المغرب الكبير : الدولة الفيدرالية الديموقراطية الموحدة ( مشروع مرحلة )


محمد بودواهي
2011 / 2 / 11 - 15:22     

تعيش الشعوب المغاربية في ظل أوضاع سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية متباينة متأثرة بتلك الاختلافات الجوهرية في طبيعة الأنظمة الحاكمة التي تتوزع بين النظام الملكي والنظام الرئاسي وما يسمى في ليبيا بنظام الجماهيرية ، حيث يتميز كل نظام بخصوصيات معينة تحددها بالأساس عوامل السياسة والإيديولوجيا فيما تعمل عناصر أخرى كاتاريخ شبه المشترك والامتداد الجغرافي والوحدة الهوياتية والثقافية والإثنية على تسهيل عملية البحث عن الطرق والآليات التي من شأنها إعادة اللحمة إلى كل المكونات وخلق تلك الإرادة المشتركة لدى الشعوب في التغيير والحرية والديموقراطية والوحدة في إطار دولة فيدرالية ديموقراطية موحدة
إن الظرفية السياسية التي تعرفها المنطقة المغاربية ، بعد نجاح الثورة التونسية المجيدة في إسقاط الطاغية بن علي ونظامه الاستبدادي المتسلط ، وبعد الزلزال العنيف الذي لازالت تحدثه هزات الشارع المصري لطرد الرئيس مبارك ونائبه عمر سليمان وزبانيتهما في النظام الفاشستي الدموي وفي الحزب الوطني الحاكم ، لتنبئ بحدوث مخاض ثوري على الساحة في العديد من الدول المغاربية الأخرى خاصة في الجزائر والمغرب حيث دعت الأحزاب الجزائرية المعارضة إلى القيام بالنتفاضة شعبية يوم غد السبت 12 فبراير من أجل الضغط على نظام بوتفليقة ودولته العسكرية لإحداث مجموعة من التغييرات السياسية الضرورية بالإضافة إلى تحقيق رزمة من المطالب الحقوقية والإجتماعية بعد أن تدهورت الوضعية المعيشية للمواطنين بشكل مهول وبعد أن تفشت البطالة بشكل واسع وسط الفئات المتعددة من الشعب وخاصة وسط المتعلمين وخريجي الجامعات والمعاهد العليا الأخرى المتعددة ، وحيث دعت عشرات الآلاف من الشباب المغاربة المستقلين وكذا المنتمين للعديد من الفصائل اليسارية الجدرية كالتروتسكيين والماويين والبرنامج المرحلي والمناضلين الملتفين حول جريدة " المناضل " وأحزب النهج الديموقراطي والطليعة واليسار الموحد وغيرهم من النشطاء الذين يتواصلون في الفيسبوك ومواقع أخرى إلى تنظيم تظاهرات واسعة في كل المدن المغربية يوم 20 فبراير للمطالبة بتغيير الدستور وإحداث إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وهو الأمر الذي التقطته حركة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة فعملت على ركوب موجة الشباب من أجل إثبات وجودها على الساحة حيث رفعت من سقف المطالب إلى حد المطالبة بإسقاط النظام الملكي برمته
غير أن ما لا يطرح في أجندة الأحزاب السياسية المعارضة بشتى تلاوينها وأطيافها - وفي كل المنطقة المغاربية - باستثناء بعض الأحزاب اليسارية الجذرية - هو الدعوة إلى قيام اتحاد مغاربي من شأنه المساعدة على توفير الشروط لبناء دولة فيدرالية ديموقراطية موحدة ، متأثرة في ذلك بسياسة التفرقة والتخندق الضيق في إطار الدولة القطرية التي تنهجها الطبقات الحاكمة في الأقطار المغاربية الخمسة حيث يتم تسخير كل الوسائل الإعلامية والبيداغوجية والثقافية والسوسيولوجية والسياسية وحيث وضع كل الطاقات والإمكانات المادية واللوجيستية تحت تصرفها لتمرير الخطاب السياسي الإتعزالي الضيق ونشر الدعاية المغرضة لما يسمى بالخصوصية المحلية وبالشرعية الوطنية وثوابت الأمة التي تحددها وحدة البلاد الترابية وحدودها الإقليمية والعلم الوطني والشعار والنشيد والعملة والدين ونظام الحكم وغيرها من الأمور والآليات والميكانيزمات الأخرى الفاعلة والمؤثرة التي يتم استخدامها للتأثير على شخصية الفرد وقولبته في ذاك الإطار الضيق لمفهوم الوطن والمواطنة وشحنه بالعديد من الرؤى والتصورات والأفكار الدغمائية والعدائية المسمومة التي تصف مواطني الدولة الجارة بأبناء الدولة العدوة وبالخصوم وبالمتربصين بالبلاد وبمصالحه العليا
