التغييب القسري لمفهوم الانسان والايديولوجية بمفهومها الانساني عبر السفسطائية الكلامية والحديث غير المفهوم


مصطفى محمد غريب
2004 / 9 / 19 - 11:47     

نحتاج الى الكثير من المقارنات لكي نستطيع فهم ما يجري على الساحة
الفكرية وليس السياسية فقط .

منذ انهيار الكتلة الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي كثر الحديث وكثرت الكتابات عن قسرية فرض الاشتراكية وتطبيق الماركسية واعتبر عدداً من الكتاب والمثقفين ومن بينهم يساريين وعلمانيين اصابهم الهلع واليأس معاً بأن ذلك نهاية للنظرية العلمية، كما كان ومازال البعض يتقول ويكتب: أن الافكار الاشتراكية والاحزاب الشيوعية قد تساوت مع الانظمة الشمولية غير واعين الفرق بين الصواب والخطأ، بين الانحراف في التطبيق وايجاد مسوغات نظرية تلصق بالنظرية لتمرير الانحراف وبين المبادئ الحقيقية التي تتنافى مع الشمولية وتتبنى الديمقراطية واحترام الآخر من خلال الصراع الطبيعي الذي يجري في المجتمع ولعل صورة ستالين او ما يسمى بالعرف الاتهامي الاستالينية تتكرر يومياً في اية مقالة او موضوع يراد منه تغييب الدور الايجابي للنظرية الماركسية والفكر الاشتراكي العلمي.. واوعزوا ذلك بسبب سياسة بناء النظام الاشتراكي وانهيار الاتحاد السوفيتي وانتقال دول اوربا الشرقية من النظام الاشتراكي الى النظام الرأسمالي او النمطية التي كانت تسيطر على الاحزاب الاشتراكية والشيوعية قبل الانهيار واعتبارها مؤسسات تابعة غير مستقلة عن سياسة الحزب الشيوعي السوفيتي بينما والحقيقة تقال ان ذلك اكبر تشويه لنضال الاحزاب الاشتراكية والشيوعية ومواقفها الوطنية العريقة ولكن هذا لا ينفي وجود علاقة فكرية وسياسية وبخاصة تبني ايديولوجية واحدة تنتهجها جميع الاحزاب، اضافة الى ذلك يجب ان نقر بوجود اخطاء ونواقص ادت الى تراجعات في الكثير من المجالات.
وكثيراً ما جرى الحديث والكتابة عن الديمقراطية بدون اشتراكية وبدون احزاب اشتراكية وشيوعية.. وقد وقعت التفسيرات الخاطئة للمرحلة في قضية التطبيق وكأنها اسس الفكر الاشتراكي وبالذات في الماركسية وراح البعض من باب حشو الجمل بكلمات لاهوتية متهماً كتلة من الاحزاب الشيوعية والاشتراكية التي تمثل ملايين من شغيلة الفكر واليد بالاهوتية والكهنوتية وغيرها من الكلمات التي يصعب مناقشتها لأنها تناقش وفق مفهوم بيزنطي مستخدمة مفردات تتناقض مع الفكرة التي يريد الكاتب الوصول بها الى حكم مسبق لهذه الافكار وهذه الاحزاب بحجة القسر والارهاب الفكري وغيرها من قضايا استخدمت في التطبيق فكانت حالة شاذة في الفكر الاشتراكي وفي مناهج بعض الاحزاب الاشتراكية والشيوعية التي مارستها بعدما فقدت القدرة على تطوير النظرية بما يمليه الواقع المادي الراهن، ثم التفسير الاحادي الجانب والخاطئ للصراع العام ما بين القوى التقدمية والنظام الرأسمالي.. ان هذه الحالة الناتجة عن الانهيار حيث اصبح العالم ذو قطب واحد تسيطر عليه الرأسمالية وبخاصة الامريكية وحلفائها خلق نوعاً من النكوص العام لدى الكثيرين وتجلى هذا النكوص مثلاً في تغيير اسماء بعض الاحزاب الشيوعية وكأن تغيير الاسم سيجعل من الاعداء الطبقيين والقوى الراسمالية اصدقاء حميمين، فهل تغيرت الرأسمالية الاحتكارية نحو الانسانية وعدم الاستغلال؟ الم تكن الدولة وما زالت تساعدها باعادة توزيع الدخل القومي لصالحها وتستغل القوى المنتجة في بلدانها والبلدان الاخرى ؟ وكما يقوم البعض اتخاذ مبدأ النقد لكل ما هو ايجابي كعملية تخليص ذاتي لخلط الاوراق مما ادى الى عدم التمييز بين النظرية والاداة العملية، فقد كانت جميع الانتقادات توجه الى الاداة العملية و البناء الاشتراكي وسياسة الاحزاب الشيوعية الحاكمة وكأنها النظرية واحلالها بديلاً عن النظرية نفسها.. ان المتفحص الحيادي سيتوصل حتماً الى قيمة وايجابيات كثيرة حلت اثناء عملية البناء في مجالات عديدة، في الصناعة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والتربية والصحة والسكن والقضاء على البطالة والبناء السريع لما خلفته الحرب الاولى والثانية والتوازن العالمي والدفاع عن السلم وكبح جماح القوى الاكثر رجعية وتطوير الاسلحة واكتشافات الفضاء وغيرها.
