ثورتا تونس ومصر وازمة الرأسمالية الدائمة!


توما حميد
2011 / 2 / 20 - 08:48     

ليس من المبالغة القول باننا نعيش ايام فريدة. أن ثورات مثل ثورة تونس ومصر لاتحدث كل يوم . في الشرق الاوسط مثل هذه الاحداث وقعت في ايران سنة 1979. والاكثر من ذلك هناك احتمال انتقالها الى الدول العربية والشرق اوسطية والافريقية مثل الاردن والعراق وسوريا واليمن والمغرب وموريتانيا وليبيا وايران وغيرها. ان الاحتجاجات قد بدأت بالفعل في العراق واليمن والجزائر وليبا والبحرين والانظمة الحاكمة قد قدمت تنازلات مهمة. وفي الحقيقة ان هذه الاحداث يمكن ان تنتقل الى دول بعيدة عن المنطقة مثل الصين وسيريلانكا و تايلندا والفلبين وكازحستان وغيرها. فليس من باب الصدفة ان تمنع الصين نشر معلومات عن احداث مصر مثلا.
رغم ان الثورتين التونسية والمصرية هي ليس ثورات اشتراكية حيث لم تطالب بتغير كامل للنظام الاقتصادي والسياسي البرجوزازي كما انها لم ترافقها حملات فكرية عميقة ضد الافكار والتقاليد البالية وخاصة ضد الدين كتلك التي رافقت الثورات البرجوازية الديمقراطية في اوربا (بسبب كون هذه الثورات ليست ضد النظام الاقطاعي وسلطة الدين المباشرة) الا ان ثورتي تونس ومصر بغض النظر عن نتيجتنها قد غيرت الظروف السياسية والاجتماعية في المنطقة والعالم الى الابد و لها اهمية فائقة وهي خالقة لتاريخ جديد. ان اهم مشخصات هاتين الثورتين والفترة الحالية هي مايلي:
1. تعمق هاتان الثورتان وما يتبعها من ازمة كل النظام الرأسمالي: ان الراسمالية المعاصرة ادامت حياتها اعتمادا على الطاقة الرخيصة، و النزعة الاستهلاكية و وجود العمل الرخيص في عدد كبير من الدول. ان الرسمالية قد حرمت مؤخرا من الطاقة الرخيصة نتيجة ارتفاع اسعار النفط والى حد كبير من النزعة الاستهلاكية نتيجة الاحتباس الحراري ووعي البشرية بهذا الموضوع وانخفاض القوى الشرائية للطبقة العاملة. ان احداث مصر وتونس هي بصدد ازالة الامتياز الثالث وهو وجود عامل رخيص ومقموع في اجزاء واسعة من العالم. يتمثل موقع تونس ومصر في تقسيم عمل العالم الرأسمالي كالكثير من الدول في الشرق الاوسط وافريقيا واسيا وامريكا اللاتينية واوربا الشرقية تقديم العمل الرخيص حيث تلجا اليها الرساميل بغرض جني ارباح هائلة خاصة عندما لاتجد فرصة للاستثمار في الدول الغربية. ان ثورة مصر وتونس وامتدادتها هي بصدد القضاء على هذا التقسيم العالمي للعمل الرأسمالي ومكانة هذه المجتمعات في هذا التقسيم سواءا من خلال المطاليب الاقتصادية الانية التي ترفع من قبل الطبقة العاملة في هذه الثورات او من خلال المطاليب الديمقراطية التي تحد من الاستبداد السياسي والقمع السافر كبنية فوقية في تلك الدول الضرورية للمحافظة على العمل الرخيص.
ان ما يخفف من الازمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالمي حاليا هو اقتصاد دول مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها. ان نمو الاقتصادي في تلك البلدان هو ليس لكون الانسان الصيني او الهندي اكثر ابداعية من الانسان في الدول الرأسمالية المتقدمة او نتيجة تبني اقتصاد اشتراكي او اقتصاد راسمالي بتخطيط مركزي او غيرها من الوصفات التي تطلق على الاقتصاد الصيني بل هو نيجة وجود عامل رخيص مما يساعد على تراكم الرأسمال بشكل سريع.
