اجوبة الى د. حسين علوان حسين


حسقيل قوجمان
2011 / 1 / 13 - 12:54     

اجوبة الى د. حسين علوان حسين

ارسل لي د. حسين علوان حسين رسالتين تعليقا على كتابات سابقة رايت ان اجيب عليهما بهذه السطور لاهميتهما. السؤال الاول انقله للقراء بنصه الكامل وكما ورد بدون اي تغيير لانه يعبر عن اكتشافات تاريخية جديدة على الاقل بالنسبة لي:
"بالنسبة لوقائع التاريخ القديم لوادي الرافدين فقد وجدت على الأقل شريعتان تسبقان شريعة حمورابي إحاهما (و هي الأقدم) هي شريعة بلالاما في أشنونا و الثانية هي شريعة أور نمو في أكد. و بالمناسبة فإن الشريعتين الأقدمين كانتا أكثر -تقدمية- من شريعة حمورابي لأنهما أخذتا بمبدأ التعويض بالمثل و ليس العقاب بالمثل (العين بالعين و السن بالسن)"
حقا ان هذه الملاحظة عظيمة الاهمية. فلحد الان كنا نعتقد ان قانون حمورابي هو القانون المكتوب الاول المعروف في كل الحضارات القديمة. وبموجب هذه الرسالة نرى وجود قانونين اخرين مكتوبين سابقين لقانون حمورابي في وادي الرافدين ومن يعلم ما هي الاكتشافات الجديدة الحاصلة في سائر الحضارات القديمة في ارجاء العالم.! وهذا يبرهن بحد ذاته على ان الانسان لم يتوصل حتى الان الى معرفة تاريخ الحضارات القديمة معرفة كاملة. فكلما ازداد تغلغل الانسان في اعماق التاريخ القديم ازدادت اكتشافاته لاسرار هذه الحضارات العظيمة.
اما قضية القوانين عموما فهي قضية ملازمة لوجود الدولة في المجتمع الانساني. وربما حتى قبل وجود الدولة كانت هناك تقاليد وانظمة معينة في المجتمعات تفعل فعل القانون اذ يلتزم بها جميع افراد المجموعة ويعتبر المخالف لها مخالفا للتقاليد. وقد تكون مثل هذه التقاليد النظام العائلي المتغير بتغير تطور المجتمعات. وهذا بحث خاص لا اجد في نفسي القدرة على خوضه لقلة معلوماتي في هذا المضمار. ولكن الدولة لا يمكن ان تكون بدون قانون. فقانون ملكية السيد لعبيده وحقه في قتلهم او بيعهم او شرائهم وتشغيلهم وحتى تزويجهم لكي يخلقوا له عبيدا جددا كان قانونا ملازما للدولة منذ نشوء دولة المجتمع العبودي. ولكن هذه القوانين لم تصبح قوانين مكتوبة قبل ان يخترع الانسان الكتابة. ونحن في هذه الاكتشافات نتحدث عن القوانين المكتوبة. ولم تكن جميع القوانين قوانين استغلالية لطبقة العبيد بل كانت هناك قوانين اخرى تفيد المجتمع بقدر ما هي مفيدة للطبقة الحاكمة. فالطبقات الحاكمة لا تسن قوانين تضر بنظامها وتحد من سلطتها. ولكن اذا كانت هناك قوانين تفيد المجتمع وتفيد الطبقة الحاكمة ولا تمس بنظامها او سلطتها فهي لا تتواني عن سن مثل هذه القوانين. ولكن الواقع التاريخي هو انه لا توجد دولة بدون قوانين وان الحديث اليوم عن "دولة القانون" باعتبارها دولة تختلف عن الدول السابقة التي ليست دولة القانون هو ضحك على الذقون وسخرية بعقول الناس. فلم تكن هناك دولة في التاريخ ليست دولة القانون. والاختلاف هو في طبيعة القوانين ولخدمة اي طبقة يجري تقنينها.
