الماركسية وأسطورة عدوانية الإسلام


وليد مهدي
2010 / 12 / 22 - 14:08     

ولو سألنـا " لما الترويج لهذه الأسطورة ؟ " يكون الجواب الجاهز ، مثل بديهية عامة ، من قبل جميع المثقفين المتأثرين بالإعلام :
( النصوص الدينية عدوانية تدعوا المسلمين للجهاد وقتل الكفار ) ، هذه الصيغة هي المتداولة بسبب التكرار والتأكيد من قبل وسائل الإعلام العولميـة .
ربما لا يلامُ الطارئون المحسوبون على التنوير , ممن ليس لهم ثقل أكاديمي حقيقي لمثل هذه الأحكام التي روجت لها الاصولية المسيحية المحافظة في اميركا واوربا منذ تسعينيات القرن الماضي وحولتها إلى اسطورة بعد هجمات القاعدة على أميركا ، الملامُ في ذلك هم العارفون بحركة التاريخ , الماركسيون المخضرمون في عالم الفكر قراءة وإنتاجاً، أين هم و أين دورهم " المعرفي " في آخر افتراءات الارخنـة المسيسة المزيفة ..؟
أين هؤلاء المتيقنين بأن الدين أفيون الشعب ، واستغرب في الحقيقة كيف " تناسى " الماركسيون بأن الدين ونصوصه هو " عزاء " الأمة , أي امةٍ , في تاريخها جراء ما تعانيه في واقعها من ظلم ؟
فالغربُ لا يستعمر ويحتل الارض فحسب ، الغربُ يتلاعب بمصير الشعوب الإسلامية منذ قرون عبر تغيير الحكام والإنقلابات العسكرية وزرع اسرائيل ناهيك عن الهيمنة وحماية قمع الدكتاتوريات لشعوبها , ليكون العزاء الشعبي حسب مفهوم ماركس هو " الأفيون " الذي انبثق منه الإحياء أو الصحوة التي مثلت انغلاقاً تاريخياً في الوعي والعقل الإسلامي لاتخاذه وضع " الدفاع " الفكري ضد العصف الحضاري الغربي
وبغض النظـر عن رجعية هذا " الوضع " ، إلا إن من الطبيعي جداً , لكل قارئ موضوعي لحركة التاريخ خصوصاً الماركسيين ، أن يجد هناك رد فعل جمعي عام من قبل المسلمين تجاه كل ما هو غربي حتى لو اتخذ طابع " القنابل البشرية " .
لسنا نؤيد هذا ابداً ، ولكن العدوانية الحقيقية متجذرة في نفوس باشوات البورصة ومافيا الدم الراسمالية المتوحشة .. وهي أفعال أصيلة لدى حكومات الغرب فيما هي " ردود أفعال " من قبل المسلمين لا أكثر ، لماذا لا تقرأ الماركسية هذه المعادلة ، و أين هو الفكر الماركسي المعاصر العميق الذي يتبع الأكاديمية البعيدة عن سوق الإعلام الغربي و المغربن الذي يغصُ بالأساطيـر ؟
كان من الطبيعي أن ترفض " الامة " كل ماهو غربي ، ليس لان النصوص إقصائية حسب الأسطورة الإعلامية الجديدة ، الشعب يفسرهـا ويقرأها بهذه الطريقة ، الشعب يشرعن رفضه للغرب عبر النص وليس النص هو الدافع الحقيقي لرفض العلمنة والتنوير و " الآخر " ، الشعب هو الذي اختار " الإقصاء " ولم يفرض النص الديني إقصاءه على الذهنية الشعبية ، حتى رجال الدين ، لم يكونوا ليحتلوا هذه المكانة الشعبية بعد " الصحوة " لو لم تكن الأرضية الشعبية خصبة لترويج أفكارهم " الرجعية " ..!
ليست النصوص الدينية هي التي كونت الاغلال التي غلفت عقول المسلمين وكونت الذهنية الاقصائية الظلامية لهم التي لا تقبل الآخر ..
