الماركسية يجب أن تكون جديدة,ثورية,إنسانية,ديمقراطية


جميل عبدالله
2011 / 2 / 16 - 22:21     

عندما انتهى الاتحاد السوفييتي ومعه كل الأنظمة الاشتراكية في أوروبا تحول العالم إلى نظام القطب الواحد, عملياً. هذا التطور قاد إلى تصعيد لم يسبق له مثيل في السياسة الغربية , وهذا التصعيد وجد تعبيراً عنه في تصعيد عنيف للاستغلال الاقتصادي الذي يمارسه الغرب الرأسمالي الصناعي, ضد كل شعوب العالم . ولكن الغرب وحلفائه لم يندفعوا للاستغلال الاقتصادي المباشر, فقط, بل قاموا بحملة تهدف إلى تدمير الحلم الاشتراكي, وإلى تدمير التطلع في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا, إلى بناء دول قومية معاصرة وتدمير التضامن والتحالفات , عالميا, وبين دول العالم الثالث إننا نلاحظ الآن, بوضوح كامل, أن المخطط , هو مخطط تفتيت وتفكيك الدول القومية, بل وتفكيك الفكرة القومية والرابطة القومية ويبيعون العولمة على أنها تفكيك كل شيء, وتقديس المال والتقدم الشخصي الموهوم في عالم, بلا قومية, وبلا ثقافة, وبلا تراث, وبلا انتماء جماعي للشعب.
علينا أن نعترف أن الشيوعية, في المنافسة الاقتصادية مع الرأسمالية, لم تفشل ابدآ, بسبب غياب وجود المبادرات والاحترام للحاجات الاستهلاكية لشعوب الدول الاشتراكية. كل مَن زار الدول الاشتراكية كان يحس أولاً أنها لم تكن في معزل عن العالم, المواطنون فيه مسموح لهم من زيارة الدول الأجنبية, واعتقد أن بأن الاتحاد السوفييتي وبقية الدول الاشتراكية قد سقطت نتيجة مؤامرة غربية بدعم عربي ناجح-هو القول الصحيح ومن السخافة القول أن الزعم غورباتشوف هو المسؤول عن انهيار النظام الاشتراكي!! التجربة الاشتراكية تجربة عظيمة , ولكن العاصفة العالمية تحولت بسرعة تاريخية إلى مستنقع للبيروقراطية الدموية والطبقية المرعبة والاغتيالات وغياب أبسط حقوق الإنسان , لذلك فإننا نستذكر القول الشهير للفيلسوف الألماني الشهير هيغل كل نظام يسقط أغلب الظن أنه كانت أسباب موضوعية لسقوطه. هل يعني هذا الكلام أن الرأسمالية هي الخيار وما علينا إلاّ أن ندور في فلك النظام الاحتكاري-الاستعماري ؟
على ضوء ذلك, منطقياً, فلسفياً وعملياً, هناك حاجة لأحزاب ماركسية, اشتراكية, تقود المظلومين ضد البطش الرأسمالي. ولكن ما نلاحظه, هو أن الحركة الشيوعية العالمية ضامرة وذابلة الان , وعاجزة عن طرح البدائل, كما نشاهد تراجعاً حاداً جداً في عضوية وشعبية الأحزاب الشيوعية. بعتقادكم ماهو السبب !!؟ هل هو الفكر او الفرد !؟ الآن أصبح بالإمكان, وأصبح لا خيار أمام أي حزب عمالي أو ماركسي, إلاّ أن يصوغ تفكيره وتنظيره وبرنامجه وأُسلوب عمله وشكل عمله بين جماهيره وانطلاقاً من الحاجات المحلية للنضال الثوري المحلي . بالإضافة لهذا, علينا أن نلاحظ أن عواصف مذهلة قد حدثت في العالم, وربما أهمها الثورة العلمية التكنولوجية, وثورة المعلومات. لم يعد بإمكان أي حزب أن يظَّل مجبولا من حالة خاصة. أو منغلقاً على نفسه كما لو كان تنظيماً سرياً !!