ان حالة الانهيار جعلت الاحزاب الاشتراكية والشيوعية تعيد النظر في اليات عملها وفي تطوير مداركها النظرية، ولما كانت النظرية علمية لا تستجيب للتطورات الجديدة في العالم فحسب وانما تساهم فيها بشكل عملي ونظري فقد بدأت اكثرية الاحزاب الاشتراكية والشيوعية التي ترى في الماركسية منهجاً لها في تطوير وتجديد مواقفها النظرية والعملية وحسب الخصوصيات لكل حركة او حزب وراحت تعيد مواقفها وتتفحص سياستها واخذت رويداً رويداً التخلص من العقائدية الجامدة والتطرف ..
وعلى الرغم من الانهيار الكبير الذي تضرر ت من خلفه الحركة التقدمية في العالم راحت هذه الاحزاب تستعيد عافيتها بتطوير آليات نضالها وصراعها في مرحلة جديدة هيمنت فيها الرأسمالية على العالم تقريباً وبدأ نضالها يتخذ اشكالاً جديدة دون ان تفقد اصالتها التقدمية من اجل عالم تسوده العدالة والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلام، ومن اجل سعادة ورفاهية شعوبها التي تعاني من الاضطهاد والعنف والتجاوز على حقوقها المشروعة وفي الوقت نفسه ضد السياسية الرأسمالية العالمية الجديدة فيما يخص العولمة لجعل العالم قرية صغيرة تتحكم فيه الشركات فوق الجنسية والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان بحجج مصطنعة وفي مقدمتها العودة لاستعمال العصى الغليظة ( الحرب ) وضد حلف الناتو واستمرار انتاج الاسلحة التدميرية التي تهدد امن وسلام البشرية.
لقد كُتب الكثير حول الانهيار والتجربة الاشتراكية وانقسمت الكتابات ما بين النقد من اجل التطور والبحث طرق جديدة وما بين النقد من اجل الهدم وما بين الوسط الذي حاول ويحاول ان يراهن على عامل الزمن وهو موقف انتهازي يميل الى المساومة اكثر من المبدئية في الرؤيا وهذه التيارات ليست جديدة ولو تابعنا نضال ماركس وانجلز في الاممية الاولى وانجلس في الاممية الثانية ضدها لوجدناها تتقارب بالجوهر وبالشعارات والمواقف ، بالتطرف والعداء والانتهازية ضد الافكار الاشتراكية العلمية، وقد تنوعت ما بين مفهوم النظرية الماركسية ومفاهيم اخرى ، والحالة الراهنة اي انهيار التجارب الاشتراكية قد تكون غير مشابهة بالشكل لحالة سقوط كومونة باريس لكنها في الحالة نفسها تتوافق في مفهوم خسارة جولة اخرى لقوى التقدم والاشتراكية ايضاً لكنها ليست بالهزيمة التي يحاول البعض ان يرتب مواقفه ونهجه عليها كشعار ( فشل الاشتراكية والشيوعية في العالم وابدية النظام الرأسمالي، أو افلاس وهزيمة الاحزاب الشيوعية والاشتراكية )
بالتأكيد نحن نتفق ان هذا الانهيار لعب دوراً سلبياً في حركة القوى التحررية والاشتراكية مثلما لعب سقوط كومونة باريس الدور نفسه .. لكن الكومونة " كانت على حق وفرساي باطل الاباطيل على الرغم من الاخطاء التي وقعت في ذلك الحين.. ونستطيع التأكيد ان ثورة اكتوبر الاشتراكية والانتصار على النازية وقيام المنظمومة الاشراكية كان على حق والراسمالية جميعها كانت وما زالت باطل الاباطيل على الرغم من الاخطاء الكبيرة التي حدثت في بناء النظام الاشتراكي وقيادة الاحزاب الشيوعية
والاشتراكية غي هذه البلدان"
