المواطن العربي يفتح أبواب المستقبل


معتز حيسو
2011 / 3 / 15 - 09:28     

بات من الواضح بأن الشعوب العربية قد نهضت، واستعادت زمام تاريخها، ممسكة ناصيته، بقوة و إرادة تمكِّناها من تشكيل مستقبلها وبناءه بما يتلائم ويعبر عن مصالحها. ومن الأهمية بمكان أن من يفجّر ويقود ويحدّد اتجاهات التحولات الشعبية في سياق النهوض الثوري الذي يجتاح البلدان العربية هم الشباب،في وقت يغيب فيه أو يتراجع دور الأحزاب السياسية التي شاخت وترهلت ولم تعد قادرة على التعبير عن مصالح مجتمعاتها،وهي بذات الوقت تعجز عن قيادة التغيير الذي تستوجبه اللحظة الراهنة،وتستدعيه التناقضات الأساسية والرئيسية. إن هذا التحول في شكل الحركة الشعبية أعطى طابعاً جديداً لشكل الثورة إضافة إلى طابعها السلمي، أي أن التحرك الشبابي الذي استنهض سلمياً طاقات المجتمع الكامنة، قد ميز الثورات العربية عن كافة الثورات السابقة، وحتى الكبرى منها، وقد أوضحت الثورات التي تعصف بالدول العربية مقتلعة ًنظمه السياسية الهرمة و المتكلسة التي باتت تشكل عالة على شعوبها إضافة لكونها أحد أسباب التخلف.. بأن الشباب يمثلون ضمير شعوبهم ويعبرون عن طاقاته التي لم يتمكن القمع و الظلم أن يقهرها أو يطفئ جذوتها، وليس هذا فقط، بل أكدوا للعالم بأن اليافطات التي كانت تلوّح بها النظم السياسية الحاكمة والدول الرأسمالية بأن سقوط النظم السياسية العربية الحالية، سوف يقود إلى تحكّم الأصوليين الإسلاميين بزمام السلطة والمجتمع، لم تكن سوى فزاعة لإرهاب المجتمعات العربية. وقد أثبتت التحولات الثورية التي نشهد تجلياتها بأنه لا يوجد مكان فيها للتطرف أياً كانت أشكاله سياسية أو دينية، لقد تجاوزت هذه الثورات كل ما هو عقائدي وجامد، لتعطي للتاريخ البشري كل جديد، وقد أثبتت أيضاً بأن المجتمعات العربية ورغم استطالة تحكم الاستبداد وتعمق الاستغلال،فإنها ما زالت تمتلك إرادة الحياة، وهي قادرة على رفض كافة أشكال الظلم والاستغلال الاجتماعي والاستبداد السياسي، الذي لم يكن قادراً على تفتيتها، بل زاد من تعميق شعورها بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية، وأن الوطن لا يمكن اختزاله بشخص أو فئة. و من اللافت بأن التعدد الديني والتنوع المذهبي قد ساهم في النهوض الشعبي ضد الظلم والاستغلال، وهذا يدلل بأن العنف لا يشكّل أساسه الفكري، بل أنه يمكن أن يكون ثورياً في مواجهة الطغاة، وقد أعطت الثورات الشعبية في مواجهة الاستبداد صوراً رائعة من التلاحم الاجتماعي المطرز بتنويعات مذهبية ...،والأهم هو أن الثورات الشعبية تمكنت من استغراق ودمج التنوعات المذهبية والدينية وصهرتها في سياق النهوض الاجتماعي الثوري على أسس إنسانية ووطنية، وبهذا فإن فزاعة الانفجار الطائفي والعرقي والعشائري ..التي تستخدمها بعض النظم السياسية لضمان استمرار سيطرتها السياسية قد زالت.