في كل مكان من العالم، تتحرك ردود فعل قوية للطبقة العاملة ضد مخططات التقشف البرجوازية


عبد السلام أديب
2011 / 1 / 2 - 05:54     

أبانت إضرابات وتظاهرات أكتوبر نونبر في فرنسا ضد إصلاح أنظمة التقاعد عن قتالية قوية في صفوف البروليتاريا الفرنسية(حتى وإن لم تنجح في دفع البرجوازية للتراجع). ويمكن ادخال هذه الحركة في دينامية دولية لطبقتنا البروليتارية الأممية التي بدأت تستعيد تدريجيا طريق الصراع الطبقي ضد الهجوم المتواصل للبرجوازية الأممية. وها نحن نشاهد معارك طبقية متعددة في العديد من البلدان فمن تونس بمدينة سيدي بوزيد حيث أقدم الشاب محمد بوعزيزي على إحراق ذاته احتجاجا على الوضع المأساوي اليائش الذي وصله بعد انسداد كافة الآفاق أمامه للعمل رغم توفره على شهادة جامعية عليا، وهو ما شكل شرارة دفعت ألآلاف من الكادحين الى الخروج الى الشارع للاحتجاج بقوة على الواقع المعيشي البئيس الذي يعيشه الشعب في ظل الهجوم البرجوازي الديكتاتوري التبعي الحاكم في تونس ورغم ردود الفعل البوليسية الهستيرية الوحشية التي أسفرت عن إطلاق الرصاص على متظاهرين قتلتهما فتزايدت المظاهرات في مختلف المدن التونسية وشارك فيها حتى المحامون مما دفع نظام بنعلي القائم إلى اعتقالهم. نفس القتالية أبانت عنها الطبقة الكادحة في المغرب نتيجة تعمق الأزمتين الاقتصادية والسياسية في مدن مثل العيون والحسيمة وتنغير وقبل ذلك في ميسور وسيدي افني وصفرو .... فالأزمة الاقتصادية البرجوازية تضرب في كل مكان من العالم. وفي كل مكان حتى في الدول الرأسمالية الصناعية، من أوروبا الى الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ العمال يتحركون تدريجيا ويرفضون مسلسل التفقير، والتقشف والتضحيات التي تعتبرها البرجوازية "مفيدة" لاستمرار هيمنتها والمفروضة على الكادحين فقط.

في الظروف الحالية، قد يبدو هذا الرد دون مستوى الهجوم البرجوازي الذي نتعرض له. وهو أمر واقع لا جدال فيه. لكن الدينامية قوية ملموسة بدأت تتصدى له، فالوعي العمالي والقتالية البروليتارية سيستمران في التطور لكي تأخذ أبعادا أكبر في المستقبل القريب. وفي ظل هذا الوضع تبحث البروليتارية عن خلق تنظيماتها الذاتية والكشف عن تعبيراتها السياسية المتجدرة، والمساهمة في تقوية الصراع الطبقي الجماهيري والتخلص من تحكم البروقراطيات النقابية.

في بريطانيا تؤكد الأحداث الأخيرة على انخراط الجيل الجديد من الشباب الجامعي في الصراع الطبقي في مواجهة مخطط التقشف الحكومي الرامي إلى تقليص صارم للنفقات العمومية، ففي 23 أكتوبر 2010 نظمت العديد من الاحتجاجات ضد الوصفات الجديدة للميزانية، وقد تراوح عدد المشاركين في هذه الاحتجاجات التي دعت اليها مختلف النقابات ما بين 300 في مدينة كارديف و1500 في مدينة بلفاست و25000 في مدينة ادنبرة وهو ما يؤكد على شدة الغضب وعمقه في وسط الكادحين البريطانيين وأبنائهم.

