الإقتصاد السياسى للتخلف (3)


محمد عادل زكى
2011 / 2 / 26 - 09:36     

الإقتصاد السياسى للتخلف ((الجزء الثالث))
الفصل الثانى
المدخل الأدائى لفهم الظاهرة

بعد أن فرغنا من بيان أدواتنا الفكرية ومرتكزاتنا النظرية على النحو السالف، كان لنا أن نتقدم بمعاونة من هذه الأدوات وإعتماداًً على تلك المرتكزات نحو طرح منهجنا المقترح لدراسة الإشكاليات المختلفة فى بلدان أمريكا اللاتينية وافريقيا؛ بفحص الظاهرة التى طرحت نفسها على الأراضى الفنزويلية، تحديداًً فى الفترة من (2000-2010) وليس هناك من ضرورة إلى إعادة القول بأن الهدف الأساسى من وراء المساهمة ككُُل هو رسم خطوط منهجية بمعنى الإهتمام بتقديم طريق للإجابة وليس الإجابة نفسها، الأمر الذى سيكون هو المرشد الرئيسى لنا لا فى درس المسألة الفنزويلية فحسب؛ وإنما بحكم المنطق والضرورة قائدنا حين تناول المسألة السودانية؛ للبرهنة على صحة المنهج المقترح.
ونحن حين نذهب لترسيم خطوط منهجية أو إقتراح طريقة تفكير، إنما نأخذ فى إعتبارنا فهم الحاضر دوماًً على ضوء الماضى لفائدة المستقبل، الأمر الذى ينعكس على توجهنا النظرى بوجه عام، فلن نُغرق أنفسنا فى التاريخ، كما لن نكون أسرى الواقع، إذ حددنا وفقاًً لما سبق علاقتنا بالتاريخ، وأعلنا أن حقل تحليلنا التاريخى دوماًً فى الإقتصاد السياسى يتحدد بتاريخ نمط الإنتاج الرأسمالى، ولا يتعدى ذلك إلى البرديات والحفائر كما يفعل البعض ويحاول أن يقنعنا أنه يبحث فى الإقتصاد السياسى، أما الوقائع فقد حددنا كذلك موقفنا منها من جهة كوننا نتعامل معها دائماًً كذلك بوعى ملازم أساسه القيام برد الظاهرة إلى الكُُل الذى تنتمى إليه على الصعيد الإجتماعى فى تطوره عبر الزمن.
وفى الفصل الحالى، سوف نعمد، أولاًً، إلى الذهاب إلى الواقع على الصعيد الداخلى والدولى، برصد الأحداث التى أعربت عن إنقلاب خائب على رأس الدولة البوليفارية، هوجو تشافيز، ثم، الإنتقال إلى رصد ردود الأفعال على الصعيد الدولى بشأن هذا الإنقلاب. وذلك فى المباحث الثلاثة الأتية:
المبحث الأول: الإنقلاب الخائب.
المبحث الثانى: الأحداث المرتبكة.
المبحث الثالث: ردود الأفعال على الصعيد الدولى وتصاعد الأزمة.

المبحث الأول : الإنقلاب الخائب
فى 12/4/2002، وكما سبق أن ذكرنا بشكل تمهيدى فى المقدمة، بدأت كثير مِن الأنظار، واليسارية على وجه الخصوص، تتجه نحو هذا البلد الواقع فى الشمال مِن قارة أمريكا الجنوبية. فنزويلا.
فى هذا التاريخ أُُعلن تنحية رئيس الدولة المنتخب، هوجو تشافيز (1954- ) وتولية بيدرو كارمونا (1942- )ولكن هذا الإعلان لم يسر لأكثر مِن يومين؛ ففى 14/4/2002 عاد هوجو تشافيز،إلى"ميرا فلوريس" القصر الجمهورى، مرة أخرى رئيساًًً شرعياًً لفنزويلا البوليفارية(1) وتم نفى كارمونا إلى كولومبيا.
أسئلة منهجية لا تحتاج إجابة، إنما طريقة إجابة.
فى يومين إذاًًً إنتهت أحداث الإنقلاب، ولكن تظل هناك بعض التساؤلات، والتى لا يعنينا، بحكم مذهبنا الفكرى، تقديم إجابة عليها، بقدر ما يعنينا تحديد معالم الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله إلى الإجابة على هذه الأسئلة أو تلك، ومن ثم فأسئلتنا المنهجية لا نطرحها من أجل إجابة، وإنما من أجل طريقة إجابة، إذ من أجل ذلك كانت أطروحتنا التى نطمح إلى تعميمها، كما قلنا سلفاًًً، بإستخدام منهجها (الذى يتركب من أربع خطوات فكرية كما سنرى) فى درس كُُُل الأحداث المضطربة والوقائع المرتبكة (إضرابات، إنقلابات حروب أهلية، مجاعات، مذابح جماعية،......) على الصعيد العالمى بوجه عام، وعلى الصعيد القارى، وهو ما ننشغل به، تحديداًًً فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية بوجه خاص. نقول تظل بعض التساؤلات التى يمكن تلخيصها فى:
مَن الذى قام بالإنقلاب؟
ولماذا؟
ولماذا رحبت الولايات المتحدة الأمريكية، والإتحاد الأوربى، الدائر فى فلكها، بعد غزوه فكرياًًً وإقتصادياًًً وثقافياًًً، بهذا الإنقلاب على لسان آزنار، ممثل أوروبا آنذاك؟
بل ولماذا تورطت الولايات المتحدة الأمريكية، كما أعلن، فى هذا الإنقلاب؟ إذ أكدت المصادر، والمصادر الرسمية الفنزويلية بوجه خاص، على تورط كُُُل مِِن: جيمس روجرز، ورونالد ماك كامون، وهما، كما قيل، من قادة الجيش الأمريكى فى تدبير الإنقلاب منذ التحضير له وحتى تنفيذه، إذ كانا متواجدين فى قاعدة(تيونا) ساعة الإنقلاب. وقد رفض جون لو، الناطق الرسمى بإسم الخارجية الأمريكية فى كاراكاس الحديث عن هذا التورط؛ متحججاًً بإنشغاله فى إجتماع بمكتبه!!
كما أن نبرة التصاريح الأمريكية بوجه عام ، عقب فشل الإنقلاب، لم تتمكن من الإستمرار طويلاًً فى ستر إستيائها الشديد من هذا الفشل؛ إذ أعلن بوش الإبن، الرئيس الأمريكى آنذاك، فى إجتماعه مع باسترانا فى 18/4/2002، " أن تشافيز يجب عليه أن يتعلم مما حدث، ويستوعب الدرس جيدا" كما صرحت كوندوليزا ريس، مسئولة الأمن القومى فى تلك الفترة، بأن :" واشنطن تأمل فى أن يستثمر تشافيز الفرصة لتعديل سير سفينته، التى سارت، وبصراحة كاملة، بإتجاه خاطىء"
وإزاء الشكوك التى تضاعفت أثر تراخى الإدارة الأمريكية فى إعلان إدانتها الفورية للإنقلاب، فقد طلب السناتور كريستوفر دود، رئيس أحد لجان مجلس الشيوخ، والمنتقد الدائم للسياسات الأمريكية فى أمريكا اللاتينية، بسرعة إجراء تحقيق عاجل فى هذا التورط.
لعل تلك التساؤلات، الأولية بطبيعة حالها، تثيرنا ذهنياًًً كى نكون الوعى بنظام مؤسسة الحكم فى فنزويلا، فلابد لتناول الأسئلة المطروحة من القيام برصد الأحداث بداخل فنزويلا، وطبيعة تعامل مؤسسة الحكم معها، وذلك من خلال فحص أحداث العشر سنوات الماضية (2000 - 2010)بالتركيز وتسليط الضوء على الفترة (الحرجة والحساسة) التى تشكلت معها المعالم الحقيقية والواضحة كذلك لمؤسسة الحكم بقيادة هوجو تشافيز، وهى الفترة من (12/4/2002 وحتى 3/2/2003) أى بداية من الإنقلاب وحتى إعلان إنتهاء حالة الإضراب واللجوء إلى مائدة المفاوضات وجمع التوقيعات.
خطوتنا الفكرية الأولى إذاًً إنما تنشغل بالتعرف على معالم وخصائص ومحددات نظام الحكم فى فنزويلا بقيادة هوجو تشافيز، منذ تغلبه على منافسه فرانسيسكو كارديناس فى الإنتخابات التى أجريت فى 6/12/1998(بعد ست سنوات من الإنقلاب الفاشل الذى قاده تشافيز هذه المرة على كارلوس إندرياس بيريز أثناء حضور الأخير مؤتمر دافوس) وفوزه بواقع (56,2%) والتى بلغت (56,92%) فى إنتخابات الإعادة فى 30/7/2000، وهو الفوز الذى أعلن فى نفس الوقت إنتهاء إحتكار السلطة من قبل الحزبين الكبيرين:
الأول: حزب الحركة الديموقراطية المسيحى، والذى تأسس فى عام 1946، وإنفرد بالسلطة خمس مرات، منذ روميليو بتانكو، فى الفترة من 1959 إلى 1964، وحتى كارلوس بيريز فى الفترة من 1988 إلى 1993 للمرة الثانية.
أما الحزب الثانى: فهو الحزب الديموقراطى المسيحى، والذى إنفرد كذلك بالسلطة فى الفترة من 1969 إلى 1974، ومن 1994 إلى 1998.
كذلك يمكن القول بأن فوز هوجو تشافيز ممثلاًً لحركة الجمهورية الخامسة التى كونها كى تُعبر عن الحركة الثورية البوليفارية، قد صاحبه تهميش باقى التيارات السياسية الأخرى، كالحركة نحو الإشتراكية، الذى تحول إلى حزب شيوعى(غرب/مركزى)بعد خلاف أيدلوجى مع موسكو، وحزب العدالة أولاًً، الذى يُُعد من أشد الحركات المعارضة لحركة الجمهورية الخامسة، وكذلك تحييّد حزب الوطن للجميع، المنشق على تشافيز .
وتثور هنا أهمية منهجية تتعلق بضرورة تكوين الوعى حول الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية السائدة حين تَسلََم تشافيز السلطة. إذ تُُعتبر فنزويلا، وكما سنرى بمزيد من التفصيل، مِن أغنى دول العالم فى النفط، وطبقاًً لأرجح الأرقام، تقدر إحتياطياتها النفطية بـ78 مليار برميل من النفط الخام، فهى بذلك تحتل المرتبة الخامسة من حيث إمتلاك أكبر إحتياطى نفطى فى العالم. ونسبة الغاز من هذا الأحتياطى هي 30%، ولذلك تمتلك فنزويلا أكبر احتياطى للغاز على مستوى أميركا. وقد بلغت عائدات الشركة عام 2001 مبلغ 6.2 مليارات دولار. ويضمن النفط أكثر من 75% من عائدات فنزويلا.
بعض مظاهر الفساد السياسى والإدارى
إلا أن هذه الأرقام الكبيرة، وكما سنرى عبر مراحلنا الفكرية، لم تعط نتيجة تُُذكر، وفقاًً لأرجح ومعظم التحليلات؛ ففنزويلا كأحد أجزاء الإقتصاد الرأسمالى الدولى المتخلف، فهى كغيرها من دول الأجزاء المتخلفة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر؛ ظلت تتميز بالفساد السياسى والإدارى، وظل إنعدام العدالة فى توزيع ثروات البلاد بارزاًً. وتظهر بعض مؤشرات الفساد فى فنزويلا فى:
- تَملُُك نسبة 10% من السكان 60% من ثروات البلاد بينما لا تَملُُُك نسبة الـ10% الأكثر فقراًً من السكان سوى 1.6% من هذه الثروة.
- تقع نسبة 40% تقريباًً من السكان تحت خط الفقر.
- توجد نسبة 60 % من الأراضى الصالحة للزراعة تحت سيطرة 10% من السكان.
- يتقاضى كبار المسؤولين السابقين فى شركة نفط فنزويلا "بتروليوس دى فنزويلا" مِن 20 إلى 50 ألف دولار شهرياًً تضاف إليها تكاليف مأموريات السفر وغيرها من العلاوات.
- تُهيمن الطبقة الأوليجارشية على مصادر البلاد الإقتصادية، والطبقة الأوليجارشية هى القلة المسيطرة على الثروات، التى تتصف بالفساد وإتباع طرق غير مشروعة لإحكام سيطرتها على ثروات الدولة.
- أضف إلى كُُل ذلك تهريب 90 مليار دولار (تقريباًً ثلاثة أضعاف دين فنزويلا الخارجى) إلى الخارج، وخاصة إلى ولاية فلوريدا الأميركية حيث يُوجد كبار الأثرياء الذين لجؤوا إليها على مدار السنين. ويمكن فى هذا الشأن، شأن الفساد المنتشر فى فنزويلا، إستعراض مجموعة هائلة من الأرقام الدالة والتى تشير وبقوة إلى كون فنزويلا لا تختلف فى أى شىء عن باقى بلدان الأجزاء المتخلفة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، فى الفساد بدءًًً من الفساد على الصعيد الإدارى وإنتهاءًًً بالفساد على صعيد مؤسسة الحكم نفسها، ومن ثم سيكون مشروعاًً التساؤل عما إذ ما كانت الأحوال تبدلت عقب تولى الحركة البوليفارية السلطة بقيادة شافيز؟ أم تحول الحال من فساد رأس المال، إلى فساد من نوع آخر فى السلطة؟
تلك، وبإختصار شديد، الأوضاع والأحوال التى عاشتها فنزويلا ولم تزل، والتى تسلم تشافيز من خلالها السلطة، الأمر الذى يقودنا إلى خطوتنا الفكرية الأولى المتعلقة بتكوين الوعى حول نظام مؤسسة الحكم فى فنزويلا بقيادة هوجو تشافيز، والكيفية التى تعاملت بها تلك المؤسسة مع مظاهر الفساد السياسى والإدارى التى إجتاحت فنزويلا، وهو الأمر الذى نعالجه فى المبحث التالى.
المبحث الثانى : الأحداث المرتبكة
إن الوعى(2)بنظام مؤسسة الحكم الفنزويلية بقيادة هوجو تشافيز، يمكن تحقيقه من خلال رصد المعالم الهامة والبارزة، والتى تعكس بالتبعية مظاهر الحركة الثورية البوليفارية، ممثَلة فى حركة الجمهورية الخامسة التى كونها تشافيز كرد فعل إجتماعى لحالة الفساد التى سادت مُُجمل الأحوال الإجتماعية والإقتصادية والسياسية.
زيارة العراق وإيران
ففى 10/8/2000 قام تشافيز مستخدماًًً الطريق البرى تجنباًً لخرق الحظر الدولى، بزيارة العراق، بعد أن زار إيران، مصرحاًًً عند موقع المنذرية الحدودى بين إيران والعراق:" إذا أردت أن أذهب لأتحدث مع الشيطان نفسه فإننى سأفعل هذا بمحض إرادتى لأننا أحرار ولسنا بحاجة لأحد كى يقول لنا أين نذهب... ماذا يسعنا إذا غضبت الولايات المتحدة الأمريكية... نحن دولة ذات سيادة يمكنها أن تتخذ الإجراءات المناسبة."
فى الحال إنتقدت الولايات المتحدة تلك الزيارة، إذ صرح ريتشارد باوتشر، الناطق الرسمى بإسم وزارة الخارجية الأمريكية :" إن واشنطن لا تتمكن من فهم هذه الزيارة؛ وإن المسألة ستطرح مع مسئولين فنزويلين مناسبين"!!
علاقات متوترة مع كولومبيا