وإذا دققنا في مضامين ثورات الشعوب العربية، نرى بأنها قامت على ثلاث مستويات : ديمقراطية ، وطنية ، اجتماعية / مطلبيه. فهي أولاً: رداً ثورياً على كافة أشكال النظم السياسية الاستبدادية الوراثية التي احتكرت السلطة وأفرغت المجتمع من السياسة وألحقت النقابات بها، وألغت التعددية السياسية الحقيقية والحريات السياسية والحريات العامة وحرية التعبير، وشوهت العملية الانتخابية، وفرضت قانون الطوارئ و المحاكم الاستثنائية،وأسست لهيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات التي تم تشويهها، وكان الفساد والبيروقراطية من أهم تجلياتها. في هذا المستوى فإن الشكل السياسي للثورات الحالية هو ديمقراطي يهدف إلى: إلغاء سيطرة الحزب الواحد وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، وضمان حرية العمل السياسي قانونياً في إطار من التعددية السياسية والحريات العامة وحرية التعبير والحرية الإعلامية،إلغاء قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية والفصل بين السلطات وتحرير النقابات من سلطة أجهزة الدولة، وتمكين الرقابة الشعبية ومكافحة الفساد،تغيير حكومي كامل وفق قانون انتخابي جديد تحت رقابة قضائية... كل هذا وغيره سيأتي في سياق بناء الدولة الحديثة،بعد تهديم الدولة القديمة والتخلص من كافة أدواتها السياسية والأمنية .. ومن سيقوم ببناء الدولة الحديثة هو الشعب، لذا فإن البناء الفوقي والتحتي للدولة الجديدة سيكون مختلفاً عن كافة تجليات وأشكال الدولة الراهنة،بل وحتى نقيضاً لها،إذ أن أولى تجليات الدولة الجديدة سيكون بناء المشروع الديمقراطي السياسي الاجتماعي الذي يعبّر عن مصالح كافة الفئات الاجتماعية المضطهدة والمستغلة. لذا فإنها ستشكل البوابة التي من خلالها سيتم الانتقال لمجتمع جديد يقطع مع مخلفات الماضي.
ــ أما في المستوى الاجتماعي فإن المد الثوري الحالي يشكّل رداً على الاستغلال الذي تمارسه السلطات السياسية من خلال طابعها الاقتصادي الرأسمالي المشوه/ اقتصاد السوق/ الذي قضى على الطابع الإنتاجي الصناعي والزراعي وأسس لأشكال من رأسمال مالي مضارب ريعي خدمي عقاري يقوم على استمراره وتعميقه فئات اجتماعية أمسكت بمفاصل الحياة السياسية،وراكمت ثروات شخصية من خلال نهب المال العام والثروات الوطنية وبيع القطاع العام في سياق تنفيذ سياسة الخصخصة وساهمت في انتشار الفساد وتعميقه، ولاحقاً سيطرت على القرار الاقتصادي وفق آليات تمكّنها من زيادة حدة تمركز الثروة وتمكنها من القبض على الاقتصاد بشكل كامل. إن السياسات الاقتصادية الراهنة قضت على شكل رأسمالية الدولة و كافة الأشكال التنموية الحقيقية وساهمت في زيادة حدة تمركز واحتكار الثروة في سياق التكيف مع ميول الرأسمالية العالمية،وأدت أيضاً إلى زيادة حدة الاستقطاب الاجتماعي، وإلى زيادة معدلات الفقر والبطالة وعمّقت الفساد والبيروقراطية وارتفاع تكاليف المعيشة وتدني مستوى المعيشة وارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية ونزعت ما تبقى من المكاسب الاجتماعية،إن هذه السياسات ساهمت في تراجع دور الفئات الوسطى والبرجوازية الصناعية المدينية وإلى سقوط القسم الأكبر منها إلى ما دون خط الفقر، مما يدلل على إمكانية تفلّت هذه الفئات و فك ارتباطها بالمؤسسات الرسمية، ووقوفها مع المسحوقين والمفقّرين ضد السياسات الاقتصادية و الأشكال السياسية الراهنة. إن عدم استجابة السلطات السياسية لمطالب الجماهير المسحوقة وإصرارها على التمسك بسياسة الأمر الواقع سيزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي ويعجل باندلاع مزيد من الثورات ذات الطابع الاجتماعي.