والرسالة الثانية هي كما يلي:
"بخصوص عدم وجود التناقض بين الرأسمالي و سيد العبيد ، أعتقد أن هناك تناقضا في المصالح بين الإثنين حتما ، لأن سيد العبيد يتمسك بإستعباده لعبيده للإستحواذ على قيمة قوة عملهم ، في حين يحتاج الرأسمالي إلى بشر أحرار و محرومين من وسائط الإنتاج لكي يستطيع إستغلالهم بالإستحواذ على قوة عملهم الحرة التي يشتريها منهم بعد إستقطاع فائض القيمة لحسابه منهم ، يلاحظ مثلا في هذا الصدد تزامن قوانين إلغاء العبودية مع صعود نجم الرأسمالية في القرن التاسع عشر . يرجى التكرم بتوضيح ذلك لإبن بلدك العراق."
يبدو لي ان هناك بعض الابهام في فهم معنى التناقض على الاقل فيما نبحثه باسم التناقض في الحركة. فحين نتحدث عن التناقض في تحليل الحركات الطبيعية او الاجتماعية نقصد بان كل حركة هي نتاج لوحدة نقيضين. فهي اولا وحدة اي اتحاد اي ان النقيضين موضوع البحث في هذه الحركة متحدان اتحادا لا يمكن فصله او تفريقه. وفي الوقت نفسه هو ان احدهما نقيض للاخر بحيث ان اي تاثير على الاول يكون تاثيرا على الثاني في الوقت نفسه وتكون الحركة هي نتيجة للتغيرات الحاصلة بالنسبة لكلا النقيضين.
توضيحا لهذا اتخذ قضيبا مغناطيسيا كمثال على وحدة النقيضين. لدى اختبار القضيب المعناطيسي نجد ان احد طرفيه سالب والطرف الثاني موجب. واذا اعتبرنا ان السالب موجود في الطرف اليمين من القضيب والموجب موجود في الطرف اليسار من القضيب فهذا يعني اننا لو قطعنا القضيب في وسطه فعلينا ان نجد القسم الموجب وحده في القطعة اليسارية والقسم السالب وحده في القطعة اليمينية. ولكن الواقع هو اننا مهما قطعنا القضيب المغناطيسي الى المزيد من القطع تبقى كل قطعة منه مغناطيسا يحتوي على القطبين السالب والموجب. ولا يمكن تغيير ذلك الا بازالة المغناطيسية من القضيب المغناطيسي او من احد اجزائه. هذا هو المقصود بوحدة النقيضين في الحركة.
واذا انتقلنا في بحثنا الى وحدة النقيضين في المجتمع نجد ان في كل مرحلة من مراحل المجتمع توجد طبقتان رئيسيتان موحدتان تشكل طبيعة النظام في تلك المرحلة. ففي مجتمع العبيد توجد طبقة اسياد العبيد وطبقة العبيد وهما طبقتان موحدتان لا يمكن فصلهما عن بعضهما ولا يمكن وجود احداهما بدون وجود الاخرى ولكنهما في نفس الوقت طبقتان متعارضتان في مصالحهما اذ ان مصالح السيد تعتمد على انتاج العبيد ومصالح العبيد تعتمد على طبقة الاسياد ولكنها تحاول التخلص منها لكي تحسن اوضاعها.
وفي المجتمع الاقطاعي تكون وحدة النقيضين هي طبقة الاقطاعيين وطبقة الفلاحين الاقنان. ولا وجود لطبقة الاقطاعيين بدون وجود طبقة الاقنان والعكس بالعكس، فلا وجود لطبقة الاقنان بدون وجود طبقة الاقطاعيين. ولكن مصالح الاقنان هي نقيض مصالح الاقطاعيين.
والوضع ذاته قائم في النظام الراسمالي حيث تشكل وحدة النقيضين الطبقة الراسمالية والطبقة العاملة ووجودهما هو الذي يحدد طبيعة المجتمع الراسمالية. فلا وجود للطبقة الراسمالية بدون وجود الطبقة العاملة ولا وجود للطبقة العاملة بلا وجود الطبقة الراسمالية. ولكن مصالح الطبقة العاملة هي النقيض التام لمصالح الطبقة الراسمالية.
