3- الصراعات السياسية لسنوات 1960-1965 و انتصار سلطة المعمرين الجدد

أبراهام السرفاتي
2011 / 1 / 3 - 07:58     

من كتاب مجدي ماجد، الصراع الطبقي بالمغرب منذ الاستقلال

الصراعات السياسية لسنوات 1960-1965 و انتصار سلطة المعمرين الجدد
لما قام الملك محمد الخامس، في مايو 1960، بإقالة حكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كي يمسك مباشرة بمقاليد السلطة التنفيذية، كان الاتحاد و.ق. ش لا يزال حزبا قويا وشعبيا، ما أكدته الانتخابات البلدية التي كانت مقررة و تلت مباشرة.

بعد خمس سنوات ونصف السنة، كان هذا الحزب ذاته أصبح عاجزا عن أدنى رد فعل على اغتيال زعيمه الرئيسي، ذلك ذاته الذي كان رمزا- ولا يزال- بنظر كل المناضلين الثوريين و الجذريين، وبنظر الجماهير الشعبية المغربية، يمثل َنـفَـس التطلع الشعبي العميق إلى مستقبل عدالة وتقدم، مستقبل تضامن ونضالات مشتركة مع شعوب العالم المضطهدة، من أجل التحرر من نير الامبريالية ومن أجل الاشتراكية، المهدي بنبركة.

إن التاريخ السياسي لسنوات 1960-1965 هو في المقام الأول تاريخ هذا الانقلاب المذهل. فحذق الحكم وكلبيته الفاترة، وعلى ر أسه الملك الحسن الثاني، من جهة ومن جهة أخرى ما كان يطبع صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من تناقضات و ترددات سياسية وإيديولوجية و دسائس و نزعة مغامرة، لكن أيضا بطولة البعض وانتهازية البعض الآخر المتزلفة ، تلك الصفوف التي كان يبزغ ويصعد منها المهدي بنبركة بما هو قائد ثوري، على صعيد العالم الثالث، لكن أيضا بما هو قائد متقدم على حزبه ذاته الذي كان يوحل في تفل عجزه المتعدد، فيما لم يكن لدى الجماهير الشعبية، العزلاء و غير المنظمة، سوى غضبها و أيديها العارية، بوجه بنادق الحكم الرشاشة، ذلك كان نسيج تلك السنوات الدامي والمأساوي، ذلك النسيج الذي يمكن أن نفهم لماذا كان اغتيال المهدي بنبركة خاتمته المأساوية.

لكن ذلك النسيج كان مرتبطا بنضالات هامة، على صعيد داخلي وفيما يخص المحيط العربي و الإفريقي و الدولي للمغرب.

على صعيد الطبقة العاملة، كان عمال المناجم، وبمقدمتهم عمال الفوسفاط، فرضوا في متم العام 1960 على الحكومة الرجعية إصدار قانون عمال المناجم، وانتزع عمال الفوسفاط ، بعد إضراب عام دام 10 أيام في يوليو 1961، نتائج هامة تخص شروط تطبيق هذا القانون على المكتب الشريف للفوسفاط.

وقد شكلت هذه المكاسب، وتلك التي انتزعها عمال الخدمات العمومية (كهرباء، سكك حديد) الأساس الموضوعي لما ظل معروفا في تاريخ الحركة النقابية المغربية بـ"سياسة الخبز" لدى المحجوب بن الصديق، وهو التعبير المتشكل بوجه خاص في العام 1963 في ظروف سنتناولها لاحقا.

في الواقع، ظلت الطبقة العاملة، طيلة سنوات 1960-1965، بعيدة عن محاولات مناضلي الاتحاد.و.ق.ش الجذريين، الذين كانوا يمثلون تطلعات الكتلة الرئيسية من البرجوازية الصغيرة الحضرية، محاولات كانت ترمي إلى تنظيم نضالات شعبية. في العام 1961 تمكن هؤلاء المناضلون من تنظيم إضراب للموظفين، تنكرت له المنظمة النقابية الوطنية الاتحاد المغربي للشغل. ومعروفة أيضا الاصطدامات العنيفة التي جرت للتحكم بجامعة البريد والتي كان ضحيتها المناضل عمر بنجلون.

