اللجنة المركزية لحزب دعم: انهيار بطيء للحضارة الغربية


منظمة العمل الديمقراطي
2004 / 9 / 22 - 13:07     

اللجنة المركزية لحزب دعم:
انهيار بطيء للحضارة الغربية
التأمت اللجنة المركزية لحزب دعم في 5 ايلول الجاري في الناصرة، للبت في المواضيع التنظيمية المختلفة بشكل تفصيلي، للانطلاق بالمهمات التنظيمية، تنفيذا للخط العام الذي اقره الاجتماع العام الاخير لدعم (حزيران 2004). فيما يلي القسم الاول من الوثيقة التي تبنتها اللجنة المركزية، ويشمل تحليلا للوضع السياسي والاقتصادي العالمي والمحلي.

***

حددت الوثيقة المقدمة للاجتماع العام الاخير طبيعة ازمة النظام الرأسمالي، وعدم امكانية اشفائه من امراضه المزمنة. وما نراه من تطورات في الساحة الامريكية بالذات، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، يؤكد صحة تقديرنا. وتدل مؤشرات الاقتصاد الامريكي على الجمود والتشاؤم بالنسبة لما يحمله المستقبل، الامر الذي ينعكس في جمود قيمة الاسهم في البورصة الامريكية.
السعي الاساسي اليوم لشركات التكنولوجيا المعلوماتية، هو تبديل الايدي العاملة في المراكز الصناعية المتطورة بايدي عاملة رخيصة في الدول الآسيوية، وتحديدا في الهند والصين. هذه السياسة التي تزيد من الركود الامريكي، تسبب نموا سريعا في الاقتصاد الصيني يذكّر بذلك الذي شهدته دول جنوب شرق آسيا، مثل اندونيسيا، ماليزيا وكوريا الجنوبية والذي انتهى بانهيار مدمر في نهاية التسعينات.
الارتفاع الهائل في اسعار النفط زاد هو الآخر من ازمة الاقتصاد الامريكي والعالمي، ذلك انه يسبب تراجعا في مجال الاستهلاك. وما زاد في هذا التراجع قيام البنك المركزي بزيادة نسبة الفائدة بشكل تدريجي، مما قلص حجم السيولة لدى المواطنين الذين يطلبون قروضا من البنوك. وكان احد اهداف هذه الخطوة، لجم التجارة في العقارات التي تحولت الى فقاعة خطيرة بسبب نسب الفائدة المنخفضة على قروض الاسكان. وتسدد الخطوة ضربة موجعة لاصحاب هذه القروض الذين بات عليهم اعادة فائدة هائلة تهدد بفقدانهم عقاراتهم.
في التسعينات اعتبر تعدّد الاختراعات في مجال الصناعات المعلوماتية والاتصالات، المحرك الاساسي للاقتصاد الامريكي. وجذب هذا المجال المجتمع ككل للاستثمار في البورصة، وعاد بالارباح الطائلة والسريعة وخلق ازدهارا لا مثيل له. هذا العهد انتهى بعد ان تبين ان الاختراعات الجديدة لا تنتج بالضرورة الارباح الكبيرة. وما اكتشفته الشركات التي وفرت العمل لملايين الشباب والمتعلمين، كان نفسه ما حدده ماركس قبل 150 عاما، وهو ان الربح لا يأتي من الاختراعات، بل من القيمة الفائضة الناجمة عن استغلال الايدي العاملة.
هجرة رأس المال للدول ذات الكثافة السكانية العالية مثل الصين، بحثا عن استغلال اهم موارد هذه الدول: القوى البشرية الرخيصة، هي علامة واضحة على ان النظام الرأسمالي قد استنفذ دوره. ان ما تقوم به الشركات اليوم ليس إحداث اماكن عمل جديدة ورفع مستوى معيشة المجتمع، بل بالعكس. انها تقوم بشطب اماكن العمل في الدول المتطورة، بهدف استغلال قوى عاملة رخيصة في ظروف سيئة، في مواقع تنعدم فيها قوانين العمل ولا يتم احترام الحقوق الاجتماعية. عن هذا التوجه ينجم انهيار بطيء للحضارة الغربية. فلا شركة في العالم تستطيع منافسة الشركات التي لجأت لاستغلال اليد العاملة الرخيصة في دول مثل الصين او الهند.
في وثيقة الاجتماع العام الاخير، اكدنا انه ليس بمقدور النظام الرأسمالي ان يصحح نفسه ولا ان يعيد نظام "دولة الرفاه". وما نقوله اليوم، ويتوقع ان يكون مدار البحث مستقبلا، ان هذا الانتقال الاضطراري لمقاليد الاقتصاد الى الصين والهند، يشكّل نقلة نوعية جديدة نحو الفصل التام بين حاجات رأس المال وحاجات المجتمع. ولا نقصد نقل الصناعات التقليدية مثل صناعة الاحذية، الالعاب او النسيج، بل صناعة التكنولوجيا المعلوماتية التي اعتمدت على خريجي الجامعات الامريكية في مجال الحاسوب، والذين لا يجدون اماكن عمل نظرا لارتفاع أجورهم مقارنة باجور نظرائهم الآسيويين.
بعد تصفية الصناعة التقليدية تتم اليوم تصفية الصناعة المعلوماتية التي فاخرت بها امريكا. لقد اقنعت امريكا العالم بان التعليم هو مفتاح المستقبل، وليس اكتساب مهنة معينة في مجال الكهرباء او البناء او النجارة مثلا. وقد توهم الشباب الامريكي بان الاستثمار في التعليم سيضمن مستقبلهم في عالم الانترنت الذي ينتج "بضائع" غير ملموسة او مرئية ولكنها تعود بالثراء على صانعها، وهي "المعلومات".
اليوم يتضح ان الاستثمار في التعليم لا يكفي، لان رأس المال الامريكي غير مستعد لتمويل مستوى المعيشة المرتفع للطبقة الوسطى الامريكية المثقفة، ويفضل المثقفين الهنود الذين يكتفون بمستوى معيشة متواضع في دولة يعيش فيها 700 مليون نسمة في فقر مدقع.

جمود سياسي

الوضع السياسي العالمي والامريكي، محكوم بالتطورات في العراق. ولا يزال هذا الموضوع اهم ساحة لاختبار السياسة الاستعمارية الامريكية، كما انه اصبح موضوعا رئيسيا في حملة الانتخابات الامريكية.
الجمود في الساحة السياسية تبرزه بمزيد من الحدة حملة الانتخابات الامريكية. ويكمن هذا الجمود في عدم وجود طرح بديل للطرح الذي يقدمه الرئيس جورج بوش. بعد مؤتمر الحزب الجمهوري، نجح بوش في احراز تفوق على منافسه الديمقراطي جون كيري بنسبة 12 بالمئة. وذلك رغم فشله في كل الميادين، سواء في الحرب على الارهاب التي زادت من حدة الارهاب العالمي، او كذبه وتورطه في العراق، واخيرا تراجع الاقتصاد الامريكي الذي قُضي فيه في فترة بوش على مليون و300 الف مكان عمل.
وفي حين تظاهر في نيويورك 500 الف من قاعدة الحزب الديمقراطي من الطبقات الوسطى الامريكية للتعبير عن استيائهم، تنأى قيادة الحزب الديمقراطي بنفسها عن هذا التحرك، وتفضل الاعتماد على رأس المال. ويبيّن هذا مدى تبعية كلا المرشحين للشركات الامريكية النافذة التي تنفق على الحملات الانتخابية مبالغ طائلة، لتضمن ان يخدم المرشح مصالحها وليس الصالح العام.
هذا ما يفسر ايضا امتناع كيري عن طرح موقف معارض للحرب في العراق. وقد نصحه المقربون بالتركيز في حملته على الموضوع الاقتصادي، ولكن من فشل في الموضوع العراقي، فشل في الانتخابات. لان الانتخابات هذه المرة ستحسم على الموضوع السياسي وليس الاقتصادي. ولكن بغض النظر عن النتيجة، فالفائز سيكون امام مشكلة كبيرة، لانه سيكون امام ازمة لم تعرفها امريكا منذ الازمة الاقتصادية في الثلاثينات.
الانشغال الامريكي في العراق من جهة والخلاف الشديد بين امريكا وحلفائها في اوروبا، خلق نوعا من الفراغ بكل ما يتعلق بالعلاقات الدولية. المفارقة ان امريكا سعت من خلال حربها على العراق لاحكام هيمنتها على العالم، ولكن ما يحدث هو العكس تماما. ولا يساعد هذا الخلاف بينها وبين دول كبرى اخرى، والتنافس الذي استبدل التعاون، على اجتياز الفترة العصيبة التي تضرب اقتصاد واستقرار جميع هذه الدول دون استثناء. فقد انتشرت المظاهرات الشعبية لتشمل دولا عديدة، كانت آخرها المانيا حيث قررت الحكومة تقليص ميزانيات الرفاه ومنها مخصصات البطالة.
في هذا المجال دفع حلفاء امريكا ثمنا سياسيا، كان اولها في اسبانيا حيث خسر رئيس وزراء اسبانيا اثنار في الانتخابات العامة لصالح الحزب الاشتراكي الذي تعهد بسحب القوات الاسبانية من العراق. كما اعلنت الهند عن رفضها للنموذج الاقتصادي الامريكي عندما اسقطت حزب جناتا اليميني لصالح حزب المؤتمر. واخيرا فشل بوش في الانقلاب على رئيس فينزويلا هوجو شافيز في الاستفتاء الشعبي في آب. وتعتبر الهزائم الثلاث اثباتا على تراجع دور امريكا بقيادة بوش رغم الضغط الكبير الذي تمارسه على دول العالم لقبول سياساتها.

السياسة المحلية

للساحة الاسرائيلية الفلسطينية هي الاخرى نصيبها من الجمود. حكومة شارون عاجزة عن تنفيذ خطتها الانفصالية، بسبب معارضة اعضاء الليكود الذين يعارضون الائتلاف مع حزب العمل. ورغم ان الانفصال الاحادي الجانب اصبح بالنسبة لاسرائيل المخرج الاستراتيجي الوحيد لتلبية المصلحة الامنية الاسرائيلية، فلا توجد قاعدة سياسية متينة تمكّن الحكومة من تنفيذ خطتها التي تستوجب ازالة المستوطنات في قطاع غزة.
لا شك ان اسرائيل تمر بفترة عصيبة من ناحية ثقة الجمهور بالساسة. فهؤلاء منشغلون بمصالحهم المادية الانانية، ويتعرضون لتهم مختلفة بالفساد، وعلى رأسهم رئيس الحكومة ووزراء امثال باريتسكي ووزير الامن الداخلي هنغبي. ورغم ذلك، تقف المعارضة مشلولة تماما، وكل ما يفعله حزب العمل هو المناورة حتى تسنح له فرصة الدخول للحكومة. والسبب ان العمل لا يثق بقدرته على اسقاط حكومة شارون والفوز في الانتخابات القادمة.
وما يزيد من عدم ثقة الجمهور الاسرائيلي، معرفته بان الساسة يبيعون الدولة للمقربين، مما يخلق نوعا من الطغمة المالية. والواقع ان التحرك الذي نشهده في بورصة اسرائيل هو فقاعة نابعة من خصخصة القطاع العام وبيع ممتلكات الدولة، وليس على اساس حدوث تقدم في مجال الصناعة والانتاج مما يمكن ان يفتح فرصا جديدة للعمل. وكما هو مصير كل فقاعة، مصيرها سيكون الانفجار والفشل.
في هذه الاثناء دخلت السلطة الفلسطينية ايضا ازمة داخلية خطيرة، بعد ان بدأ التنافس بين الكتل المختلفة على السيطرة على قطاع غزة، هذا رغم ان مخطط شارون لا يزال عالقا. المظاهرات ضد الفساد لم تكن سوى تمرد فاشل قادته كتلة ابو مازن ومحمد دحلان ضد عرفات، ما جلب رد فعل قويا من قبل عناصر فتح الذين وضعوا حدا للتمرد واجبروا دحلان وابو مازن على مصالحة عرفات.
التمرد ضد عرفات من جهة، والفوضى المتفشية بالضفة الغربية مثل نابلس وجنين من جهة اخرى، واخيرا اضراب الاسرى، جميعها انعكاس للتراجع الذي حل بالمقاومة المسلحة بما فيها العمليات الانتحارية، التي كانت السلاح الاستراتيجي الوحيد. وقد جاء التراجع خاصة بعد الضربات الاسرائيلية الموجعة التي بلغت قمة نوعية باغتيال زعيمي حماس، الشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي. وكان لهذا التراجع اثر في عودة الفرقة الداخلية التي بدأت تنمو منذ ان اتضح ان اتفاق اوسلو اصبح اساسا لتكوين سلطة فلسطينية تراعي مصالح عناصرها على حساب الشعب.
وكما هو الحال في شتى انحاء العالم، كذلك هنا، لا يستطيع احد حسم المعارك. فلا امريكا قادرة على فرض سيطرتها على العراق، ولا المقاومة العراقية قادرة على مختلف اطيافها، ان تطرد الاحتلال من اراضيها.
في نفس الاتجاه نلاحظ انه لا شارون يستطيع تنفيذ خطته والقضاء على معارضة الشعب الفلسطيني، ولا الفلسطينيون قادرون من جانبهم على اجلاء الاحتلال. مدة المرحلة التاريخية الراهنة ستكون مرهونة بالتقلبات الداخلية للنظام الرأسمالي ككل، وليس فقط ما يحدث في العراق وفلسطين. الشكل الذي ستنتهي به هذه المرحلة سيكون نتاج تطور تراكمي تخلقه الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي ستقود الى سقوط الامبراطورية الامريكية والنظام التابع لها.

مجلة الصبّار، ايلول 2004