الطبقات والصراع الطبقي (الحلقة الثالثة)


خليل اندراوس
2010 / 11 / 13 - 10:21     

حيال انتشار تشويه الماركسية وخاصةً بعد فشل التجربة السوفييتية في بناء الاشتراكية، واجبنا الثوري والطبقي والقومي والأممي هو بعث تعاليم ماركس الحقيقية بخصوص القضايا الطبقية والقومية والأممية والثورة الاجتماعية والتطرق الى ملامح مجتمع المستقبل والمجتمع الشيوعي. وما يحدث الآن لتعاليم ماركس هو ما حدث أكثر من مرة في التاريخ لتعاليم الثوريين وزعماء الطبقات المظلومة والمضطهدة. ففي حياة ماركس مارست الطبقة السائدة البرجوازية شتى أساليب الملاحقة والحقد وحملات الكذب والتشويه والافتراء. وبعد وفاته كما قال لينين:تقوم محاولات لجعلهم أيقونات لا يرجى منها نفع أو ضرر، لضمهم إن أمكن الى قائمة القديسين، ولإحاطة أسمائهم بهالة ما من التسجيل بقصد "تعزية" الطبقات المظلومة وتخبيلها، مبتذلة التعاليم الثورية باجتثاث مضمونها وثلم نصلها الثوري".
لذلك علينا أن نتعمق وندرس ونطور الفكر الماركسي، ونجعله الأساس والمرجع لكل نضال قومي طبقي- طبقي- قومي من خلال نقل الفكر الى ممارسة سياسية اجتماعية نضالية ثورية ولكي تستوعبها الجماهير الواسعة، وتصبح النظرية الماركسية قوة مادية متحدة في الواقع والحياة، وتخدم الطبقة العاملة وكل شرائح المجتمع الرأسمالي المضطهدة.
علينا أن نؤكد الموقف الماركسي المنطلق من المادية التاريخية الديالكتيكية بأن الملكية الخاصة والمجتمع الطبقي الرأسمالي ظاهرة غير أزلية، بل تأريخية. وكما قال إنجلز بأن "الاقتصاد السياسي قد غاب عن ذهنه طرح مسألة شرعية الملكية الخاصة".
فالفلسفة الماركسية نشأت كتعبير عن مصالح الطبقة العاملة البروليتاريا أي الطبقة التي رسالتها التاريخية هي إزالة النظام الاستغلالي وبناء مملكة الحرية على الأرض مجتمع المستقبل الشيوعي. وقد كتب ماركس يقول:
"إن الفلاسفة كانوا فقط يفسرون العالم بأشكال مختلفة، ولكن القضية هي في تغييره". ولذلك فقط من يحمل الفكر الماركسي وينقل هذا الفكر الى الجماهير الشعبية الواسعة يستطيع أن يحوّل النظرية الى قوة مادية فاعلة من أجل إحداث التغييرات الكمية المتراكمة وبعد ذلك إحداث الثورة الاجتماعية والانتقال الى التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الأرقى وهي المجتمع الشيوعي.
أقول كل هذا لكل من يريد أن يتقبل هذا الفكر، لكي لا يعتمد على التنظير الفارغ المضمون، او المعتمد على "الحظ" في تحليلاته السياسية، ولكل من وصل الى حضيض اليأس والإحباط ولم يعد يرى حتى "ثقب الإبرة"، كمخرج للشعوب المناضلة من أجل التحرر من نير الاحتلال أو من الاستغلال الطبقي الرأسمالي. في ظل المجتمع الرأسمالي يعتبر الصراع الطبقي عاملا هاما لتطور القوى المنتجة.
والصراع الطبقي كقوة محركة جبارة لتطور المجتمع المتناحر طبقيا هو مصدر هذا التطور في كل المجتمعات الطبقية. هناك حالات خاصة استثنائية يلعبها العنف في التاريخ، فكما كتب إنجلز في كتابه ضد دوهرنج عندما تتحول السلطة السياسية من خادمة للمجتمع الى سيدة، عندها بإمكانها أي السلطة السياسية أن تلعب دورا مزدوجا. فإما أن تعمل وتفعل بروح واتجاه التطور الاقتصادي الحتمي، وإما أن تفعل السلطة السياسية خلافا لهذا التطور، وعند ذاك ترضخ عادة لضغط التطور الاقتصادي باستثناء حالات قليلة. وهذه الحالات الاستثنائية القليلة هي حالات الغزو الوحيدة التي أباد فيها الغزاة الأقل تحضرا أو طردوا سكان البلد المحتل وأبادوا قواه المنتجة أو جعلوها تموت بسبب عدم إجادتهم استخدامها. هذا ما فعله المسيحيون مثلاً، في الأندلس، للقسم الأكبر من مشاريع الري التي بناها العرب وأمّنت لهم حقول القمع والبساتين الزاهرة".
وهذا ما تفعله الآن الإمبريالية الأكثر تطورا علميا واقتصاديا اتجاه الشعوب العربية خاصة في الشرق الأوسط من خلال حروبها العدوانية في العراق وإسرائيل في فلسطين. حيث حظر الغزو الأمريكي للعراق كل البنية التحتية لهذا البلد، وأصبح العراق أكثر البلاد فسادا في العالم وهذا ما يفعله المحتل الإسرائيلي في إعاقة التطور الاقتصادي للشعب الفلسطيني.
في عالمنا المعاصر ومن خلال السوق العالمية وعولمة الاقتصاد تصبغ البرجوازية وطبقة رأس المال الإنتاج والاستهلاك في كل الأقطار بصبغة كوسموبوليتية فكما كتب ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي: وباستثمار السوق العالمية تصبغ البرجوازية الإنتاج والاستهلاك في كل الأقطار بصبغة كوسموبوليتية. وتنزع من الصناعة أساسها الوطني، بين يأس الرجعيين وقنوطهم، فتنقرض الصناعات الوطنية التقليدية القديمة، أو تصبح على وشك أن تنقرض. وتحل محلها صناعات جديدة يصبح إدخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الأمم المتمدنة، صناعات لم تعد تستعمل المواد الأولية المحلية بل المواد الأولية الآتية من أبعد مناطق العالم ولا تستهلك منتجاتها في داخل البلاد نفسها فحسب بل أيضا في جميع أنحاء المعمورة.
وهذا ما تفعله الإمبريالية الأمريكية من خلال الاستعمار المباشر وغير المباشر بالذهب الأسود، أي النفط العربي والذي تستهلكه، في صناعتها بما في ذلك العسكرية، وتستغل المال الذي يدفع ثمنا لهذا النفط بفرض صفقات ضخمة من شراء السلاح كما حدث مع السعودية حيث تم الاتفاق معها على شراء سلاح أمريكي بمبلغ 60 مليار دولار.
وتتولد بدلاً من الحاجات القديمة التي كانت تكفيها المنتجات الوطنية، حاجات جديدة تتطلب لكفايتها منتجات أقصى الأقطار ومختلف المناخات. ومكان الانعزال المحلي والوطني السابق والاكتفاء الذاتي، تقوم بين الأمم صلات شاملة وتصبح الأمم متعلقة بعضها ببعض في كل الميادين.