إن المنطقة المغاربية تعتبر من بين المناطق القليلة في العالم التي لازالت تعيش بعيدة عن الوحدة والتكتل في الوقت الذي صارت فيه كل دول العالم تتخندق وتتنظم في إطار اتحادات سياسية واقتصادية إقليمية سواء في أمريكا اللاتينية أو آسيا أو حتى في إفريقيا فضلا عن الاتحادلت التي أنشأتها الدول الغربية منذ مدة ، وذلك نظرا للصراعات السياسية المزمنة المفتعلة التي تحصل من حين لآخر ، ونظرا للإختلافات في المواقف وتباينها في العديد من القضايا ذات الصبغة المحلية أو الإقليمية أو الدولية ، هذا ناهيك عن العداء الصارخ والمفضوح الذي تكنه بعضها للبعض خاصة بين المغرب والجزائر حيث يصل التوتر بينهما في الكثير من الأحيان إلى أشده بسبب قضية الصحراء
ولعل السبب الرئيسي الذي جعل أنظمة الحكم في هذه المنطقة تعيش هذه الانعزالية وهذا الإنغلاق على الذات هو توجسها الشديد وخوفها البالغ من اهتزاز مشروعيتها السياسية في أعين الشعوب بفعل احتكاك الجماهير وقواه الحية المناضلة والاستفادة من تجارب بعضها البعض في النضال والتنظيم وخلق أواصر المحبة والتعاطف والتضامن بينها خاصة إذا عرفنا طبيعة هذه الأنظمة غير الديموقراطية وغير الشعبية كما هو الحال في تونس ذات النظام الرئاسي البوليسي الإرهابي ( في حقبة بن علي ) وفي الجزائر وموريطانيا ذات النظام الرئاسي العسكري التصفوي وفي المغرب ذات النظام الملكي التوليتاري وفي ليبيا ذات النظام الشمولي الديكتاتوري التي تمارس سلطاتها المطلقة على الشعوب معتمدة في ذلك على دساتير مطبوخة يشرعن فيها الحكم الفردي المطلق حيث لا يسمح باستقلالية السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وحيث تكون المؤسسة العسكرية تحت القيادة الشخصية للحاكم ، وحيث يحيط نفسه بمجموعة من الأجهزة البوليسية والمخابراتية ومؤسسات أمنية سرية مختلفة ذات التخصصات المتعددة وبمجموعات متنوعة من السماسرة والانتهازيين والنفعيين من رجال السياسة والمال والأعمال وبأمثالهم من الصحفيين والمثقفين الذين لا يتوانون في ممارسة الخطاب الديماغوجي الدعائي التجميلي لمجمل السياسات الرسمية المتبعة والدعاية لمشروعه السياسي الاقتصادي والإجتماعي الرجعي المتخلف
ولهذا ، فإذا كانت السياسة الرسمية للطبقات المسيطرة على الحكم في المنطقة المغاربية واضحة المعالم والمرامي والأهذاف نظرا لطبيعتها الطبقية العدوانية اتجاه شعوبها ، ونظرا لتوجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لتوجهات الغرب الإمبريالي ولمؤسساته المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ، وإذا كانت الطبقات المسيطرة على الحكم غير مؤهلة بالمرة لإحداث أي نوع من التكتل والاتحاد على مستوى العمل الاقتصادي لخلق سوق مغاربية مشتركة وفتح الحدود لدخول المواطنين والسلع ورؤوس الأموال ورفع الرسوم الجمركية وإحداث اتفاقيات جادة وواسعة ، وعلى جميع الأصعدة السياسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية ، من أجل خلق اتحاد مغاربي على شاكلة الاتحاد الأوربي ، وإذا كانت سياسة أحزاب المعارضة البرلمانية التقليدة لا تتجاوز حدود العمل السياسي الإصلاحي المحدود الذي لا يستطيع رفع سقف المطالب السياسية إلى الحد الذي لا يزعج فيه أنظمة الحكم ويطعن في شرعيتها ويطالب بإسقاطها وتغييرها ، فمن المفروض أن تظهر عل السطح ، بعد كل هذه التحولات التي تعرفها دول العالم نحو الانضمام والتكتل والوحدة ، بعض التوجهات الفكرية والأطروحات السياسية والتزعات الجماهيرية في كل منطقتنا المغاربية للدعوة إلى تأسيس جبهة سياسية موحدة تتجمع في إطارها قوى وتنظيمات جماهيرية وسياسية مختلفة تلتف حول برنامج عمل مسطر ذات أهداف واضحة ومحددة تتفق بشأنها كل الأطراف الفاعلة في هذا المضمار من أجل التأسيس لمستقبل سياسي ومشروع اقتصادي اجتماعي ثقافي مخالف للمنظورات الرسمية السائدة حيث يمكن للشعوب تحقيق تطلعاتها المشروعة في بناء دولة فيدرالية ديموقراطية موحدة تستجيب لكل طموحاتها المستقبلية في الديموقراطية الحقة والعدالة الإجتماعية والوحدة الوطنية في انتظار نضوج الشروط الذاتية والموضوعية لمرحلة أكثر تقدما : مرحلة بناء الدولة الاشتراكية