وفى 12/2/2002 يخطو تشافيز خطوات أبعد نحو التحدى المعلََن لواشنطن، محذراًًً بشكل رسمى من التدخل الأمريكى فى بوجوتا، وقد جاء هذا التصريح متزامناًًً مع دراسة الكونجرس الأمريكى زيادة تمويل الجيش الكولمبى ضد المتمردين اليساريين(والذين يسيطرون على الإنتاج العالمى للكوكا فى المناطق الجنوبية)وتعد مسألة المتمردين اليساريين تلك، ومساندة تشافيز لهم من أهم المسائل الحرجة والشائكة بين بوجوتا وكاراكاس، الأمر الذى بلغ حد التعقيد فى 13/9/2008 إذ طلبت الولايات المتحدة من سفير فنزويلا مغادرة أراضيها رداًًً على قرار الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز بطرد سفيرها فى كراكاس باتريك دودى, تضامناًً مع خطوة مماثلة أقدم عليها نظيره البوليفى إيفو موراليس(1959- )الذى إتهم كبير الدبلوماسيين الأميركيين بتأجيج إحتجاجات شعبية ضده. وقالت واشنطن إن تشافيز وموراليس يحاولان بطردهما السفيرين الأميركيين التغطية على متاعب محلية وإقليمية وطلب تشافيز فى خطابه الذى ألقاه يوم 12/9/ 2008 من سفير بلاده العودة إلى كاراكاس، قائلاًً :" إن كاراكاس ستعيد مبعوثيها عندما توجد حكومة أمريكية تحترم شعب أمريكا اللاتينية"، وأثر بلوغ العلاقات الفنزويلية الكولومبية حداًً بالغاًًً من التوتر بسبب التنظيم اليسارى المسلح فى كولومبيا، فقد أعلن تشافيز فى 31/7/2010، وذلك عقب قطع العلاقات السياسية، نشر وحدات مِن المشاة والقوات الجوية على حدود فنزويلا مع كولومبيا، بعد إتهامات كولومبية لكاراكاس بإيواء "متمردين" يساريين.

وقال تشافيز فى مقابلة هاتفية مع محطة تلفزيون حكومية:"لقد نشرنا قوات وعناصر من سلاح الجو والمدفعية للدفاع عن سيادتنا فى حال التعرض لعدوان، لكن من دون ضوضاء، لأننا لا نريد أن نزعج أحداًًً من السكان". ولم يحدد تشافيز المكان الذى أرسلت إليه هذه القوات أو عدد الجنود الذين تم نشرهم، مكتفياًً بأنه يعتقد أن الحكومة الكولومبية المنتهية ولايتها بزعامة الرئيس ألفارو أوريبى قد تهاجم فنزويلا. و"ان أوريبى قادر على فعل أى شىء فى الأيام المتبقية له فى الحكم قبل ترك منصبه، وبات الأمر تهديداًً بالحرب، ونحن لا نريد الحرب".