ومن المعروف ان الاقتصاد الرأسمالي يعاني من ازمات دورية ولكن لحد الان كان بامكانه من الخروج من هذه الازمات بشكل او باخر وان يشهد فترات انتعاش بين الازمات. لقد اثنى على الرأسمالية لهذه القدرة على تغطي ازماتها والانتعاش بعد كل ازمة والاتيان بحلول وان كانت في الحقيقية تخدم الطبقة الحاكمة. الا ان هذا لن يحدث بعد الان اوعلى الاقل لن يحدث بتلك الوتيرة والشكل وفي النهاية ستدخل الرسمالية في ازمة دائمية. في الحقيقية النظام الرأسمالي في ازمة متواصلة لسنوات واحتمال التعافي منها شبه معدوم وهي تتعمق يوميا. وليس بامكان الرأسمالية ايجاد حلول لعدد كبير من التناقضات التي تواجها. ان وجود عمل رخيص في عدد كبير من الدول بحد ذاته كان نعمة الا انه اليوم خلق تناقض غير قابل للحل فمن جهة يحمل الرساميل الى الهرب من الدول المتقدمة حيث تتمتع الطبقة العاملة بحد معين من الحقوق مما يؤثر سلبا على اقتصاديات تلك الدول كما ان القمع المطلوب للمحافظة على العمل الرخيص ووجود وسائل الاتصالات المتطورة تمكن الطبقة العاملة في الدول المتخلفة من الاطلاع على اوضاع نظيراتها في الدول المتقدمة يجلب امكانية حركات سياسية وجماهيرية التي قد تضع كل النظام الرأسمالي في تلك الدول في خطر. من جهة اخرى ان وجود بلايين الدولارات التي لايمكن استثماراها في الدول المتقدمة يدفع الرأسماليين الى اللجوء الى انواع المضاربات والقمار مما يزيد من احتمال حدوث ازمات مالية واقتصادية.
ان هاتين الثورتين ومن خلال الحد من العمل الرخيص في دول تحكمها انظمة قمعية تزيد من تناقضات الرأسمالية العالمية وخاصة في اوضاع الازمة الحالية وتدفع الرأسمالية الى ازمة دائمية. وسوف تتعمق هذه الازمة عندما تتشبع اقتصاديات دول مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا بالرساميل كما حدث في الدول المتقدمة والذي لن ياخذ وقتا طويلا من الناحية التاريخية.
2- ان هاتين الثورتين قد غيرتا علاقة الفرد والمجتمع بالسطلة والدولة البرجوازية باتجاه الحد من القمع. فمن جهة لقد وجهت ضربة الى مكانة كل السلطة البرجوازية وبنية دولتها واستبدادها وليس النظام الحاكم الحالي فقط وحددت قدرة مؤسساتها القمعية وجعلت من امر الثورة و الاطاحة بالدولة امرا ممكنا. ان هذه المكانه الجديدة للسلطة البرجوازية وامكانية الاطاحة بها تبقى ماثلة امام اي سلطة برجوازية تحكم مصر وتونس والدول الاخرى في المنطقة حتى التي لن تشهد ثورة. من جهة اخرى لقد غيرت من مكانة وهيبة وكرامة الانسان الفرد والمجموع. لقد زادت ثقة الانسان بنفسه وقللت من خوفه من المؤسسة القمعية. وان روح المقاومة والنصر والايمان بامكانية خلق غد افضل في تصاعد. باختصار ان احداث مصر وتونس لقد زادت من اقتدار الفرد والمجموع مقابل السلطة. ان انظمة قمعية مفاوية فاسدة الى اقصر الحدود تقوم بما تشاء وتتصرف بمؤسسات وموارد الدولة وبقوانيينها بالشكل التي تريد لن تستقر بسهولة في هذه المنطقة بعد الان. ان هذا هو اهم انجاز هاتين الثورتين،رغم ان الثورة في تونس ومصر قد حققت الى حد الان بعض المكاسب المهمة، كما ان معظم الانظمة في المنطقة قد قدمت تنازلات مهمة ووعدت بمكافحة الفقر والبطالة الواسعة و غلاء الاسعار وتحسين الخدمات وحد معين من الحريات السياسية وحرية التعبير والانتقاد. وخلقت هاتان الثورتان اجواء ثورية على مستوى العالم ايضا.