الأمة ، الشعب ، هي التي رفضت التحديث تحت غطاء النص المقدس ، لأنها تتعرض لهجوم ثقافي يطال اربعة عشر قرنا من تاريخها ، و بمجرد ان يكف عنها الهجوم سترفض هذه النصوص في ضوء " تطور وسائل الإنتاج " أو " تطور التقنية " حسب المادية التاريخية , فالماركسية كانت تقرأ التاريخ قراءة طبيعية عامة ، لم تضع أية منهجية وقتها ولا في القراءات والتفسيرات المختلفة التي جاءت بعدها للظروف الغير طبيعية لمسير التاريخ و مثالها حالة تعرض حضارة ذات قيم تراكمية تزيد على الألفي عام لعصف حضاري مغاير يتمثل بالاحتلال و الهيمنة العسكرية ...
مثل هذه الظروف مؤكد بأنها تولد " نفيراً " جمعياً ، فلا يحدث " تحديث Modernity" حضاري في بلاد المسلمين كما حدث في اليابان وكوريا والصين ..
فهذه الدول ورغم تعرضها للإحتلال العسكري ، إلا إن هويتها الثقافية لم تهاجم كما حدث في البلاد العربية والإسلامية ، بل العكس ، سمح الأميركان لليابان بالمحافظة على تراثها لمواجهة الشيوعية كثقافة تقدمية ، والحرب الباردة لعبت دوراً هاماً في تقبل تلك البلدان التحديث وليس " الغربنة westernization " ..
مع ذلك ، لم تتعرض حضارة من حضارات العالم المعاصر , حسب تعريف توينبي للحضارة ، مثل الحضارة العربية – الإسلامية للطعن في ذاتها وهويتها عبر زرع الحكومات العميلة حسب علاقة " الهيمنة " من جهة وزرع كيان " تاريخي " ماضوي ممثلاً بدولة لم تكن في الوجود في عالمنا المعاصر من جهة أخرى ، كان من الطبيعي جداً أن تتسبب إسرائيل في هذا الإنغلاق الإسلامي الذي أنجب ما يعرف اليوم بالصحوة ..
إحياء دولة من مقابر التاريخ من الطبيعي أن يتسبب بإحياء فكري مقابل من مقابر التاريخ والذي تمثل في الفكر الإسلامي الجهادي المعاصر ، بغض النظر عن الظروف والعوامل السياسية التي أدت إلى تشكل نواته ، كيف صدق الماركسيون أسطورة النصوص المتوحشة بهذه السهولة ؟
************
ربما وجد بعض ٌ من المثقفين عبر الفضاء الافتر اضي المعلوماتي في هذا الكلام تناغماً مع ميولهم الذاتية ، ومنهم محسوبون على الماركسية ، واقصد " أسطورة الوحشية و الظلامية في الإسلام " , وهو ما يوحيه إليهم الإعلام الغربي المعولم الذي سيس عمل " القاعدة " لإثبات عدوانية الإسلام ، مع إن الماركسيين أكثر المثقفين معرفة بحقيقة من تكون " القاعدة " .. !
فعبر سطحية المبنى التأويلي للإسلام لدى الكثيرين على شاكلة وفاء سلطان و كامل النجار ، يتم الترويج لأفكار القرون الوسطى المسيحية عن الإسلام ونبيه محمد ، المخيال المسيحاني المندرس تجاه الإسلام ، وكأنه هو الحقيقة المطلقة المثبتة أكاديمياً وتاريخياً ، في ارخنـة تلفيقية عصرية جديدة ..!
هذه الأرخنة هي واجهة الهجوم التاريخي الخفي المتستر بالعلمانية التي باتت ترساً حامياً لأحلام الأصولية الغربية في سعيها وطموحها للهيمنة التي اتخذت من موقف الدفاع الإسلامي ذريعة لترويج هذه الأسطورة .