وربما يكون تولى، مانويل سانتوس(1951- )مؤخراًً، رئاسة كولومبيا، فى 21/6/2010 خلفاًً لألفارو أوريبي(1954- )سبباًً فى تعديل مسار العلاقات المتدهورة بين بوجوتا وكاراكاس؛ فلقد وعد سانتوس خلال حفل تنصيبه بإجراء الحوار مع فنزويلا لإنهاء القطيعة الدبلوماسية بين البلدين. وأعرب عن أمله فى إجراء "حوار صريح ومباشر بأسرع وقت ممكن مع فنزويلا"، مضيفاًً: "إن كلمة الحرب لا وجود لها فى قاموسى عندما أفكر فى علاقات كولومبيا مع جيرانها". وقد بادر الرئيس هوجو تشافيز بالإفصاح عن الرغبة فى"طى صفحة الماضى والبدء فى علاقات طيبة مع الحكومة الجديدة للرئيس سانتوس". وعَرَض تشافيز، خلال كلمة على الهواء مباشرة فى التلفزيون بعد ساعات من تنصيب سانتوس، الإجتماع معه وجهاًً لوجه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى الآونة الأخيرة.
javascript:openLargeImageInNewWindow( /mritems/images/2010/7/17/1_1004461_1_34.jpg );

ناهيك عن ما أعلنه هوجو تشافيز، فى خطابه الذى ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 2006، فى نيويورك بشأن ترشيح جمهورية فنزويلا إلى مقعد غير دائم فى مجلس الأمن وتنبأ مسبقاًً برفض الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الإقتراح. وقال تشافيز:" إن الولايات المتحدة الأمريكية قد أطلقت حملة بشعة لمنع فنزويلا من أن تُنتَخب بحرية كعضو فى مجلس الأمن. لقد وصفتنا أميركا بالمتطرفين، وإنما هى المتطرفة فهجومها المفتوح علينا أثّر على الكثير من بلدان أميركا اللاتينية وغيرها من أنحاء العالم لأنها دعمت فنزويلا."وشكر تشافز داعميه قائلاًً: "إننى أشكركم بحرارة بالنيابة عن فنزويلا، بالنيابة عن شعبنا وبالنيابة عن الحقيقية. فإنتخاب فنزويلا كعضو فى مجلس الأمن لن يمكنها فقط من التعبير عن أفكار الفنزويليين، وإنما ستكون صوتاًً قوياًًً يُمثل كُُُل شعوب العالم. إن أمريكا تعمل ما فى إستطاعتها للسيطرة على العالم. فإذا ما أنقذ العالم نفسه من مخالبها فعليه ألا يَسمح لهذه الدكتاتورية بالنجاح. فالرئيس الأميركى يدّعى نشر الديمقراطية ولكن أى نوع من الديمقراطية هذه التى تُُنشر بالقنابل والقوة العسكرية؟" وكان تشافيز قد وصف الرئيس الأمريكى بالشيطان حيث قال: "لقد جاء الشيطان إلى هنا بالأمس." وتابع :" لو سُمح للشعوب بالكلام بحرية فأعتقد أنها ستطالب برحيل الإمبريالية الأمريكية ."
إمداد إيران(3) بالبنزين
لم يتوقف هوجو تشافيز عند حدود إقامة علاقات سياسية طبيعية ومتعاونة مع بعض الدول المغضوب عليها من قبل الإدارة الأمريكية، وبخاصة دول القائمة السوداء وعلى رأسهم إيران وكوبا وسوريا، بل قام بتزويد الأولى بالنفط(53 ألف برميل يومياًً لمدة 5 سنوات) بأسعار تفضيلية وفقاًً لمعاهدة 30/10/2000. أضف إلى ذلك قيامه بعقد عدة إتفاقيات مع إيران فى مجالات الزراعة والصناعة والطاقة وإمداد إيران بخام البنزين، فقد أكد فيلاسكويز فى 19/8/2010 أن بلاده ستواصل إمداد إيران بالبنزين، رغم العقوبات المفروضة على طهران من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى والأمم المتحدة, وذكرت وكالة الأنباء الفنزويلية الرسمية فى بيان لها أن السفير الفنزويلى فى إيران ديفيد فيلاسكويز، قال أن فنزويلا ستواصل إمداد إيران بالبنزين، قائلاًًً "نحن فى خدمة إيران وسنمدها بالبنزين كلما إحتاجت" وأضاف السفير فى تصريحاته أن كراكاس لن تخرق أى قوانين دولية بتصدير البنزين إلى إيران؛ إذ أن مجموعة العقوبات التى تم فرضها بسبب برنامج إيران النووى إنما تستهدف تجارة النفط.
ففى تحد جديد أكدت، إيران، عزمها مواصلة برنامجها النووى رغم العقوبات، معلنة بناء موقع جديد لتخصيب اليورانيوم فى العام 2011 وهي نشاطات تثير مخاوف الإمبريالية العالمية بلاشك، فى حين وقّع الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، على قانون يُجبر الحكومة على مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%. وأعلن على أكبر صالحى، رئيس الوكالة الايرانية للطاقة الذرية للتلفزيون الرسمى:"إنتهينا من تحديد عشرة مواقع جديدة للتخصيب وسنبدأ بناء أحد هذه المواقع قبل نهاية السنة الإيرانية 2011 أو مطلع العام المقبل". ولقد جاء إعلان صالحى بعد تبنى مجلس الامن قراراً جديداًً مرفقاًًً بعقوبات إقتصادية، يدين البرنامج النووى الإيرانى ويدعو طهران إلى تعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم وعدم بناء مواقع جديدة.
وفى خطوة للتخفيف من وطأة العقوبات على طهران، أعلن سفير فنزويلا فى طهران ديفيد فيلاسكويز إستعداد بلاده لتزويد إيران بالبنزين حتى 20 ألف برميل يومياًًً. ونقلت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية عن السفير قوله "نحن فى خدمة إيران فى أى وقت تعلن إحتياجاتها، سنؤمن لها إحتياجاتها من البنزين". وقال السفير إن بيع فنزويلا البنزين لإيران لا ينتهك القوانين الأميركية ولا علاقة له بواشنطن. وأشار إلى تصريحات الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز خلال زيارته إلى إيران فى العام 2009 التي جاء فيها ان بلاده مستعدة لتصدير 20 ألف برميل من البنزين إلى طهران. وفى هذا الإطار، نقلت وكالة "مهر" عن محمد علي خطيبى مندوب إيران فى منظمة أوبك قوله إن ارتفاع مخزونات النفط الخام الإيرانية ناتج عن أعمال صيانة فى مصاف داخل البلاد وخارجها وليس بسبب العقوبات الدولية. ورأى أن الزيادة فى مخزون النفط الإيرانى غير مرتبط بهذه العقوبات. وقال ان "العالم يحتاج للنفط الإيرانى وفى الوقت الراهن لا إتجاه خاصاًً أو غير عادى فى صادرات البلاد النفطية".
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن ستيوارت ليفى، وكيل وزارة النقل الاميركية، قوله أنه يتعين على كُُل الحكومات زيادة يقظتها ازاء التعامل مع قطاع الملاحة الإيرانى. وأضاف إن الأساليب الإيرانية للتملص من العقوبات تتضمن إعادة طلاء إو إعادة تسمية السفن وتزوير وثائق الشحن وإعطاء ملكية السفن إلى شركات واجهة خارج ايران. وأشار إلى انه فى أحدث خطوة لها لمواجهة ذلك حددت واشنطن ثلاث شركات ملاحية تتخذ مالطا مقراًً وتملكها بشكل مباشر أو غير مباشر شركة الخطوط الملاحية الإيرانية الوطنية. وقال ليفى:"علينا أن نعيد مضاعفة يقظتنا إزاء خطوطهم الملاحية الداخلية ومحاولة إستخدام شاحنين ووكلاء شحن من أجل الشحنات غير القانونية". وتقول المصادر الرسمية الفنزويلية إن فنزويلا ترسل إلى إيران نحو 20 ألف برميل مِن البنزين يومياًً, مما يسد بعض حاجة طهران لهذه السلعة الحيوية. الجدير بالذكر، إن العقوبات الجديدة قد سلطت الضوء على علاقات طهران مع كاراكاس التى تتزايد أهمية .
الشراكة مع روسيا
وفى 18/10/2009 يعلن تشافيز ان إيران وروسيا تساعدان فنزويلا فى البحث عن اليورانيوم، مؤكداًً ان بلاده لن تستخدم الطاقة النووية إلا فى الأغراض السلمية. وصرح تشافيز فى مدينة كوشابامبا بوسط بوليفيا أثناء قمة لرؤساء أمريكا اللاتينية : "اننا نعمل مع عدة دول ومع إيران ومع روسيا، ونحن مسؤولون عما نفعله ونسيطر على الامور" وأضاف تشافيز" ان فنزويلا لن تستخدم الطاقة النووية إلا فى الأغراض السلمية، مؤكداًً ان بلاده لا تعتزم حيازة السلاح النووى" وقال: " إن ما نقترحه هو التخلص من القنابل النووية وفنزويلا لن تصنع ابداًً قنبلة نووية". وأضاف متسائلاًً: " لماذا لا يتم الضغط على حكومات فرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا للتخلص من قنابلهم النووية؟"
وفى 25/8/2010 وقع رئيس الوزراء الروسى فلاديمير بوتين مع الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز فى إطار زيارته، المرتقبة، إلى كاراكاس سلسلة إتفاقيات فى مجالات عديدة، كالدفاع والطاقة ومكافحة الإرهاب، كما وأن إتفقا على دراسة إمكانية دخول فنزويلا فى مجال السباق الفضائى، ونقلت وكالة "نوفوستى" الروسية عن بوتين قوله:"سنقوم بتعزيز التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب". والمقصود بذلك تعزيز التفاعل بين الأجهزة الخاصة وقوات حفظ النظام فى البلدين. ورداًً على سؤال طرحه صحفى فنزويلى قال بوتين: " إن روسيا لم تحصل أبدا على معلومات تفيد أن فنزويلا تدعم الإرهاب".
وبعد يوم طويل من المحادثات فى القصر الرئاسى الفنزويلى، وقع تشافيز وبوتين نحو ثلاثين إتفاقاًً أهمهم ينص على: تأسيس شركة مختلطة للتنقيب عن النفط والغاز فى فنزويلا. وهذه الشركة التى ستملك فنزويلا 60% منها وكونسورتيوم روسى 40%، تأمل إنتاج حتى 450 ألف برميل من النفط يومياًًً فى (الحقل 6 فى حوض أورينكو) الغنى بالإحتياطيات النفطية فى شرق فنزويلا. ورصد بوتين 600 مليون دولار كأول دفعة من إجمالى مليار دولار فى إطار التنقيب فى هذا الحقل. ومن المفترض أن تستثمر الشركة المختلطة فى حقول أخرى فى المنطقة نفسها.
أما الإتفاقات الأخرى فتشمل بناء ناقلات نفطية أو تزويد بالطائرات لتجديد الأسطول الجوى لفنزويلا ودول اخرى فى أمريكا اللاتينية. وأعلن تشافيز بإبتهاج أن فنزويلا دخلت فى السباق إلى الفضاء بدون أن يضيف مزيداًً من التفاصيل فى مؤتمر عُُقد عقب حفل توقيع الإتفاقات. ولقد قابل الإعلان عن المشروع الفضائى فى فنزويلا، ردٌ ساخر، وغير مؤدب كالعادة، مِن قبل المتحدث بإسم وزارة الخارجية فى الولايات المتحدة، إذ قال فيليب كراولى إنه:"يتعين على حكومة تشافيز ربما أن يكون لديها أولويات أرضية أكثر منها فضائية ".
وأياًًً ما كان من أمر، فإنه يمكن القول بأن فنزويلا، على هذا النحو، صارت شريكاًً أساسياًً لروسيا فى أمريكا اللاتينية التى كانت سابقاًً منطقة نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية، وحيث تسعى موسكو لتعزيز وجودها السياسى والإقتصادى فى القارة اللاتينية.
وأكد تشافيز أيضاًً أن كاراكاس مستعدة للبدء بإعداد أول مشروع لبناء محطة نووية، مؤكداًً أنه بحث المسألة مع بوتين. وكان قد أعلن عشية ذلك: "لن نصنع القنبلة الذرية لكننا سنطور الطاقة النووية لغايات سلمية. علينا أن نحضر لمرحلة ما بعد البترول". وبعد المؤتمر الصحفى المشترك إنضم إلى الرئيسين، الرئيس البوليفى إيفو موراليس، الحليف المقرَب مِن تشافيز، فى القصر الرئاسى حيث تباحث بدوره مع بوتين، وبخاصة بشأن قرض بقيمة مائة مليون دولار طلبته "لاباز" لشراء معدات عسكرية من روسيا. وفى إطار تلك الزيارة التى قام بها بوتين تسلمت كاراكاس شحنة مِن أربع مروحيات روسية. ولقد نُُقلت المروحيات الأربع مِن طراز "مى- 17" التى يُمكن أن تُستخدم أيضاًً كمروحيات مُقاتلة، على متن طائرة شحن جوى من طراز "أنتونوف".
تدعيم العلاقات مع سوريا
كما وأن قام تشافيز فى 4/9/2009 بتوقيع عدة إتفاقيات ومذكرات تفاهم مع سوريا لتعزيز التعاون المشترك بينهما فى عدد من المجالات منها الإقتصادية والزراعية وذلك خلال الزيارة التى قام بها تشافيز إلى دمشق، وذكرت وكالة الأنباء السورية"سانا" أن الإتفاقيات الموقعة بين دمشق وكاراكاس تضمنت مذكرتى تفاهم حول التعاون فى عدة مجالات منها الزراعة والرى, وإتفاقاًً حول التعاون التجارى والإقتصادى, وإتفاقية حول إلغاء بعض الشروط بشأن جوازات السفر الديبلوماسية والرسمية, وإتفاقية تعاون فى مجال حماية البيئة, وإتفاق إطارى للتعاون بين البلدين .
وإستكمالاًً للصورة العامة لنظام تشافيز نرصد إعلانه فى 16/8/2002 فى كلمته أمام مؤتمر الأغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة، والمنعقد فى روما، إدانته"للرأسمالية المتوحشة وغير الأخلاقية " قائلاًً:" إن جذور الفقر والجوع وتلوث المياه، تمثل النموذج الإقتصادى المفروض فرضا على العالم". وقد سبق لتشافيز وأن لوح بالتحلل من المعاهدات الدولية التى أبرمتها فنزويلا، وعدم إلتزام فنزويلا بنصوص المعاهدات إلا بقدر إلتزام الدول الأخرى، إذ صرح فى 12/8/2002 أمام ممثلى صناعة الملابس فى فنزويلا بأن :"حماية الإنتاج الوطنى أهم من الإتفاقيات الدولية، وإن فنزويلا لم تعد ملتزمة بنصوص إتفاقية الجات(3) إلا بالشروط الجديدة" .
الإصلاحات الداخلية
أضف إلى ذلك قيامه داخلياًًً بفرض المرسوم رقم 43/2001 والذى يقضى بنزع ملكية الأراضى غير المنتجة(بعد أن سيطر 10% على 60% من الأرض كما ذكرنا) متهماًً، يوم 15/2/2003 فى خطابه إلى إتحاد المزارعين ومربى الماشية، الطبقة الإقطاعية معتبرها شريكاًً أساسياًً فى الثورة المضادة، التى تقودها الطبقات البورجوازية والمتساقطين من القيادات العمالية(فى قطاع النفط)مصرحاًً بأنه:"قرر إدخال تغييراًً شاملاًًً على النموذج الإجتماعى والإقتصادى لفنزويلا، مع إعطاء الإنتاج الوطنى الأولوية وخصوصاًًً قطاع الزراعة" الأمر الذى أعلن معه أنه سيقوم بتوزيع مليون هكتار من الأراضى المهملة".
ولقد سبق لتشافيز فى حملته الإنتخابة أن وعد، بإعادة توزيع ثروة البلاد النفطية لمصلحة المسحوقين، وانه لن يتهاون مع جنرالات النفط، وسيتصدى لهم بقيامه بتغيير إدارة الشركة الوطنية للنفط(بتروفن) أو بتروليوس دى فنزويلا التى أصبحت خلال تاريخها "دولة داخل الدولة" فتحكمت فيها اللوبيات المالية، وأصبحت مصدر ثراء لقلة قليلة من المديرين وأرباب العمل بل والعمال الذين يحاولون الدفاع بإستماتة عن المكاسب الإجتماعية التى تحققت على الصعيد الطبقى، إذ نشأت كطبقة محدودة، وظهرت شرائحها العليا كفئات ذات إمتياز نسبى، على حين، كما سنرى بالتفصيل، كانت الأزمة الزراعية تبدو عبر الإفقار المتواصل للفلاحين، وتعميق الإنفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة.
ومع إعلان تشافيز عن إصلاحاته بدأ السخط والتذمر يظهر فى أوساط كبار المسؤولين الإداريين للشركة والفنيين العاملين بها من جراء تنامى الدلائل على إعتزام تشافيز إستخدام جزءً من رأسمال الشركة فى تمويل برامجه الإصلاحية ذات الطابع الاجتماعى. وقد أقال تشافيز العقيد بيدرو سوتو، من رئاسة الشركة فى فبراير 2002 ووصلت إحتجاجات المعارضة الفنزويلية ذروتها فى الإنقلاب العسكرى، كما أسلفنا، وتعيين رجل الأعمال بيدرو كارمونا رئيساًً مؤقتاًً للبلاد الذى دعى إلى التمرد على سياسة تشافيز. وأثر ذلك فقد عيََّن شافيز المحامى والإقتصادى والوزير السابق والأمين العام لمنظمة أوبك على رودريجز، رئيساًً لشركة البترول الفنزويلية منذ أبريل 2002.
كما وأن أعلن تشافيز فى 28/8/2010 أن حكومته ستشترى مجموعة من المزارع الكبيرة والألاف من رؤوس الماشية من شركة بريطانية، وذلك فى إطار مسعاه الإشتراكى لإعادة توزيع الأرض الزراعية فى البلد، وجعل تشافيز من إصلاح ملكية الاراضي الزراعية جزءاًً محورياًً فى هدفه لإعادة تشكيل فنزويلا كمجتمع إشتراكى، وسيطرت الحكومة على ملايين من الأفدنة فى الأعوام الخمسة الماضية. وقال تشافيز: "سنسيطر قريباًً على جميع المزارع التى تتبع منذ 1909 الشركة البريطانية أجروفلورا. لقد أعطيت الضوء الاخضر بالفعل". وأجروفلورا هى الفرع الفنزويلى لمجموعة "فيستى" وهى شركة لمنتجات اللحوم مملوكة لأسرة فيستى البريطانية ويبلع حجم مبيعاتها السنوية 770 مليون دولار (500 مليون إسترلينى) وقال تشافيز "سندفع لهم بالطبع... ما إستثمروه هنا على مدى أكثر من قرن"
وقد سيطرت فنزويلا على أربعة مزارع لفيستى فى 2005 وقال وزير الزراعة خوان كارلوس لويو، إن عملية الشراء الجديدة ستشمل 740 ألف فدان من الاراضى الزراعية و120 ألفاًً من رؤوس الماشية.
وفى 19/8/2010، وافق البرلمان الفنزويلى على تأميم شركة "سيجوروس لابريفيسورا"إحدى أكبر شركات التأمين فى البلاد والتى أغلقتها السلطات فى ديسمبر 2009، للإشتباه فى قيامها بأنشطة غير قانونية، وتوقفت الشركة عن ممارسة نشاطها منذ ذلك الحين عندما قال مسؤول إن وثائق "ذات دوافع اجرامية" عُثر عليها أثناء مداهمة لمقر الشركة، وقال تشافيز فى ذلك الوقت :"إن شركة التأمين سيجرى تأميمها". ولقد أُُغلقت لابريفيسورا فى نفس الوقت الذى أُُغلِق فيه مصرف"كونفيدرادو" المملوك لها وستة مصارف أخرى أخرى بسبب أموال لم يتم تفسير مصدرها، وأُُلقى القبض على ستة أشخاص لهم صلات بتلك المصارف فى ديسمبر2009 بعضهم لهم روابط بمسؤولين رسميين، وذكرت وكالات الأنباء العالمية تعليقاًً على الحدث أن تشافيز صعَّد وتيرة إصلاحاته الإشتراكية وزاد أيضاًً دور الحكومة فى القطاع المصرفى، وقال مراراًً إنه يخوض معركة ضد "بورجوازية طفيلية" بينما يستعد لإنتخابات برلمانيـــة فى 26سبتمبر2010، ووافق البرلمان الفنزويلى فى نفس اليوم أيضاًً على جزءِِ من مشروع قانون إصلاح القطاع المصرفى يحظر على البنوك إمتلاك شركات إعلامية.
النفط
وكما سنرى بشىء من التفصيل، فقد أكتشف النفط فى فنزويلا عام 1917، وبدأ إستغلاله عام 1922. وتقع حقول النفط الفنزويلية فى الشمال الغربى من "مدينة النفط" مراكايبو، على شاطئ خليج فنزويلا الذى يُُشكل إمتداداًً لبحر الأنتيل، أو البحر الكاريبى.
ولقد بدأت الشركات الأميركية والبريطانية فى إستغلال النفط الفنزويلى حتى أممت الصناعات النفطية عام 1976، فى عهد الرئيس السابق كارلوس آندريه بيريز(1922- ).
تقوم شركة بترول فنزويلا المعروفة بإسم "بتروليوس دى فنزويلا" بإستغلال حقول النفط، وهى مِن كبرى شركات النفط فى العالم وثالث أكبر شركة تُصدر النفط للولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم بعض الشركات الغربية بإستغلال النفط الفنزويلى من أبرزها: شركة إكسون موبيل (أميركية) وشركة شيفرون (أميركية) وشركة ربسول (إسبانية).
وتقدر إحتياطيات فنزويلا من النفط بـ 78 مليار برميل من النفط الخام، وتمتلك فنزويلا خامس أكبر احتياطى للنفط فى العالم، ويُقدِر الفنيون نسبة الغاز مِن هذا الإحتياطي بنحو 30%، ولذلك تمتلك فنزويلا أكبر احتياطى للغاز على مستوى أميركا، ويقدر إنتاج فنزويلا اليومى بـ3.9 ملايين برميل، ويُقدَر عدد الآبار النفطية المستغلة بـ20 ألف بئر و300 حقل وستة آلاف خط أنبوب نفطى، وقد بلغت عائدات الشركة عام 2001 مبلغ 6.2 مليارات دولار، ولكى تحقق 162 مليار دولار مع حلول عام 2008.
وتقوم سياسة هوجو تشافيز النفطية على ضرورة إلتزام فنزويلا بنظم الإنتاج المطبقة على الدول الأعضاء فى منظمة الأوبك من أجل الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مقبولة للمنتجين والمستهلكين.
وقد أكدت شركة النفط الفنزويلية الحكومية أن مبيعاتها وأرباحها من تسويق النفط إرتفعت عام2008 مقارنة بالعام 2007 وعزت هذا الإرتفاع إلى إنتعاش أسعار الذهب الأسود. وقالت"بتروليوس دى فنزويلا" فى تقرير سنوى أصدرته(2009) إنها كسبت فى العام الماضى 9.4 مليار دولار بزيادة 50% عن العام السابق. وكشفت فى هذا التقرير أنها باعت العام الماضى(2008) أيضا نفطاًً بقيمة 126 مليار دولار بزيادة 31.3% عن 2007. وقالت الشركة إن هذه البيانات تُبرهن على صلابة وضعها المالى. وأضافت أن النتائج التى حققتها العام الماضى تؤكد أنها دعامة أساسية لإرساء الإشتراكية فى فنزويلا وأنها من أكبر الشركات فى العالم. ووفقاًًً للأرقام التي وردت فى تقرير بتروليوس دى فنزويلا لعام 2009 فقد بلغ الإنتاج اليومى لفنزويلا من النفط الخام ثلاثة 3.2 ملايين برميل. وبإدخال الغاز المسال فى الإعتبار يُُمكن القول بوصول الإنتاج اليومى إلى أكثر من 3.4 ملايين برميل حسب التقرير نفسه. ولكن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تُقدِر إنتاج فنزويلا اليومى من النفط بـ2.1 برميل. وفارق المليون برميل تقريباًًً هذا بين ما أعلنته شركة بتروفن، وبين ما تُُقدِره الأوبك، لا يُثير الدهشة على الإطلاق فى ضوء التضخم الرقمى الهائل والإحصائيات والتقارير المتخبطة والمتضاربة، للحد الذى لا تدرى معه تلك الإحصائيات والتقارير ما الذى تبحث عنه بالضبط.
ولعله من المناسب فى هذا الموضع، من رصدنا للأحداث وكيفية تعامل مؤسسة الحكم معها، أن نرصد دفع تشافيز بجزءٍٍ كبير من الجيش، البالغ طاقته الفعليه4,776,849 وفقاًً لأرقام 2002 كى يُسهم فى إصلاح المستشفيات والطرق والمدارس، كذلك قيامه بتنظيم المجتمع فيما يسمى بالدوائر البوليفارية(11 شخص فى كل خلية) بهدف توحيد الشعب الفنزويلى ودفعه للمشاركة فى الحياة السياسية، مع إنشاء مؤسسات للقروض الشعبية، بالإضافة إلى قيامه بتخصيص 80 كيلومتر من الساحل الفنزويلى للصيادين التقليديين، مع إعادة النظر فى مسألة الإستغلال الإستنزافى الذى كان يُمَارس من قِبل أصحاب السفن الحديثة؛ على نحو أدى إلى المزيد من الإفقار للصيادين (الفقراء).
التأميم
أما عن التأميم الذى كان مطلباًً ملحاًًً، فقد أعلن تشافيز فى 4/4/2008 تأميماًًً فورياًًً وشاملاًً لقطاع صناعة الأسمنت، مؤكداًً دفع تعويضات للشركات الأجنبية وأهمها شركة سيميكس المكسيكية والفرنسية لافارج. وأوضح شافيز الذى أمم عام 2007 قطاعى الطاقة والإتصالات وهدد، وفعل، بإمتداد عمليات التأميم إلى قطاعات البنوك والأسمنت والحديد، "ان هذا القرارإستراتيجى". وإتهم مراراًً شركات الأسمنت العاملة فى فنزويلا بتصدير هذه المادة دون الإهتمام بتأمين حاجة فنزويلا، وأطلق تحذيرات بإجراءات ضد سيميكس التي إتهمها السكان بتلويث البيئة. تأتي هذه الخطوة بعدما أخضع شافيز جميع حقول النفط لسيطرة الحكومة وأبعد شركتى موبيل أويل وكونوكو فيليبس عن العمل فى فنزويلا.