اما حركة التحرر العالمية التي برزت الى جانب القوى الاشتراكية فانها لعبت ادواراً مميزة في الصراع التحرري الذي هزمت فيه الاستعمار الكولونيالي العسكري وتم تحرير اكثرية البلدان المستعمرة.. لكن الامر كان يحتاج الى تحرر آخر اصعب واعقد من الاول ، التحرر الاقتصادي والتحول الاجتماعي للتخلص من براثن الرأسمال وحلفائه المحليين وقواه التي كانت تتحايل من اجل ابقاء هذه البلدان تدور في فلكها بالهيمنة على اقتصادها وجعلها دولاً تبعية حتى لا تستطيع الانتقال الى الطور الافضل بشكل مسالم وبدون تبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي، فجرى التجاوز على شعوبها بالتجاوز على حقها المشروع في اختيار نوع النظام السياسي التي تبتغيه، فبدأت مرحلة الانكسارات والتراجعات وصولاً الى الخضوع الكلي بحجة الحرية وحقوق الانسان الديمقراطية !!.... وهي ديمقراطية الهراوات والسجون واجهزة الامن المختلفة واحزاب كانت او شكلت لطمس عملية الصراع بحجة الصراع نفسه.. ووضع الجميع امام الهية السلطة لخدمة مصلحة الوطن الذي يباع كما يباع العبيد ايام زمان في سوق النخاسة. وبدأت صياغة فن الخطاب الجديد المشبع بالوعود دون التنفيذ وحشوه بالقيم القومية والدين بشعوذة اضاعت الحقائق المعروفة في وعي الجماهير وبخاصة الكادحة التي ظلت متأثرة بهذا الشكل او ذاك بالوصايا الدينية النبيلة ونقل بواسطة الخطاب الديني الموجه ايديولوجياً وسياسياً توجهاً احادي الجانب لتشبيع الوعي بالاوهام والسفسطائيات ونقله الى مواقع اخرى اكثر ظلامية وتخلفا بحجة الدين نفسه ومستلزمات الجهاد بمفردات وتوصيات على شكل فتاوي واستغلال آيات من القرآن الكريم لهدف مخطط له سلفاً.. ان انجرار فئات واسعة الى تلك الغيبيات الفريدة والبعيدة عن الاصول يكمن في الفقر والجوع والبطالة والحالة المعاشية البائسة والمأساوية للملايين التي استغل وعيها المتدني بالانتقال الى عالم الجماليات والسعادة بالتخلص من هموم الدنيا الزائلة حتى بالعمليات الانتحارية الشخصية مصورة وكأنها جهاد ديني مشروع يؤدي بفاعليها الى جنة الفردوس ..
لا نختلف كثيراً حول قضية حقوق الشعوب في حقها الطبيعي الذي يعني حرية اختيارها بدون وصايات واحكام مسبقة او تحت طائلة ما يسمى باللزوميات القومية او الدينية او الايديولوجية، ونتفق كي لا ندخل في نقاش بيزنطي ان التجارب التاريخية والتاريخ نفسه كان مسرحاً لنقل الكثير من النفايات الفكرية على مصاف التأله والعبادة لكن التاريخ ايضاً منح لنا الفرص الكثيرة لكي يبان جوهر تلك النفايات على الرغم من براقعها الملونة حسب الطيف الشمسي.
هنا الحديث لا يخص جهة مفخخة ( عبدة او سيدة.. رعاع وفطينين.. صعاليك واغنياء ) وليس المقارنة ما بين ضلالية القوى العربية واحزابها التقليدية وما بين المنظمات والمؤسسات والاحزاب الفلسطينية التي اشاعت مفردات العنف المضاد كبديل للعنف المستورد فأصبح العنف في داخلها أكثر مما هو عليه في الخارج او ما تمثله دولة اسرائيل من نمطية تأثرت وأثرت في الفكر الترصدي العدواني الدموي فسبقت الجميع، وليس في المضمون تلك الحالات التدميرية التي تمارس في قتل صاحب النفس تحت تأثير العمليات الانتحارية للوصول الى هدف ارضي او سماوي في عالم الغيبيات .. انما الحديث عن الفكر الانساني ورؤيته غير المنحازة بتأثير تشويه الايديولوجيات بعيداً عن جوهرها النقي او القوانين والاعراف التقليدية التي اجبرت القرون السابقة و القرن العشرين على الخضوع لكنها لم تستطع ان توقف عجلة التطور نحو الامام.. وقد يكون القرن الواحد والعشرين على الشاكلة نفسها اذا استسلمنا لقضية اتهام الرعاع وهم الاكثرية واصبحنا نطيل الحديث بدون فعل وكلمة تنويرية .