ما واجهت قيادة الاتحاد المغربي للشغل من مصاعب، وتواطؤها الفعلي مع الحكم بقصد إبقاء الطبقة العاملة بعيدا عن نضالات القوى السياسية الجذرية، أديا بتلك القيادة خلال تلك السنوات إلى الإجراء الخطير المتمثل بحل جامعات الصناعة، تاركة على هذا النحو نقابات القاعدة معزولة بوجه أرباب العمل و جهاز الإكراه الخاص بالقيادة البيروقراطية للاتحاد المغربي للشغل.( يجب أن توضع على حدة حالة المكتب الوطني لكهرباء و المكتب الوطني للسكك الحديدية، حيث حوفظ على الجامعات لأسباب تعود إلى بنية تلك المقاولات الوطنية ذاتها و اشتغال نظامها الداخلي، مع الإشارة إلى أن جامعة الطاقة، التي ُتسير ممتلكات اجتماعية هامة بفعل ذلك النظام، ظلت إلى الآن تحت تحكم أسوأ القادة البيروقراطيين).

في مطلع العام 1961 ذاته، فيما كانت الحكومة الجديدة برئاسة الأمير الحسن، تصطدم بمصاعب جمة وكان واردا بقوة استدعاء الاتحاد .و.ق.ش، مات محمد الخامس فجأة أثناء عملية جراحية بسيطة لوتر الأنف.

وكان الحماس الشعبي الهائل الذي رافق محمد الخامس إلى مثواه الأخير، بما كان يعطي (أو يؤكد) للمؤسسة الملكية ذاتها من قوة، أزال أوهام من كانوا في اليسار المغربي يعتقدون أن الأمير ولي العهد سيواجه مصاعب في قبوله ملكا. و بوجه المجهول، ومتجاوزة خلافاتها الداخلية، تكتلت الطبقات السائدة حول الملك الجديد. لكن، في مستوى أعمق، لم تكن هيبة محمد الخامس، أو جاذبيته كما يقول علماء السياسة، والتي خلبت حتى ذلك اليسار، منعكسة على الملك الجديد. وبسرعة فائقة كانت أسلحته الرئيسية حيال القوى الشعبية، تركيبا، حاذقا طبعا، بين الترهيب و التقسيم السياسي ، و الحضور الكلي للسلطة و لعلاقات السيطرة شبه الإقطاعية فيما خص القرى.

وكانت سياسة المغرب الخارجية أول من استشعر هذا التغير، لأن السياسة الداخلية كانت تواصل المجرى الذي ذكرنا بديناميته الاقتصادية-الاجتماعية العميقة. وبسرعة فكت الروابط التي ُنسجت في ظل محمد الخامس شخصيا مع الدول التقدمية الفتية. ( صحيح أنه في ظل تلك الروابط، شارك الجيش المغربي مباشرة في عمليات لحساب الامبريالية، وبوجه خاص دوره في المؤامرة الدولية التي أفضت إلى خلع واعتقال البطل و الشهيد الأفريقي باتريس لومومبا من قبل الرقيب موبوتو).

كما ُفكت الروابط بحركة التحرر العربية، بل أكثر من ذلك أقبل الحكم المغربي، لقاء مساعدة مالية أمريكية معززة و موطدة، على إطلاق يد المنظمة الصهيونية الدولية في المغرب لتنظيم التهجير الكثيف ليهود المغرب اليائسين من إخفاقات الاستقلال ومن العنصرية الكامنة، وحتى الصريحة أحيانا، التي يرعاها حزب الاستقلال. (هذه العنصرية التي كان يفاقمها من جهة أخرى الجهاز البوليسي وريث الإقطاعية المخزنية التي لم تر قط في اليهودي المغربي غير عبد محتمل). مفهوم في هكذا شروط أن ُيحجب رصيد الصداقة والتكافل الثقافي الشعبي، بين اليهود والمسلمين، بالواقع الآني لمآزق الاستقلال، وبالمقابل تلوح الوعود المعسولة للصهيونية التي كانت تمنح، بكفالة من البرجوازية اليهودية المغربية، فردوسا جاهزا للاستعمال، وأي "فردوس" بائس في الحقيقة.