تأميم الحديد والصلب
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/EE7EE285-B61D-44D7-92E8-8BFF643744AE.htmكما أعلن فى 22/5/2009 تأميم شركات حديد وصلب، وقد أعلن من قِبل فى 10/4/2008 تأميم شركة "تيرنيوم سيدور" أكبر شركة لصناعة الصلب فى فنزويلا، ويبلغ رأسمالها المدرج فى بورصة نيويورك 7.7 مليارات دولار، ومركز عملياتها الرئيسي فى المكسيك وفنزويلا والأرجنتين. وتبلغ مبيعاتها السنوية 10 مليارات دولار، بينما تبلغ حصة مبيعاتها السنوية فى فنزويلا 2.4 مليار دولار، حسب مدير فرع فنزويلا "تيرنيوم سيدور" ريكاردو بروسبيرى.

وقال تشافيز فى خطاب بثه التلفزيون الرسمى:" إن عملية التأميم الجديدة لا تحتمل أى نقاش بشأنها" وأشار إلى أن فنزويلا بدأت تسير منذ وقت طويل فى طريق التأميم والإشتراكية. وأمر فى هذا الخطاب، الذي ألقاه أمام عمال المصانع فى ولاية بوليفار الواقعة فى جنوب البلاد، بالشروع فى عملية التأميم التى ستشمل خمس شركات للحديد والصلب, إثنتان منها ممولة كلياًً أو جزئياًً من قبل مجموعات أميركية ويابانية. وتُنتِج الشركات المؤممة أنابيب الصلب وقوالب الحديد, وتتركز فى ولاية بوليفار. وقال تشافيز إن هذه الخطوة تأتى فى إطار خطة لإقامة مجمع صناعى إشتراكى واحد فى البلاد.

تأميم شامل
وأعلن تشافيز فى الوقت نفسه تأميم شركة سيراميكاس كارابوبو لصناعة السيراميك. وكان شافيز قد أمم مطلع 2009 نحو 60 شركة للخدمات النفطية بينها شركة مملوكة لمجموعات أجنبية. وحسب قول تشافيز فإن "العمال الفنزويليين بصدد تقديم درس للعالم عن كيفية نهوض الطبقة العاملة لصنع الثورة".