ولنفترض إن الكلام هذا كله صحيح .. ألا يحق لنا ان نسأل لماذا يكون الهجوم بالمطالبة باستبعاد حتى إسم الإسلام من حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية ، قتل الهويـة التاريخية لمليار ونصف المليار إنسان ، أي ربع سكان العالم من المسلمين ؟
هل يفترض أن لايكون الجواب إلا كما ينقشه دعاة هذا النادي الذين اعتبروا كلامهم نقشاً مقدســاً لا تجوز عليه التطاولات النقدية مهما كانت ، وجوابهم الكلاسيكي المكرر دوماً :
النصوص الدينية في الكتاب والسنة مريضة إقصائية " ضد التحديث Antimodernity " ..!
لماذا لم تستطع هذه النصوص منع الإنسان العربي والمسلم من أن يكون في الصدارة في الايام المزدهرة نسبياً للحضارة الإسلامية ؟
وهنا يكون التطرف واضحاً لدى اعضاء هذا النادي الذين دحضوا مقولات المستشرقين والمؤرخين الغربيين عن الإزدهار النسبي في الحضارة الإسلامية !
فهم ينكرون اصلاً وجود " حضارة إسلامية " ، هكذا ، وبممحاة سحرية منطقية "قروسطية " يفندون رؤى ديوارنت وتوينبي وشبنغلر ..
في المواضيع القادمة سنسلط الضوء على الإطار العام للذهنية " القروسطية " المستترة وراء عبارات العقلنة والتنوير ، نعم هذه الذهنية قروسطية لا تختلف عن ذهنية العقل الرجعي التاويلي التاريخي للإسلام من قبل وعاظ السلاطين سوى ان اعضاء هذا النادي يتحركون بوعي معكوس مضاد لهؤلاء الفقهاء مستخدمين لغة رطانة محشية بعناية بمفاهيم الليبرالية ( التحررية ) والعلمانية والحداثة وغيرها من مفاهيم العصرنة بل حتى يصل الحال بحشو فقرات كتاباتهم بـ " جمل " انكليزية ، في العادة امثال ، توحي هذه الخلطة برمتها للقارئ إن الكـُتاب ينتمون إلى فضاء ثقافي اعلى !
" الذهنية " الرجعية الاصولية الغربية التي يستعملها هذا النادي ، العائدة للمخيال الجمعي المسيحاني المندرس ، والتي يحاول إحيائها قباطنة الليبرالية الجديدة من المحافظين في أميركا و أوربا ، ويقوم بتصديرها " التنويريون الجدد " على صفحات الشبكة العنكبوتية والحوار المتمدن تحديداً على إنها " علمنة ٌ وتنوير " و العلمانية و التنوير منها بــراء ، هذه في حقيقتها الأكاديمية للمتتبع الأكاديمي " الغربي " لا ترقى إلى أن تكون عقلانية ابدا ..
فالعلمنة والتنوير إطارات فكرية لمبادئ تقدمية لا تتناقض مع " العلم " و " المعرفة " ..
اخوتنا في الإنسانية هؤلاء ، فيما لو أهملنا رأي المادية التاريخية ، تجاوزوا العلم المعاصر والمعرفة الاكاديمية في اكبــر عملية غــش وافتراء تستغل جهل القراء المعرفي ، القراء الميالين لتوجهات النادي " التهتكية " المدفوعة بحمية اصولية لخلفيات دينية مستترة , او قد تكون بسبب اختلالات عقلية او نفسية لا تبدو ظاهرة للعيان عبر كتاباتهم التي تتطرف حتى على المالوف الشائع عالمياً في المحافل الاكاديمية بوثوقية حادة ، شعورٌ اعمى بقداسة الرأي الذي يحملونه عن نبي الإسلام ، خصوصاً وهم يختمون بالشمع الاحمر على كل ناقدٍ لهم بانه مختل عقلي أو مريض نفسي بالعصاب أو العقد .. وغيرها , لا نريد أن نكون مثلهم نطلق فتاوى " التشخيص النفسي " جزافاً ولكن يحق لنا أن نسأل هل من تفسير بديل عن " الإنتهازية " سوى الخلل الأعماقي في حالتهم هذه ؟
إنها " وثوقيــة " , كما عبر عنها " غسان المفلح " في تعليقه على حوار مازن الوراق مع النجار , أو " تمامية " , كما سماها " نقولا الزهر " في نقده لعلمانية وفاء سلطان ، يؤطرهـا حقدٌ وشعورٌ بالحيف تجاه كل ما هو إسلامي لأسباب ربما تتعلق بمعاناة اعضاء هذا النادي في مجتمعاتهم التي ترعرعوا فيها ، ذات المجتمعات التي ترعرعنا فيها نحن وجاهدنـا لتحريرها وتنويرهــا من ربقة الاستعباد الفكري الماضوي الذي كان في حقيقته ممارسة من ممارسات السلطة السياسية على مر الزمان .
