كلمات ثائر لبيتر كروبوتكين , الفصل الثاني


مازن كم الماز
2011 / 2 / 27 - 11:03     

بيتر كروبوتكين

كلمات ثائر

الفصل الثاني
انهيار الدولة
ترجمة : مازن كم الماز

يمكن تلخيص الوضع الاقتصادي في أوروبا بهذه الكلمات – فوضى صناعية و تجارية و فشل الإنتاج الرأسمالي – يمكن تعريف الوضع سياسيا بالانهيار السريع للدولة و فشلها الذريع , الذي سيقع في وقت قريب جدا .

تأمل في الدول المختلفة , من الأوتوقراطية ( حكم الفرد ) البوليسية في روسيا إلى الأوليغاركية ( حكم القلة ) البرجوازية في سويسرا , و لن تجد أي مثال اليوم ( مع استثناء محتمل للسويد و النروج ) ( 3 ) لدولة ليست على مسار متسارع نحو الانحلال و , في نهاية المطاف , نحو الثورة .
مثل المسنين المتعبين , أصبح جلدها متجعدا , و خطواتها متعثرة , ينخرها المرض المميت , و عاجزة عن ركوب موجة الأفكار الجديدة , فإن دول أوروبا تبدد آخر ما تبقى لها من قوة , و بينما تعيش على رصيد الماضي فإنها تعجل نهايتها بأن تتشاجر مع بعضها البعض كما يفعل الثرثارين المتقدمين في السن .

بعد أن وصلت إلى ذروتها في القرن 18 , فإن دول أوروبا القديمة قد دخلت الآن في مرحلة تدهورها , إنها تسقط متداعية . الشعوب – و خاصة شعوب الجنس اللاتيني – تنظر قدما بالفعل نحو تدمير تلك السلطة التي تعيق تطورها الحر . إنها تتوق إلى الاستقلال الذاتي للمقاطعات , للكومونات , لمجموعات العمال المجتمعين معا , ليس من قبل قوة مفروضة عليهم , بل من خلال روابط الاتفاق المتبادل , من خلال القبول الحر .
هذه هي المرحلة من التاريخ التي ندخلها , و التي لا يمكن لأي شيء أن يحول دون تحققها . إذا استطاعت الطبقات الحاكمة أن تفهم الوضع فإنها ستستعجل لكي تلقي بنفسها في عربة هذه الحركة و ما تطمح إليه . لكن لأنهم تقدموا في السن و لأنهم مولعين ( منغمسين ) في عاداتهم و ليس لديهم ما يعبدونه إلا حقائب النقود الخاصة بهم , فإنهم يعارضون التيار الجديد للأفكار بكل قوتهم . و هم يقودوننا حتما نحو انفجار عنيف . سترى آمال الرجال و النساء ضوء النهار – لكن الفجر سيصاحبه قصف المدافع و صليات نيران الرشاشات و ستضيئه الحرائق الهائلة .

بعد سقوط الحياة الرتيبة للعصور الوسطى ظهرت الدول الناشئة في أوروبا , مقوية نفسها و متوسعة بفعل الغزو , الخداع , و القتل , لكنها مع ذلك كانت تتدخل فقط في جزء محدود من الشؤون الإنسانية .

اليوم تأخذ الدول على عاتقها أن تتدخل في كل شؤون حياتنا . من المهد إلى اللحد , إنها تضمنا في أحضانها . أحيانا كحكومة مركزية , أحيانا كحكومة إقليمية أو خاصة بالمقاطعة , و أحيانا حتى كحكومة للكومونة أو محلية , إنها تلاحق كل خطوة من خطواتنا , تظهر عند كل منعطف , تفرض الضرائب , تضايقنا و تقيدنا .
إنها تسن القوانين فيما يتعلق بكل أفعالنا . تراكم جبالا من القوانين و الأنظمة لا يمكن حتى لأكثر المحامين مكرا أو ذكاءا أن يجد طريقه من خلالها . إنها تخترع كل يوم دواليب جديدة لتناسب ماكينتها ( آلتها ) القديمة البالية , و تنتهي بأن تخترع آلة شديدة التعقيد , و مشوهة لدرجة و معيقة لدرجة أنها تدفع حتى أولئك الذين يحاولون أن يجعلوها تدور للتمرد عليها .