وقبل هذا, شملت عمليات التأميم منذ 2007 شركات أجنبية أو ذات مساهمة أجنبية فى قطاعات مثل الإتصالات والكهرباء والأسمنت إضافة إلى المصارف. كما شملت عمليات السيطرة الحكومية مصانع تحويل أغذية لم تلتزم بالسياسات الحكومية فى ما يتعلق بالأسعار. وفى 4/6/2009 أعلن تشافيز أن حكومته بصدد تأميم عشرات من وحدات ضغط الغاز إستكمالاًً لعملية تأميم واسعة إستهدفت مُعظم القطاعات الإقتصادية الحيوية لهذه الدولة العضو فى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وعلى رأسها القطاع النفطى. وقال شافيز فى تصريحات أذاعها التلفزيون الفنزويلى إن حكومته شرعت فى السيطرة على سبعين وحدة لضغط الغاز فى 14 محطة فى عدة مناطق فى البلاد بما فى ذلك ماراكيبو وأورينوكو. وأضاف: "نواصل التقدم مستعدين للسيطرة على الممتلكات والإدارة فى جميع هذه المحطات ووحدات الضغط، لا أحد سيوقفنا فى هذا". وتابع أن "لدينا جدولاًً زمنياًً للسيطرة على محطات الإنتاج فى حزام أورينوكو". ولم يقدم تشافيز تفاصيل عن الشركات التي ستسيطر عليها الحكومة.

تأميم المصارف
وفى بدايات عام 2009 كثف تشافيز حملة التأميم التى بدأها قبل عامين فى فنزويلا بالسيطرة على شركات الخدمات النفطية بما فى ذلك شركة وليامز الأميركية. وفى 2/7/2010إنتقلت إلى الحكومة الفنزويلية رسمياًً ملكية 11 منصة نفطية كانت تابعة لشركة هلميريتش آند باين الأميركية. وكان وزير النفط رفائيل راميريز قد صرح بأن بلاده ستؤمم الحفارات بعد نزاع إستمر عاماًً حول مدفوعات معلقة من شركة النفط الوطنية الفنزويلية. وذكر راميريز أن الحكومة ستدفع لهلميريتش القيمة الدفترية للمعدات المصادرة وستتفق معها على سعر محدد خلال محادثات ستجريها معها.
وإستكمالاًً لخطة تأميم المصارف، وفى 18/12/2009 فقد أقر وزير الإقتصاد الفنزويلى دمج أربعة مصارف لإنشاء مصرف عمومى، وذكرت جريدة جازيت الفنزويلية أن السلطات أطلقت على البنك الجديد "بيسنتناريو", وأضافت أنه سينشأ من دمج أربعة مصارف هى بنفوانديس، وكونفيديرادو، وبوليفار بنكو، وسنترال بنكو. وأشارت الجريدة ذاتها إلى أن ثلاثة من المصارف الأربعة أغلقتها الحكومة بتهمة إقتراف تجاوزات فيما يتعلق بمصادر تمويلها والأرباح المحققة على رؤوس أموالها, ومن ثم جرى تأميمها، كما وأن أغلقت الحكومة الفنزويلية ثمانية مصارف صغيرة ومتوسطة. وقامت بتصفية إثنين من تلك المصارف وتأميم أربعة أخرى. وفى الوقت الحالى تسيطر الحكومة على 25% من القطاع المصرفى.

طرد السفير الإسرائيلى من كاراكاس
ولعل أشهر ما سمع به العالم العربى وتأثر به تأثراًً شديداًً هو ما قد تناقلته وكالات الأنباء العالمية فى يوم 6/1/2009 بقيام الحكومة الفنزويلية بطرد السفير الإسرائيلى فى كاراكاس، وذلك احتجاجاًً على الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة وتضامناًً مع الشعب الفلسطينى، وفقاًً لبيان الخارجية الفنزويلية. إذ جاء فى البيان، "ان الحكومة قررت طرد السفير الإسرائيلى وجميع العاملين فى السفارة رداًً على الهجوم العسكرى الإسرائيلى على قطاع غزة". وإتهمت فنزويلا إسرائيل بخرق القانون الدولى ووصفت ما تقوم به فى غزة بأنه إرهاب دولة، وكان تشافيز قد دان الحملة الإسرائيلية فى غزة وقال "إن قتل المدنيين جريمة ضد الإنسانية ينبغى جر الرئيس الإسرائيلى إلى محكمة دولية ومعه الرئيس الأميركى، لو كان لهذا العالم ضمير حى. يقولون إن الرئيس الإسرائيلى شخص نبيل يدافع عن شعبه!! أي عالم عبثى هذا الذى نعيش فيه ؟!"