النظرة الاحادية للتاريخ المؤمنة بان " نصوص الدين " هي العامل المحرك الأساس للشعوب الإسلامية هي التي تغرز في عقولهم هذه الوثوقية وتعززها في شخصيتهم ، وهي صميم المنهج الفكري التاريخي للبورجوازية التي جاهدت دائماً و أبداً على إقصاء أي اعتبار لدورٍ جماهيري حقيقي في حركة التاريخ ..!
البورجوازية هي التي كتبت التاريخ على إنه تاريخ العظماء و الأشراف النبلاء و الأشرار أعدائهم ، فالتاريخ برأيهم يحركه المسيح الطيب أو محمد الشرير وذلك عبر " النصوص الدينية " ، وهي أسطورة إن لم نسمها أكذوبة لا تدحضها المادية التاريخية لماركس ومن جاؤوا بعده فقط ، منهج الإنثروبولوجيا المعاصر يؤكد بأن النص الديني في حقيقته مرآة تعكس عبر زوايا تفسيرها المتنوعة آمال وتطلعات الأمم ، الجماهير وفق المفهوم السياسي الماركسي ، وفي حالة الجماهير ( الأمة ) المسلمة ، وبغض النظر عن ظلامية وتسييس الفقهاء للنصوص ، فهي جماهير ساعية نحو خلاصهـا تمتطي نصوصها الدينية كصرخةِ حربٍ ثورية ( كما يسميهـا فؤآد النمـري في اغلب مقالاته وتعليقاته في الحوار المتمدن ) ضد كل ما يشكل تهديداً لكيانها الاجتماعي أو كيانها التاريخي الموروث ، والذي تجلى في ظاهرة " الصحوة الإسلامية Islamic Resurgence " التي شكلت حزاماً واقياً من القيم الرافضة أو المشككة بكل ما هو غربي ، ليس لأن النص يدفعها لذلك ، ولكنها تمتلك إرثاً يزيد على السبعة آلاف سنــة من القيم التراكمية في صيرورة العقل الجمعي كما يصفه دوركايم وكارل جوستاف يونج ..
