بصدد ثورة جماهير مصر- من يوميات الثورة


فلاح علوان
2011 / 2 / 7 - 15:09     


ان تطور الاحداث السريع يجبرنا على ادخال المفاهيم المعبرة عن درجة التطور، ان القسم الاول من المقال كان يتحدث عن الانتفاضة، في حين نحن نواجه اوضاع ثورة.

-2-
من يوميات الثورة.

1. حول اللجان الشعبية:
ان اللجان الشعبية وسيلة او شكل تنظيمي يمكن لاي قوة او مجموعة سياسية ان تنظمه؛ لقد نظمت اللجان الشعبية بكثرة في العراق خلال سنوات الاقتتال والتذابح، وبنفس هذا الاسم، ولكن من قبل قوى مليشياتية موغلة في الرجعية والعنف. وعليه لن تكون اللجان الشعبية في مصر، تلقائيا، معبرة عن اهداف وتطلعات الجماهير. ان ما ينقص هو برنامج سياسي وشكل تنظيمي ثوريان، لهذه اللجان والفرق الشعبية.

2. حول تحية الجيش :
" وقد حيت البروليتاريا الحرس المتنقل في شوارع باريس بالهتافات المدوية " هورا". فقد رات فيه مناضليها الطليعيين على المتاريس. واعتبرته حرسا بروليتاريا تمييزا له عن الحرس الوطني البرجوازي. وكانت غلطتها لا تغتفر". ماركس النضال الطبقي في فرنسا من 1848 الى 1850.

ان تحية الجيش او تعليق الامال عليه، ناجم عن طبيعة الجيش نفسه من جانب، ومن الاحاسيس "الوطنية" لدى الجمهور من جانب اخر. الطبيعة الطبقية للجيش تتخفى او تتنكر تحت شعارات الوطنية وذكريات الحروب والانقلابات، بحيث يبدو كيانا فوق طبقي. ومن حانب الجمهور فان المشاعر والاحاسيس " الوطنية" تشد قسما من الجمهور اكثر فاكثر الى تحية الجنود البسطاء البشوشين، المساقين لخدمة المصالح العليا السياسية والثقافية والقومية للراسمال باسم حماية الوطن. ان الجيش بمقدار ما لا يقوم باطلاق النار مباشرة على الجموع، فانه يقتل الثورة بشكل اخر، هو حماية وصيانة القصر الرئاسي والحيلولة دون توجه الجماهير اليه. اي انه يمنع الثورة من المضي الى الامام. وفي العسكرية كما يقول كارل لبكنخت" تتجلى باوضح الصور واكثرها تركيزا واشدها تميزا غريزة حفظ البقاء القومي والثقافي والطبقي، اي اكثر الغرائز بدائية".

3. حول الوطنية:
شعارات الحكومة الوطنية تتردد بكثرة واكثر من شعارات الاشتراكية او المساواة او تحقيق الحريات العامة، التشغيل، مستوى الاجور، الخدمات، السكن. ان التيارات البرجوازية الصغيرة تغذي النظرات التي ترى في شعارات الوطنية شعارات ما فوق طبقية او لا سياسية.
ان الشعارات الوطنية تخفي وراءها مصالح الفئات البرجوازية التي تبتلعها الاحتكارات العالمية، والفئات المتطلعة للتطوير الصناعي وتقوية الراسمال في مصر والفئات المطالبة باشراك الفئات الشعبية في منظمات واحزاب موازية للقوى القائدة للسوق، او الرجوع الى التدخل الحكومي الواسع والاقتصاد المخطط. ان نجاح التيارات البرجوازية في خلق مناخ سياسي يبعد الجماهيرالثورية عن التطلعات الاجتماعية التي شكلت منطلقا فجرالثورة هو خطر فعلي، انه سيادة افق سياسي معادي للعمال ولجماهير الكادحين بشخص " شعارات وطنية" اي باختصار ان الشعارات " الوطنية" البريئة هي اتجاهات سياسية خالصة، انها تحييد لاصحاب الثورة عن اهدافهم. ولا افهم كيف يستطيع من يشارك في انتفاضة وثورة عارمة ان يدعي اللاطبقية واللاتحزب.

4. حول الاضراب العام:
رغم اعلان الاضراب في عدد من المصانع والمؤسسات في مصر، الا ان اضرابا شاملا لم يجر، بل لم تتم الدعوة الصريحة اليه. ان اتحاد النقابات الرسمي الحكومي برئاسة حسين مجاور، قد اعلن منذ اليوم الاول للانتفاضة وقوفه ضد اي عامل يقوم بالاضراب او التظاهر وتقديمه للسلطة، كمذنب، اي العمل كجواسيس او كمؤسسة قمعية تماما، وبهذا سقط هذا الاتحاد تماما ولم يبق له حتى الدور الشكلي، واعلن القادة العماليون عن تشكيل اتحاد عمالي مستقل.
بدون الاضراب العمالي العام، ستصاب الثورة بالوهن. ان الاضراب سيشل الكيان السياسي بالكامل، وسيدفع العمال الى ميدان الثورة كقوة جبارة تستطيع قلب الموازين بقواها الذاتية. ان موقف العمال، وبحسب حديث حي مباشر مع قادة عماليين وسط ميدان التحرير يعتصمون منذ الساعات الاولى للانتفاضة، قالوا، عند سؤالهم عن سبب عدم ابراز المصالح المستقلة للطبقة العاملة في الثورة" ان المطلب الملح والفوري الان هو اسقاط النظام ونريد حشد الجميع وراء هذا المطلب، وعدم تشتيت الجهود" ان هذا الطرح يجد تفسيره في الحاجة لحسم موضوع اسقاط النظام اولا، كشرط لتطور الثورة.
ان الاستقطابات بدات تعبر عن نفسها بوضوح اكبر خلال اليومين الماضيين، واعتبارا من السبت 5- شباط - فبراير. ان ما يميز العمال هو ان مطالبتهم بالسلطة هو لاجل التخلص من القوى التي تظلم المجتمع باستيلائها على السلطة، وليس مثل البرجوازية التي تريد تبادل الادوار في كل مرحلة. ان الامثلة على تفاني العمال وتضحياتهم خلال الثورات، عديدة وعلى مدى صراعهم مع البرجوازية. وقد قادت احيانا الى الخسارة. ان الاضراب العمالي العام سيشكل ضربة قاضية للنظام.

5. الاخوان مؤسسة جاهزة.
هناك العديد من الاوساط تتحدث عن دور الاخوان المسلمين وامكانية استيلائهم على مسار الثورة. في حين يرى البعض الاخر ان دورهم محدود وهو جزء من حركة شعبية لا اكثر. الحقيقة ان قوة الاخوان لا تكمن في مدى حب الناس لهم او عددهم او نوع شعاراتهم... الخ. ان الاخوان في الحقيقة التحقوا بالانتفاضة بعد اتساعها واقتدارها، وهم اول من تردد وتخاذل يوم الاربعاء الدامي، وهم اول من ساوم عمر سليمان بيد وابقى ممثليه في الميدان من جهة اخرى، وهم اول من شتت صفوف الانتفاضة وانفرد بمظاهرة " خاصة" ما ان تزايدت اعدادهم. اي انهم بالنتيجة تيار غير موثوق به قطعا، ولا يمكن ان يكون حتى حليف مستقيم.
ان خطر الاخوان يكمن في كونهم يستندون الى مؤسسة جاهزة، هي المؤسسة الدينية، والسنن والاعراف والمناسك وبعض التقاليد، ان لديهم الجامع وصلاة الجماعة والاضرحة وميراث سنين وسنين من الدعاية والتعبئة، لديهم عمق في التشريع بالاضافة الى الصبغة الاسلامية التي تعمل التيارات السياسية وخاصة الاسلامية منذ عقود لاضفائها على المجتمع في مصر. بالاضافة الى الظروف التاريخية والدولية العامة والصراع مع اسرائيل واستعباد الغرب الفكري والاقتصادي والسياسي للمنطقة والعالم، والذي قوى مواقعهم كمدافع عن "هوية" الشرق. كل هذه تشكل ادوات بيد الاخوان، حتى لو كانوا اقلية من خمسين او مئة متظاهر.
ان تقوية موقع القوى الاجتماعية، صاحبة الثورة، هو بتعميق وتركيز مطالبها الاجتماعية والطبقية، وطرح برنامجها السياسي. ان الدروس الحزينة للثورة الايرانية ما زالت ماثلة امامنا.

للحديث بقية

فلاح علوان
[email protected]