هنا الحديث عن الناس وليست الفرضيات والاحكام المسبقة التي ترهلت بفعل التراجعات والانكسارات الوقتية وكأن الزمن والتطور مربوطان بسنة او مئة سنة مضت.. هنا الحديث عن الحق بمفهومه الانساني الطبيعي كما هي الطبيعة ، الفطري غير المشوه اي السليقة البشرية الخالية من الاحكام والمواعيد والتهديد بالعقوبات السماوية والارضية، وليس عن فئة ما، ضلالية تحاول تشويه الواقع وتستخدم العقل بشكل هستيري مبرمج يحمل صفات اجرامية في تمثيل الآخرين كنصابين او رعاع لا يستحقون الحياة بهدف تشويه العقل الآخر، فئة او مجموعة فئات تحاول خلق وعي مشوه باسطورة الفكرة وخلودها لكي تخلق لها مزرعة من الاثمار الشيطانية تعيش عليها بينما تبني خراباً ثقافياً ( فكرياً ونفسياً ) لمجاميع بشرية كبيرة تسمى الشعب لإلغاء حقوقه وتطلعاته من اجل عالم وعلاقات يسودها السلام والامان بدلاً من استثمار القضيتين لأجل التربع على عرش الحصاد المخجل للقوى المنتجة المستغلة بحكم التقسيم الاجتماعي الحقير الذي اذل الفكر والمعرفة البشرية قبل قوة العمل.. وعلى الرغم من النكوص والتراجعات والاخفاقات وخرافات الملقنين فقد تبقى قضية الشعب وبخاصة الاكثرية لا يمكن الاستهانة بها وليس بمقدور احد ان يستخدمها كمطية يمتطي ظهرها طوال الزمان.. فإذا كان التبرير ان هؤلاء رعاع غير واعيين فعلى من تقع مسؤوليتهم؟ وكيف استطاع البعض منا ان يعي هذه القضية اذا كان يعيش مع هذا القطيع؟ فمثلما تعلمنا وشارك الكثيرون في زيادة وعينا علينا ان نفي بالدين ونساهم في التوعية مهما كانت شاقة ومؤلمة وعسيرة ( هذه سنة الحياة..... هل اتحدث بسذاجة عن عظمة مثال ( زرعوا فأكلنا.. ونزرع فيأكلون) انه مثال يجعل انانية الذات الحقيرة امام امتحان انساني للبناء النفسي والفكري..
اذن تقع على كاهل الواعي منا الذي انسلخ من الامتثال الى اللامتثال بفضل الوعي المكتسب ان يساهم في رفع الوعي الفردي والاجتماعي على الاقل وتقديم اللزوميات المقنعة للانتشال.. لكي لا يبقى الرعاع وهم الاكثرية متأثرين بالمشعوذين وقادة الفقه التقليدين الذين يرون الحقيقة بعين واحدة..
اني ارى رغم اللوحة السوداء والصور المقلوبة والدمار في طريقة تطبيق المقولات والايديولوجيات القديمة والحديثة ان المستقبل يتطور وليس نحو الخلف ففي التطور تعرجات استثنائية لكن سلم التطور في جميع المجالات يدل على ان الخط البياني للعلم والحضارة والتطور نحو الاعلى.. للنظر لمئة سنة ورائنا ونتحقق فسوف نرى ان العالم كل العالم انتقل من الاسفل نحو الاعلى، من التخلف في العديد من المرافق الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والثقافية والفنية والسياسية بما فيها الثورة المعلوماتية وغيرها الى التقدم في هذه المجموعات ومجوعات أخرى، وليس لعصر الخلفاء والاقطاع والعبيد.. لا ليس نحو الخلف .. ولا يمكن القبول بمفهوم النكوص وكأنه هزيمة مطلقة والرجوع تماماً الى الوراء. فإذا كانت الاساليب القمعية والاساليب الارهابية المتبعة في الماضي غيرها في الحاضر فذلك يعود الى حدة الصراع وتفرعاته وتطور القوى المنتجة والصراع الطبقي الذي اصبح اكثر حدية وبخاصة في زمن البحث عن نظام جديد يحقق الانسان به ما يصبو اليه من عدالة ورفاهية وسلام، وهنا نحن نرى التعبئة الملاينية من اجل تحقيق اهدافاً كانت احلاماً مستحيلة في يوم من الايام ، قوى السلام وضد العولمة والاضطهاد والارهاب والحروب والدكتاتوريات، ولا يمكن الحكم على جزء صغير من العالم بدون ربطه بالعام، ثم اصدار احكاماً ظالمة وكأننا " الجزء" معزول عن هذا الكيان، واول قياس حقيقي لفهم عملية التطور الى امام وليس للخلف هو الوعي الانساني السياسيي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي لو قورن مع بداية القرن العشرين وليس مع القرن التاسع عشر لوجدنا الكم الهائل من التطور والتقدم في مجمل المعارف الانسانية حتي في الجزء الذي مازال يحبو لكي يلتحق بسواه من الاجزاء الاخرى.