3. تفقد البرجوازية سيطرتها الفكرية والسياسية: البرجوازية تعاني من فراغ في المجال الفكري والسياسي وفي مجال القيادة. فالبرجوازية العالمية وكل حركاتها بما فيها القومية والدينية والديمقراطية والاصلاحية تعاني من ضعف ايديولوجي وقلة المبادرة وغياب شخصيات وقيادات مؤثرة. ان النظام البرلماني الغربي الذي يمثل قمة ماتوصلت اليه الرأسمالية يواجه اسئلة صعبة في عقر داره اي الولايات المتحدة حيث تعيش قطاعات واسعة من المجتمع في ظروف ماساوية.ان المقولات والافكار التي قولبت تفكير البشرية منذ سقوط نظام راسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي تفقد سيطرتها ومقبوليتها. وفقدت الرأسمالية العالمية و الغرب بشكل خاص الى حد كبير القدرة على احداث تغير من فوق و التحكم بالاحداث واتخاذ التدابير لتغير مسارها بالشكل السابق في الكثير من الدول. الغرب الراسمالي فقد مصداقيته ونفوذه. فيما يخص بالثورتين التونسية والمصرية ركض الغرب وخاصة امريكا وراء الاحداث وحاولوا اللحاق بها. واحيانا اكتفت امريكا اثناء الاحداث باسداء النصائح وفي الكثر من الاحيان بدت مواقفها متذبذبة. في عام 1979 اثتاء الثورة في ايران تمكنت الحكومات الغربية والاعلام الغربي في غضون بضع اشهر من تحويل رجل دين مغمور وفي منتهى الرجعية الى شخصية كارزماتية معادية للامبرالية والى بطل قومي ومنقذ للجماهير في ايران. قدرتهم للتدخل في هذه الاحداث اليوم هي اقل بدرجات. وتمثلت هذه الاحداث ضربة اضافية الى مكانة امريكا واستراتيجيتها السياسية والعسكرية التي تلقت ضربة قوية بفشلها في العراق. لم يحدث تغير بهذا الحجم في المنطقة وكان دور امريكا والغرب بهذه الهامشية لعقود. ان الضربة الاساسية لمكانة امريكا جائت نتيجة ان هذا التغير جاء على يد جماهير هذه المنطقة ولم تتمكن امريكا من احداث اي تغير في المنطقة سواءا عبر الوسائل العسكرية او السياسية رغم معرفتها بان الانظمة الاستبدادية بالشكل الحالي تشكل خطر على كل النظام الرأسمالي. كما ان الحركات والاحزاب السياسية التي تمثل البرجوازية المحلية كشفت عن ضعف ايديولوجي وسياسي وتنظيمي كبير. ان ماخدم البرجوازية العالمية والمحلية هي السسن الاجتماعية المتجذرة والمؤسسات الموجدة اصلا في المجتمع وخاصة الجيش. ان معظم تدخل البرجوازية العالمية والمحلية انصب في هدف واحد وهو منع الطبقة العاملة من الامساك بالسلطة او ممارسة اي نوع من التدخل المؤثر وصيانة النظام السياسي والاقتصادي مع القيام ببعض الاصلاحات المحددودة. اذا نجحت البرجوازية على تحديد مكاسب ثورة تونس ومصر وحصرها باصلاحات اقل من المتوقع لن يحدث لقدرة البرجوازية العالمية والمحلية ولكن بسبب ضعف الطبقة العاملة وعدم تحول الضعف الايديولوجي والسياسي للبرجوازية الى رصيد للماركسية والشيوعية العمالية لحد الان وغياب شيوعية بروليتارية منظمة.

4. لقد وجهت هاتان الثورتان ضربة قوية لمكانة الرجعية الاسلامية: لقد تلقت الرجعية الاسلامية هذه الضربة رغم كما قلنا ان هذه الثورات لم تترافقها حملة فكرية وسياسية ضد الدين بشكل عام وحركاته السياسية. ان الضربة لموقع الاسلام السياسي ينبع من اضعاف مكانة امريكا وبالتالي دفع الصراع بين قطبي الارهاب،الغرب بقيادة امريكا من جهة والاسلام السياسي من جهة اخرى نحو الهامش. اما الضربة الثانية فهي ان هذه الثورات الجماهيرية من اجل الحرية وكرامة الانسان تقضي على الظروف المناسبة لنمو الرجعية الاسلامية من قمع وتخلف وانعزال ووجود انسان خامل و مسلوب الارادة. كما ان الجماهير قد خبرت حكم القوى الاسلامية في المنطقة و ان الثورة في بعص البلدان مثل العراق والسودان هي بالضد من حكومة اسلامية او ان الاسلام السياسي هو جزء كبير من الحكومة. لقد كانت الحركات الاسلامية هي في هامش هذه الاحداث وهو المكان المناسب لها. حتى وان تمكنت الحركات الاسلامية من ركوب موجة هذه الثورات في بلدان مثل اليمين وليبيا الا ان مكانة الاسلام السياسي سوف تتراجع في المطاف الاخير لان هذه الثورات هي في الجزء الاساسي منها من اجل الحرية والرجعية الاسلامية هي بالضد من الحرية.