ــ أما المستوى الوطني فإنه يشكل السمة الرئيسية للثورات الشعبية،فقد عبّرت هذه الثورات عن كافة التناقضات والإشكاليات التي يعاني منها المواطن العربي، وتجلت في سياق مشاركة اجتماعية وطنية تشمل كافة الفئات الاجتماعية. فكانت تعبيراً عن معاناة المواطن، فهي من جانب ترى الوطنية من بوابة التأكيد على ضرورة تمكينه من كافة حقوق المواطنة التي هدرتها النظم الاستبدادية، ومن جانب آخر تؤكد على رفض التدخل أجنبي في القضايا الداخلية، وهي بذات الوقت لم تنحدر لتكون تعبيراً عن قضايا اثنيه،عشائرية، مذهبية، جهوية، بل نهضت على أسس وطنية تجاوزت كافة هذه التشكيلات والتجليات الما قبل وطنية،في سياق المحافظة على الوحدة الوطنية والأهداف الوطنية.لهذا يمكننا التأكيد على أن كافة الثورات العربية الحالية بمختلف تجلياتها،تعمل على إنجاز مشروع ديمقراطي سياسي واجتماعي في إطار وطني.
ومن الواضح بأن شكل الثورات الشعبية التي تشهدها الدول العربية، والتي يقودها المتضررين من تناقضات النظام الرأسمالي بكافة تجلياته وأشكاله، ستعمق رفض السياسات الأمريكية تحديداً والغربية عموماً،وتعيد بناء العلاقة بين هذه الأطراف وفق معايير جديدة.فهي أي السياسات الأمريكية لم تكن أبداً تسعى إلى مساعدة الشعوب العربية في تحقيق الديمقراطية،بل كانت تهدف من خلال سياساتها الاحتلالية والتدخلية إلى المحافظة على مصالحها السياسية والاقتصادية،على قاعدة تفتيت المنطقة العربية و إعادة شعوبها إلى مكوناته الأولية.وبذات اللحظة فإنها تعمل على ضمان استمرار المشروع الصهيوني المرتبط بالمشروع الإمبريالي بنيوياً وعضوياً. ونؤكد أيضاً بأن التحولات التي تشهدها المنطقة العربية تشكل رداً واضحاً على الأشكال العولمية التي تفرضها الإدارة الأمريكية،والتي أدت إلى مزيد من الإفقار والتبعية الاقتصادية والارتهان السياسي والتفتيت الاجتماعي. وكانت هذه الثورات بذات الوقت رداً واضحاً على دعاة العولمة والديمقراطية التي تماهت مع النموذج الأمريكي الذي يعتمد منهجية التفتيت الاجتماعي والتقسيم الجغرافي على أسس وعوامل دون وطنية. بالتالي فهذا النموذج لا يعبّر عن مصالح وأهداف المواطن العربي بل يقع منها بموقع النقيض. وهذا المشروع بتجلياته المتنوعة تقوده الإدارة الأمريكية وتدعمه الدول الأوربية،بحكم الترابط والتشارط والتشابك السياسي والاقتصادي الذي يقوم على نهب ثروات المنطقة العربية و السيطرة،وهذا ما يوضحه صمت هذه الدول عما حصل ويحصل من انتهاك لحقوق الإنسان،ومن حالات إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في الدول العربية التي تشهد نهوض ثوري،وتحديداً في ليبيا.لذلك نرى بأن تأخرها في التعبير عن مواقفها السياسية في التحولات الثورية،لا يمكن تفسيره إلا من منظور انتظاري لاستيضاح ملامح التغيير ومستوياته،وعلى أساسه يتم تحديد مواقفها من التحركات الثورية، وأشكال التدخل التي تمكنها من الحفاظ على مصالحها.وقد توضحت هذه السياسات في مصر أولاً ثم البحرين..،لأن الدول الغربية معنية بشكل مباشر وسريع ليس فقط للتعبير عن رأيها، بل بمتابعة التطورات وضبط توجهاتها وأشكال تطورها لكون هذه الدول تشكل لها مجالاً استراتيجياً ونقاط ارتكاز لا يمكن التخلي عنها في سياق مشاريعها الإمبريالية، وبالتأكيد توجد دول أخرى من المرجح بأنها ستواجه نهوضاً ثورياً و لها أهمية استراتيجة وأدوار محورية،لا يمكن للدول الغربية أن تتخلي عنها،بل من الممكن أن تتدخل بأشكال مختلفة لضمان استقرارها وضماناً لمصالحها الحيوية والإستراتيجية السياسية والاقتصادية.