هناك في النضالية للأحزاب الشيوعية والعمالية ما هو جدير بالدراسة, ولكن مبدئياً, هناك حاجة إلى ثورة اجتماعية وفكرية وسياسية وإعلامية, هناك حاجة إلى التجدد العاصف بدون ترك البوصلة التي هي - النضال للعدل الاجتماعي الحقيقي والأُخوة الإنسانية. إذا كان ماركس وإنجليز قد نظَّرا لمطلع القرن التاسع عشر, وإذا كان لينين قد نظَّر للثورة البروليتارية في مطلع القرن العشرين, فإن التخمين العلمي يقول إن النضال العمالي, الاشتراكي, الاجتماعي, في عصرنا العاصف يحتاج إلى رؤية جديدة, إلى صياغة جديدة, إلى نضال في ظروف جديدة تماماً, وإلى أساليب ديمقراطية وجماهيرية لم تكن ممكنة قبل قرن من الزمان. في عصرنا لم يعد ممكناً الاكتفاء بأحزاب مجبولة من حالة خاصة تعتمد المركزية الديمقراطية الحديدية, بل هناك حاجة إلى أحزاب مفتوحة على العصر, مفتوحة على الناس, تتفاعل مع الثورة الإعلامية وتستفيد منها, مفتوحة أمام كل الطبقات المتضررة من النظام الاحتكاري, قادرة أن تستفيد من الثورة الإعلامية في الدولة, وقادرة أن تفرز قيادات محنكة ومهنية قادرة أن تناظر وأن تصارع سياسيي الرأسمالية. قادرة أن تستوعب أعضاءً وأنصاراً كثيرين وأن تقيم تحالفات في المعركة ضد الاحتكارات.
إن الانتصارات والنجاحات الهامة في أمريكا اللاتينية مثيرة للاهتمام وجديرة بالدراسة, كما أن مركزية الحزب الشيوعي الايطالي في الحياة السياسية لايطاليا مثيرة للاهتمام ولا مثيل لها . ما هو مطلوب بدون تأجيل هو الماركسية, بحيث تضم بالإضافة إلى الصراع الطبقي الثقافي , الصراع دفاعاً عن حقوق الإنسان, الصراع للمساواة الحقيقية للمرأة في كل مكان , الصراع دفاعاً عن الأقليات المضطهدة , الصراع العالمي دفاعاً عن العمال الأجانب , كما أن المبنى الداخلي للأحزاب يجب أن يتخلص تماماً من سرطان تقديس الشخصية !! ومن احتكار النخبة القيادية خدمة لمصالحها, مما يجعلها تتعامل مع الكوادر كجنود تنفيذ فقط, أما التفكير فهو للقيادة, التي جُبِلَت من طينة خاصة جداً!!
ذات مرة كان اصطلاح الاشتراكية الديمقراطية كفراً لا كفر أشنع منه وأخطر. في اعتقادي المتواضع أن صيغة العمل الحزبي الماركسي , يجب أن تتسع للالتزام الاشتراكي والنضال الاشتراكي, و أن تتسع للديمقراطية العلنية ولإمكانية تعدد الآراء, ولشرعية الاجتهادات المختلفة. ليس صدفة أن الأحزاب الشيوعية في السابق تميزت بالانفتاح , وبكثرة اللحمة الحزبية والفكرية والنهجية, بينما الأحزاب الاشتراكية كانت تتسع للمنظرات الحادة, بدون انقسام, وتتسع لاجتهادات كثيرة, بدون تخوين.
في النهاية : إن مركزية الصراع الاجتماعي والصراع لحقوق الإنسان, بمعناها, الشامل, هو ما يجب أن يعيد للأحزاب الماركسية حيويتها للمرحلة, واندماجها بتطلعات الجماهير الشعبية وأحلامها. قال كارل ماركس, أعظم الفلاسفة والثوريين في التاريخ: أنا إنسان , وكل ما هو إنساني ليس غريباً عني. إذا ارتبطنا بهذه المقولة, اعتقد أن بالإمكان أن تستعيد الحركة العمالية الثورية حيويتها التاريخية وقيادتها للتحولات الجوهرية في المجتمع الإنساني, وأن تحمل من جديد بشرى تحريرية شاملة, للإنسانية. ما تحتاجه الحركة العمالية الثورية العالمية, وأحزابها, ليس إصلاحات شكلية, بل صياغة جديدة للإستراتيجية والتكتيكات وأساليب النضال وبناءً جديداً للعلاقة بالجماهير على الارض التي تتطور وتتجدد وترقى سياسياً واجتماعياً وثقافياً باستمرار.

سلامتكم ياشعوب الارض ,,,