فرضيات جرامشى


محمد عادل زكى
2011 / 2 / 22 - 23:59     

فرضيات جرامشى
فى كراسات السجن، ترجمة: عادل غنيم، يقول جرامشى:"عند نشوء حركة ثورية ما فإنه يتعين أن يسير التحليل الواقعى فى الإتجاهات الآتية : 1- المحتوى الإجتماعى لجماهير وأنصار الثورة. 2- ما هو دور هذه الجماهير فى ميزان القوى الآخذة فى التحول؟ 3- ما هى الدلالة السياسية والإجتماعية للمطالب التى يتقدم بها قادة الحركة، والتى تلقى القبول العام؟ وما هى الحاجات التى تلبيها ؟ 4- بحث ملائمة الوسائل للغايات المتوخاة". ويختتم جرامشى سرده لعناصر تحليل الثورة، أى ثورة، برفضه للإفتراضات التى ترى أن هذه الحركة سوف تنحرف حتماًً، وتخدم أهدافاًً تختلف كل الإختلاف عما توقعته الجماهير، ويرى جرامشى أن هذا الإفتراض لا يكون جديراًً بالإعتبار إلا فى التحليل النهائى. إن إفتراضات جرامشى تلك تُُلهم بلا شك الكثير حال تناولهم الثورة، أى ثورة، بتحليل موسع أو مختصر، لا يهم. وبالفعل كانت إفتراضات جرامشى أساساًً شيّد عليه الكثيرون تحليلاتهم والتى سعوا من خلالها إلى تكوين موقف واضح من الثورة، وظنوا أنهم فعلوا!! ولكن هل من الممكن أن نتعامل مع فرضيات جرامشى بشكل مختلف؛ فنأخذ تلك الفرضيات برمتها ونضعها فى مكانها الصحيح من مُُجمل التصور الواعى بحركة التاريخ البطيئة والعظيمة، لا بغرض نقدها، فلا مجال هنا لذلك، وإنما إبتداءً من الرغبة فى إعادة فهم الفرضيات ذاتها فهماًً يدفعنا إلى الأمام لا يكبلنا فى أرض الجمود. إبتداءًً من هذا فلنساير أطروحات جرامشى، بشأن ثورة 25 يناير فى مصر، فما هو المحتوى الإجتماعى لجماهير وأنصار الثورة؟ الإجابة: الطبقة الوسطى هى التى مثلت عماد ثورة 25 يناير، وما هو دور هذه الجماهير فى ميزان القوى الآخذة فى التحول؟ الإجابة: تمكنت تلك الطبقة من إسقاط رأس النظام، وبعضاًً من رموزه. وما هى الدلالة السياسية والإجتماعية للمطالب التى يتقدم بها قادة الحركة، والتى تلقى القبول العام؟ الإجابة: تدل المطالب التى يتقدم بها قادة الحركة، على حالة عارمة من الغضب العام، والرغبة فى حياة كريمة، وربما الرغبة فى السلطة كذلك!! وما هى الحاجات التى تلبيها؟ الإجابة: وهى لا تنفصل عن الإجابة السابقة مباشرة؛ إذ أن الحاجات التى تلبيها تتمثل فى إعادة صياغة النظام السياسى شكلاًً وموضوعاًً، ومن ثم إعادة تشكيل الحياة الإجتماعية على نحو يحترم معنى الإنسان وحقوقه. وفى سبيل ذلك تكون الثورة من خلال تجمع ملايين الجماهير وإعتصامهم سوياًً فى تظاهرات سلمية، تطالب بكل ذلك، وهذا الذى قال جرامشى بشأنه: بحث ملائمة الوسائل للغايات المتوخاة. ولكن مثل تلك الإجابات، وهى صحيحة، لا تصل بنا لأبعد من فعل الرصد؛ كما إنها لا تؤدى بنا إلا إلى تصورات خائبة عن الثورة، ومستقبلها؛ وتركها إلى حيث الإنطباعات الشخصية، دون هدف واضح، ولذا سنأخذ تلك الفرضيات إلى حيث الفعل، لا الرصد. فلنجعل. فلنُُحدِِث. فلنفعل. لا ننتظر الحدث، بل نخلقه. ولذلك نعيد فهم فرضيات جرامشى على نحو مختلف، فما هو المحتوى الإجتماعى لجماهير وأنصار الثورة؟ الإجابة: ثوار واعون بأن النظام الإقتصادى الذى تشكل فى ركابه النظام الحاكم الفاسد، هو العدو الأوحد الوحيد، وما النظام الفاسد إلا أحد صوره. ما هو دور هذه الجماهير فى ميزان القوى الآخذة فى التحول؟ الإجابة: تغيير حقيقى للنظام الإقتصادى، بتغيير حقيقى لنمط إنتاج لا يصنع سوى نعشاًً نلفظ بداخله أنفاسنا الأخيرة. ما هى الدلالة السياسية والإجتماعية للمطالب التى يتقدم بها قادة الحركة؟ الإجابة: الفهم الواعى بحركة التاريخ، وإدراك الدور الحتمى فى دفع عجلة التاريخ، وخلق الحدث الثورى الحقيقى إبتداءًً من وعى ثورى حقيقى مؤمن بقضيته الواضحة. وما هى الحاجات التى تلبيها؟ الإجابة: وهى هنا كذلك لا تنفصل عن الإجابة السابقة مباشرة، إذ تنبع الحاجات من رفض الحياة سفهاًً، والموت إنتحاراًً، دون أن نعى معنى الحياة والهدف منها. أن الحاجات التى نريدها تتلخص فى رغبتنا فى مشروع حضارى لمستقبل آمن، يقيم علاقة حقوقية حقيقية، يكون الفرد فيه من أجل الكل، والكل من أجل الفرد. وإنما إبتداءًً من نمط إنتاج، يعى معنى كون الفرد من أجل الكُُل، والكُُل من أجل الفرد. وليس أقوالاًً مرسلة فى سياق عِلم أخلاق مصطنع. وفى سبيل تحقيق ذلك، لا مفر من الدماء الثورية المجيدة، وإنما الموت من أجل قضية، لا من أجل اللاشىء؛ إن الأطروحات التى قدمها جرامشى هى أطروحات ثورية فاعلة، يتعين التعامل معها بثورية واعية بأن الثورة الحقيقية هى ضد نظام إسترق أرواحنا على ظهر كوكب ينتحر بعد أن قاد المخبولون العميان؟