تخلق الدولة جيشا من الموظفين مثل العناكب الرشيقة , الذين يعرفون العالم فقط من خلال النوافذ المعتمة لمكاتبهم أو من خلال وثائقهم المكتوبة بلغة مهنية غبية , إنها عصابة كئيبة تعرف دينا واحدا فقط , و هو المال , اهتمام واحد فقط , و هو أن تربط نفسها بأي حزب , أسود , أو أرجواني أو أبيض , طالما ضمن لها ذلك أقصى ما يمكن من أوامر بأقل ما يمكن من عمل .
أما النتائج فإننا نعرفها جيدا . هل هناك أي فرع من أعمال الدولة لا يثير الثورة في تعساء الحظ أولئك الذين كان عليهم أن يتعاملوا معها ؟ هل هناك اتجاه واحد لم تظهر فيه الدولة , بعد قرون على وجودها و تجديدها بواسطة الرقع ( الترقيع ) , لم تظهر فيه لاكفاءتها الكاملة ؟
المبالغ الضخمة و التي لا تتوقف عن الازدياد من المال التي تستولي عليها الدولة من الناس إنها غير كافية في جميع الأوقات ... لقد وجدت الدولة دائما على حساب الأجيال القادمة , راكمت الديون و هي في كل مكان على حافة الإفلاس . الديون العامة للدول الأوروبية وصلت رقما ضخما يصعب تصديقه لأكثر من 5 مليارات , أي 500 مليون فرنك ! ( 4 ) لو أن كل أموال الدول المختلفة استخدمت حتى آخر بنس فقط لدفع هذه الديون , فبالكاد يمكن فعل ذلك في 15 سنة . لكن عوضا عن أن تتناقص فإن الديون تتزايد من يوم لآخر , لأنه من طبيعة الأشياء أن حاجات الدول هي دائما أكبر من مواردها . تسعى الدول بشكل حتمي لتوسيع نطاق سلطتها , كل حزب في السلطة ملزم بأن يخلق وظائف جديدة لمؤيديه . هذه عملية لا يمكن نقضها .
هكذا يستمر العجز و الديون العامة و سيستمر , ينمو دائما , حتى في أوقات السلام . لكن ما أن تبدأ الحرب , مهما كانت صغيرة , حتى تأخذ ديون الدولة بالتزايد بمعدل مفزع . لا توجد هناك نهاية , من المستحيل أن نجد مخرجا من هذه المتاهة .

إن دول العالم تتقدم بكل قوتها نحو الدمار و الإفلاس , و يقترب اليوم الذي سيعلن فيه الناس , و قد تعبوا من دفع 4 مليارات كفائدة كل سنة لأصحاب المصارف , فشل حكومات الدولة و أن يرسلوا أصحاب المصارف ليحفروا الأرض إذا كانوا جوعى .

قل "الدولة" و ستقول "الحرب" على الفور . تسعى الدولة و يجب أن تسعى لتصبح قوية , أقوى من جيرانها , إذا لم تكن كذلك فإنها ستصبح ألعوبة في أيديهم . و بالضرورة ستسعى لإضعاف و إفقار بقية الدول لكي يكون بإمكانها أن تفرض عليها قوانينها , و سياساتها , و اتفاقياتها التجارية , لكي تزداد ثراءا على حسابها . الصراع في سبيل الغلبة ( الهيمنة ) , الذي هو أساس التنظيم الاقتصادي البرجوازي , هو أيضا أساس التنظيم السياسي . لهذا السبب أصبحت الحرب ظرفا طبيعيا في أوروبا . الحروب البروسية – الدانماركية , البروسية – النمساوية , الفرنسية – البروسية , الحرب في الشرق , الحرب في أفغانستان , تتلو بعضها البعض دون توقف . و هناك حروب جديدة يجري التحضير لها , روسيا , بروسيا , انكلترا , الدانمارك , جميعها مستعدة لإطلاق العنان لجيوشها . و هي مستعدة في كل لحظة لتقبض على حناجر بعضها البعض . هناك ما يكفي من حجج لشن الحروب ليبقى العالم مشغولا لثلاثين سنة قادمة .
لكن الحرب تعني البطالة , الأزمة الاقتصادية , زيادة الضرائب , تراكم الديون . أكثر من ذلك فإن الحرب هي عاصفة مميتة للدولة نفسها . بعد كل حرب , يدرك الناس أن الدول التي اشتركت فيها قد أظهرت لاكفاءتها , حتى في تلك المهام التي تستخدمها لتبرير وجودها , إنها بالكاد قادرة على تنظيم الدفاع عن مناطقها الخاصة , و حتى النصر يهدد وجودها . انظر فقط إلى اختمار الأفكار الذي بدأ بعد حرب 1871 , في ألمانيا كما في فرنسا , راقب فقط صعود الاستياء في روسيا بسبب الحرب في الشرق الأقصى .

