قادر على مواجهة الهيمنة الامريكية في المنطقة.
انها ليست ازمة فكرية فحسب، بل هي جزء من ازمة الطبقة الوسطى التي تسيطر على المجتمع العربي. فهذه الطبقة غير معنية بتغيير النظام القائم، بل تسعى لتحسينه وملاءمته بشكل يتيح اندماجها فيه وحماية مصالحها.
ازاء فشل الطبقة الوسطى التي طرحت الرؤية القومية ثم تخلت عن شعاراتها ولجأت للانتهازية، تطرح بحدة مسألة بناء قيادة بديلة معتمدة على قوة الطبقة العاملة. بناء اطار عمالي اصبح امرا واردا، ويلاقي ردود فعل ايجابية بين عمال عرب في البلاد، رغم مناخ اليأس والاحباط العام. منظمة العمل الديمقراطي "دعم" نجحت بواسطة مبادرتها النقابية، في بناء اسس اول نقابة بعد خمسين عاما من الجمود.
بناء اطار عمالي لا يمكن ان يركز فقط في تلبية حاجات المجتمع العربي، بل يجب ان يكون مربوطا بما يحدث في العالم. الانغلاق عن العالم ورفض ما يسمى "ثقافة الغرب"، والتمسك بالقيم القومية او الدينية، هي عقبة امام بلورة خط سياسي واقعي ومنطقي. المهمة الاساسية الماثلة امام حزب "دعم" هي اعادة بناء هوية الجماهير العربية داخل اسرائيل، ليس على اساس قومي او ديني، بل على اساس اممي عمالي.
تكوين الهوية الطبقية في العالم العربي ولدى الجماهير العربية في اسرائيل، هو المفتاح للتغلب على كل اشكال التطرف الديني والطائفي. محل العائلية التي تخنق كل تطور، سيحل الانتماء الاجتماعي كمحرّك لتكوين قوة سياسية ذات ثقل ونفوذ. الهوية الطبقية هي الاسلوب لمكافحة الميول الذاتية التي اضعفت المجتمع، وحولته الى فريسة سهلة للسياسة الصهيونية العنصرية.
اعادة بناء الهوية الطبقية هي مهمتنا للمدى البعيد. وايا كانت الاسباب التي يمكنها اعادة الطبقة العاملة العالمية للساحة السياسية، سواء كانت الازمات الاقتصادية، الحرب على العراق، هضم حقوق العمال في العالم، تفشي الفساد في الانظمة الرأسمالية، فان مجرد عودتها سيفرض جدول عمل سياسيا جديدا، ويمكّن "دعم" من زيادة نفوذه في صفوف العمال وتعزيز انتمائهم الطبقي وبناء وعيهم السياسي، بهدف تحرير الطبقة العاملة من القمع والتمييز والاستغلال القومي والطبقي.