وقد انفجر مؤخرا غضب التلاميذ على الرفع بنسبة 300 % في تكاليف التسجيل في الجامعات، وهي التكاليف التي ستضطرهم للاستدانة المفرطة من أجل السداد بعد إنهاء دراستهم (مبالغ فلكية يمكنها أن تصل إلى 95.000 أورو). وقد صوت مجلس العموم البريطاني في 8 دجنبر 2010 على هذه الزيادات رغم الاحتجاجات القوية.
إن هذا الاندفاع في مقاومة التدابير الجديدة والذي تم الالتفاف عليه بصعوبة أقلق الحكومة. والدليل الواضح عن هذا القلق هو مستوى القمع البوليسي الذي استعمل ضد المتظاهرين. فقد تم في 24 نونبر بلندن، محاصرة الآلاف من المتظاهرين من طرف الشرطة بضعة دقائق عقب انطلاق تظاهراتهم في ساحة ترافالكار سكوير، ورغم بعض المحاولات الناجحة لاختراق صفوف البوليس، استطاعت قوى القمع صد الآلاف من بينهم لمدى ساعات في جو بارد. وفي مانشستير ، بمدينة لويسهام تاون هال وأمكنة أخرى، حدث نفس المشهد من الإنزال البوليسي العنيف. وعقب احتلال مقر حزب المحافظين بميل بانك، هاجمت الصحف كعادتها المتظاهرين عبر إبراز صور للمتظاهرين من يعتبرونهم "مشاغبين" وعبر اختلاق حكايات رهيبة حول مجموعات ثورية تستهدف شباب الأمة بدعاياتها الشيطانية. ان كل ذلك يعبر عن الطبيعة الحقيقية "للديمقراطية البورجوازية" التي تعيشها بريطانيا.

الانتفاضة الطلابية في بريطانيا كان هو أحسن جواب على ادعاء أن الطبقة العاملة في هذا البلد تبقى سلبية أمام أمواج الهجوم البرجوازي العنيف الذي تطلقه الحكومة على مختلف شروط الحياة الكريمة ومستوى معيشة الكادحين: الشغل، الأجور، الصحة، البطالة، التعويض عن العجز إضافة إلى الحق في التعليم. انه إنذار للبرجوازية المهيمنة بأن الجيل الجديد من الطبقة المستغلة لا تقبل منطقها حول التضحية والتقشف.

أما في اسبانيا فبتاريخ 3 دجنبر 2010 عملت حكومة "الاشتراكي خوسي زاباطيرو" على استفزاز حقيقي للمراقبين الجويين في المطارات، فموافقة المجلس الوزاري على نصف خوصصة لسلطة تدبير المطارات (AENA)، في إطار إجراءات جديدة مضادة للأزمة متخذة من طرف الحكومة الاشتراكية. ويتضمن هذا الاجراء تدبيرا للوقت يستهدف 1670 ساعة في السنة وهو الزمن القانوني الأقصى الذي يمكن للمراقبين قضائه في العمل. مخفضين أجورهم في الساعات الإضافية رافعين سن التقاعد ومباشرين على الخصوص تقليص أجورهم بنسبة 40 % في المتوسط (علما أن الموظفون أنفسهم يخضعون لاقتطاع يتراوح ما بين 5 و 10 % من أجورهم). وقد جاء رد الفعل سريعا: حيث غادر المراقبون الجويين مواقع عملهم خلال السعات التي أعقبت ذلك الاجراء، مما أدى إلى إقفال أغلبية المجالات الجوية الاسبانية ( ما عدا في اندلوسيا)، وقد شكلت هذه العملية أطول "جسر بدون عمل" للمراقبين خلال السنة (5 أيام من الإضراب).

بعد ذلك قامت البرجوازية المهيمنة بحملة إيديولوجية ضخمة تم تنظيمها ضد المضربين حيث وصفوهم بكونهم موظفين محضوضين "يتقاضون أجورا تفوق أجرة رئيس الحكومة". وبالتالي من غير المسموح لمؤسسة عمومية أن تمنح أجورا خيالية لعمالها. حسب ما أكد على ذلك وزير النقل بلانكو. كما نظمت الصحافة هي الأخرى، هجومها على المضربين : وقد فقد المراقبين الجويين صوابهم ومعركة الرأي العام" مع هذا الموقف، حسب ما كتبه احد صحفي جريدة البايس (وسط اليسار). أما صحيفة لافانكارديا (وسط اليمين) فقد تحدثت عن "احتجاز رهائن غير مسموح به" بينما سخرت صحيفة الأبسي (اليمين) من "هؤلاء المرضى بالوهم". على الانترنيت، أظهر راديو كادينا صورة لمأدبة عشاء يوم السبت تمت بين العديد من المراقبين، تحت عنوان غاضب: "المسئولين عن الانهيار يشربون بمدريد". أما على الفايس بوك، فتم خلق مدونة للمطالبة بطرد المراقبين الجويين المضربين. وقد حاول العديد من المراقبين، الذين تم استجوابهم من طرف البايس، الدفاع عن أنفسهم: حيث قال أحدهم "نريد فقط الدفاع عن حقوقنا". وأضاف آخر "نحن أيضا ضحايا"، "فهم يظهروننا كوحوش الأفلام (لكن) الخطأ راجع للحكومة".