نعود الان الى سؤالك. فالتناقض بين سيد العبيد والراسمالي اذا وجد لا يشكل وحدة نقيضين كما هو الحال في وحدة اسياد العبيد والعبيد او وحدة الطبقة الراسمالية والطبقة العاملة. ولكن الحقيقة التاريخية هي ابعد من ذلك. الحقيقة هي ليس في المجتمع العبودي وجود للراسمالي بالمفهوم العلمي للراسمالي. ولم يكن اي وجود للاستغلال الراسمالي في المجتمع العبودي ولا وجود للعامل الذي لا يمتلك سوى قوة عمله يبيعها للراسمالي. كانت طبقة اسياد العبييد هي المالكة للانتاج الاجتماعي الذي ينتجه العبيد. وقد قامت على اساس هذا الانتاج حضارات عظيمة نفتخر بها اليوم نتيجة لمجهود الملايين من العبيد لعدم وجود وسائل انتاج متطورة في ذلك الحين تعوض عن المجهود البشري في اقامة هذه الاثار التاريخية العظيمة.
كان في مرحلة المجتمع العبودي تجار. والتجار لا يمكن اعتبارهم راسماليين بالمعنى العلمي للراسمالي. يقوم هؤلاء التجار بنقل منتجات العبيد التي يمتلكها الاسياد عن طريق المتاجرة الى حيث يستطيعون بيعها وجلب مواد متوفرة في بلدان بعيدة ونادرة في دولة العبيد لبيعها والحصول على ارباح تجارية منها. والتجارة ليست نظاما راسماليا بل كانت قائمة طيلة وجود المجتمع الانساني وبظروف تتلاءم وطبيعة النظام الاجتماعي القائم في حينه. ولا يغير من ذلك طريقة المتاجرة اذا كانت بيعا وشراء او قرصنة او نهب. فالنتيجة واحدة هي تجارة تقوم بنقل البضائع من مكان الى اخر طلبا للربح.
في زمن النظام الاقطاعي تطور الانتاج الحرفي الى ما يسمى "الاصناف". والاصناف هي عبارة عن منظمات حرفية يكون كل الحرفيبن في حرفة معينة منظمين وفقا لقواعد معينة. كان الصبي يرسل للعمل لدى احد الحرفيين لتعلم الصنعة لسنوات عديدة وربما بدون اجور تقريبا ويسمى الصانع. وعندما يتعلم الصانع المهنة بدرجة معينة يصبح "خلفة". وبعد سنوات من كونه خلفة يصبح "اسطه" وعندذاك يحق له اذا توفرت له الامكانيات ان يصبح عضوا في ذلك الصنف الحرفي. ويمكن رؤية سوق الصفافير في بغداد كنموذح للاصناف.
لدى تطور الانتاج في النظام الاقطاعي نشأت صورة اخرى من الانتاج في اوربا الاقطاعية تسمى المانيفاكورا. والمانيفكتورا كانت خطوة كبرى في طريق نشوء الراسمالية ولكنها لم تكن راسمالية بالمعنى العلمي للراسمالية. كان تجار المانيفكتورا تجارا يزودون الفلاحين بالمواد الخام اللازمة لانتاج النسيج بآلاتهم البدائية في الاكواخ لحسابهم لقاء شيء من الاجور. وكان هذا النوع من الانتاج استغلالا فظيعا للفلاحين يجعلهم يعملون في اكواخهم ليل نهار من اجل هذا التاجر.