وفي ديسمبر 1962، منح الحسن الثاني أخيرا دستورا للشعب المغربي. كان هذا الدستور، مثل النصوص القمعية للقانون الجنائي و تنقيح قانون المسطرة الجنائية في السنة ذاتها، من صنع مختصي قانون فرنسيين رجعيين وثيقي الصلة بالديوان الملكي. [6] وكان استفتاء المصادقة عليه الأول على قائمة استفتاءات الإجماع تلك التي ميزت مذاك "الديمقراطية الحسنية". و تخلص الحسن الثاني لاحقا من حزب الاستقلال بعد انتفاء حاجته إليه، وشكل حكومة كانت تمثل بلا شريك البرجوازية الكومبرادورية وكبار ملاكي الأراضي.

لكن انتخابات مايو 1963 التشريعية منحت، رغم ما بُذل من جهود لتأمين أغلبية ساحقة للحزب الحكومي الذي نظمه تحت الطلب أحمد رضا كديرة، أقلية قوية من المقاعد لحزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. فقد كانت النوى السياسية والقانونية ذات الطابع الديمقراطي المكتسبة خلال سنوات 1956-1959 لا تزال تتيح بعض الصمود، و كانت المقاومة الشعبية للخناق الذي يشتد عليها حافظت، لا سيما عبر الاتحاد.و.ق.ش، عن بعض القاعدة المنظمة.

إزاء هذا، استعمل النظام منهجية حكمه الرئيسية، التي باتت ُمذاك علامة أساسية للعشرين سنة الماضية: القمع الوحشي و التعذيب المهذب لتحطيم مناضلي المعارضة الجذرية و الثورية. و في يوليو 1963، ومستفيدا بالكامل من عملية استخبارية منظمة انطلاقا من عملاء خاصين بالقاعدة العسكرية الأمريكية بالقنيطرة، والتي سقط فيها بعض الأطر الثورية و قدماء المقاومين من يسار الاتحاد.و.ق.ش، انهال القمع الكثيف و الوحشي على الاتحاد .و.ق.ش. وفي الآن ذاته قتلت الشرطة بالدار البيضاء المقاوم الكبير شيخ العرب الذي كان فضل العودة إلى حمل السلاح للدفاع حتى النهاية عن ُمثل المقاومة.

وفيما كان مناخ الإرهاب سائدا بالمغرب- وكان "البرلمان" ُيثرثر، كان الحكم المغربي يشارك في المؤامرة الامبريالية الرامية إلى إطاحة السلطة الشعبية الفتية بالجزائر المستقلة، بقيادة بن بلة. كان ذلك ما ُسمي" حرب الحدود" في أكتوبر-نوفمبر 1963، التي هاجم فيها الحكم المغربي مراكز الحدود الجزائرية جنوب درعة محاولا النفاذ إلى تيندوف و مناجم الحديد فيها، فيما السلطة الجزائرية تواجه التمرد الذي قاده أيت احمد بمنطقة القبائل.

لكن المقاومة البطولية التي أبداها الجيش الوطني الشعبي الجزائري، كجيش فتي لكنه ضعيف التجهيز، أحبطت المؤامرة [7]. عدوان الحكم المغربي هذا على الجمهورية الجزائرية، النتيجة المنطقية لعمليات 1956-1958 التي أتينا على ذكرها، و مقدمة المغامرة الشوفينية لسنوات 1970-1980 في الصحراء الغربية، قام المهدي بنبركة بالتنديد به في راديو الجزائر مقدما بذلك مثالا لا ُيمحى عن وعي ثوري راق، مثالا يبرز أكثر الطابع المخزي للشوفينية المحتدة لدى من اغتصبوا القيادة الحالية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

لكن، على صعيد الجماهير الشعبية الرئيسية، الطبقة العاملة و الفلاحين، كانت طاقة النضال قد جرى تحييدها. تطرقنا للطريقة التي حُـطمت بها في السنوات السابقة بنيات الدفاع الذاتي للفلاحين. أما الطبقة العاملة، فبالنظر الى ما ذكرنا به من معطيات موضوعية و الطابع المغامر لمشروع العمل المسلح الذي سقط فيه في يوليو قسم من يسار الاتحاد.و.ق.ش، فقد تيسر للمحجوب بن الصديق دعوتها إلى الاقتصار على الدفاع عن مطالبها، أي "سياسة الخبز" الشهيرة.

