مراجعات نقدية


جورج حزبون
2010 / 12 / 6 - 22:51     


إن مبدأ النقد و النقد الذاتي ، أداة مبدئية في عمل منظمات الحزب الشيوعي ، وقد أخذت به طويلاً ، وبدء يضعف استخدامه في المنظمات العليا منذ إقامة الحزب الشيوعي الفلسطيني شباط 1982 . وكان واضحا إن استخدامه حالة عبثية حيث إن الأمين العام لم يعد يقبل به ويعتقد انه في موقع اقل من مكانته وكفائتة ، وبالتالي فان الأمين العام تصرف كنصف اله، ومراجعته تلقى الاستخفاف والتندر مما دفع القيادة إلى عدم الدخول في تلك المأزق ، خاصة وان القيادات كانت تستخدم التصادم الفردي مع الأمين العام لتقف الى جانبه لتحصل على رضى واقتراب أكثر منه _واذكر___ ان احد الرفاق في المنظمات الوسطية سلمني رسالة إلى القيادة معنونة ( مسؤولية القاعدة عن فساد القيادة ) فقد كانت فردية الأمين العام بادية ومستبدة ، وهكذا تعامل مع الرفاق باعتباره منتدبا للعمل ، وليس جزء منه ، وهذا ما تفسره علاقاته الاجتماعية والشخصية خارج الحزب ، وسهل عملية الخروج من موكب الحركة الشيوعية ، وخروجا إلى مواقع أرحب لا تلزم وصولا الى موقع في قيادة الشعب الفلسطيني بعد إن رتبت الأمور مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والقيادة المتنفذة.
لقد لعب دورا هاما في حياة الحزب ، عودة عشرات الخريجين من المبعوثين والذين أصبحوا يحملون شهادات علمية ، حاملين معهم وجهات نظر عقيدية وتنظمية ( بحكم طبيعية الوضع ) هناك ، حيث إن قيادة القطاع الطلابي في الخارج كانت موحدة منفتحة على بعضها ، وتعرضت إلى الكثير من الإشكالات الشخصية والعامة سواء فيما بينهم او فيما يتعلق بتبني وجهات نظر بعض القيادات وقد درجت في السنوات الأخيرة على مناكفات طويلة مع قيادة الحزب وتحديداً إثناء حرب 82 في بيروت وخروج الطلاب للدفاع عن الثورة واختلاطهم المتعدد داخل الحزب وخارجه ، واطلاعهم على طبيعة الخلافات الداخلية حول إقامة الحزب الشيوعي الفلسطيني ، تلك المسألة التي حظيت بالكثير من المناقشات النظرية بما فيها استشارة السوفيت حينها ، في مناخ كانت النزعات القومية عالية ومتوترة ، والمناداة بمنظمة التحرير ممثل شرعي وحيد ، قاده الشيوعيون ودولة فلسطينية مستقلة في حدود حزيران 67و حسب ما اقر ذلك المجلس الوطني فيما بعد ، كانت الغاية والهدف النضالي الراهن ، كل ذلك حسم أمر تسمية حزب شيوعي فلسطين ، لكنه لم يحسم الشكل التنظيمي ، إضافة إلى انتقال حساسيات شخصية وتباينات متعددة إلى داخل الحزب الجديد ، وبالتالي فقد تم تغليفها بمواقف سياسية ومبدئية بعضها غير موضوعي وبعضها الأخر مستند إلى ولاءات ذاتيه ، وهكذا منذ إطلاقه حمل الحزب بذور الانقسام .
وفيما يتعلق بالأسس التنظيمية والتي استند إليها من دعى إلى إعادة النظر في التسمية للتخلي عن كلمة ( الشيوعي ) ، فقد أرادوا حزبا فضفاضا يتلاءم مع طموحات تلك الفئة من (الانتلجنسيا) العائدين من البعثات الخارجية وخاصة بعد إن وفرت إقامة منظمات جماهيرية واسعة ذات علاقات خارجية وتمويل بالدولار قاعدة مناسبة لتحرك تلك الفئات التي أصبحت متضامنة مع الشعب الفلسطيني وليست حالة نضالية جذرية ، وقد لبت أيضا طموحات كامنة للقفزنحو مسميات قيادية بعد إن أكد المؤتمر الأولى بكل مواقعه عدم نجاح هذه الأوساط في الوصول إلى مواقع قيادية ، وان ضمان نضالية الحزب تكمن في ارتباطه بالطبقة العاملة ومجموع الكادحين وفقراء الأرياف .
وعكست تجربة المؤتمر الأول أهمية إن يكون المؤتمر الثاني ( منظما )حسب مقاسات تلك المجموعات الملتفه حول الأمانة العامة نحو تصويب الوضع باتجاه هذه الفئات وقيادات في الحزب أصبح وحسب تجربة الانتفاضة وقرائتمعطياتها، أنهم لن يحتفظوا بمواقعهم بعد ذلك المؤتمر ، بحكم صعود كوادر شابة حظيت بثقة كبيرة من المواطنين وتعرضت الى ملاحقات واعتقالات وتعذيب ، حتى بدء لقيادة الحزب في أواخر اجتماعات اللجنة المركزية بان اللجنة المقبلة سيكون في عدادها شبانا في العشرينات من العمر ، أكثر ثورية، وبالطبع هذا يهدد مواقع ومصالح البعض ، ولعل السؤال المشروع هنا لماذا لم يتم اعتقال أي من قادة المنظمات الجماهيرية وسمح لهم بالسفر والتنقل مع اعتقال كوادر تلك المنظمات ؟ لعله العلاقة التي أقاموها مع المانحين الدولين وقد شكلت لهم حماية ، لكن الأهم أنه لم يؤدي أي منهم مهام نضالية واكتفوا ( بالبيروقراطية ) منهجاً ، والسفسطة النظرية أسلوبا .