مطالبة البابا بالإعتذار
ولكى ننظر إلى الصورة الكبيرة، وكى نتعرف على مدى إنشغال تشافيز بقضايا أمريكا اللاتينية كََكُُل؛ نرصد مطالبة تشافيز للبابا بنديكت السادس عشر بالإعتذار للهنود فى أميركا اللاتينية لتجاهله المذابح التى تلت إكتشاف كريستوفر كولومبوس القارة الأميركية عام 1492. وقال تشافيز موجهاًً كلامه للبابا فى مراسم نُظمت بمناسبة حرية التعبير:"مع كُُل احترامى لقداستك أعتذر لأن مذبحة حقيقية وقعت هنا وإذا كنا سننفى ذلك فإننا ننفى وجودنا ".
وتعليقاًً على تصريح للبابا بأن الكنيسة لم تفرض نفسها على سكان أميركا الأصليين، قال تشافيز "كيف يمكنه القول إنهم جاؤوا يبشرون بدون أن يفرضوا شيئاًً فيما كانوا مسلحين ببنادق". وكان البابا قال فى كلمة لأساقفة من أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبى فى نهاية زيارة للبرازيل"إن التبشير بالمسيح وإنجيله لم يتضمن فى أى وقت من الأوقات أى ضغينة لثقافات ما قبل كولومبوس كما لم تفرض أى ثقافة غريبة" معتبراًً أن المسيحية طهرت شعوب سكان أميركا الأصليين. ولكن تشافيز رد على كلام البابا، قائلاًً:" إن المسيح جاء منذ أمد بعيد إلى أميركا. فهو لم يصل مع كريستوف كولومبوس". وأضاف:" أن البابا قال أمراًً من الصعب جداًً قبوله.. لذلك فإن الكنيسة الكاثوليكية تفقد كُُل يوم مزيداًً من المؤمنين. ويبدو أن البابا قلق من إنخفاض عدد الكاثوليكيين فى أميركا اللاتينية. لكن مع تصريحاته أعتقد أنه تسبب بتفاقم الوضع".وإعتبر تشافيز أنه يشعر أنه نفسه هندى لأن الفنزويليين مزيج من الجنس الأوروبى والسكان الأصليين.
المبحث الثالث: ردود الأفعال على الصعيد الدولى وتصاعد الأزمة
كان من الطبيعى إذاًً، إزاء تلك المواقف الثورية والراديكالية، أو على الأقل غير التقليدية، أن تُعلن هافانا على لسان وزير خارجيتها فيليبى بيريز فى 12/4/2002 يوم إنقلاب كارمونا: إن كوبا تدين هذا الإنقلاب أمام الرأى العام العالمى" وقبل ذلك بيومين وفى جويرا ميلينا الكوبية أعلن برونو رودريجيز، سفير كوبا لدى الأمم المتحدة:" الحقيقة إن ما يحدث فى فنزويلا هو إنقلاب، وإن مجموعة إستسلامية موالية للولايات المتحدة تقوم عبر إستخدام القوة بإغتصاب السلطة التى منحها الشعب الفنزويلى للرئيس هوجو شافيز على أمل محو عقود من الزمن من الظلم والفساد، على هدى أفكار بوليفار...".
وكان من الطبيعى كذلك ان تتخذ بغداد، وطرابلس، وطهران، ودمشق، نفس الموقف الرافض بشدة للإنقلاب على نظام شافيز.
ولم تترك الأحزاب الشيوعية والعمالية، الفرصة فى مؤتمرها حول الوضع العالمى الجديد، الذى عقدته فى أثينا بحضور 62 دولة، فى الفترة من 21/6/2002حتى 23/6/2002، بلا أن تعلن إدانتها تخريب النظام الشرعى والديموقراطى فى فنزويلا البوليفارية، وذلك إضافة إلى إدانة عزل وإزالة الحركة اليسارية المسلحة فى كولومبيا.كما أعلنت دول أمريكا اللاتينية(مجموعة ريو) إعلانا فوريا رفضها التام لمثل هذا الإنقلاب.
حتى الأن لا نستطيع أن ندعى تقديمنا إجابة وافية على أسئلتنا المثارة، بشأن الإنقلاب الخائب، وإن تمكنا ولو ظاهرياًً من الإقتراب أكثر من بلوغ ضفافها. فلنساير إذاًً خطوتنا الفكرية الأولى التى كونتها ذهنية تنشغل، بوعى، بالتعرف على طبيعة الأوضاع والأحوال وسير الأمور فى فنزويلا فى الفترة من (2000 وحتى 2010) بالتركيز الموضوعى على الفترة من(12/4/2002 وحتى 3/2/2003)
يُمكن القول أن الأيام قد مضت بعد عودة تشافيز رئيساًً شرعياًً لفنزويلا ونفى كارمونا، وذلك دون أحداث تستحق الرصد ، بإستثناء بعض الأحداث المتفرقة ذات الصدى:
- كالإشتباكات التى تمت بين أنصار تشافيز ورجال الشرطة؛ بعد أن قررت المحكمة العليا فى 3/8/2002تأجيل الفصل فى قضية محاكمة كبار مسئولى الجيش المتهمين فى الإنقلاب.
- وكظهور 14 ضابط فى التليفزيون الفنزويلى يوم 23/10/2002 معلنين التمرد، فى مواجهة هوجو تشافيز، إلا أن خوزيه رانجل نائب الرئيس الذى تولى مهامه فى 28/4/2002، إستنكر تلك التصرفات، بقوله:" إن الرئيس موجود فى مكتبه يمارس عمله كالمعتاد، وان غالبية ضباط الجيش يعارضون موقف زملائهم بشدة"
- وكالمواجهات التى حدثت كذلك بين قوات الأمن وأنصار تشافيز، الذين تجمعوا فى 5/11/2002 أمام المجلس النيابى الوطنى بوسط كاراكاس فى محاولة لمنع وصول، كما تردد وهو محل شك، أكثر من مليونى توقيع من أجل الإستفتاء على إقالة تشافيز.
- أضف إلى ذلك: مسيرة 7/11/2002، والتى بلغ عدد المشاركين فيها 600 ألف شخص.
نقول، ولتمضى الأيام، حتى يأتى يوم 2/12/2002، كى يسفر التحالف الذى تم بين كارلوس أورتيجا (1941- )زعيم إتحاد العمال الذى تأسس عام 1933، وبين كارلوس فرنانديز(1941- ) رئيس غرف التجارة والصناعة والزراعة والخدمات"فيداكمراس"عن واقع إعلان حالة إضراب شاملة وعنيفة فى أهم قطاع إقتصادى فى فنزويلا، قطاع البترول.
عزز هذا التحالف. التحالف بين قوة العمل وبين رأس المال(فى حقل صناعة النفط) وباركه: ثالوث الإعلام(أقوى الأضلاع: 5 قنوات، و12 جريدة) والمحكمة العليا(أحياناًً، ونحن هنا نخالف ما هو مُعلن) وثالثاًًً: الكنيسة الكاثوليكية(التى ينتمى إليها دينيا 96% من السكان) بإستثناء الأب أدولف روكاس، الذى عُُرف عنه إلتزامه إلى جانب الفلاحين غير المالكين، وإلى جانب العمال الزراعيين، فقد إتخذ موقفاًً واضحاًً ومعلناًً بدعمه لتشافيز، فى حملته الإنتخابة فى كيبور، إذ أعلن:" إن السادة المطارنة لم يفهموا رهان هذه الثورة التى ستغير الأوضاع فى فنزويلا رأساًً على عقب. أنى أشعر بكونى معنى كلياًً بالمشروع الذى يقوده تشافيز سلمياًً من أجل تضامن الفنزويليين وكرامتهم".
وإلى تلك الأضلاع الثلاثة يمكن إضافة ألفريدو بينيه، محافظ كاراكاس، وهنرى فيفاس، رئيس الشرطة، والذى نزع تشافيز منهما السلطة فى 16/11/2002، وردتها إليهما المحكمة العليا فى 19/12/2002.
إبتداءًً من 2/12/2002 أى بداية الإرتباك، تأخذ الأحوال فى الوضوح، وتبدأ الإجابات على الأسئلة المنهجية التى فرضت نفسها فى لحظة تاريخية معينة فى التبلور، وإلى أن تستقر الأوضاع نسبياًًً فى أول فبراير2002، نتمكن أكثر من بلوغ شطآن الإجابة.
يتعين هنا الوعى بإنعدام أى تعديل على نص السؤال المعنى بأطراف الصراع، إذ أن مَََََن قام بالإنقلاب هو مَََن قام بالتمرد والإضراب، ولنفس الأسباب.
فإذ ما أخضعنا الفترة من 2/12/2002، بداية الأرتباك وحتى 1/2/2003 الإستقرار النسبى للرصد الواعى؛ فبإمكاننا ملاحظة عدة أحداث تسترعى الأنتباه، وتؤهلنا لفحص المسألة الفنزويلية الراهنة بمنهجية أكثر دقة :
فبعد أن بدأت الأمور تسير من سيىء إلى أسوأ، تدخل البيت الأبيض فى 15/12/2002، وطلب فى إجتماع لمنظمة الدول الأمريكية(دول الأمريكتين وجزر الكاريبى) سرعة إجراء إنتخابات حسماًً للإضراب، لكنه الإقتراح الذى رفضه غالبية ممثلى الدول فى المنظمة، وإنتهوا، بل إكتفوا، بعبارة:" تدعيم المؤسسات الديموقراطية".
وفى 19/12/2002، حكمت المحكمة العليا، بإعادة فتح وتشغيل الشركة الوطنية للنفط. وتطبيقاًً لهذا الحكم ؛ فقد قام هوجو تشافيز،بنفسه، فى 23/12/2002 بقيادة حملة عسكرية لرد تمرد ناقلة البترول" بيلين ليون" مَعقل الإضراب، والتى أضرب عمالها على بعد نصف ميل غرب كاراكاس، وقام رجال البحرية بتفريغ شحنة الناقلة التى تصل إلى 280 ألف برميل. تزامن ذلك مع رد تمرد الناقلتين" كورا" و" سوزانا دوجيم". وبعد المزيد من الإشتباكات الدموية، ومع المزيد من التدخل العسكرى، والتوسع فى إستخدام وسائل القانون العام القامعة لحركة التمرد، فقد أعلنت قوى المعارضة فى 2/1/2003، عزمها على التفكير فى وقف الإضراب الذى قادته منذ 2/12/2002، والإنتقال إلى وسيلة ضغط أخرى تتمثل فى العصيان المدنى، الأمر الذى دخل حيز التنفيذ الفعلى فى 7/1/2002، وهو الإجراء الذى تصدى له تشافيز كذلك، معلناًًً فى اليوم التالى من مدرسة فى أحد الأحياء الشعبية غرب العاصمة:" انهم يسعون إلى التهجم على خزينة الأمة عبر القضاء على حسابات مصلحة الضرائب، ولن نسمح بذلك وسنتخذ كل الخطوات التى تفرض نفسها". ومن خلال إستخدام اللهجة التهديدية، ولغة الوعيد بإستخدام القوة العسكرية للسيطرة على المدارس والمصارف والمصانع وإغلاق القنوات التليفزيونية المعارضة، والقيام فعلياًًً بتجريد شرطة العاصمة من أسلحتها الثقيلة، والإستيلاء على أكبر مصنعين لإنتاج المياه المعدنية والبيرة، وعدة مصانع ومستودعات للأغذية، وفصل آلاف العمال من الشركة الوطنية للنفط، مع تسريح عددا كبير جداًًً من المستخدمين فى الإدارة المالية لهذه الشركة. بفضل كل ذلك، فقد تمكن تشافيز، وعلى الرغم من الخسائر التى قدرت بنحو 4 مليار دولار، من إجبار المعارضة على التفاوض الذى بات مطلباًً ضرورياًً، بعد أن تحولت فنزويلا إلى دولة مستوردة للنفط، إذ إستوردت ولأول مرة فى تاريخها أول شحنة نفط من "بتروبراز" البرازيلية بلغ مقدارها 525 ألف برميل. التفاوض إذا كان حتمياًً بعد أن ساءت الأوضاع بشدة وأنبأت الأحوال عن حدوث أزمة محققة على الأصعدة كافة، وهو الحال الذى لن تشهده فنزويلا مرة.
بارك تلك المفاوضات، التى وكما سبق القول أصبحت ضرورة ملحة بعد أن إشتدت الأزمة وأنذرت بما لا تُحمد عواقبه، كل من الرئيس الأمريكى السابق" جيمى كارتر" ومؤسسته، والذى تقدم بإقتراحين: إما تعديل الدستور على نحو يقلص فترة الرئاسة من ست سنوات إلى أربع سنوات، وإما الإنتظار إلى شهر أغسطس من عام 2003؛ لإجراء إستفتاء طبقا للدستور، وكذلك بارك ذلك التفاوض الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك" كوفى آنان" والخارجية الأمريكية فى إجتماعهما يوم 12/1/2003 مع كارلوس أورتيجا، وتيموتيو زامبرانو"مفاوض المعارضة" كما توصل إليه إجتماع(كيتو) بحضور أوريبى، وريكاردو لاجوس ولوزادا، وتوليدو، ولولا دى سيلفا، ونينا باكارى" وزيرة الخارجية الإكوادورية" وسيزر جافيريا" الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية".

أثر هذا الإهتمام والتدخل الدوليين(وهو الأمر غير المألوف بهذا الشكل بوجه عام) تشكلت مجموعة أصدقاء فنزويلا بتوليفتها المنطقية !! البرازيل وشيلى والجزائر، والتى تعد حليفا نفطيا مهما لفنزويلا والمملكة السعودية والمكسيك، إلى جوار كل من: الولايات المتحدة الأمريكية والبرتغال وأسبانيا!! ومن الجدير بالذكر أن البرازيل رفضت، طبقاًًً لتصريح خارجيتها، طلب فنزويلا بتوسيع نطاق المجموعة بإدخال (كوبا، والصين، وفرنسا، وروسيا، والدومينكان)بدعوى :" الحفاظ على التوازن الحساس" .

ومهما يكن من أمر؛ فقد توصل(الأصدقاء) على ما يبدو إلى حلول جيدة، ومُرضية على الصعيد العالمى!! أدت إلى إعلان المعارضة فى أول فبراير 2003 الرفع الجزئى للإضراب فى قطاعى الصناعة والتأمين، دون قطاع النفط(مكمن الأزمة نفسها) ولكى تُعلِن فى 3/2/2003 رسمياًً إنهاء الإضراب واللجوء تارة أخرى إلى العرائض المطالبة بإجراء إنتخابات جديدة. ولتنتهى المسألة الفنزويلية على هذا النحو، ظاهرياًً، بثلاثة أمور:
أولاًً: توقيع إتفاق وقف العنف بين الحكومة والمعارضة، من أجل الديموقراطية والسلام فى 19/2/2003، ولكى يلقى القبض على فرنانديز، مع تحديد إقامته؛ بتهمة التحريض على الجريمة والعصيان المدنى، وذلك قبل مرور24 ساعة على الإتفاق المذكور.
الثانى: ويتمثل فى توجيه النقد، الرسمى، الحاد فى24/2/2003، لكُُلٍٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، وأسبانيا؛ كأصدقاء غير مخلصين!!
أما الأمر الثالث: فقد تبدى بإسترداد فنزويلا لطاقتها الإنتاجية"النفطية"وعودتها إلى الكمية المقررة لها فى الأوبك، وذلك طبقاًًًً لتصريح رانجل فى سانتايجو فى24/3/2003، وهو التصريح الذى أثبتت الأيام التالية صدقه.

