بحث في العقل العلماني اليساري العربي المتنور ـ الياس مرقص والعقلانية السياسية 3/6


شاهر أحمد نصر
2004 / 9 / 27 - 11:53     

3 ـ الياس مرقص والعقلانية السياسية
يدعو المفكر الحر الياس مرقص العرب إلى إقامة العقل في السياسة، محذراً من المثالية السياسية، ومؤكداً على الجهد الكبير الذي يجب القيام به من قبل العرب أنفسهم للوصول إلى الفكر العقلاني والعلمي والديموقراطية:
إن مذاهب العرب الحالية يجب أن تزاح. وإلا فلا مستقبل. هذه الإزاحة عمل شاق، طويل، جهادي. لكن ليس من طريق آخر. لا يوجد طريق سهل.ص512
إذا كنا نريد إقامة العقل للفكر العربي والشعب العربي علينا أن نقيم معه مقولات كثيرة وبدون أن نعطيه مبدئياً أية أفضلية عليها: الفكر بالمعنى الواسع وبالمعنى الضيق ولا سيما الفكر الفكري والفكر النظري مع الفكرة والمفهوم، ومع الشكل الروح الشغل والعمل والفعل... المادة القيمة الضرورة المصادفة العشوائية تطور تحول تشكل تباين تمايز.. هذه المقولات جميعها مبادئ - مسائل. مادمنا مع مبادئ ليست مسائل فنحن سنبقى في دوران عقيم وقاتل. معناه أنها مسائل أنها حية فعلاً ودوماً "غير مسائل معناه أنها ميتة أنه أكذوبة تجارة كسل رخص مكر بشري. لكن مكر العقل مكر الله فوق كل مكر "عقلنا" سقوط في الذاتوية ضياع للذات.. ص34
بصرف النظر عن المصطلحات، إن "العقلاني" يبدأ من افلاطون والفلسفة اليونانية، لاسيما وأن العقل هو الأداة الرئيسية للمعرفة في مواجهة الإمبريالية التي تعتمد التجربة الحسية"... أفلاطون وسقراط يفرضان فكرة المفهوم، الفلسفة تفرض لغتها إزاء الشعر.
إن تاريخ الفكر والإنسان هو تاريخ نمو العقل. ص402
إن عملية قيام العقل الأوروبي الحديث، مع الفكر العلمي، والعَلْمانية، والديموقراطية،الخ أعقد وأغنى بكثير مما نتصوره بوجه عام... ص403
أريد التحذير مما يجب أن أسميه المثالية السياسية في واقعنا الذهني: تضخيم دور الحزب أو الأحزاب، تحويل الحزب إلى صنم، الإكثار من مقولة "الشعب" ومقولة "الجماهير" بلا فحص نقدي للمقولات، بلا نظرة تاريخية إلى تكون هذه المقولات الحديثة أو الحديثة جداً في واقع العالم وفي واقعنا العربي بوجه أخص. ليست الجماهير شخصاً يتقدم على خط التاريخ. ص403
لا ريب أن الرغبة في التطور رغبة حميدة. لكنها رغبة. نحن مازلنا مع قضية الأسس. يجب أيضاً الرجوع إلى ما دون الأسس المرئية. التطور مرهون بذلك. التطور يتوقف على أن لا نتصور أننا أمسكنا بالبداية حين نكون بالحقيقة بعدها. الموقف يجب أن يكون تساؤلاً أو شعاراً من نوع: ثمة دوماً بداية قبل البداية؟؟ مثلاً الفراهيدي بداية، بداية عظيمة. أنا أتمنى معرفة ما تحتها وما قبلها، معرفة الطريقة المرئية التي حكمت الإبداع المذكور. أتمنى أن نعود إلى أعمق وأشمل من أجل انطلاق جديد بالعلم المعني.ص511
وقفة عند البيرسترويكا : على الرغم من مرور العديد من السنين على تقييم الكاتب لمسألة البيرسترويكا التي حصلت في الاتحاد السوفيتي فإننا نلمس صحتها وراهنيتها وأهميتها وضرورة الاستفادة منها باستمرار:
من المؤسف أن هذا الانهيار تأخر كل هذا التأخير. ص524
التحول الحالي، الصراع الحالي، سيستمر وسيتواصل إلى أن يبلغ الاتحاد السوفيتي حالة جديدة.ص527
في الوقت الحاضر، نخطئ خطأ كبيراً إذا لم ندرس تحوّل موسكو وبكين وهانوي الخ ولا سيما التحول الفكري والمعرفي. إن قسماً كبيراً من اللوغس العربي الحاضر (ولا أقصد الشيوعيين والماركسيين فقط، بل كل اللوغس العربي الحاضر) مختلف المدارس، علماً بأن جميع المدارس آخذة في الانحدار، تفشيّ الماركسية لم يكن نمواً لمذهب ماركس (ولينين) تابع لما قبل هذا التحول السوفيتي... إن عالم الغد لا يمكن أن يكون كعالم اليوم. يجب أن نكون من صانعيه.