هذه النظرة السطحية ، بورجوازية المنابع ، المتعالية فوق الجماهيـر ودورها الحقيقي في التشريع والتفسير للنصوص ، لا يختص بها عقل السيدة سلطان و السيد النجار ومن سار على نفس دربهم من مدعي العلمنة والتنوير ، بل حتى الذهنية الدينية المتشددة في الوقت الراهن ، الاصولية الإسلامية السياسية خصوصاً ، فهم وسلطان و النجار في قالب التفكير سواء سوى ان نادي سلطان - نجار يقول أن العلة هي الدين فيما الإسلامويون يرفعون شعار " دواء الامة في الدين " .. أو " الإسلام هــو الحل " مع احترامنا الشديد لتيار الاخوان المسلمين ، هذا التيار الذي يرفع هذا الشعار كردة فعل على ما الم بالامة من كوارث في القرن الماضي والحاضر ، لكن ، سنكون محايدين في نقد الرجعية في ادوات الفكر الإجرائية التي تتبعها الاصوليات عامة في كافة مواضيعنا القادمة في الحوار المتمدن ، وشعار الإسلام هو الحل لا يعني وفق المادية التاريخية إلا شيئاً واحداً فقط :
>
عبر دراسة هذه المواضيع سنقدم ادلة موضوعية علمية نوضح فيها بأن الإسلام وأي دين آخر ، لم يكن يوماً حلاً ولن يكون في نفس الوقت هو السبب في نكوص وتراجع الامة ، الدين ماهو إلا مظهر من مظاهر تعبير الوعي الجمعي ( او المخيال الجمعي كما سماه محمد اركون ) عن نفسه ، الدين مجرد أداة بيد الشعوب تنكص إليه إذا خافت واخفقت كما فعلت الامة بعد 1948 والثورة الشعبية في إيران 1979 وحتى يومنا هذا ، وتتخلى عن تطبيقاته بسهولة عندما تطمئن وتعيش في دعة كما حدث في الحقبة الذهبية من العصر العباسي و بعض مراحل الحكم الأندلسي رغم ندرتها وضيق وقتها ، حيث تحول الدين إلى " هوية " فقط ، وكمثال قريب ما حدث من صعود للتيار الإصلاحي المنفتح بقيادة خاتمي في إيران حين كان الغرب منشغلاً بصدام حسين في العراق .. تاركاً إيران تبني نفسها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ..
وعندما تم احتلال العراق ، عاد التيار المغلق المتشدد في إيران للبروز بعد " ضغط " الغرب عليها ، وسيزيد تشدد الدين و المخيال الجمعي للشعب الإيراني سيزيد رفضاً للغرب ( الآخر ) فتقوى شوكت المحافظين لو حوربت إيران عسكرياً ..!
وهذا يتطابق مع قراءة الماركسية للتاريخ إلى حدٍ بعيد فيما لو أعدنا بناء المادية التاريخية وفق منهج الإنثروبولوجيا و السوسيولوجيا الحديثة التي يكتب في ضوئها التاريخ المعاصر .
لا نشك أبداً أن لو كان ماركس حياً بأنه سيعيد قراءة التاريخ بمنهج علمي معاصـر يفند أسطورة عدوانية النص الديني .
فالدين ليس حقيقياً بما هو دين نفهمه ، ماهو إلا مظهر من مظاهر تعبير الامة ( ككل موحد )عن ذاتها .
تشدد الإسلام اليوم سببه الهجوم الإستعماري واغتصاب فلسطين واحتلال العراق وافغانستان وقمع الحكام العرب عملاء الغرب لشعوبهم ، ولا اعتقد بان عاقل لا يرى في عمالة الحكام العرب واقعاً ، وتبعية هؤلاء للولايات المتحدة بماسوشية فاضحة واقعاً أيضا ، وهي أسباب من المدى والاتساع تكفي لإحداث تنخرات بنيوية في صميم هياكل المجتمعات الإسلامية والناطقة بالعربية على الصعيد الثقافي والاقتصادي والسياسي ليتزايد الفقر فقرا والتراجع نكوصاً و إضمحلالاً وضياعاً في غياهب الرجعية التاريخية ، هذه العوامل المتشكلة كبنى اساسية تحتية واخرى فوقية ظاهرية تكفي لتفسير الصحوة الإسلامية او ما يعرف بالإنبعاث او الإحياء الإسلامي Islamic resurgence في الادبيات السياسية الغربية والعربية المعاصرة .
وعبر الدراسة التحليلية لمستويات مختلفة من الخطاب التنويري الغربي السياسي والفكري الليبرالي العربي نجد بأن اهم اسباب تفشي " أسطورة عدوانية الإسلام " هو تنظيم القاعدة فقط ، والذي تديره حالياً في الخفاء شركات الحماية الأمنية الأمريكية العابرة للقارات ..
