السياسة الخارجية لمراكز الهيمنة الدولية


لطفي حاتم
2011 / 1 / 23 - 15:10     




تحتل دراسة مضامين السياسة الخارجية للدول الكبرى فضلاً عن تحولاتها بأهمية كبيرة في الظروف التاريخية المعاصرة وذلك لأسباب عديدة أهمها التغيرات التي طرأت على أدوات السياسية الخارجية وسبل تنفيذها تماشياً وانتقال الاقتصاد العالمي الى طوره المعولم وما أنتجه ذلك من تبدلات في طبيعة العلاقات الدولية .
لقد مرت السياسية الخارجية وكما هو معروف بتحولات تاريخية مختلفة تبعا لتطور ومكانة الدولة القومية ودورها في السياسية الدولية بدأ من مراحل ظهور الدول القومية ، مروراً بتنامي وتطور الدولة الاحتكارية ، وصولا الى المرحلة المعاصرة . وانطلاقا من تعدد المراحل التاريخية التي مرت بها السياسية الدولية للدول الكبرى وانعكاساتها على السياسة الدولية ولغرض حصر المداخلة في مرحلة تاريخية محددة نحاول التوقف عند السياسية الخارجية للمراكز الدولية الكبرى في الطور المعولم من العلاقات الدولية عبر المنهجية التالية : ـ
1 :ـــ الترابط بين السياسية الداخلية و الخارجية .
2 : ـــ التغيرات الدولية وتأثيرها على السياسية الخارجية .
3 : ـــ السياسية الخارجية في الطور المعولم من العلاقات الدولية .

1

الترابط بين السياسية الداخلية و الخارجية.

تشكل السياسة الخارجية للدولة أحد الآليات الهامة لضبط وتطوير مصالح الدول على صعيد العلاقات الدولية من جانب وعلاقاتها مع وحدات النظام السياسي الدولي من جانب آخر . وبهذا السياق يمكن تعريف السياسية الخارجية للدولة بأنها تلك الآليات السياسية ،الاقتصادية ، العسكرية والثقافية الضامنة لمصالح الدولة القومية في المحيط الدولي والهادفة الى توطيد أمنها الداخلي وسيادتها الوطنية . وانطلاقا من ذلك لابد من التأكيد على ان السياستين الخارجية والداخلية للدولة يشكلان المحتوى القانوني لمبدأ السيادة الوطنية وتأكيدا على شخصية الدولة القانونية .
إن التحديد القانوني السياسي المشار إليه يثير كثرة من الإشكالات الفكرية / القانونية / السياسية منها هل ان السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية ؟ هل تعبر السياسة الخارجية عن مصالح الدولة وتشكيلتها الاجتماعية ؟ . وقبل هذا وذاك ما هي المؤسسات والفعاليات الوطنية المقررة لتوجهات السياسة الخارجية للمراكز الدولية .؟
قبل التعرض لمضامين الإشكالات السياسية / القانونية المثارة يتعين التوقف عند بعض المفاهيم الأساسية وبالتحديد منها مفهوم السياسة من جانب وموقع السياسية الخارجية في آلية السلطة السياسية من جانب آخر . لهذا نقول أن السياسية بمفهومها الشامل هي علاقة قوة وتجاذب بين مكونات التشكيلة الاجتماعية بشكليها السلمي التي تنظمه الشرعية الديمقراطية أو العنفي المرتكز على اغتصاب السلطة من قبل الأنظمة الاستبدادية وبهذا المعنى العريض فان السياسة الخارجية تعكس توازن القوة بين الدول وتجسد ذلك التوازن في العلاقات الدولية . وفي حال مدى هذه الفرضية الى ماداها الأبعد فهي علاقة قوة بين الطبقات الاجتماعية الحاكمة في الدول المختلفة متمثلة في السياسية الدولية .
ان التحديد المشار إليه يشترط التعرض لمواقع السياسية الخارجية في منظومة السلطة السياسية وبالتحديد موقعها في السلطة التنفيذية التي تعكس أنشطتها السياسية طبيعة القوى الاجتماعية المتنفذة والمهيمنة في منظومة البلاد السياسية مؤكدين في هذا المسار ثبات السياسية الخارجية في أطرها الاستراتيجية رغم تعاقب الشرائح الاجتماعية على الحكم من خلال الشرعية الديمقراطية . لهذا واستناداً الى تعاقب الشرائح الاجتماعية في الحكم فان تجليات السياسية الخارجية تتخذ أشكلا جديدة متماشية وكيفية تحقيق مصالح البلاد الأساسية متجاوبة مع تغيرات السياسة الدولية التي تتضمن المنافسة بين الدول الكبرى أو بين معسكري الثنائية القطبية في المرحلة السابقة .