كان على العرب قبل نيف وثلاثين سنة أن ينشئوا تصورهم وخطهم ونظريتهم. لم يفعلوا. علينا أن نفعل...
إن نقطة الضعف في حركة البيرسترويكا الفكرية السوفيتية هي لا ريب أن الفلسفة، ولا سيما الغنوزيولوجيا، لا تمثل في الحركة، لا تمثل موقعها الأمامي الطليعي. إن حساب فلسفة ستالين يجب أن يصفى منهجياً. والخاصة بنداً بنداً.ص529 هذا الضعف – غياب الفلسفة من البيرسترويكا – يجب أن نتلافاه من البداية. فيما عدا ذلك"" إن ما نحتاج إليه هو البيرسترويكا والديموقراطية و –أولاً – الغلاسنوست (كلمة روسية تعني العلانية)! ص530
لو سألت أعضاء قيادة الحزب في هانوي لقالوا لك أنهم يطبقون "الماركسية – اللينينية"، الآن قال لي أحد الأصدقاء الصادقين فكرياً وروحياً: النظرية صحيحة، لكن التطبيق خاطئ.. رئيس الحزب الجديد في فيتنام "... النظرية نفسها تحتاج إلى تغيير..." قلت له: أيها الأخ الصديق، إن الصواب والخطأ ينتميان لمملكة النظر، ولا ينتميان لمملكة العمل إلاّ على جسر النظر والفكر والتصور. ولا فائدة من اختراع نظرية سماوية عن الماركسية تكون فوق النظر. الآن نكتشف أو هم يكتشفون أنهم بعيدون عن ماركس وعن لينين والحمد لله. تأخروا لكن لا فائدة أيضاً من أن نضع ماركس وانجلز فوق الحقيقة، أو جالسين على يمينها ويسارها في عرش الجواهر السماوية. ومن العجيب أن نؤمن بتطور ليس تغيراً! (ستالين تكلم مراراً عن تطوير..). "تطوير"؟ هذا يتضمن أولاً "تغيير". ص511-512 من الحماقة أن نصنع قاموساً في هذا المستوى من الوثنية والمثنوية: تطوير = خير، تغيير = شر... مع التطوير يجب أن يتغير وينقلب كل شيء. الفكر قبل الواقع، الروح قبل الاقتصاد والمعاش..ص511 ألا ينطبق هذا الكلام الذي قاله الياس مرقص منذ أكثر من عقد من الزمن على ما يروجه في أيامنا هذه المستفيدون من الوضع العربي الراكد، الذين يتشبثون بشعارات التطوير وينأون عن الإصلاح التغيير..؟
أزمة عقلانية أم أزمة الطبقات المسيطرة
يقدم الكاتب ملاحظات جدية على الاستعمال الميكانيكي والمثالي لمفاهيم الطبقات في البلدان العربية من قبل العديد من المفكرين والباحثين، ويبين الخطأ في ذلك الاستخدام والنقل غير الإبداعي لها، وما يتركه من آثار سلبية على الفكر والتقييم المثالي للواقع العربي، وبناء سياسات وبرامج خيالية بناء على ذلك التقييم:
إن "منطق الأشياء" يتوقف على الإنتاج، بسط الشغل، نمو التحويل. مقولات المنطق تكونت في رأس الإنسان بالارتباط مع نمو الفاعلية العملية التحويلية. العمل يحمل نقولة الهوية (الثبات) ومقولة العلة والسبب.ص422
أما الوعي التاريخي فهو ليس فطرياً البتة، وليس مميزاً عاماً لحضارات البشر الكبيرة.ص423
يقدم كثيرون من الدعاة الحزبيين إدانة للطبقات المسيطرة، وحديثاً عن الجماهير والطبقات المسيطرة، وكشفاً أولياً للمنظومة السياسية الاجتماعية والدينية. وفي هذا المجال يقول مرقص أعتذر لكنني مضطر لأن أقول: نحن أمام ماركسية ستالينية.. .. الاكتشاف الحقيقي ليس فكرة المنظومة تلك بل فكرة و / أو واقع عدم وجود حركة مناهضة، عدم وجود حركة مناهضة، عدم وجود شيء قابل للنمو ولأن يصير حركة (ذاتية شعبية تاريخية) قادرة على التغيير. هذا الاكتشاف يطرح مسؤولية الفكر، مسؤولية رجال الفكر النظري العربي والثقافة العربية، مسؤولية الفكر التقدمي والثوري بنوع خاص. إذن يطرح أولاً مسألة المقولات، اللغة... طبقات، جماهير الخ.. هذه ليست بديهيات ..ص424