الحروب و الأسلحة هي مقتل الدولة , إنها تسرع إفلاسها الأخلاقي و الاقتصادي . هبة أو هبتان فقط ستنتج السقوط الأخير لهذه الآلات المتداعية .

لكن على التوازي مع الحرب في الخارج هناك الحرب في الداخل .

مقبولة في الأصل من الناس كوسيلة للدفاع عن كل رجل و امرأة , و قبل أي شيء حماية الضعيف في مواجهة القوي , تصبح الدولة اليوم حصن الغني ضد المستغل , المالك ضد البروليتاريا .

ما هي في الواقع الفائدة من تلك الآلة الهائلة التي نسميها بالدولة ؟ هل هي منع استغلال العمال من قبل الرأسمالي , الفلاحين من قبل ملاك الأرض ؟ هل هي أن تضمن لنا ( حق ) العمل ؟ أن تحمينا من المرابين ؟ أن تقدم لنا العون عندما تجد المرأة الماء فقط لتهدأ بكاء الطفل الذي يبكي عند ثدييها اللذين جفا من الحليب ؟

لا , و ألف مرة لا ! الدولة موجودة لتحمي الاستغلال , المضاربة و الملكية الخاصة , إنها هي نفسها نتيجة ثانوية لسلب ( نهب ) الشعب . يجب على البروليتاري أن يعتمد على يديه , لا يمكنه أن ينتظر أي شيء من الدولة . إنها ليست إلا مؤسسة اخترعت فقط لإعاقة انعتاقه بأي ثمن .

كل شيء في الدولة مشحون في مصلحة المالك الكسول , كل شيء ضد العامل البروليتاري : التعليم البرجوازي , الذي منذ الأعمار المبكرة يفسد الطفل بأن يغرس فيه المبادئ المعادية للمساواة , الكنيسة التي تشوش عقول النساء , القانون الذي يعيق تبادل أفكار التضامن و المساواة , المال الذي يستخدم عند الحاجة لإفساد كل من يسعى ليكون مبشرا بالتضامن بين العمال , السجن – و القنابل كملجأ أخير – لإغلاق أفواه أولئك الذين لم يفسدوا بعد . هذه هي الدولة .

هل يمكن لهذا أن يدوم ؟ هل ستدوم ؟ من الواضح أن الجواب لا . طبقة بأكملها من البشرية , الطبقة التي تنتج كل شيء , لا يمكن أن تقبل للأبد بنظام خلق بالتحديد لمعارضة مصالحها . في كل مكان تحت الوحشية الروسية كما هو الحال تحت نفاق أتباع غامبيتا ( سياسي فرنسي برجوازي – المترجم ) , يبدأ الناس الساخطون بالتمرد . إن تاريخ زماننا هو تاريخ صراع الحكام أصحاب الامتيازات ضد رغبات ( مطامح , آمال ) المساواة عند الشعوب . لقد أصبح هذا الصراع هو الوظيفة الرئيسية للطبقة الحاكمة , و التي تسيطر على أفعالها . اليوم إنها ليست مبادئ و لا اعتبارات الصالح العام تلك التي تحدد شكل هذا القانون أو المرسوم الإداري أو ذاك , إنها فقط حاجات الصراع ضد الشعب للحفاظ على الامتيازات .

هذا الصراع نفسه سيكون كافيا لهز أقوى المؤسسات السياسية . لكن عندما تحدث في دول آخذة بالانحطاط لأسباب تاريخية , عندما تتدحرج هذه الدول بأقصى سرعتها نحو الكارثة و هي تؤذي بعضها البعض في طريقها , و عندما , في النهاية , تصبح الدول كلية القوة مثيرة لاشمئزاز حتى من تحميهم , عندها فإن كل هذه الأسباب يمكنها فقط أن تتحد في جهد واحد : إن نتيجة هذا الصراع أكيدة . الشعب ( الناس People ) , الذي يملك القوة , سيتغلب على مضطهديهم , سيصبح انهيار الدول مسألة وقت , و حتى أكثر الفلاسفة مسالمة سيرى على البعد ضوء الفجر التي ستظهر الثورة الكبرى نفسها من خلاله .

ترجمة : مازن كم الماز

نقلا عن //dwardmac.pitzer.edu/anarchist_archives/Kropotkin/words/wordsofarebel2.htm