الطبقات والصراع الطبقي (5)


خليل اندراوس
2010 / 12 / 6 - 21:25     

*الرأسمال يسحق الإنتاج الصغير ويؤدي الى زيادة إنتاجية العمل والى نشوء وضع احتكاري في صالح اتحادات أكبر للطبقة الرأسمالية*

تثير الفلسفة الماركسية، في مجمل العالم الرأسمالي أشد العداء والهجوم والتشويه والحقد لدى العالم البرجوازي الرسمي الممثل لطبقة رأس المال. ونحن لا نتوقع موقفا آخر من هذه الطبقة وممثليها في علم الفلسفة والاقتصاد لمعرفتنا، بعدم إمكانية وجود علم اجتماعي "غير متحيز" في مجتمع قائم على الصراع والنضال الطبقي فكل الفكر والفلسفة والعلم الرسمي البرجوازي الرأسمالي يدافع بصورة أو بأخرى، عن العبودية المأجورة، والاستغلال والملكية الخاصة ويصفها بأنها ظاهرة أزلية، وفي حالات خاصة يتم إرجاعها الى "مشيئة الله" بينما الماركسية أعلنتها حربا لا هوادة فيها ضد الاستغلال الطبقي والقومي وضد العمل المأجور بصفته شكلا من أشكال العبودية. ولذلك على كل ماركسي أن لا يتوقع علما غير متحيز في مجتمع طبقي قائم على الملكية الخاصة والعبودية المأجورة. لأنه من السذاجة والصبيانية أن تطلب من الصناعيين وأصحاب رأس المال عدم التمييز في مسألة ما إذا كان يجذر تخفيض أرباح الرأسمال من أجل زيادة أجرة العمال.
فالماركسية كنظرية فلسفية قامت من خلال التطور الرئيسي للمدنية العالمية، وعبقرية ماركس تتجلى بالضبط في كونه أجاب عن الأسئلة التي طرحها الفكر الإنساني التقدمي وبوصفه التتمة المباشرة لأعظم ممثلي الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية. والفلسفة الماركسية، فلسفة متناسقة متكاملة، منسجمة، تقدمية لا تتفق مع أي ضرب من الأوهام والفوضوية ومع أية أفكار رجعية ومع أي دفاع عن الطغيان البرجوازي وعبودية العمل المأجور وتراكم رأس المال من خلال إنتاج القيمة الزائدة، وامتلاكها (أي امتلاك القيمة الزائدة من قبل الطبقة البرجوازية) من خلال ملكيتها الخاصة لوسائل الإنتاج.
وفي عصرنا الحالي، وخاصةً في مجتمعات الرأسمالية نشاهد بأن الرأسمال يسحق الإنتاج الصغير ويؤدي الى زيادة إنتاجية العمل والى نشوء وضع احتكاري في صالح اتحادات أكبر للطبقة الرأسمالية. والى جانب ذلك يتخذ الإنتاج صفة اجتماعية فمئات الآلاف والملايين من العمال "يجمعون في عضوية اقتصادية متناسقة بينما قبضة من الرأسماليين تستأثر بنتاج العمل المشترك. وتشتد فوضى الإنتاج، والأزمات والركض المجنون وراء الأسواق، وعوز سواد السكان" كما قال لينين في كتابه مصادر الماركسية الثلاثة وأقسامها المكونة الثلاثة. وهذا ما يجري في عالمنا المعاصر، فالولايات المتحدة الأمريكية التي أدخلت العالم في أزمة اقتصادية حادة عام 2008 ولم تخرج منها حتى الآن. فالفوارق الاجتماعية الاقتصادية العميقة تزداد عمقا ومأساوية، والرأسمالية المتوحشة والفساد المالي والسياسي قضايا مركزية لم يستطع ولن يستطيع المجتمع الرأسمالي والأمريكي خاصةً الخروج منه، وعندما وصل أوباما الى السلطة اعتقد البعض بأنه جاءت ساعة العودة الى تخصيص الأموال في خدمة الجماهير الشعبية الواسعة ولكن ما نشاهده الآن في أمريكا هو زيادة البطالة التي وصلت الى 10%، النمو الاقتصادي صفر، سوق الإسكان في ضائقة ضخمة والعلاقات الخارجية مع دول العالم في الحضيض، فأوباما لم يستطع خلق برنامج اقتصادي اجتماعي بديل للرأسمالية المتوحشة يعطي اي أمل للإنسان الأمريكي العادي. وفشله وفشل حزبه في الانتخابات الأخيرة لهو أكبر دليل على مدى سلطة وسيطرة الشركات العابرة للقارات وممثليها في الكونغرس الأمريكي من الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي لهي أكبر دليل على فقدان الأمل بإحداث اي تغيير لصالح الجماهير الشعبية المسحوقة في أمريكا أو اي تغيير في سياسة وإستراتيجية الولايات المتحدة وعولمتها المتوحشة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا.