لكن في الآن ذاته، بدأت تتشكل قوة جديدة، قوة شبيبة الأحياء الشعبية بالمدن. إن كان الاستقلال الشكلي قلما جاء بتقدم للبلد، فإنه مع ذلك رفع عبئا ثقيلا كان ينيخ على الشعب المغربي، أي الاضطهاد المباشر من طرف المحتل. وبفعل ذلك لم يكن بوسع الطبقات السائدة المغربية، أيا كانت أواصرها بالامبريالية، أن تحبس الانبعاث الثقافي و الوطني للشعب المغربي، رغم قدرتها على عرقلته بشكل كبير.(يجب التذكير هنا بأن التقدم العميق لهذا الانبعاث، رغم تشوه مظهره بالإيديولوجيات البرجوازية و وتعرضه للاحتواء من طرف الطبقات السائدة، لا ينفصل عن مجمل الحركة العميقة لانبعاث الأمة العربية، مع تمهيده ليقظة الإثنية الأمازيغية، وهذا ليس تناقضا سوى في المظهر).

هذا اليقظة كانت الشبيبة الشعبية بالمدن بيئته الملائمة، لكن دون إمكان فصلها عن روابطها الاجتماعية مع مجمل الجماهير الكادحة، ليس المدينية وحسب بل أيضا في مدن عشرات آلاف السكان المنتشرة في مغرب القرى. لكن لها حركتها الخاصة التي لا يمكن آن تتخذ كامل مداها إلا متمفصلة مع النضال الثوري للطبقة العاملة والفلاحين وبقدر ما يمكن تنظيم تلك النضالات و قيادتها من طرق قيادة سياسية للبروليتاريا وحزبها الشيوعي. و إن غياب هكذا هيكلة هو ما مثل الضعف الأساسي لحركة تلك الشبيبة منذ عشرين سنة و يفسر المأزق الدامي المتجدد إلى يومنا هذا لتفجرات الغضب، أيا كان طابعها البطولي.

في سنوات 1963-1965 تلك، اعتقد الحكم، مستقويا بنجاحاته ضد الاتحاد.و.ق.ش وتهيكله السياسي والاقتصادي المتنامي، إمكان التراجع عن ذلك المكسب الشعبي لسنوات 1956-1958 المتمثل في الحق في التعليم.

أدى ذلك، كما هو معلوم، إلى مظاهرات تلاميذ الثانوي يوم 23 مارس 1965 بالدار البيضاء، بدعم من سكان الأحياء الشعبية لهذه المدينة، الذي اضطلع ضمنهم مناضلو قاعدة الاتحاد.و.ق.ش و قدماء مقاومين مرتبطين بالقادة الثوريين الجذريين، المسجونين بالقنيطرة، بدور طليعي. وتحولت تلك المظاهرات إلى انتفاضة عامة للجماهير الشعبية بالدار البيضاء. ومعلوم كيف سحقت تلك الانتفاضة في الدماء.

لكن تلك المذبحة لم تكن غير انتصار بكلفة مدمرة للحكم. فلم تكن قواعده السياسية متينة بقدر يتيح مواجهة التمرد الشعبي بالقمع وحده أيا كانت درجة دمويته. بيد أن الاتحاد.و.ق.ش ،مع ما كان له بالدار البيضاء، مثل المدن الرئيسية بالمغرب و العديد من المناطق القروية، من قواعد سياسية متينة كان من شأنها أن تتيح ليس طبعا انتزاع تغيير هيكلي بل بالأقل فرض تراجع على نحو فعال على الحكم- وبالأقل العودة إلى ميزان القوى السياسي لعام 1959، قلما كان يتوفرعلى قيادة سياسية في مستوى هكذا طاقة كامنة. قد يكون المهدي بنبركة، المقيم بالمنفى، القائد الوطني الوحيد في مستوى تلك المهمة. لكنه كان، قياسا بالقيادة الوطنية لحزبه، وليس فقط بسبب منفاه، رجلا وحيدا على هذا الصعيد. كانت تلك القيادة قد باتت تحت هيمنة فئة المثقفين المفعمة بالإيديولوجية التكنوقراطية، المرتبطين أساسا بالبرجوازية الوطنية وبتلك الشريحة العليا من البرجوازية الصغيرة الناشئة آنذاك، و المرتابين من الجماهير الشعبية ، و المؤمنين بالمقابل، بقصد استعادة حقائبهم الوزارية المفقودة، بفضائل دعم ذلك "اليسار البنكي" الفرنسي المغربي لأمثال كريم العمراني و بلوخ-ليني (او جاك دولور)، أي ذلك الوجه المستنير للرأسمال الفرنسي الكبير. ومعلوم أن كبير هؤلاء، وحتى رمزهم، هو عبد الرحيم بوعبيد.