ومباشرة بعد ذلك، تم اقرار "حالة الاستعجال" خلال خمسة عشرة يوما. وقد أتاح ذلك إخضاع المراقبين الجويين لسلطة وزارة الدفاع عن طريق نقل نظامهم من اطار القانون المدني الى اطار القانون العسكري. وبذلك عاد المراقبون الجويين للعمل تحت نظام 24 ساعة. ولم تتم أبدا إثارة هذه المادة من الدستور الاسباني إلى غاية اليوم. فقد خصصت لمساعدة الحكومة لمواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات أو عند حدوث مثل هذه الواقعة، عند توقف مرفق عمومي أساسي لسير البلاد كالرحلات الجوية مثلا. وبعيدا عن أن كونها كارثة طبيعية، فهذا الإضراب يدخل، بكل بساطة، في إطار الصراع المفتوح ضد مخطط التقشف المفروض من طرف الحكومة الاشتراكية عبر تقليص النفقات العمومية، وعن طريق تسهيل التسريحات في البلاد بلغ فيها معدل البطالة 20 % ورفع سن التقاعد الى 67 سنة كما سيرا على خطى البرجوازية الألمانية التي فرضت هذا السن ابتداء من يناير 2011.

حالة الاستعجال تتيح للحكومة اعتقال المستخدمين "في الصناعات الإستراتيجية" الذين يرفضون العمل. وقد هدد وزير الداخلية، الفريدو بيريز روبالكابا بقوله: "حالة الاستعجال تفترض تعبئة جميع المراقبين وتقديم جميع من لا يلتحق بعمله أمام القضاء، بحيث يصبحون تحت طائلة تهمة قد تلحق بهم عقوبات سجنية قاسية يمكن أن تصل من 8 الى 10 سنوات". وقد طالب وزير الأشغال العمومية والنقل علاوة على ذلك بعقوبات "مناسبة" تطبق على مثل هذا "السلوك غير المسؤول" تتضمن دعائر ثقيلة وتسريحات ضد المضربين.

وقد صرح مراقب جوي: "لقد أصبحنا نؤمن بأننا رجعنا من جديد إلى عهد فرانكو". وبطبيعة الحال فقد استعمل الفصل 2-116 من الدستور لأول مرة منذ نهاية الفرانكوية (فالقوانين التي تتيح مثل هذه السلطات تم الاحتفاظ بها في الدستور "الديموقراطي" الذي تم تحريره سنة 1978). وقد بررت الحكومة هذا الإجراء بالطابع الاستثنائي للنزاع الدائر والذي يجعلها في مواجهة المراقبين الجويين منذ سنة.

هذه التحرشات البرجوازية الحقيقية لإدانة المراقبين الجويين، تستهدف تهيئ المجال "لتضحيات" ستكون دائما أكبر وبهجمات أقوى ضد مجموعات عمالية أخرى من عندما سيضربون للاحتجاج على الإجراءات التقشفية الحكومية. وقد فهم العمال الذين يعيشون في اسبانيا بسرعة هذا التكتيك القائم على التقسيم. كما أن الدعاية بالكراهية للحكومة الاشتراكية والنقابات ضد هذه التعاونيات لم يحقق نجاحا كبيرا في الوسط العمالي. فمع تعمق الأزمة البرجوازية الاقتصادية والسياسية أصبح الإحساس الجماعي للكادحين في كل مكان بأنهم يوجدون في نفس المأزق يأخذ طريقه إلى ذهن جميع المستغلين.

من المفروض ان يعمل الكادحون على تنظيم انفسهم في كل مكان اعتمادا على اقوي تعبيراتهم السياسية الثورية المنغرسة بينهم، لانجاح المواجهة وانتزاع السلطة من البرجوازية لوضعها في يد ديكتاتورية البروليتاريا وهي ديموقراطية الكادحين الذين يشكلون اغلبية الشعوب المضطهدة. للوصول الى الهدف الاستراتيجي وهو المجتمع الاشتراكي الخالي من الطبقات ومن العمل المأجور هناك طريق طويل وشاق من الصراع الطبقي وقد تعود الكادحون على الانتصار في بعض معاركها وعلى الاندحار مؤقتا أمام الهجوم البرجوازي المضاد في بعض المعارك الأخرى. وتعيش البروليتاريا الأممية اليوم في كل مكان ازمة ثورية تكرسها الازمتين السياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي الذي يعيش مرحلة احتضار وتوحش تستلزم مواجهة بروليتارية قوية ومنظمة.