الإعلام الغربي حاول خلط الاوراق متخذاً من هذه الصورة ذريعة لترويج هذه الاسطورة ، الإسلام لا يزال بريئاً حتى تثبت إدانته ، لا تزال أفعال باقي التنظيمات ردود فعل مقاوم بغض النظر عن أسلوب ردود الفعل هذه ، لان القاعدة صنيعة غربية وكل ما عدا ذلك هي حركات تحرر وطني ومقاومة مشروعة .
ومن أراد الأدلة على ذلك عليه أن يبحث في المعلومات التي ينشرهـا العديد من المختصين بالشؤون الأمنية الدولية ، نذكرُ منهم على سبيل المثال ( وين مادسون ) الضابط السابق في البحرية الأمريكية ، الصحفي المتخصص حالياً في شؤون الاستخبارات والذي يدير موقعاً خاصاً بذلك حول دور شركات الحماية الأمنية في تفجيرات الشرق الأوسط التي تضرب المدنيين لقاء عقودٍ يبرمها الجيش الأمريكي معهــا ، والتي يكشف فيها تورط ضباط كبار من المخابرات الباكستانية ICI مثل حميد جول ، والمخابرات الهندية مدعومة من " الموسـاد " ، و كذلك الجيش الباكستاني مثل الجنرال ميرزا إسلام ، وكذلك حصول شركات الحماية هذه مثل بلاك ووتر على " إذن " القيام بمثل هذه العمليات من برويز مشـرف ، والقبض على أعضاء من هذه الشركة يهربون السلاح لحزب العمال الكردستاني في تركيا .. وكذلك العلاقة الحميمة بين بلاك ووتر والمخابرات المركزية الأمريكية CIA التي يتحول ضباطها المتقاعدين إلى العمل بهذه الشركات مثل الضابط المعروف في السي آي إيه مدير شعبة مكافحة الإرهاب سابقاً ( كوبر بلاك ) ...
مثل هذه المعلومات وغيرها الكثير الكثير التي تكشفها معلومات استخبارية توثيقية عن حقيقة انتشار شركات " القتل " في العراق والصومال واليمن و أفغانستان تؤكد حقيقة " المؤآمرة " !
( عن برنامج بانورامــا " من يفجـر الشرق الأوسط " ، قناة روسيا اليوم ، 21 كانون أول 2010 )

*********************

دعائم ترويج الأسطـــورة إعلامياً

أهم الدعائــم التي تشكل المنظومة الإعلامية العالمية المروجة لهذه الاسطورة هي :
• الفكر السياسي الغربي : وهو الفكر الذي يستبطن " الاصولية المسيحية " بشكلٍ خفي ، ويمثل هذا الخطاب القواعد الاساسية العلمية التي تنتجها مراكز الابحاث والدراسات في الغرب المنتمية لمدرسة ليو شتراوس وميلتون فريدمان النيوليبرالية ، والتي هي في جلها قائمة على فلسفة نفعية اقتصادية داعمة لمصالح أثرياء العالم ( جلهم في الولايات المتحدة ) مؤثرة في القرار السياسي الغربي إلى درجة رسم السياسة الخارجية والاستراتيجية العسكرية لاميركا و حلف النيتو ، هذا الفكر ممثلاً في آراء هنتغتون وفوكوياما كنماذج فاعلة ومؤثرة في المخيال الاجتماعي السياسي الأكاديمي المعاصر للغرب ، فالغرب بما هو سياسة ومجتمع فإنه " غرب " ، كما وضحنا هذا في موضوع" الاصولية الغربية المتسترة بالتنويــر " المنشور في الحوار المتمدن سابقاً .