الطبقة الاجتماعية عند لينين معرفة على قاعدة إنتاج. فما هي قاعدة الإنتاج أو الركيزة الإنتاجية التي عليها ستقوم الطبقة المزمعة. ص430
ما عدد ساعات العمل المثمر للإنسان عندنا؟ تقول إحدى الدراسات 15 دقيقة ص434
البعض مسرور بانحدار الطبقة الوسطى، بتقلصها وانطفائها، إنه لابرى موقع الطبقة الوسطى الحقيقية الجديدة، في صعودنا من الانحطاط، في النهوض من رقدة العدم، في قيام الدولة والحق والقانون والتعليم والثقافة. كل هذا الصعود تفاهة في نظر "الثوري". بروليتاريا روما أفضل... لكنه لا يرى أيضاً الطابع الوطني والقومي للطبقة الوسطىالحقيقية. تلك الطبقة الوسطى لم تهرب أموالاً إلى الخارج ... ص435
يرس مرقص أنّ الطبقة الوسطى هي بضعة ملايين من العاملين في التعليم في التجارة في الزراعة في الإنشاء السكني في الحرف والصناعة.. وهذه الطبقة الوسطى.. لا تهرب الأموال.. إن هروب المال مرتبط بانطفاء الطبقة الوسطى، مرتبط بقيام مجتمع مكون لا من برجوازية وطبقة عاملة بل من مهارجات لبنوك في غرب وأشباه "فلاحين" بلا شغل وأرض. التضخم النقدي "ثورة الأسعار" أداة وغطاء إعادة توزيع الدخل اليومية بين أفراد المجتمع وفئاته وزمره وطبقاته، أداة إفقار غالبية الناس لصالح أفراد وزمر، مدحلة تسوية نحو الأسفل، والتسوية هذه بما أنها تسوية ومساواة فهي الركيزة الاجتماعية للاستبداد والتوتاليتارية. إن الطبقةالعاملة العربية لم تكن يوماً من الأيام كبيرة لكن كان لها تاريخاً سياسياً عظيماً، وطنياً واجتماعياً وقومياً وعربياً، ولها أيضاً مأثرة أنها لم تندلق يوماً في الديماغوجية المناهضة "للبرجوازية الصغيرة" وأنها تعي فكرة النهضة والتقدم والمجتمع والشعب، فكرة الشغل والكفاح، فكرة الحرية والقانون والعقل والتاريخ.ص436
الطبقة العاملة العربية جزء من المجتمع الحديث الذي خرج إلى العقل والتاريخ ، وهي جزؤه المتقدم والمرتبط بقضية الاشتراكية.
إن تقسيم المجتمع ( المجتمعات) العربي إلى طبقات بالمعنى الغربي الموسع، والمتسيب لا يفي بحاجة فهم تاريخنا في القرنين الأخيرين.ص436 بل إن ذلك يقود إلى المثالية السياسية التي يحذر منها الياس مرقص داعياً إلى إقامة العقل في السياسة، موهذا يجناج إلى جهد كبير على العرب أنفسهم القايم به للوصول إلى الفكر العقلاني والعلمي والديموقراطية، التي سيكون لنا وقفة مع موقفه منها لاحقاً..
وفي ختام الحديث عن العقلانية السياسية في فكر الياس مرقص نرى مفيداً التأكيد على رأيه الشجاع الذي يقول بأن مذاهب العرب الحالية يجب أن تزاح. وإلا فلا مستقبل. هذه الإزاحة عمل شاق، طويل، جهادي. لكن ليس من طريق آخر. لا يوجد طريق سهل.ص512
الهوامش:
الاستشهادات الواردة في النص مأخوذة من كتاب: الياس مرقص ـ نقد العقلانية العربية ـ دار الحصاد - دمشق ـ الطبعة الأولى – 1997
طرطوس ـ شتاء عام 2001 شاهر أحمد نصر
[email protected]