لعل إنتظارنا حتى يوم 2/12/2002 ورصدنا لما بعده، كانا مفيدين فى سبيلنا للإلمام بعناصر الإجابة على تساؤلاتنا الأولية، حول: أطراف الصراع، ودور الولايات المتحدة الأمريكية والدائرين فى فلكها.

وإلى هنا تنتهى خطوتنا الفكرية الأولى التى أردنا من خلالها فحص الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الراهنة فى فنزويلا، ومن هنا كذلك تبدأ خطوتنا الفكرية الثانية، التى تمثل إمتداداًً منهجياًًً للخطوة الأولى، بهدف تقديم إجابة على الأسئلة المطروحة. بالتعرف ليس فقط على مسرح الأحداث ذاته، أى التعرف على شخصية فنزويلا "الدولة، والإقليم"، بل والتعرف كذلك على السلعة الدائر من أجلها الصراع المحموم. وهو ما ننشغل به فى الفصل التالى بمبحثيه.
الهوامش
(1)نسبة إلى سيمون جوان فيسنتى دى بوليفار، المولود فى فنزويلا فى 24/7/1783 لأحد الأسر الغنية المنتمية إلى العرق الأسبانى، تعلم على يد الثورى كارينو. طالع مؤلفات روسو والإلياذة والأوديسا، وسير العظماء، كما قرأ لسيبونزا، وجون لوك، وعشق كتابات فولتير، ومونتسكيو، وأحب كثيراًً رواية دون كيشوت، التى أعاد قرائتها فى الأسابيع الأخيرة من حياته. يمكن القول بأن مجرى حياته قد تغير تماماًً بوفاة زوجته فى عام 1803 اثر حمى خبيثة أصابتها ولم يكن قد مضى على زواجهما عشرة أشهر. سافر بوليفار إلى أسبانيا وفرنسا، وشاهد تتويج نابليون بونابرت، كما سافر إلى إيطاليا وإنجلترا والقسطنطينية فى الفترة من 1799 حتى 1807 ولكى يعود إلى كاراكاس، حتى تشغل جهوده رقعة من العالم مترامية الأطراف؛ فقد قاد معاك عديدة فى فنزويلا، وبيرو، وشيلى، وبوليفيا، والأرجنتين فى سبيل التحرير من الحكم الإستعمارى الأسبانى. حيكت له الدسائس ودبرت له المؤامرات فى معظم عواصم أوروبا وبخاصة: لندن وباريس ومدريد. يرى البعض، كوديع الضبع، أن هناك لطخة سوداء فى جبينه لن يغسلها الزمن، وهى تسليمه لصديقه وقائده فرانسيسكو ميرندا إلى الأعداء، كانت أولى إنتصاراته تحرير كولومبيا عام 1819، حيث صار رئيساًً لها، ثم تحرير فنزويلا والإكوادور عام 1821. مات سيمون بوليفار يوم 17/12/1830، قبل تحقيق حلمه بتوحيد أمريكا اللاتينية، نُُقل رفاته عام 1842 فى موكب مهيب إلى كاراكاس حيث أقيم ضريح لذكراه، كما أقيم له فى سنة 1846 تمثالاًًً فى بوجوتا الكولومبية. لتكوين الخطوط العريضة بشأن حياة بوليفار، وإنما بوعى، ولو أولى، حول المرحلة التى عاشها وعلاقات التناقض بداخلها، أنظر: وديع الضبع، بوليفار، مكتبة النهضة المصرية،1957، كذلك أنظر العمل الرائع لجابرييل جارسيا ماركيز، سيمون بوليفار، أو الجنرال فى المتاهة، ترجمة: محمد عبد المنعم جلال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة1996.
(2) إعتمدت فى سبيل تكوين هذا الوعى على "وسائل الإعلام" الأتية، وهو الأمر الذى يتطلب الحذر بطبيعة الحال:
الأهرام، البيان، البعث ، السياسة، الشرق الأوسط، العالم اليوم، الوطن. وكذلك :
The Economist- Herald Tribune- The Independent- Le Monde
كما إستعنت بالمواقع الالكترونية الأتية :
www.BBC.com,www.CNN.com,www.Aljazeera.net,www.UN.org,www.Mondiblor.com. http://www.Bussines.com. http://www.Peopledaily.com Swissinfo.org.
ولعل الراصد للموقف سيلمس بسهولة الثراء النسبى للمسألة الفنزويلية، من جهتى التناول والتحليل على صعيد فعل الكتابة؛ إذ ظهرت وفى وقت وجيز جداًًً، وهذا فى الواقع مأخذ، مجموعة كتابات عالجت المسألة الفنزويلية، بيد أن (كُُُل) ما وقع تحت أيدينا منها، كان أسير النزعة الخطية والرؤية الأدائية الميكانيكية، ولم يستطع أن يتحلل منهما إلى رحابة النظرة الجدلية وغنى المدخل الهيكلى، وبخاصة وأن أكتنف هذا الإنتاج النظرى على مستوى فعل الكتابة حالة أقرب ما تكون إلى الإجهاض الفكرى. هذا الإنتاج النظرى، بالنظر إلى طبيعته السطحية، توقف فجأة بإعلان إنتهاء الأزمة!!
(3) يتعين علينا، بصدد العلاقة الفنزويلية الإيرانية، أن نوضح موقفنا الفكرى من التأسيس لهذه العلاقات المتسمة بالتوافق والتضحية"الظاهرية" أحياناًً، بالتآخى ما بين الثورة البوليفارية"التشافيزية"والثورة الإيرانية، وهى من الأمور التى، لم يتم تسويقها إعلامياًً فقط، وإنما سادت فى خطاب بعض تيارات اليسار، التى عادة ما ترحب بكُُُُل إنقلاب، أو ثورة، أو إنتفاضة، وربما عنف وإرهاب ونهب، تحت بند: التطور الجدلى للتاريخ والمجتمعات!! فكان من الطبيعى ذلك الترحيب، غير العِِلمى، بتأييد مؤسسة الحكم فى فنزويلا للإنتخابات الرئاسية الإيرانية، والتى شهدت حركة ثورية جماهيرية ضد مؤسسة الحكم الإسلامى فى إيران. فأولاًًً وقبل كُُل شىء، النظام الإيرانى ليس نظاماًًً ثورياًًً. لأن الثورة التى إنتصرت سنة 1979،كانت ثورة جماهيرية بالمعنى الحقيقى، إذ شهدت مشاركة الطبقة العاملة، والشباب، والفلاحين، والجنود، والنساء، الخ. فى حماسة ثورية وطنية من أجل الإنسانية والكرامة إعلاناًً عن مطالبة جماهيرية بإيقاف نهب ثروات الوطن مِِن قبل حفنة مالكين، وقد كان العامل الحاسم فى إسقاط نظام الشاه هو الإضراب العام الذى نفذه عمال النفط، إذ قام ملايين العمال بتنظيم شوراس(لجان المعامل)فى معاملهم وسيطروا عليها وسيروها تحت رقابتهم، كما قام ملايين الفلاحين بإحتلال أراضى كبار الملاك. كما قام الطلاب بإحتلال مدارسهم وجامعاتهم وعملوا على تسييرها بشكل ديمقراطى وأنهوا نظام التعيين الذى كان سائداًًً فيها، والجنود بدورهم شيدوا شوراسهم (مجالسهم) وبدءوا فى تطهير الجيش من الضباط الرجعيين. وتمكن الشعب الإيرانى كُُُله من إسقاط نير الإمبريالية. بيد أن، تدعيم أسس النظام القائم حالياًً فى إيران، لم يتحقق ما بين سنوات 1979 و1983، إلا على قاعدة السحق الفعلى لهذه الثورة من جانب رجال الدين الإسلاميين الأصوليين. وخلال بضعة سنوات صارت كُُُل مكتسبات ثورة 1979 هباءًً. فقد أُُُعيدت الأرض إلى كبار الملاك من جديد، وطرد منها الفلاحون الذى إستولوا عليها. وتم تحطيم مجالس المعامل وأستبدلت بمجالس إسلامية، وحرمت العمال من جميع الحقوق، بما فيها الحق فى التنظيم والإضراب. وتم فرض تفسير محدد للإسلام على جميع المواطنين، فوضعت أشد القيود على النساء، وخلق مناخ من القمع الإيديولوجى للأغلبية الساحقة من السكان. ويمكننا القول بأن إستيلاء رجال الدين الإسلاميين الأصوليين على ثورة العمال وباقى فئات الشعب وسحقها، لم يكن ممكناًًً إلا بسبب السياسات الخاطئة التى نهجتها المنظمات اليسارية، التى إعتقدت فى إمكانية تشكيل جبهة متحدة مع رجال الدين الإسلاميين الذين كان يترأسهم أية الله الخمينى. وقد دفعت ثمن أخطائها غالياًًً جداًًً. وهكذا تمكنت الجمهورية الإسلامية، خلال مدة أربعة سنوات من القمع الهمجى ضد اليسار، من تدعيم أركانها والاستيلاء على ما كانت فى البداية ثورة عمالية شعبية معادية للإمبريالية. ولكى يتمكنوا من ذلك قام رجال رفع الدين شعار معاداة الإمبريالية، ويستعمل أحمدى نجاد، مثله مثل رجال الدين، لغة شعبوية ومعادية للإمبريالية فى محاولة لكسب التأييد من جانب الجماهير، مع المزيد من السحق اليومى للعمال وباقى فئات الشعب.