استنادا الى تلك الملاحظات نعود الى تحليل الإشكال الأخر المتمثل بموضوعة الترابط بين السياسيتين الخارجية والداخلية وهل ما زالت الأولى تمثل امتدادا للسياسية الداخلية ؟ .
ان محاولة التقرب من هذا الإشكال تشترط التعرض وبشكل مكثف الى طبيعة التحولات التي مرت بها مراكز الهيمنة الدولية ، متعرضين الى مجالين المجال الأول مضمون السياسية الداخلية والتي جرى تحديدها بعلاقة قوة بين الطبقات الاجتماعية في التشكيلة الوطنية للدولة القومية تبدت ومن خلال تطور النزاعات الاجتماعية التاريخي في الشرعية الديمقراطية التي تعني المساواة القانونية لكل الأحزاب السياسية في إدارة سلطة الدولة . بكلام آخر حق التداول السلمي للسلطة رغم تحجيم هذا الحق الشرعي في الممارسة السياسية .
ان الشرعية الديمقراطية في البنية الدستورية لمراكز الهيمنة الدولية أفضت الى بناء سياسية التوافق الاجتماعي بين القوى الطبقية المتنازعة معززة بذات الوقت قيادة القوى المتنفذة اقتصاديا وماليا وسياسياً للسلطة السياسية .

ان الشرعية الديمقراطية وسياسة التوافق الاجتماعي المنبثقة عنها التي شكلت الآليات المعتمدة في السياسية الداخلية لم تترافق وسياسية خارجية تعتمد توازن المصالح بين الدول بل اتسمت السياسة الخارجية بالعنف وتفتيت الدول والنهب الكولونيالي المتواصل.
استناداً الى الموضوعات الفكرية المكثفة نصل الى ان السياسية الخارجية وبسبب أهدافها الاستراتيجية الضامنة لمصالح وأمن المراكز الدولية تتمتع باستقلالية نسبية عن النزاعات الاجتماعية الداخلية التي تتكفل بمعالجتها سياسة البلاد الداخلية المستندة الى القوانين الوطنية ، وبهذا المعنى فان السياسة الخارجية لمراكز الهيمنة الدولية لا تشكل انعكاسا ميكانيكياً للسياسية الداخلية .

بعد هذا العرض المكثف لمضامين السياسية الخارجية نتقرب من الإشكال الثالث المتضمن طبيعة المؤسسات والآليات الضامنة لنجاح السياسية الخارجية منطلقين من ان صنع السياسة الخارجية يعتمد على كثرة من المعطيات التي تنتجها المؤسسات الوطنية والدولية وبهذا السياق نشير الى ثلاث مؤسسات رئيسية تعتمدها السياسية الخارجية في حركتها الدولية متمثلة بـ : ــ
1 : ـ المؤسسات الاستخباراتية بفروعها المختلفة التي تزود وزارة الخارجية بتقارير تفصيلية عن طبيعة الأوضاع السياسية الدولية والمخاطر التي تواجه الامن القومي هذا إضافة الى السفارات المنتشرة في الدول العالم التي تنشط هي الأخرى في رفد وزارة الخارجية بالتقارير الدورية المختلفة المتضمنة دراسة مواقع البلدان المختلفة ودرجة أمنها السياسي وطبيعة ومآل النزاعات الاجتماعية المحتدمة فيها , وتتطور في الآونة الأخيرة آليات جديدة تتمثل في ان الجهاز الدبلوماسي للدول الكبرى لم يعد يكتفي بالتعرف على توجهات الدول المختلفة من خلال المسؤلين الرسميين فيها بل تعدى ذلك الى بناء علاقات سياسية مع الأحزاب الوطنية لغرض معرفة مآل تطور النزاعات الحزبية وكيفية المساعدة في حلها لخدمة المصالح الاستراتيجية .
2 : ـ المؤسسات البحثية : ـ توظف السياسية الخارجية التقارير الاستراتيجية التي تصدرها مراكز البحوث الوطنية والدولية فضلا عن تلك الدراسات التي تصدر عن مختلف الجامعات الأكاديمية سواء كانت تلك البحوث متعلقة بالجوانب الأيديولوجية التي تساعد السياسية الخارجية على تنشيط فعاليتها الدولية الهادفة الى خدمة مصالح بلادها الاستراتيجية أو تلك البحوث التي تعمل على تحليل السياسات الدفاعية والاقتصادية لمراكز الهيمنة الدولية في المجلين الوطني والدولي .
3 : ـ التفاعل مع المنظمات والمؤسسات الدولية بهدف صياغة القرارات الدولية التي تخدم مصالح المراكز الدولية والمتعلقة بمعالجة الأزمات الدولية والداخلية للدول الأخرى ، وبهذا المعنى يكون نشاط السياسية الخارجية مزدوجا فمن جهة تساهم في صنع السياسية الدولية ومن جهة أخرى تعمل على توظيف القرارات التي تصدرها المؤسسات الدولية مثل مجلس الامن والمؤسسات المالية في خدمة مصالحها الاستراتيجية.

2

التغيرات الدولية وتأثيرها على السياسية الخارجية

شهد العقد الأخير من القرن العشرين تحولات جذرية على صعيد العلاقات الدولية تجسدت بتغيرات عديدة منها انهيار نظام الثنائية القطبية المرتكز على توازن القوى والردع النووي المتبادل . ومنها انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي وما نتج عنه من انحسار التنمية الوطنية المتمحورة على الذات . ومنها اختلال دور الدولة ومواقعها في السياسية الخارجية .

ان تبدلات العلاقات الدولية أفضت الى تغيرات في طبيعة ومحتوى السياسة الدولية التي يمكن رصدها من خلال الموضوعات التالية : ـ
ــ تراجع النزاعات الأيدلوجية بين الليبرالية والاشتراكية التي وسمت العلاقات الدولية في الحقبة المنصرمة الامر الذي مهد الطريق لسيادة شعارات الليبرالية الجديدة والسياسية التدخلية سواء في الدعوة الى إعادة بناء الأنظمة السياسية عبر حق التدخل وحقوق الإنسان أو على صعيد إزالة العوائق السيادية أمام حرية حركة رؤؤس الأموال الدولية فضلا عن إعتماد الأسواق المفتوحة.
ـــ إعتماد مبدأ استخدام القوة بشرعية دولية يضمنها مجلس الأمن الدولي أو بصورة انفرادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية الامر الذي دفع الأخيرة لخوض حروب عديدة متوخية بذلك تطوير نظامها الإمبراطوري المرتكز على حرية التدخل في الشئون الدولية .
ـــ اختلال مبدأ السيادة الوطنية الذي جرى تحجيمه بكثرة من الشعارات الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية .
ـــ استبدال المواجهة الأيديولوجية بين خياري التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي بمواجهة جديدة مضمونها المنافسة بين التكتلات الاقتصادية ومراكزها الدولية .

ان التبدلات المشار إليها في توجهات السياسة الدولية والتي احتلت الولايات المتحدة مركزاً مقررا فيها لم تستمر لفترة طويلة وذلك لكثرة من الأسباب الأساسية أهمها تحول الدول الاشتراكية السابقة ــ روسيا ــ الصين الى دول رأسمالية وذلك بعد تحول بيروقراطيتها الحزبية الى قوى طبقية حاكمة متسلحة بروح قومية . بمعنى آخر ان القوى الاجتماعية الجديدة تسعى الى بناء علاقاتها الدولية على قاعدة توازن المصالح المرتكز على المنافع الاقتصادية المشتركة والتعاون العسكري بينها وبين مراكز الهيمنة الدولية.

ان وحدة العالم وترابط مستويات أسواقه الوطنية / الإقليمية / الدولية على قاعدة رأسمالية فضلاً عن تحول مراكز الهيمنة الدولية من الصيغة الوطنية الى التكتلات الاقتصادية أحدث تغييرا جوهريا في سياسة الدول الكبرى استناداً الى كثرة من المحددات التي أجدها في : ـ
1 : ـ فرض بناء التكتلات الاقتصادية واقعاً قانونيا / سياسياً / اقتصادياً يتمثل بظهور الشركات الدولية على مسرح السياسية الدولية ما نتج عن ذلك من وضع تلك المصالح على جدول أعمال السياسية الخارجية للدول الكبرى. وبهذا المسار نشير الى أن ترابط مصالح الشركات الاحتكارية مع الدولة ليس بالشئ الجديد إلا ان الجديد في الطور المعولم أن دفاع المراكز الكبرى عن مصالح الشركات الاحتكارية انتقل من شكل الدفاع الوطني عنها الى صيغة التنسيق المشترك بين مراكز الهيمنة الدولية بهدف بناء سياسة خارجية ودفاعية ( موحدة ) . بكلام آخر ان السياسية الخارجية لم تعد تبنى على مستوى دولة كبرى واحدة بل يجري بناء توجهاتها الأساسية من عدة دول متحالفة على أسس استراتيجية .
2 : ـ تحول التنافس بين الدول الكبرى لاقتسام النفوذ والهيمنة الذي اتسم به الطوران الأول والثاني من التوسع الرأسمالي الى منافسة بين التكتلات الاقتصادية في الطور المعولم وما يعنيه ذلك من إمكانية تحول المنافسة بين التكتلات الاقتصادية الى منافسة بين القارات الثلاث الكبرى امريكا ودول النافتا والاتحاد الأوربي وتكتلات أسيا الاقتصادية .

ان المنافسة القارية بين التكتلات الاقتصادية تستند الى وفرة الامكانات الاقتصادية / البشرية / والثروات الوطنية فضلا عن المدخرات المالية التي تمتلكها الدول الآسيوية الناهضة الامر الذي دفع بعض المحللين الى وصف هذا العصر ( بربيع أسيا ) .
3 : ـ يفضي تنوع وتعدد التكتلات الاقتصادية الى ظهور مراكز دولية جديدة تسعى الى تفعيل مساهمتها في السياسية الدولية الأمر الذي يشترط انتقال العلاقات الدولية من هيمنة طرف دولي واحد الى علاقات متعددة الأقطاب وما ينتجه ذلك من بناء شرعية دولية جديدة مضمونها توازن المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى .

ان انتقال العلاقات الدولية الى التعددية القطبية سيدفع السياسة الخارجية للدول الكبرى اعتماد سياسة التشاور والتعاون وعدم الانفراد باتخاذ القرارات الدولية المرتكزة على مصلحة الطرف الأقوى .

ان التقديرات المشار إليها تفترض السؤال التالي هل ان العالم يمضي نحو السلام والوفاق الدوليين وما يعنيه ذلك من سيادة روح التعاون لحل الإشكالات الدولية الكبرى ؟ وهل سيكون العالم أكثر عدلا من ذي قبل ؟ وأخيرا هل التعددية القطبية تنزع نحو مراعاة مصالح الدول الضعيفة وحقوق الإنسان فيها ؟ .

استنادا الى تلك الأسئلة وغيرها لابد لنا من تحليل المحور الثالث من المداخلة .


3

السياسية الخارجية في الطور المعولم من العلاقات الدولية

يتسم الطور الجديد من التوسع الراسمالي المعولم بوفرة الأساليب والآليات الاقتصادية / العسكرية / القانونية / الثقافية الضاغطة على البلدان الضعيفة والهادفة الى ربط تطورها الاقتصادي بما يتناسب والمصالح الاستراتيجية للدول الكبرى .

قبل الخوض في تأشير بعض سمات السياسة الخارجية لمراكز الهيمنة الدولية علينا ملامسة الأطر الناظمة للعلاقات الدولية المعاصرة في موضوعات فكرية / سياسية عامة .

الموضوعة الأولى : ـ تتلخص مضامين السياسية الخارجية للدول الكبرى في إعادة توزيع مراكز النفوذ واقتسام دول العالم الضعيفة عبر إلحاقها بالتكتلات الاقتصادية الناهضة .

الموضوعة الثانية : ـ ارتكازاً على نزوع العالم نحو بناء التكتلات الاقتصادية الدولية تسعى المراكز الدولية الكبرى الى ربط بلدان العالم الثالث بهذا التكتل الاقتصادي أو ذلك وبهذا السياق نلاحظ عدة أشكال من التكتلات الاقتصادية يتمثل الأول منها بحركة الاندماج الكبرى بين الشركات الدولية في مراكز الهيمنة الدولية . بينما يتجسد الشكل الثاني بمسعى الدول الكبرى في إلحاق الدول الوطنية بالتكتلات الاقتصادية الدولية انطلاقا من تبعيتها الكولونيالية السابقة ، وبهذا المسعى نشير الى ان الدول الوطنية ذات التبعية الكولونيالية السابقة تتجاوب بهذا الشكل أو ذلك مع التوجهات الأساسية لسياسة الدول الكبرى في حل مشاكلها الداخلية .أما الشكل الاخير نراه في مسعى المراكز الإقليمية الناهضة الى بناء تكتلات إقليمية لتشكل سياجاً اقتصاديا بوجه مطامع الدول الكبرى وشركاتها الدولية . وبهذا السياق يمكن التأكيد على أن السياسية الخارجية الصينية الهادفة الى ربط كثرة من البلدان الأفريقية والآسيوية بعلاقات اقتصادية ترتكز في أحد جوانبها على مبادئ التكافؤ وتوازن المصالح بعيدا عن التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدول .

الموضوعة الثالثة : ـ تسعى السياسة الخارجية لمراكز الهيمنة الدولية الى منع الدول الإقليمية الناهضة ــ البرازيل ، الهند ، تركيا ، إيران ــ فضلا عن الصين وروسيا من التحول الى مراكز إقليمية مؤثرة بهدف إبقاء تطور العلاقات الدولية ضمن مجال سيطرة المراكز الدولية لكبرى .

الموضوعة الرابعة : ـ تشكل منطقة الشرق الأوسط بسبب ثرواتها النفطية وأسواقها الواعدة ( مجالا حيوياً ) لأمن الدول الكبرى وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية لذلك نرى أن آليات السياسية الخارجية الأمريكية إزاء المنطقة تتركز في كثرة من الثوابت منها : ـ
1 : ـ اعتبار منطقة الشرق الأوسط جزءاً أساسيا من استراتيجية الولايات المتحدة الكونية ولهذا فقد شكلت النزاعات الاجتماعية والسياسية في دول المنطقة أحد المضامين الأساسية للسياسية الخارجية الأمريكية وبهذا يمكن تفسير ربط النزاع العربي الإسرائيلي بمشروع الشرق الأوسط المرتكز على السيادة الإسرائيلية والهيمنة الأمريكية .
2 : ـ رغم الشعارات الديمقراطية التي رفعتها الليبرالية الجديدة بشأن تحديث النظم السياسية لدول المنطقة إلا ان السياسية الخارجية للولايات المتحدة حافظت على تقاليدها التاريخية المتمثلة بالدعم المتواصل للدول الحليفة ، وما يعنيه ذلك من انفصال الشعارات الأيديولوجية الداعية الى الديمقراطية والمساواة عن سياسية مساندة النظم السياسية اللاديمقراطية للدول الحليفة . *
3: ـ بهدف منع القوى الإقليمية الناهضة تركيا، إيران، روسيا من بناء تكتلات إقليمية اقتصادية تسعى السياسية الأمريكية الى إلحاق أسواق الدول الحليفة بشركاتها الدولية فضلا عن تنمية التحالف الخليجي وسوقه الاقتصادية الذي يشكل أساسا إقليميا لبناء تكتل اقتصادي تابع للاحتكارات الأمريكية .
4 : ـ ان تغيرات التشكيلة الاجتماعية المعولمة وانتقال الطبقة البرجوازية الحاكمة من أطارها الوطني الى اطارها ألأممي يشترط التضامن بين فصائل الطبقة البرجوازية العالمية وبهذا فان تدخلات السياسة الخارجية الأمريكية في النزاعات الاجتماعية لبلدان الشرق الأوسط تهدف الى مساندة القوى الاجتماعية المؤيدة للتحالف مع التوجهات الأمريكية فضلا عن تحجيم القوى الاجتماعية المناهضة لسياسة التحالف مع الدول الكبرى .
5 : ـ شكلت الشعارات الديمقراطية رافعة أيديولوجية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية الامر الذي وضعها في تناقض بين تحقيق مصالحها الاستراتيجية وشعاراتها الديمقراطية ولهذا فقد ابتدعت الإدارة الأمريكية حلاً لهذا التناقض تمثل في اعتماد الشرعية الانتخابية. **

ان الشرعية الديمقراطية كما هو معروف تستند الى كثرة من الحقائق والوقائع السياسية / الاجتماعية منها استناد تلك الشرعية الى فصل السلطات الثلاث ومنها فصل الدين عن الدولة فضلا عن الشرعية الانتخابية التي تشكل احد المعالم الرئيسية لتداول السلطة سلميا .
ان التحديد المشار إليه لمضمون الشرعية الديمقراطية لا يعني السياسة الخارجية للدول الكبرى بل ان تلك الدول أولت اهتماماً للشرعية الانتخابية لا لغرض التداول السلمي بل لتكريس سيادة القوى المتحالفة معها. وبهذا المنحى نشير الى ان الشرعية الانتخابية هي شرعية شكلية انطلاقا من وقائع كثيرة أولها ان الدول العربية التي تعتمد الانتخابات الدورية هي دول تتحكم فيها قوانين الشرعيتين الوراثية والانقلابية وبهذا المعنى فان الانتخابات الدورية هي تكريس لنظم سياسية استبدادية على أساس قوانين الشرعيتين. وثانيهما احتماء القوى الاجتماعية المشاركة في الانتخابات بكتل طائفية أو عشائرية وهذا ما نراه في العراق ولبنان والأردن ومصر ودول المغرب العربي .

تكثيفا يمكن القول ان الانتخابات الدورية في الدول الوطنية لا تشير الى ان تلك الانتخابات تجري على أساس المصالح المتعارضة لقوى التشكيلة الاجتماعية الوطنية بل يشير الى احتكار السلطة الذي يشكل جوهر الشرعية الانتخابية .

تلخيصا لما جرى استعراضه يمكننا التوصل الى بعض الاستنتاجات الأساسية: ـ

أولاً : ـ تهدف السياسة الخارجية (الموحدة ) لمراكز الهيمنة الدولية الى صيانة المصالح الإستراتيجية للدول السائدة وما يعنيه ذلك من تكريس الآليات الضامنة لإلحاق الدول الضعيفة بالشركات الدولية وتكتلاتها الاقتصادية .

ثانيا : ـ تشكل النزاعات الاجتماعية ومسار التطور الاقتصادي للدول الوطنية جوهر السياسية الخارجية لمراكز الهيمنة الدولية .

ثالثاً : ـ يتجلى التناقض بين الشرعية الديمقراطية المعتمدة في النظم السياسية للدول الكبرى وبين محتوى سياستها الخارجية المرتكز على الضغوطات المالية والعسكرية والسياسية وهدر حقوق الإنسان في البلدان الضعيفة .

رابعاً : ـ تتبدى النزاعات الدولية في الظروف التاريخية الملموسة بين التفرد في الهيمنة الدولية وبين النزوع نحو بناء التكتلات الدولية الضامنة لشرعية دولية متعددة الأقطاب .

الهوامش : ـ
* : ـ ان التدخل العسكري الأمريكي في العراق شكل سابقة دولية في استخدام القوة لتغيير أنظمة سياسية استبدادية ورغم ذلك فإن التدخل العسكري الأمريكي في العراق تحكمت فيه شعارات أيديولوجية ليس لها علاقة بالشرعية الديمقراطية وحقوق الإنسان .

** : ـ تشكل المحاكم الدولية الخاصة احد الوسائل القانونية للمشاركة في النزاعات الاجتماعية بهدف تعديلها لصالح القوى الاجتماعية الحليفة للدول الكبرى وبهذا فان المحكمة الخاصة بلبنان تشكل نموذجا لتداخل السياسية والقانون الأمر الذي أفضى الى غياب العدالة الدولية .