نحتاج الكثير من المقارنات لكي نستطيع فهم ما يجري على الساحة الفكرية وليس السياسية فقط لأنها تابعة للمصلحة الطبقية، الفكرية هي التي تحدد فهم ما يدور في العالم وقد تلعب ادواراً سلبية ومؤذية وحتى تدميرية ولنا اكبر مثال في الحروب والتسلح النووي وايجاد الاعلام المُضَلِل.. ففي الفكر المتنوع الاطياف نجد الطريق السليم في البحث عن الطريق الذي سيلغى الرق الفكري العبودي عند "الرعاع" اذا كنا نريد بالكلمة الاكثرية كي لا يبخس حقهم بنظراتنا الدونية..
ليس الملوم في هذا الغصب من قبل الغوغائين تدني الوعي الثقافي فقط انما من يريد ان يلقى بمعطفه على كاهل الجميع ويجد في طريق القرف الفكري والامتناع عن كلما هو ايجابي واعتباره سلبي بغيض لا يستحق المتابعة..
من هذا المنطلق ونحو فهم واقع الوضع العراقي الجديد وحقبة 35 ثم احتلال العراق سنجد جميع الاحكام تصطدم بقضية مهمة وهي ان النظام القديم حاول ايقاف عجلة التحرك الى الامام فاستطاع ان يحدد آلية النظام القمعي واختار انذل الاساليب لتشوية الوعي لدى الجماهير العراقية فاستطاع الوصول الى بعض النجاحات لكن العملية كلها كانت لصالح القوى التي تريد فك المارد من قمقمه وعندما اطلق على الرغم من الظروف غير الطبيعية والمقصود هنا اسقاط النظام بفعل العامل الخارجي ثم الاحتلال المباشر لاحظنا الكم الهائل في تحول نوعي نحو متطلبات الحضارة والتواصل للوصول الى ما فقد او تأخر عنه وهنا بدأت عملية العنف المتلبس بوجوه جديدة يسفر عن وجهه القبيح لتكملة ما خطط له خلال الحقبة السوداء والعودة الى اعادت المارد مرة اخرى الى قمقمه القديم ولكن ذلك مستحيل لأن الطريق على الرغم من وعورته اصبح سالكاً وان تعثر او يتعثر السير فيه..... ولكن لحين..
من هذا المنطلق ايضاً علينا ان نفهم عمق ازمة الفكر اليساري في بلدان العالم الثالث وبخاصة في الدول العربية الذي راح يتخبط ما بين القديم والجديد وهو يحاول ايجاد طريق خاص به ومثلما كان يقال لا شرقية ولا غربية او الجري خلف الديمقراطية البرجوازية الغربية التي لها ايضاً محاسنها فيما يخص حقوق الانسان والتعددية او البقاء في العقائدية الجامدة بدون رؤية العالم الجديد والصراع العام الذي انتقل الى اشكال جديدة ولكن بقى جوهره هو الصراع مابين القوى التقدمية بكل اطيافها الانسانية وبين الاستغلال الرأسمالي العالمي فوقع في مطبات كثيرة منها البلبلة الفكرية فوضع كل السلبيات فوق عاتق الايديولوجية وبخاصة الماركسية..
ومن هذا المنطلق يجب ان يعاد التفكير في بناء الدولة وابعاد روح العسكرة عن المجتمع وخلق منظمات حقيقية لبناء المجتمع المدني الذي يعتمد اعتماداً كلياً على ارادة الاكثرية واحترام رأي الاقلية وبالكلام الصريح فصل الدولة عن الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــ