إشعاعات ثورة أكتوبر البلشفية


رشيد قويدر
2011 / 1 / 24 - 15:04     

يمكن القول أن أهم حدث عالمي وقع في القرن العشرين هو ثورة أكتوبر البلشفية عام 1917، بل يذهب العديد من المؤرخين المرموقين إلى اعتبار أن القرن العشرين ذاته قد بدأ مع انتصار ثورة أكتوبر، بل كان قصيراً عندما انتهى مع انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية ..
شكلت ثورة أكتوبر بوابة العالم للتوجه نحو آفاق جديدة لحلم الملايين من الكادحين، وحلم الملايين من الشعوب بالتحرر الوطني والاستقلال؛ وفي بنودها نص هام للشعوب المُستعمَرة هو حق تقرير المصير، وانطلقت على هداها عشرات الثورات في العالم الثالث للانعتاق من نير الامبريالية والاستعمار، حيث بثت في جنبات العالم فكر العدالة الاجتماعية والاشتراكية، ودعم حركات التحرر، واحترام سيادة البلدان، والتبادل الاقتصادي والثقافي في العلاقات الدولية المبنية على احترام حقوق الانسان والتكافل بعيداً عن التبعية والاستغلال .
على الصعيد العربي؛ قامت ثورة أكتوبر وعشية انتصارها؛ بفضح الوثائق السرية لانقسام العالم العربي بين الضواري المهيمنة عالمياً، الوثيقة المعروفة باسم "سايكس – بيكو" بين بريطانيا وفرنسا، ودعمت الثورة الجزائرية وحق الجزائر بالاستقلال الوطني عن الاستعمار الكولونيالي الفرنسي، ودعمت الثورة في الجنوب اليمني لنيل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وقدمت الدعم لثورة اليمن في الشطر الشمالي ونحو التقدم والحداثة، ووقفت في وجه العدوان الثلاثي (فرنسا، بريطانيا، اسرائيل ) ضد مصر عام 1956، وتعددت مناحي الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي والكادري الاكاديمي لعموم شعوب العالم الثالث؛ ونهضت بثوراته ذات التوجه التقدمي والقومي .
وعلى وميض إشعاعات ثورة أكتوبر؛ جرت تحولات عاصفة انطلقت عاصفة في العالم، بمفهوم الدولة العلمانية ومضمونها؛ والمساواة بين الجنسين الرجل والمرأة، وعلى طريق الثورات الوطنية الديمقراطية في مواجهة نهب خيرات الشعوب على يد الضواري الامبريالية، وإلغاء استغلال الإنسان للانسان هو إلغاء استغلال أمة لأمة، وعكست ثورة أكتوبر المصالح بين الحركة الاشتراكية العمالية وحركة التحرر الوطني في النضال ضد العدو المشترك الأساسي الامبريالية والاستعمار، كما عكست الوحدة العميقة بين عمال وشعوب العالم انطلاقاً من توجهات مصالحهم في الديمقراطية والاشتراكية..
على الصعيد الثقافي مازالت ارهاصات ثورة أكتوبر الروسية حية لدى الأجيال الجديدة العربية، بعد أن انطلقت عجلة الترجمة عبر"دار التقدم" في موسكو وبعموم اللغات؛ بما فيها العربية، ممارسةً ودون الاعلان عن ذلك: "الكتاب حق للجميع" بدءاً من كتب التاريخ، ومناهج الاقتصاد والفكر والاجتماع، وصولاً الى عمالقة الأدب الروسي القديم؛ مثال روائع الشاعر الروسي الكبير بوشكين، وعشرات العمالقة الكبار في الأدب الروسي أمثال تولستوي، غوغول، شولوخوف، تشيخوف، داستويفسكي، مكسيم غوركي، ليرمانتوف، رسول حمزاتوف، وتطول قائمة الأسماء في شتى صنوف الأدب والإبداع والفن والموسيقى .. والتي تتموضع قمة الأدب والثقافة العالمية ....
إنها روسيا وثورتها الراسخة في ذاكرة الأجيال، يعشقون تاريخها وثقافتها وايمانها العميق ببعدها الأممي الانساني، كما ايمانها الراسخ بثقافتها و أرضها وانسانها، نموذج ربيعها الذي ينهض كجمرات من تحت الثلوج.
حقاً لقد صقلت أجيال عربية على الإشعاعات الثقافية للثورة الروسية، وهي تشكل ربيع الذاكرة لديهم والذي لايغادر أبداً، عبر و رسالتها الثقافية والحضارية المتواصلة التي تقدمها روسيا الراهنة ... روسيا اليوم.