على هذا النحو، كانت الجولة سهلة على "لعبة الملك" كما يقال، وهي في الواقع لعبة الطبقات السائدة ووصيها الامبريالي التي تكلف الحسن الثاني برعاية مصالحها. وقد كان الحسن بلا منازع رئيس الطاقم الذي قاد بيد ماهرة تلك الجولة ليحيل ذلك الفجر Aube des dalles [8]، الذي مثلته الانتفاضة المجيدة لشعب الدار البيضاء يوم 23 مارس 1965، إلى صحراء اليأس تلك بعد ثمانية أشهر.

بإيجاز كان قوام المناورة أولا منح ما هو أولي جدا، والمطلوب مباشرة من الجماهير، أي إلغاء دورية يوسف بلعباس (سفير الصالونات الباريسية "الليبرالي و المثقف" ذاته)، المضرة بتلاميذ الثانوي و المفجرة لغضبهم، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من السجن المركزي بالقنيطرة (الأكثر شهرة منهم وحسب، معتقلي "مؤامرة يوليو 63). وفضلا عن ذلك، كانت المناورة قائمة أيضا، بقصد نزع الفتيل، على الحصول من قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومن عبد الرحيم بوعبيد بالذات، على فك تعبئة الجماهير و مناضليه، بالتلويح لهم بعودة المهدي بنبركة و قيام حكومة اتحادية منسجمة بعد أشهر قليلة. وكان حل البرلمان، وفرض حالة الاستثناء، وتأميم تصدير الخضر و الفواكه، هذا الإجراء الذي لن يفيد في الواقع غير تقوية المعمرين الجدد، لكن الذي أضفيت عليه آنذاك صبغة يسارية، وتشكيل حكومة سٌميت انتقالية بمشاركة بعد التكنوقراطيين المنتقين بحذق بقصد الإيهام و التسميم، تدبير رحبت بها قيادة الاتحاد و.ق.ش ، فيما كانت الصلات الأولى مع المهدي بنبركة تحضيرا لضربة 29 أكتوبر 1965 الصاعقة.

اختطاف المهدي بنبركة، وما عرف بسرعة عن اغتياله، تركا قيادة الاتحاد.و.ق.ش والحزب برمته في هكذا ظروف في حيرة، عاجزين كليا عن تعبئة تلك الجماهير التي دعوها قبل أشهر الى الهدوء. ومن سخرية القدر أن الاتحاد المغربي للشغل دعا، وحده، إلى إضراب احتجاج 24 ساعة، لقي نجاحا لكنه ظل معزولا.

كان نفق الترهيب الحالك مخيما بلا شريك على الجماهير الشعبية ومناضليها. كان قد بدأ العصر الذهبي للمعمرين الجدد، عصر ذهبي ستتشكل خلاله، مع ذلك، خميرة النضالات القادمة.




هوامش:

6- يجب قراءة تعليقات مختصي القانون الفرنسيين هؤلاء في طبعة شرح قانون الجنائي المغربي لعام 1968، لفهم الحقد الطبقي المشترك لدى هؤلاء و أولئك. (مثلا، انظر في هذه الطبعة التي كتب مقدمتها التمجيدية ادريس السلاوي، التعليق على الفصل 288 من القانون الجنائي حول ما يسمى "عرقلة حرية العمل").

7- اعترف عبد الله العروي بمسؤولية المغرب (ليتأسف على الأخطاء التقنية فقط) في كتاب مفعم بالهذيان الشوفني الحقود، بعنوان الجزائر و الصحراء المغربية، صادر عام 1976.

8 – ستظل القصيدة الحاملة لهذا العنوان [قصيدة الطاهر بنجلون aube des dalles بالعدد 12 – مجلة انفاس] تطبع دوما حقيقة يوم وليلة المجد والدم ذلكما، رغم الانحطاط اللاحق لكاتبها. إن للكتابات مصيرها الخاص.