5. فتحت هاتان الثورتان فرصة امام الطبقة العاملة وحركاتها ومنظماتها لدخول الميدان: يجب التاكيد في البداية بان الثورة المصرية قد حققت معظم اهدافها من وجه نظر المنظمين الاساسيين للاحتجاجات التي اطاحث بحسني مبارك مثل حركة 6 ابريل. لقد حددت اهداف الثورة باسقاط النظام، اقامة حكومة مؤقتة تتوعد بحل البرلمان والغاء الدستور وتنظيم استفتاء على دستور جديد واقامة انتخابات حرة واطلاق سراح السجناء السياسيين ، والتعددية الحزبية وحرية الصحافة والتحقيق في الفساد وقد تمت اغلب هذه الاهداف.طبعا يجب ان لا نقلل من قيمة هذه المكاسب، ولكن يجب ان نشير الى خلل كبير وهو ان هدف هذه الحركات لم يكن ابدا الامساك بالحكم. لم يقل منظموا احداث مصر واقسام المعارضة البرجوازية الكثير عن المعضلات المعيشية التي تواجه الطبقات المحرومة وحتى من يصوغ الدستور الجديد ومحتواه وعن فصل الدين عن الدولة وعن الكثير من الحقوق والحريات المدنية والفردية.لقد وصلت الشرائح غير العمالية الى هدفها في التغير الديمقراطي لذا اخلت ساحة التحرير الا ان الثورة من منظور الطبقة العاملة لم تنتهي ويجب الادامة بها والا ستكون فرصة ضائعة.
من وجهة نظر الطبقة العاملة كان يتوجب تحويل اللجان الشعبية التي اقتصرت وظيفتها اثناء الاحداث على مهمة دفاعية وهي الدفاع عن ارواح وممتلكات الناس والممتلكات العامة رغم اهمية هذا المبادرة التي عكست وعي وقدرة عالية على التنظيم الى مجالس مواقع السكن والعمل والدراسة تسيطر على الاحياء والمعامل والمصانع والجامعات، و توسيعها الى كل بقاء مصر تاخذ على عاتقها ادارة هذه االمواقع وتشكيل مجالس المدن والمقاطعات وصولا الى مجلس لعموم البلد ، اي ارساء سلطة مجالسية تستند الى الارادة الحرة والواعية للجماهير و تجاوب على حاجات الاغلبية الساحقة للمجتمع. كان يجب ان يمسك هذا التنظيم المجالسي بالسلطة او على الاقل يفرض سلطة مزدوجة في البلد. كان يجب الارتقاء بالنضال ليتوسع الى اضرابات تشل الاقتصاد ومصادرة المؤسسات الاقتصادية وغيرها من الوسائل. كان يجب التصدي للتوهمات الشعائعة ومسعى البرجوازية لانكار الطبيعة الطبقية للمجتمع والشعبوية الفجة التي تضع الملياردير والانسان المعدوم في خانة واحدة، وادعائها بان تياراتها واحزابها تمثل كل المجتمع وان مؤسساتها مثل الجيش هي فوق الطبقات ومحايدة وغير مبالية بانقاذ مؤسسة الدولة وادواتها والقانون البرجوازي من هجوم الطبقة العاملة، ووصف الدكتاتورية كونها دكتاتورية اشخاص وليس دكتاتورية طبقة ووضع اللوم على اشخاص بدلا من طبقة ومن يمثلها من حركات واحزاب وانكار ان قمع الطبقة الحاكمة هو بالاساس ضد الطبقة الحاكمة وليس الاجنحة البرجوازية الاخرى وكشف ان الاستبداد هو حاجة طبقية . كان يجب ان يتوضح بان بن علي وحسني مبارك هم قادة حركة القومية العربية التي تمثل البرجوازية في تونس ومصر وقادوا دول برجوازية بدعم من الراسمالية العالمية . كان يتوجب ان يتبن بان اختلاف المعارضة البرجوازية عن الانظمة الحاكمة هي اخلافات ثانوية بسيطة ولم تكن حول الملكية الخاصة والطبيعة الراسمالية للدولة بل حول مشاركة الاجنحة الاخرى للبرجولزية في السلطة.كان يتوجب على الطبقة العاملة فصل صفوفها عن المعارضة البرجوازية والرد على سياسة الحكومة وخطط المعارضة وطروحاتها من حكومة مؤقتة او حكومة انقاذ وطني وتقديم اجوبة على كل التحديات. كان من المفترض ان تبرز شيوعية عمالية مرتبطة بالطبقة العاملة وتقوم بتنظيم الجزء الطليعي الشيوعي في حزب شيوعي ثوري مقتدر يقود الطبقة نحو اهدافها. كان يجب الرد على ادعاءات مثقفي البرجوازية بان النظام الاشتراكي هو نظام خيالي اذ انه ليس اكثر خيالية من نظام الضرائب و نظام الخدمات في كثير من الدول الغربية والمتقدمة.