* وراء الربح والدولار *
في أمريكا أكثر من 500 قناة تلفزيونية تنشر الدعاية الرسمية لطبقة رأس المال، وهذا الإعلام لا يتعامل مع القضايا الملحة مثل الفقر المدقع، وذلك لعمق أزمة الاغتراب الإنساني والفردية والأنانية وعدم التضامن الذي يسود المجتمع الأمريكي. فالولايات المتحدة الأمريكية كمجتمع رأسمالي متوحش تسيطر عليه طبقة رأس المال الاحتكاري والمالي والعسكري كما تنبّأ ماركس تؤدي الى القضاء على البرجوازية المتوسطة والصغيرة، وكذلك لا تعمل بما فيه الكفاية من أجل رفع مستوى التعليم لدى الجماهير الشعبية الواسعة فاليوم في الولايات المتحدة توجد طبقة رأس المال الغنية والتي تستطيع أن تدفع 60-80 ألف دولار في السنة من أجل الدراسة في جامعات مثل هارفرد أو برينستوف، أما باقي الجماهير الشعبية الواسعة تركت بدون أي اهتمام. وهذا يعمق الفوارق الطبقية والاستقطاب الاقتصادي الاجتماعي في السنوات الأخيرة الطبقة البرجوازية الصغيرة تتقلص ويقذف بها الفقر والبؤس والعبودية.
قوة كل مجتمع تقاس بمدى التضامن بين أفراده، وفي الولايات المتحدة لا وجود لهذه المفاهيم الإنسانية فالقيمة الأخلاقية العليا هي الركض وراء الربح والدولار.لقد أكد ماركس في العديد من كتاباته بأن تطور رأس المال ونمو الطبقة البرجوازية، يؤدي إلى تقلص الطبقة أو الشريحة الاجتماعية البرجوازية الوسطى. جزء من هذه الطبقة يتحول إلى عبودية العمل المأجور وجزء آخر يفقد كل شيء ويصبح عاطلا عن العمل والإنتاج.
في سنوات الـ 50 والـ 60، قام رجال السياسة والإعلام الأمريكي بالإدعاء بأن هذا الأمر لا يحدث في الولايات المتحدة ولكن ما يجري في السنوات العشر الأخيرة من زيادة لتمركز رأس المال يؤكد صدق أقوال ماركس فطبقة رأس المال تعمل فقط من أجل زيادة الأرباح وزيادة رأس المال، وهذا يذكرنا بالوضع الذي كان قائما في فرنسا قبل كومونة باريس وما يجري الآن في المجتمع الطبقي الرأسمالي في الولايات المتحدة من تهميش وانحدار للطبقة الوسطى نحو الطبقات المسحوقة والعمالية والمهمشة والفقيرة والعاطلة عن العمل يدفع جزءا كبيرا من الجماهير الشعبية نحو اليأس والإحباط والهروب من الواقع بإتجاه الإعلام الرسمي الفاسد وحلقات الجنس ونحو النفايات الأخلاقية لطبقة رأس المال.
فطبقة رأس المال وأصحاب الاحتكارات العابرة للقارات في الولايات المتحدة لم تأخذ المسؤولية تجاه قضايا التعليم والرفاه الاجتماعي وحتى الصحة ويجري فطام القطاعات والشرائح الاجتماعية الواسعة في أمريكا على شرب الكوكا كولا وأكل الماكدونالدز.
وما يجري الآن من سرقة العقول للعديد من شعوب العالم، من خلال الهجرة الى أمريكا، ستساعد أمريكا على البقاء كقوة اقتصادية رأسمالية أولى في العالم ولكن في نفس الوقت هذه العقول تتحول الى الطبقة العليا في أمريكا والشريحة المتعلمة والمثقفة، وما تقدمه أمريكا لرجال التكنولوجيا المتقدمة من الهند والمهندسين من إسرائيل مثلاً لا تستطيع أي دولة أن تقدمه. وهذا سيساعد على بقائها دولة عظمى متقدمة اقتصاديا لفترة من الزمن، ولكن لا يمكن أن يكون الحل للصراع الطبقي الذي سيخلقه التناقض الموضوعي بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وعملية الإنتاج التي تحمل الطابع الاجتماعي.


(يتبع)