،وعند أعتاب المؤتمر ، تم تاخير انعقاده ( عام ونصف ) وتم إلغاء نتائجه ، وأخيرا تم اختيار أعضاء المؤتمر من قبل مجوعات الضغط، ورفض الانتخابات الواقعية وإهدار دورها ونضالاتها وأدارت الظهر للشهداء والمعتقلين وبناء حزب على مقاساتهم .
إن الاقتراب من ( حمى ) الأمين العام كانت تعطي ميزة غير متوفرة لاولئك الإبطال من الرفاق في مواقع العمل الحزبي والنضالي بعيدا عن المركز ، وحسن الأداء في السهرات وموائد الطعام وغيرها ،كان لها اعتبارا خاصا ، وتقديم الطبيب على العامل أصبحت نهجاً ، وبذلك قد تغير الحزب في الواقع ولم يكن تغير المسميات مهماً ، لقد نشأت طبقة مستأثرة بالحزب لها امتدادها الداخلي والخارجي ، وأثبتت الأيام صحت ذلك ، حين جرت بعد تصفية الحزب من كوادر مناضلة ، بان جرت خلافات على المواقع والمراكز ولم نسمع بأي نقاش فكري لاي من اصحاب تلك الصراعات ، كذلك مع نشوء السلطة الوطنية جرت صراعات على ،____الاستوزار__ ثم تبع ذلك تمزقات وانشقاقات ، ولعل المحزن إن نجد في كافة الوزارت الإحدى عشر التي جرت منذ قيام السلطة انه كان دائما شخص أو أكثر من الأعضاء الشيوعيين السابقين مما يؤكد صحة الولاء للذات وليس للحزب أو النضال .أو العقيدة .
معروف تاريخيا ان الشيوعيين هم وراء إقامة حركة نقابية عمالية فلسطينية ، وإنهم عشية احتلال عام 67 ، وبعد ان هاجرت قيادات وكوادر نقابية واغلقت مقرات الاتحاد العام لعمال الأردن بالقدس ( حسب التسمية حتى عام 70 ) ، قام الشيوعيون باعادة تشكيل الاتحاد والنقابات ، والاستفادة من وجود فرع لوائي للاتحاد في مدينة نابلس لإعلان الاتحاد العام وإنهم هم من اعلن استقلال الاتحاد عام 1970 ، ثم عبر اتحادهم تبنو إعلان " م . ت ف " ممثلاً شرعيا وحيداً ، كان ثمنه عشرات المعتقلين منهم ،ولكن قيادة الحزب وتوافقاً مع المتغيرات الجارية ، وتهادنا مع قيادة " م.ت.ف " في تونس اصدرت قراراً !! بتوحيد النقابات وإعطاء حركة فتح قيادة الحركة ثم بالنتيجة تخلي الحزب عن النقابات وتركها في أحضان حركة فتح تتلقى منها الدعم وتحولها إلى مجرد يافطات عمالية ، وكان هذا مقدمة للتوافق ، بعد ان حافظ الشيوعيون سنوات على دور نقابي متميز عرضهم لتنكيل الاحتلال والى الصدامات المتعددة مع حركة فتح وغيرها .
إذن لم نعد نتحدث عن حزب الطبقة العاملة ، بل عن حزب تمثيل ( الانتلجنسيا ) ويكفي بالدلالة إن الأوراق الداعية الى تبرير تغير اسم الحزب قدمت من طرف بعض الطلبة العائدين من الخارج وموافقة الأمين العام لتوزيعها على أنها توضيحات داخلية لتحدث أثرا مطلوبا ،، وان بعضهم استغل التغير ، ليقفز من الحزب إلى غاية كان رسمها لنفسه .
المدهش أيضا إن هؤلاء العابثين بمصير الحزب ضللوا قطاعا كبير ا من الرفاق الذين اكتشفوا أمرهم أخيرا و متأخرا ، بحكم أنهم كانوا يثقون بالحزب وقدراتهم الثقافية كعمال وفلاحين محددة ولا يملكون ديماغوغيا هؤلاء ، وانهم تربوا في الحزب على احترام القرار خاصة القادم من اعلي.
ولقد فقد الحزب حتى بعد ان غير ( جلده ) كافة المنظمات الجماهيرية وقاعدته الشعبية وتحول إلى احد فروع مسميات اليسار الفلسطيني ، ويحاول في الآونة الأخيرة العودة الخجولة إلى الماركسية بشكل انتقائي . وبعد ان زكتها الحياة كخيار جذري لا يرتبط قيامها وهبوطها بدولة او كيان أخطاء نهجا ، أو لم يستطع المواصلة في أتون الحرب الباردة التي فرضت عليه صراعات لم يواجهها بماركسية ، بل كدولة وبيروقراطية ....
ان مراجعة التجربة تكتسب أهميتها في الساحة الفلسطينية حيث لم يتمكن اليسار من إن يكون بديلا . في مرحلة ووضعية تحتاج الى بديل قادر موثوق ، يمثل حلا إمام طروحات غيبية او روىء عابثة .....