وكلنا يعلم بأن مصر تشكل عمقاً وبعداً استراتيجياً على المستوى العربي والإقليمي والدولي،كذلك فإن البحرين والعراق والعربية السعودية..مما يعني بأن أي تحول غير مرغوب في هذه المناطق يمكن أن ينبئ باختلال المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية، لذا فإنه يستدعي سياسات تدخلية واستباقية للحيلولة دون حدوثه.وبهذا فإن الحكومات الغربية وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي تحمّلها مسؤولية نشر الديمقراطية(كلنا بات يعلم بأن أشكال الديمقراطية التي تشتغل القيادة الأمريكية على إرساء دعائمها في بعض الدول هي ديمقراطية مشوهه وعرجاء)تتيح للنظم الاستبدادية مجالاً لفرض سيطرتها المهددة بفعل النهوض الثوري،حتى لو استخدمت كافة أشكال القمع والإبادة...ويدلل على هذا ازدياد حدة القمع والإبادة التي تقوم بها القوى الأمنية الليبية والمرتزقة ضد الشعب الليبي.إن النظام الليبي ليس استثناء في استخدامها القوة ضد الشعب عن القاعدة،فحتى الدول الغربية تستخدم ذات الأساليب والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى.لذا فإن تدخلها بشكل مباشر( عسكري مثلاً) أو غير مباشر،يجب أن ننظر له من زاوية مصالح الدول الاستعمارية، حتى لو كان تدخله تحت عباءة الأمم المتحدة.
ـــ في جانب آخر فإن من الضروري استعراض أوجه التشابه بين الدول العربية على المستويين الاقتصادي والسياسي، ونؤكد في هذا السياق على قراءة أوجه التشابه في سياق الشرط الدولي وفي إطار الترابط والتزاوج بين رأس المال والسلطة. أولاً: يتحدد الشرط الدولي من جهة سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي السائد عالمياً، وتتباين أشكال تجلياته في شكل الإنتاج وعلاقات الإنتاج: رأس المال المالي،مستويات تحرير أسواق المال والنقد والتجارة والتبادل،رأسمال المضارب...، لكن لا يخرج عن الأطر البنيوية والأساسية للنمط الرأسمالي وعلاقاته الإنتاجية، وتحديداً في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة،وهذه الدول تختلف فيما بينها في الأشكال السياسية المسيطرة، لكن الفارق الأساسي على المستويين الاقتصادي والسياسي هو بين هذه الدول وبين الدول الطرفية التي تحكمها أشكال متقاربة من التكيف والتبعية والارتهان مع دول المركز. فعلى المستوى الاقتصادي نرى بوضوح بأن مجمل إن لم يكن كافة الدول الطرفية ومنها العربية قد شهدت تحولاً واضحاً إلى النمط الرأسمالي وتجلى هذا التحول بمستويات مختلفة ومتباينة لكن وفق أشكال متشابه نسبياً، فكافة الدول العربية يتجلى فيها شكل النظام الرأسمالي وفق أشكال ريعية تفتقد إلى دور واضح للطبقة البرجوازية الصناعية الإنتاجية لأسباب تتعلق بشكل النظام السياسي المسيطر،بقاء القطاع الزراعي الذي يشكل المستوى الإنتاجي الأساسي في حياة هذه المجتمعات محكوماً في شكل علاقات إنتاجية فردية مذررة نتيجة تفتيت الملكيات زراعية غير قادرة على تأسيس قطاع الزراعي مؤتمت، تراجع دور الدولة الاجتماعي وعدم اشتغالها على تأسيس قطاع زراعي متطور,أو قطاع زراعي رأسمالي.وقد سيطر على أشكال الملكية والإنتاج الرأسمالي طابع عائلي،عشائري،طائفي،جهوي تأسس على التزاوج بين رأس المال والسلطة، ليتجلى رأس المال في هذه الأطر بأسوأ أشكاله وأشدها تخلفاً. من جانب آخر نرى بأن أشكال النمط الرأسمالي المسيطرة في هذه الدول يغلب عليها الطابع الخدمي والإنتاج السلعي الصغير والبسيط والمتخلف الذي لا يتمتع بأي سمات مقارنة ولا يمتلك القدرة التنافسية،نظراً لتخلف وسائل الإنتاج وانخفاض الإنتاج وفائض عمالة في القطاع الإنتاجي مما يعني ارتفاع الكلف الإنتاجية،وازدياد الفجوة في بنية وتركيب رأسمال العضوي بين الدول الصناعية المتقدمة والدول الطرفية المتخلفة. وهذا يدلل على أن الرأسمالية في الدول الطرفية تفتقد للبنية الصناعية المتطورة وتعتمد على الربح السريع الذي يمكن أن يتوفر في صناعات اللمسة الأخيرة وفي تحرير التجارة والأسواق وحركة رأس المال.وننوه بأن الجامع بين السلط السياسية المسيطرة والرأسماليين على المستوى العربي هو الميل الواضح للخصخصة وبيع القطاع العام وإطلاق الحرية لحركة رأس المال المالي والخدمي والريعي والمضارب مقابل هروب رأس المال من القطاع الصناعي والزراعي.إن هذه الأشكال يتخللها بحكم التزاوج بين رأس المال و السلطة اللتان تتراكبان في بعض اللحظات مع الشكل الطائفي،القبلي ..فساد معمم ونهب للموارد الوطنية وتحويلها إلى ملكيات شخصية وعائلية،مما أدى إلى ظهور تناقض وتفارق واستقطاب اجتماعي يقسم المجتمع إلى فئتين:فئة لا تتجاوز نسبتها 20% تستحوذ على80% من الثروات الوطنية، و80% يملكون 20% من الثروة الوطنية، وهذا يوضح غياب التوزيع العادل للثروات الوطنية وتراجع الأمن الغذائي لغالبية أبناء المجتمعات العربية.
ــ في المستوى السياسي يمكننا ملاحظة التشابه في مستويين:السلط السياسية العربية/ التشكيلات السياسية المعارضة. فعلى مستوى الشكل السياسي المسيطر فإنه يتجلى عبر:النمط الاستبدادي احتكاري وراثي وفق أشكال عشائرية عائلية طائفية...،الدمج بين السلطات،إلغاء التعددية السياسية الحقيقية و الحريات العامة،فرض قانون الطوارئ،قمع الحريات السياسية واحتواء التمثيل النقابي في الأطر السلطوية،عدم السماح بتأسيس الجمعيات المدينية وتحديداً الحقوقية،ميل بعض السلط إلى دعم الجمعيات الأهلية،قمع حريات التعبير والصحافة وتكريس قوانين إعلام و مطبوعات قرقوشية تكبل الحريات وتبقي الصحفيين والناشطين الحقوقيين والسياسيين..تحت سيف السلطة الأمنية التي تقيد حركتهم وتحد من نشاطهم..سيطرة نظم سياسية أمنية محكومة بعلاقات عائلية وعشائرية وطائفية..إخفاء أشكال احتكار السلطة بتعددية سياسية شكلية.المحافظة على التمثيل السياسي الطائفي العشائري الجهوي..غياب حقوق المواطنة في ظل استبداد سياسي يعمل على إفساد وتخريب كافة البنى الاجتماعية والتشكيلات والتجليات السياسية والمدنية وحتى الأهلية..في المقابل نرى بأن الممارسة السياسية للقوى السياسية المعارضة تعاني من أزمات متعددة تتجلى بشكل واضح في نخبويتها وانفصالها عن القاع الاجتماعي وتخليها عن التعبير قضايا المواطن الأساسية نتيجة لتحول غالبيتها إلى العقيدة الليبرالية.هيمنة خطاب أيديولوجي مفوّت عند غالبية التشكيلات السياسية العقائدية.عدم تجذّرها في القاع الاجتماعي.التذرر والتشرزم والتبعثر.غياب الاستراتيجيات السياسية التي يجب أن تتحدد على قاعدة شكل العلاقات الاقتصادية السياسية السائدة.الابتعاد عن العمل السياسي التغييري والتزام بأشكال سياسية إصلاحية تجميلية.تراجع دور القوى السياسية اليسارية والماركسية.وقد أثبتت الثورات الشعبية بأن القاع الاجتماعي يحتاج لقوى سياسية يسارية حقيقية قادرة على تمثيل مصالحه وأهدافه.إن ما ذكرناه يتباين ويختلف في أشكال تجلياته ومستوياته بين الدول العربية.
ــ أخيراً نؤكد على أن التحولات التي تشهدها المجتمعات العربية سيكون لها تأثيراً واضحاً في أشكال ومستويات العلاقة مع الدول الغربية، وسوف تشكّل مدخلاً لعلاقات جديدة تكون المصالح الوطنية بوابتها الأساس،والجانب الآخر يتجلى في إمكانية انتقال الثورات الشعبية إلى مستوى اجتماعي وهذا يؤثر على استقرار الدول الرأسمالية الغربية التي كانت وما زالت تحل مشاكلها على حساب شعوب الدول الطرفية وشفط ثرواتها التي تهيمن عليها سلطات سياسية فاسدة وفاشلة،ومن الكتل النقدية المودعة في بنوكها إضافة إلى سيطرتها على الموارد الطبيعية وتحديداً النفطية.أي يمكننا أن نتوقع في المدى المنظور تغيّر في شكل الدول الرأسمالية، نتيجة للتغيرات الشعبية السياسية والاقتصادية في الدول العربية تحديداً والطرفية بشكل عام،إن شروع الدول العربية في بناء المشروع الديمقراطي الاجتماعي سيؤسس لعلاقة من نوع جديد مع الدول الغربية مدخلها المصالح الوطني والتنمية البشرية والاقتصادية.أن الأزمات التي تعاني منها الدول الطرفية ستنتقل وإن بأشكال مختلفة إلى الدول الغربية، وهذا يعني بأننا سنلحظ في المدى المنظور واقعاً سياسياً واقتصادياً دولياً جديداً،يمكن أن يكون مدخلاً ليسار جديد. ونؤكد بأن المشهد السياسي العربي الجديد سيتحدد على أساسه تحولات سياسية يكون فيها للمواطن العربي الدور الأساس، أي أن الأشكال السياسية الراهنة وتحديداً الرسمية منها سيتم تجاوزها من قبل القوى الاجتماعية الناهضة.
وفي ضوء متابعة الثورات الشعبية نرجح تحوّلها إلى أشكال ومستويات اجتماعية،أي سنشهد تحولاً في شكل النظام الاجتماعي الاقتصادي والسياسي السائد. وهذا يفترض منا إعادة النظر بالقوى السياسية القديمة،وتحديداً من زاوية إن التحركات الشعبية تجاوزت بداهة القوى السياسية الأيديولوجية والدوغمائية المصابة بالترهل والتكلس وتفتقد لخطاب تغييري ومعزولة عن المجتمع ... إن ما ذكرناه يفترض منا التأكيد على خطاب سياسي:ديمقراطي،اجتماعي،وطني، تغييري،سلمي. يقطع مع كافة الأشكال الأيديولوجية المغلقة والجامدة وينفتح على الواقع المتغير وعلى الإنسان تحديداً.ولكون الثورات الشعبية لم تخرج من عباءة القوى السياسية ومن المستبعد أن تنتج أحزاباً سياسية،إضافة إلى أن الشباب هم من ساهم في إخراج المواطن العربي من قمقمه،فإن مسؤولية توجيه وتأطير التحولات الشعبية تقع على عاتق القوى السياسية،ومن الممكن أن يكون ما نفترضه صعباً نظراً للإشكاليات التي تعاني منها هذه القوى، لذا يجب دراسة التجارب الشبابية الحالية والتصاق بها للاستفادة منها ليس لكونهم من فجّر هذه التحولات وليس لأنهم الطاقة الاجتماعية والسياسية الرئيسية فقط، بل لكونهم يتمتعون بقدرة على التكيف والتعامل مع التطورات العلمية والتقنية المتسارعة وكونهم أصحاب عقول منفتحة لم تُصب في الحد الأدنى بأمراض القوى السياسية القديمة.. والأهم أنهم مستقبل هذه الأمة، لذا فإن مشاركتهم في صناعة مستقبلهم ومستقبل الأمة إن لم نقل بضرورة قيادتهم للتغيير،يشكل الأساس الموضوعي والبوابة الحقيقية للخروج من التخلف ودخول بوابة المستقبل بأدوات ومفاعيل ووسائل وعقول مختلفة عما هو سائد. ويؤكد ما نقول التجذّر المستمر للتجارب الثورية العربية وتفتحها على كل ما هو جديد من أشكال إبداعية وحضارية في مواجهة الترهل والتخلف والقمع ...أن تنوع وتعدد أشكال تجليات الثورات الشعبية وتطور مهامها بأشكال تعبّر عن المطالب الشعبية وتتلائم مع الواقع المتعيّن والملموس، يؤكد على القدرة الإبداعية وقوة الإرادة والحس بالمسؤولية وحب الحياة عند المواطن العربي. وبذات الوقت فإن التجارب الثورية توضح تباين المجتمعات العربية في سياق تنوع أشكالها إبداعياً وبما يتناسب مع خصوصية كل مجتمع،وبالمقابل فإن رد السلط السياسية كان يتمايز ويتباين رغم تشابه أشكالها الاستبدادية التي يمكن أن تتجلى في افتعال فتن طائفية،عشائرية ،عرقية،اثنيه...في سياق توظيف التنوع الإثنوغرافي لزيادة حدة الاحتقان الاجتماعي،ويمكن أن تحوّله في لحظات محددة ليكون أحد عوامل تفجير وتمزيق البنية الاجتماعية من الداخل،إضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سياق مواجهتها النهوض الشعبي الثوري، و يمكن أن يشكّل التمادي في هذه السياسات مدخلاً للتدخل العسكري الأجنبي، إذا كان هذا التدخل يؤمن مصالح الدول الغربية ويساهم في فرض سيطرتها. وفي سياق مرتبط نرى بأن الإعلام قد ساهم نسبياً في ضبط وتحجيم ممارسة القمع العاري، ونؤكد بأن جرائم النظام الليبي القمعية رغم جثامتها، كان من المؤكد أن تكون أعمق وأشمل في حال غياب الإعلام( إن الطبيعة العسكرية والأمنية الفئوية للنظام الليبي، وأشكال رده على الثورة الشعبية السلمية، حولتها إلى ثورة مسلحة). ويجب أن نؤكد في هذا الإطار بأن وسائل التواصل الحديثة وتحديداً النت كان له الدور الأبرز في تفجير الثورات الشعبية والحفاظ على استمراريتها في سياق متصاعد ومتوسع رغم محاولات النظم السياسية إحكام سيطرتها عليها، لكن من الواضح بأن كافة هذه محاولات باتت من مخلفات الماضي،وارتبط مع النت الفضائيات التي كان لها دوراً بارزاً في التأثير التحركات الشعبية و ضبط أهدافها وآليات عملها من خلال برامج سياسية وثقافية كانت تساهم في توجيه التحركات الشعبية وتحديداً على المستوى السياسي. وكانت مواقع التوصل الاجتماعي الزراع الضاربة للقنوات الفضائية من جهة متابعة الشباب لمجريات الأمور ورصد الممارسات القمعية ومتابعة التحركات الشعبية والتعاون مع الفضائيات .... وأخيراً يجب التحذير من نشوء ثورات مضادة داخلية أو مدعومة من قوى خارجية تقودها أطراف سياسية أدمنت على التحكم بزمام السلطة والثروة الوطنية، أو من قبل أطراف سياسية تحاول ركوب موجة التغيير وتحديداً في حال لم يتم وتأطيرها وتمكينها وتعميق التحولات الشعبية،وإذا لم يتم التخلص من النظام السابق و كافة أدواته السياسية والأمنية في سياق يتقاطع مع القضاء على بنية وشكل الدولة القديمة من قبل قوى سياسية تمثل المصالح الحقيقية للجماهير الشعبية. لكن من المؤكد بأن المواطن العربي الذي تحرر من عقدة الخوف وأخذ ينظر لآفاق جديدة من الحرية والديمقراطية..،هو من سيحدد مستقبله ومستقبل مجتمعه، ولن يكون بعد هذه اللحظة مكاناً ووقتاً للتراجع لأن أبواب المستقبل يفتحها الإنسان العربي الحر بيديه .
*************************** ( انتهى)