بصدد ثورة جماهير مصر -- مواجهة الاستبداد والفقر والفساد


فلاح علوان
2011 / 2 / 13 - 23:12     

-4-

ان الاستبداد هو القمع والتسلط المنظم الذي يهدف الى ادامة سيطرة قسم من البشر على القسم الاخر، واخضاعهم بالقوة، ان جهاز القمع المنظم هذا هو الدولة الطبقية. هذا الشكل من الاستبداد هو سمة المجتمع الطبقي الذي يقوم على استعباد واستغلال قسم من المجتمع للقسم الاعظم منه، اي ان يكون طبقات تتحكم احداها بحياة الاخرى.
ان الطبقة السائدة تديم سيطرتها هو عن طريق التحكم بوسائل المعيشة، اي بالاجر والانتاج والتداول، عبر سيطرتها على وسائل الانتاج. ان الخلاص هو بانهاء سيطرة طبقة على طبقة وليس باستبدال حكومة باخرى. ان التخلص من السيطرة والاستبداد هو بانتزاع وسائل السيطرة من يد الطبقة السائدة. وانهاء نظام الاستغلال، واقامة مجتمع لا طبقي، اي باختصار الاشتراكية. ان هذا يتطلب برنامجا سياسيا طبقيا، وجهازا ينظم القوى القابلة لاحداث التغيير، القوى التي ليس لها اي مصلحة في استعباد الاخرين، بل انها لا تتحرر قطعا دون انهاء الاستغلال، هذه الطبقة هي طبقة العمال، وهي بحاجة الى اداة تنظيمية ثورية بيدها، اي حزبها السياسي الطبقي المنظم الحازم، المبني على اساس مصالحها الطبقية العليا.
تؤدي مواجهة الاستبداد الى مواجهة سياسية شاملة مع مجمل النظام السياسي. وفي اوضاع مصر تحولت المواجهة الى ثورة ضد النظام السياسي.
ليس " الفساد" عرضا او ازمة او خللا يمكن اصلاحه او معالجته، انه خصيصة اصيلة في كل مفاصل اجهزة الدولة الراسمالية الحديثة، وفي كل خلاياها على الاطلاق. انه بنية لا يمكن للنظم الاستبدادية العيش ولو للحظة بدونها. ان اشكال الفساد متنوعة، ولكنه يصب في مصب او مكب واحد يشكل جهاز سلطة استبدادي، يعتاش من هيمنة مؤسسات قمعية تحمي راسمالية متعفنة.
فمن تقوية الصلات العشائرية المقربة من الحكام الى انشاء شبكات الشقاوات والبلطجية الى زمر الوصوليين والجواسيس الى فرق الاغتيالات والتهديد، وشبكات القوادين ومنظمي الحفلات السياسية، ورجال الدين الذين يباركون الحكام ويبحثون عن النصوص التي تؤيد حكمهم او يسوون النزاعات والصراعات بابتسامة ابوية تطمس محتوى الظلم والاستعباد وتمنحه صفة الديمومة والابدية وتحيل الناس الى الصبر والتحلي بالخلق وتجاوز تفاهات الدنيا. ومن وسائل الاعلام المنافقة والمثقفين ما فوق الطبقيين، كل هذه تشكل ماكنة او جهازا معقدا يتخفى في جنباته الفساد، ويمارس كعمل روتيني مرتبط بمفاصل وروابط شائكة لا راس لها. الفساد ليس مجرد تقديم رشوة او تقصير في عمل، او اختلاس مبلغ.
ان الافقار الشديد ناجم عن استغلال فائض القيمة وفائض الربح الامبريالي. كما ان اندماج الاسواق في الدول الخاضعة بالسوق العالمية وبمستويات الاسعار العالمية ومستوى اسعار الفائدة، فرض الاسعار العالمية على السوق المحلية في مصر وسائر الاقطار الراسمالية الخاضعة. مع تدني مستويات الاجور بصورة لا تتناسب قطعا مع مستويات اسعار السوق العالمية.
ان المطالبة بتطابق الاسواق العالمية ومستويات الاسعار والاجور، محال، لانه سيعني ببساطة زوال السوق الراسمالية وبالتالي زوال الراسمالية كما يقول منصور حكمت، او ايجاد راسماليتين في عالمين منفصلين وهذا محال ايضا. اذن لا مخرج للراسمالية من ازمتها الراهنة. وان الثورة التي نعيش ايامها، هي احدى مقدمات الخلاص من النظام الراسمالي.
ان ما جرى من احداث خلال الازمة العالمية، حيث انهيار النيوليبرالية، تاميم المصارف في اميركا، الانتفاضات العمالية فرنسا واليونان واسبانيا وايطاليا، موجة الاحتجاجات في الجزائر والاردن واليمن والسودان التي اعقبت او تزامنت مع الثورة في تونس، ثم الثورة في مصر، هي اكبر مما حصل اواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من انهيار الكتلة الشرقية، والذي سمي بانهيار الشيوعية وبطلان الاشتراكية ... الخ والتي طبل لها المثقفون الليبراليون كجزء من بوق الغرب الراسمالي ولكن لا يطلق على ما يحصل اليوم انهيار الراسمالية، لان انهيار الراسمالية كنظام اجتماعي هو باقامة تظام سياسي اجتماعي اخر، اي الاشتراكية. لان الاكتفاء بالاحتجاج والاصلاحات في نفس اطار النظام هو ترميم للراسمالية وتمكينها من اعادة انتاج نفسها.
ان التاثير الفكري والايديولوجي الذي تتركه الثورات في تونس وصر في المجتمع وعلى الحركات الاجتماعية في المنطقة بخاصة، يتجاوز بكثير مسألة اسقاط نظام سياسي معين او سلطة.
ان الشكل الذي يتخذه مجرى الثورة، فرض التراجع على العديد من التيارات الفكرية التي كانت تعتاش من تفسيراتها الذهنية وتقييمها الاوضاع على اساس المشاهدة العرضية للاحداث وليس تحليل الجوهر الطبقي لها.

لقد غاب عن فكر العديد من الباحثين، ومنهم من يعتبر نفسه اشتراكيا او ماركسيا، كون الصراع الطبقي هو محور كل الصراعات حتى تلك التي تسعى لطمس البعد الاجتماعي للصراع واعطاءه صبغة حضارية او عرقية او دينية او ثقافية او ما شاكل. لقد فرضت ثورات تونس ومصر وبضربة، التراجع على هذه التيارات.


للحديث بقية