ان هذا لم يحدث بسبب غياب الاتحاد والوعي داخل الطبقة العاملة وضعف نفوذ الشيوعية العمالية وغياب تنظيم شيوعي عمالي يقودها في هذا النضال لظروف موضوعية وتاريخية. ان ثورات تونس ومصر هي تجربة جديدة للطبقة العاملة في العقود الاخيرة لذا يتطلب الجواب على عدد هائل من المسائل التي تواجها وتقف هائل امام طرح بديل ورؤية مستقلة عن كل اجنحة البرجوازية وافراز شيوعية عمالية وبناء حزبها الشيوعي العمالي المقتدر الذي يستطيع من الاستفادة من هكذا اوضاع . تقع اليوم مسؤولية كبيرة على عاتق مفكري وقادة وفعالي الشيوعية العمالية من اجل الجواب على تلك المسائل.
ولكن بالنسبة للطبقة العاملة المهمة لم تنتهي لا في مصر ولا في تونس ولا في الدول الاخرى في المنطقة. يجب الاستمرار بالنضال وتوسيعيه وتطوريه ليس من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية فقط بل حتى المحافظة على مكاسب الثورة الديمقراطية. الطبقة العاملة هي الطبقة الاكثر راديكالية ولها مصلحة في اجراء تغير عميق في بنية النظام السياسي والاقتصادي ولها القدرة على القيام بذلك. اذا كانت مطاليب الشرائح الاخرى تقتصر على حرية الصحافة و انتخابات حرة وانهاء حالة الطوارء فان مطاليب الطبقة العاملة الانية تشمل القضاء على الفقر و فرض قانون عمل عصري وحد ادنى للاجور يتناسب مع تكاليف المعيشة و ضمان فرصة عمل او ضمان بطالة لكل شخص عاطل مستعد للعمل بلغ 16 عام، وراتب تقاعدي للمتقاعدين عن العمل وتوفير الخدمات بما فيها الخدمات الصحية والتعليم والسكن وضمان حرية التنظيم والاضراب والتجمع، وحرية التعبير والانتقاد وفصل الدين والقومية عن الدولة والتربية والتعليم، المساواة التامة بين المراة والرجل، الغاء حكم الاعدام والقضاء على التمييز على اساس العرق والدين ولون البشرة ، وحماية القيم العصرية والانسانية والمدنية وضمان محاكمة رموز النظام السابق والاستيلاء على الاموال التي جمعوها اثناء حكمهم الاسود وغيرها. ان هذه هي المهام الفورية للعمال وقادتهم والفعالين الشيوعيين والاشتراكييين ، يدفع العمل من اجلها بنضال الطبقة العاملة من اجل الخلاص النهائي عن طريق الاطاحة بكل النظام الراسمالي وبناء الجمهورية الاشتراكية.