• فكر الشــارع الغربـي : وهو الفكر الذي تاثر بالاستبطان الليبرالي الغربي في " نقده " لكل ماهو إسلامي ، وهو البناء الفوقي للذهنية الاجتماعية " الغربية " القائم على الفكر السياسي الاكاديمي ، هو رأي الشارع الغربي المتشدد إذن الذي تغذيه وتؤججه عمليات القاعدة في أوربا والعالم , رأي " النادي التنويري " نفسـه ، الذي تبلور خطابه شديد التطرف منبثقاً عن الأول ( ربما بسبب تواجد جل اعضاءه في بلاد المهجر ) ، هذا الخطاب الذي سعت إلى توظيفه المراكز الغربية العليا بعد الحادي عشر من سبتمبر، يقوم فكر الاصولية هذا بمهاجمة " المخيال الاجتماعي الإسلامي " بشكل صريح وواضح وعنيف كما في حالة نادي الاصولية المقنعة بالعلمنة والتنوير الذي تحدثنا عنه في عدة مواضيع .
هذا النادي في حقيقة الأمر يمثل الحالة " المتطرفة " من الإتجاه الأيديولوجي الليبرالي الناطق بالعربية عموماً ، بل إن تأثير الخطاب السياسي الأصولي الغربي المتخفي بالعلمنة والتنوير ودولة الرخاء الاقتصادي والديمقراطية وصل حتى لخطاب اليسار العربي و أصوات تحسب على الماركسية العربية من كتاب ومثقفين لم " يـحدثـّـوا " نموذجهم المعرفي عن التاريخ كي يكون معاصراً بعيداً عن قراءات وتفسيرات أوائل القرن الماضي عن حركة التاريخ للأمم والحضارات البشرية ، فسقطوا ضحية البريق الذي أججه الإعلام الغربي حول هذه الأسطورة , عدوانية الإسلام , التي أطلقها هنتغتون في العام 1994 بعد أحداث البوسنة والهرسك وقبل أن يعرف احد ما هي " القاعدة " وذلك في مقاله في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية Foreign affaires والذي تحول إلى كتابه ذائع الصيت " صدام الحضارات " في العام 1996.
سنبقى في فكر النجار في اغلب مواضيعنا ، كونه يمثل صدىً نموذجياً لكل رؤى النادي ومنهم الرائدة المتميزة " وفاء سلطان " ..
الذي سنحتاج لغرض دراسته وتحليله العديد من التوضيحات حول البنية الاساس للخطاب الاصولي النيوليبرالي الغربي المتشدد والتي ستساعدنا على فهم الصحوة الدينية والثقافية في كل العالم وبالخصوص عالمنا الإسلامي الذي يشهد " الصحوة " التي سنقدمها بمنظار علمي معاصر يتوافق مع المادية التاريخية وفي نفس الوقت يلتزم بمعيارية ومنهجية علوم الاجتماع و الإنثروبولوجيا ..
دراساتنا المستقبلية ، وبمنهج الماركسية المحـدّث ستحاول تسليط الضوء على " تابو " إعلام العولمة :
الأصولية المسيحانية المتسترة بشقيها الغربي الأساسي ( التحتي ) والعربي الليبرالي ( الفوقي ) الذي على الرغم من تباعده عن اطر وفلسفة الاصولية الغربية لكنه وقع ضحية تسييسها وتسخيرها له لحساب النفعية الغربية الراسمالية المتحكمة ومشروعها " الكابيتالي " الجديد في المنطقة ، مشروع الهيمنة العولمي براس المال العابر للقارات المتجاوز للهويات الوطنية والقومية .
الدراسة النقدية التحليلية هذه للفكرالاصولي المبطن للتنوير ما هي إلا مقدمة لنقد وتحليل تيار فكري عارم استغل الظروف الجيوسياسية الدولية والحملة الغربية على ما يسمى " الإرهاب الإسلامي " ، وكما ذكرنا هذا من قبل في مناسبات سابقة ، لن تكون السيدة سلطان ولا السيد النجار الاخيرين في توجهنا هذا الهادف إلى إحياء روح النقد والمناقشة ( وفق منهج العلوم المعاصرة ) اللتين تفتقر لهما ثقافة الكتابة العربية ، بل الانتلجنسيا العربية عموماً ، إلى حدٍ بعيد لكون هذا " الإنترنت " بات فضاءاً حراً يكتبُ فيه كل من أراد الكتابة بغياب الرقابة والتحكيم والنقد .. ، دورنـا سيكون نقدياً مهنياً صرفا ..