وقد واجه تجار المانيفكتورا صعوبات كبيرة في تجارتهم بسبب وجود النظام الاقطاعي ومعارضة الاصناف. فكان التاجر عند انتقاله بالبضاعة من اقطاعية الى اخرى يضطر ان يدفع ضريبة مرور للاقطاعي مما خلق صعوبات امام التاجر في الانتقال وعبئا كبيرا على ارباحه. كذلك واجه تجار المانيفكتورا معارضة شديدة من الاصناف الذين اعتبروا هذا النوع من الانتاج غير شرعي ولا يتفق مع قواعد الاصناف. ولكن هذا النوع من الانتاج كان البداية الضرورية للتحول الى الانتاج الراسمالي الحقيقي. وهذا اصل شعار الثورة البرجوازية الكبرى، الثورة الفرنسية، "دعه يعمل، دعه يمر". دعه يعمل هو ضد معارضة الاصناف، ودعه يمر هو ضد سيطرة الاقطاعيين.
ترى من هذا كله عزيزي د. حسين ان الراسمالي لم يكن له وجود في المرحلة العبودية وان سيد العبيد ليس له وجود في النظام الراسمالي ولذلك لا يمكن الحديث عن التناقض بين الراسمالي وسيد العبيد، ولا التناقض بين الانتاج الراسمالي وانتاج العبيد او المنافسة بين الراسمالي وسيد العبيد على الحصول على العبد او العامل. فكل الانتاج في العهد العبودي كان انتاج العبيد وكل الانتاج نظريا في النظام الراسمالي هو انتاج الطبقة العاملة. اقول نظريا لوجود بقايا الانتاج الاقطاعي في النظام الراسمالي ولو انه ليس الانتاج المسيطر في المجتمع.
من هذا التناقض بين وحدة النقيضين في كل مرحلة من مراحل المجتمع نشأ مصطلح الصراع الطبقي. لم يكن هذا المصطلح من اكتشاف كارل ماركس بل كان معروفا لدى الكثير من الفلاسفة والاقتصاديين باشكال مختلفة حاولوا ان يجدوا لها الحلول التي توصلوا اليها وفقا لتطور نضوجهم الفكري. وكان دور كارل ماركس في الصراع الطبقي هو تحليل هذا الصراع والتوصل الى اسبابه الطبيعية وكذلك التوصل الى اتجاه تطوره الطبيعي.
راى كارل ماركس ان الانسان يعمل على الطبيعة من اجل البقاء على قيد الحياة، اي الحصول على ما يديم حياته من غذاء وكساء ومسكن، واطلق على هذا الاتحاد بين الانسان والطبيعة قوى الانتاج. اذ لا يمكن الانتاج بدون عمل الانسان ولا يمكن الانتاج بدون العمل على الطبيعة. وراى ان الانسان في عمله على الطبيعة يكون علاقات فيما بينه، علاقات تتعلق بكيفية الانتاج وكيفية امتلاكه وتوزيعه اطلق عليها علاقات الانتاج. وراى ان قوى الانتاج اسرع تطورا من علاقات الانتاج في كل مراحل التطور الاجتماعي بحيث يحصل تناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج، لان علاقات الانتاج التي كانت في فترة ما عاملا مساعدا ومشجعا لتطور قوى الانتاج، تصبح لدى تطور قوى الانتاج الى مستوى ارقى عائقا في سبيل تطور الانتاج. وراى ان الاتجاه الطبيعي في تطور المجتمع هو ان تعمل قوى الانتاج على تغيير علاقات الانتاج بصورة تجعلها من جديد عاملا مساعدا ومشجعا لتطور قوى الانتاج. وراى ان هذا التغيير، بسبب وجود سلطة مسيطرة عليه، لا يتحقق بصورة سلمية وانما يجب تحقيقه تحقيقا قسريا اي بالثورة على علاقات الانتاج القديمة من اجل تكوين علاقات انتاج جديدة. وهذا الاكتشاف الماركسي هو سبب حقد الطبقات الحاكمة كلها على الماركسية. لانها تقرر ان وجودها مؤقت حتما وان قوى الانتاج القائمة تحت سلطتها لابد ان تطيح بها من اجل خلق علاقات انتاج جديدة.