هناك نقاط قوة كثيرة لثورتي مصر وتونس يمكن للطبقة العاملة الاستفادة منها و البناء عليها . لقد شهدت هذه الاحداث حركة من تحت ومشاركة واسعة من قبل الطبقة العاملة بل ان قادة الاحتجاجات العماليين وغير العماليين اعتمدوا على الطبقة العاملة من اجل الحشد ضد النظام وفرض التغير. ان الاحتجاجات كانت بشكل اساسي من اجل حياة افضل للطبقات المحرومة وضد الفقر والبطالة وانخفاض الاجور والتضخم والقمع باشكاله وضد النظام الذي ابقى على هذه الظروف والممارسات. الشعار الاساسي كان الخبز والحرية الذي هو شعار طبقي عمالي والاهم انه تطور الى مطاليب سياسية بما فيها الاطاحة بالنظام. لم تتحدد مطاليب الثورة بمطاليب الحركات البرجوازية بل لقد غابت الشعارات القومية والاسلامية عن هذه الاحداث. وقد كشفت ثورتا مصر وتونس عن اهتمام بالسياسة وعن رغبة والايمان بامكانية التدخل والتغير. كما كشفت عن مستوى عالي من التنظيم والوعي وكانت اللجان الشعبية وتنظيم الدخول الى ساحة التحرير وغيرها نماذج مهمة من هذا التنظيم والوعي. الصراع الطبقي بدى شفافا الى حد ما. لعقود كان الصراع الاساسي هو صراع بين القطب الشرقي والغربي وبين الغرب ونظام صدام حسين وبين الغرب والارهاب الاسلامي. اليوم الصراع هو بين الطبقة العاملة والشرائح المضطهدة من جهة و البرجوازية وانظمتها القمعية من جهة اخرى.
و ستساعد هذه الاحداث على توضيح الكثير من الحقائق بسرعة كبيرة. سيتبين بسرعة بان الجمهورية البرلمانية التي هي اقصى ماتذهب اليه البرجوازية حتى لو فرضت في تلك البلدان و رغم ان طبيعتها تعتمد على قوة الطبقة العاملة الا انها ليست ماينقذ الطبقة العاملة من الوضع الاقتصادي المزري الذي فرض عليها. ان النظام البرلماني في دول مثل مصر وتونس سيكون شبيه بالانظمة الموجودة في دول مثل تركيا واندونيسيا والتي تصور كنماذج يجب الاحتداء بها بينما تعيش الطبقة العاملة في وضع مأساوي.
سوف يزداد الاهتمام ببرامج الاحزاب والقوى الاجتماعية وستتخذ التوجهات والصراعات السياسية اشكلال اكثر بلوغا وشفافية. سوف تعجل هذه الاحداث من بروز الهوية الطبقية و الارتقاء بنضال الطبقة العاملة ووحدة صفها وبروزالحركات والمنظماتها والاحزاب التي تمثلها. كما توفر هذه الاحداث فرصة لبروز الشيوعية العمالية وتدخل هذا التيار من اجل تنظيم وتوحيد الطبقة العاملة وترسيخ التحزب الشيوعي فيها وفصل صفها وتسليحها بافق وبديل عمالي شيوعي. الاجواء مهيئة لعمل الشيوعيين ولتطوير العمل الشيوعي المباشر وتبني لغة شيوعية واضحة، حيث هناك سخط كبير على الوضع الراهن.

6-بينت الاحداث غياب السسن والتقاليد الشيوعية في المجتمع: لقد لجا الانسان العادي في الاحداث الحالية كما هو متوقع في ظل غياب حركات سياسية توجه الاعتراض الى التقاليد والسنن الاجتماعية الراسخة في المجتمع وفي المجتمعات الشرق اوسطية هي سنن الحركات القومية والدينية. تجد قبول المعترضين اثناء اعتصامات ساحة التحرير في مصربخطب رجال الدين والمراسيم الدينية رغم ان اغلب ممن باشروا بالمظاهرات والاعتصامات ونظموها واداموها هم من العلمانيين واليسار. لذا يجب ان تعمل قوى الشيوعية العمالية الى جانب النضال من اجل بناء حركة وحزب شيوعي عمالي اجتماعي على ترسيخ سننها وتقاليدها في المجتمع بكل الوسائل.