وبهذه المناسبة ، اود ان اعبر للسيدة وفاء سلطان ، وكذلك السيدكامل النجار عن اعتذاري الشديد إذ فـُسر نقدي لهما بانه تعدي او تطاول من نوع ما ، هذا هو اسلوبي في الكتابة ، وهو موجه لدراسة النادي الذي يتزعمانه في الحوار المتمدن من زوايا فكرية وليست شخصية ، ومن وضع نفسه في هكذا موضع عليه ان يتقبل النقد بروح معرفية عالية ، فهذا الإسهام عموماً يحمل بين سطوره رسالة للإنتلجنسيا العربية أيضاً فحواها ان قد حان وقت العمل الحقيقي المستقل عن ركوب التيارات المسيسة التي لا تحقق آمال الجماهير كما حدث خلال تقلبات القرن الماضي ومطلع القرن الجديد ، علينا البحث عن هوية علمية تاريخية لا رجعية جديدة بعيدة عن الغربنـــــة westernization التي يحلو للبعض تمسيتها خطأ بالـ( التحديث ) ، الغربنة تعني تحويل المجتمعات غير الغربية إلى نسخة مطابقة بالعادات والقيم إضافة لنظام السوق والنظام السياسي ، التحديث شيء آخر ، وهو يعني " إصلاح " واقع المجتمعات القديمة وإدخال تعديلات عليه تواكب مسار تطور الحضارة الإنسانية الشاملة لكافة حضارات ( أمم ) التاريخ ..
دعوى التنويريين الجدد تؤكد على أن :
لا يمكن إصلاح الإسلام ..
وهذا يعني بأنهم يطالبون بغربنـة العالم الإسلامي وليس تحديثه ..
وحسب المادية التاريخية ، وسياق صيرورتها وقراءتها المختلفة ، خصوصاً تطبيقات الماركسية في الصين ، يكون من الضروري ترك اللهاث وراء التجربة الغربية ومحاولة الاستفادة من تجارب امم شرق آسيا التي أرى أنها " وحدها فقط " يمكن ان تكون لنا اسوة حسنة بناء على رؤية انثروبولوجية محضة قد يسعفنا مضمار هذه المواضيع بتناولها بالتفصيل ، خصوصاً وإن حركة التاريخ تتجه نحو شرق آسيا والصين وخلال عقود قليلة ستعم ثقافة الشرق العالم كله وتحل محل ثقافة الجينز الامريكية المعاصرة كما يتنبأ بهذا العقل الراسمالي الغربي بعد الازمة المالية الاخيرة ، فلماذا الإصرار بالمراهنة على فرسٍ يكاد خروجها حتمياً من مضمار السباق في مسار التاريخ..؟
فالدين في الصين والشرق الآسيوي كان يعتبره الماركسيون ومنهم " ماو " سبباً لتخلف البلاد ، اليوم يعتبر الدين في الصين واليابان وكوريا الجنوبية سبباً أساسياً في النهوض من قبل خلفاء ماو ، وكما قدمنا ، اساس النهوض هو توحيد الإرادة الجماعية بذلك التي تتبلور في الدين كمظهـر ليس إلا يتناغم مع المفهوم الإشتراكي ، ويمكن للإسلام كدينٍ وهوية ان يكون حافزاً على ذلك بنفس الكيفية وإن اختلف الزمان والمكان ..ولعل كتابات جمال البنـا الحديثة في الحوار المتمدن تحاول المقاربة بين الاشتراكية والإسلام إنطلاقاً من هذا التناغـم القادر على تحويل وضع الدفاع ، وضع الإنغلاق الفكري التام إلى قبولٍ للتحديث .
هذا ما سنناقشه عبر مواضيعنـا المختلفة القادمة