7-غياب القيادة الفردية للاحداث: ان وجود قيادة معروفة ومسموعة الكلمة و ملتزمة ويمكن تحميلها المسؤولية ضروري لنجاح حركة جماهيرية بهذا الحجم. ولكن رغم ان ثورة مصر مثلا استمرت ثلاثة اسابيع الى ان اجبرت حسني مبارك على الهرب الا انه لم تبرز لحد الان شخصية او جماعة كقيادة ذات اعتبار امام المجتمع.ان طريقة سير الاحداث قد برهنت على وجود قيادة حيوية الا ان عدم بروزها كان واضح للعيان. ان الحركات الاجتماعية عادة ما تتشخصن وهو امر مهم وضروري الا انه لم يحدث في ثورتي مصر وتونس. تستفاد البرجوازية من القيادة الشخصية الى اقسى الحدود واحيانا تتشخصن الحركات الاجتماعية والاحزاب وحتى البرامج الانتخابية الى اقصى الحدود. فمن لايعرف من يمثل نيكولاي ساركوزي او باراك اوباما وميركل وغيرهما ولكن ما ان تظهر بوادر بروز قيادة وشخصنة لحركة اجتماعية للشرائح المضطهدة والطبقة العاملة بالذات الى ان تنهال التهم بالستالينية وعبادة الفردية والبول البوتية وغيرها ليس من اليمين والطبقة الحاكمة فقط بل من فقهاء ومنظري اليسار غير العمالي ايضا . ولقد كان تعمد منظموا هذه الاحداث عدم ابراز شخصياتهم نابع من الرضوخ لهجوم البرجوازية ومحاولتها حرمان الطبقة العاملة والشرائح المحرومة من قيادة معتبرة.
في النهاية يجب ان انوه بان البشرية قد تقدمت في اخر عقدين خطوات هائلة. فقبل عقدين، اي في الفترة التي سميت بفترة مابعد الحرب الباردة او بداية النظام العالمي الجديد كان الحديث يدور هو " نهاية الشيوعية" و " نهاية التاريخ" و" ازالية الرأسمالية والسوق الحر" و " انتهاء عصر الثورات" و " انتهاء عصر الدكتاتوريات " و" انتصار النموذج الغربي". وكانت كل الافكار الداعية الى الحرية والمساواة والكرامة الانسانية بما فيها الماركسية والشيوعية والاعتقاد بالنضال الجمعي و بدور الانسان وتدخله وامكانية التقدم نحو الافضل تحت ضغط هائل. شاع وقتها اليأس والتشوش الفكري والظلامية بخصوص مصير البشرية واتجاه المجتمع البشري. اعتبر الصراع الطبقي شيئا من الماضي وشاعت السياسة والميول السياسية المستندة على الهوايات البدائية العرقية والقومية والعشائرية والمذهبية . واكتسحت الصراعات المستندة على هذه الهويات العالم. اليوم كل الحديث هو حول ازمة الرأسمالية و الثورة والطبقة العاملة والصراع الطبقي. لقد كان اليسار الماركسي مهمش الى حد كبير والكثير من الحركات والاحزاب والافراد بما فيها اناس اعتبروا انفسهم تحرريون وتقدميون ودعاة المساواة قد استسلموا في تلك الفترة. اليساريون والماركسسيون القدامى تحولوا الى مستشاريين للنظام الرأسمالي ومؤسساته و متحذلقين محرة لوصف حسنات النظام الرأسمالي. الا ان تلك الفترة المظلمة من تاريخ البشرية قد انتهت كما توقع منصور حكمت ذلك في وقت بدت الرأسمالية راسخة والبشرية خاضعة لسيطرة السلطة البرجوازية ومطاليبها ونقدها واخلاقها وسياساتها وفي وقت كان الكثير يعيش في يأس عميق. لقد توقع ايام ازدهار الرجعية والنيوليبرالية باننا قريبا سنشهد عصر اخر عصر تدخل الطبقة العاملة وبامكاننا الحديث عن التقدم والنضال من اجل التقدم وعن امكانية الهجوم وعن حب الانسان والمصالح العامة والكرامة الفردية والانسانية. لقد تنبا بان سقوط نظام راسمالية الدولة سيجعل النضال الطبقي اكثر وضوحا وشفافية. وفعلا تحقق كل ذلك و البشرية اليوم مليئة بالامل وروح المقاومة.
في هذه الاحداث نتوقع الكثير من الشيوعية العمالية في العراق وايران لانها اكثر فصائل الشيوعية البروليتارية انسجاما ووضوح رؤية واستعدادا. في المقابل يحكم ايران احد اكثر الانظمة رجعية وتخلفا وقمعا وفي العراق نصب نظام يمثل عار الرأسمالية المعاصرة وهناك سخط كبير على النظامين من وجهة نظر انسانية وطبقية.