*المزاحمة الحرة!*
ما يقال عن الإنتاج المادي ينطبق أيضا على الإنتاج الفكري فثمار النشاط الفكري عند كل أمة تصبح ملكا مشتركا لجميع الأمم. ويصبح من المستحيل أكثر فأكثر على أية أمة أن تظل محصورة في أفقها الضيق ومكتفية به. ويتألف من مجموع الآداب القومية والمحلية أدب عالمي". "وتجبر البرجوازية كل الأمم، تحت طائلة الموت، أن تقبل الأسلوب البرجوازي في الإنتاج وأن تدخل إليها المدنية المزعومة، أي أن تصبح برجوازية. فهي بالاختصار تخلق عالما على صورتها ومثالها".
"وتقضي البرجوازية أكثر فأكثر على تبعثر وسائل الإنتاج والملكية والسكان. وقد كدست السكان ومركزت وسائل الإنتاج، وجمعت الملكية في أيدي أفراد قلائل". وهذا ما يحدث في عالمنا المعاصر من تمركز لوسائل الإنتاج في العالم الغربي الرأسمالي الإمبريالي، وهجرة السكان من البلاد الفقيرة مثل شمال أفريقيا نحو أوروبا، وسيطرة أفراد وعائلات على العديد من الشركات العابرة للقارات. وكما كتب إنجلز وماركس في البيان الشيوعي:" وهكذا تبين لنا أن وسائل الإنتاج والتبادل التي قامت البرجوازية على أساسها، نشأت داخل المجتمع الإقطاعي ينتج ويبادل ضمنها، لم يعد التنظيم الإقطاعي للزراعة والصناعة، أي بكلمة واحدة، لم يعد النظام الإقطاعي للملكية يتفق مع القوى المنتجة في ملء تقدمها، بل أصبح يعرقل الإنتاج عوضا عن تطويره، ثم تحوّل الى قيود تكبّله، وأصبح من الواجب تحطيم هذه القيود، فحطمت".
وحلت محلها المزاحمة الحرة، يرافقها نظام اجتماعي وسياسي يناسبها، وقامت معها السيطرة الاقتصادية والسياسية للطبقة البرجوازية".
كتب ماركس في كتاب "رأس المال" "إن البنية الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي قد نمت من البنية الاقتصادية للمجتمع الإقطاعي وانحلال هذا الأخير حرر عناصر الأول". وأضاف:" ولم يكن بوسع المنتج المباشر، أي العامل، أن يتصرف بشخصه، إلا بعد أن ينقطع الرباط الذي يقيده بالأرض ويكف عن كونه قنا مملوكا لشخص آخر. ولكي يغدو بائعا حرا لقوة العمل ويحمل بضاعته الى حيثما تجد سوقا، فقد كان ينبغي عليه، أيضا أن يتحرر من سيطرة الطوائف الحرفية، ونظمها المتعلقة بالمتمرنين والصناع ومن القواعد المقيدة الأخرى الخاصة بالعمل. وهكذا فإن الحركة التاريخية التي تحوّل المنتجين الى عمال مأجورين تبدو من ناحية أولى، كتحرير لهم من القنانة ومن أغلال الطوائف الحرفية وهذه الناحية وحدها الموجودة بنظر مؤرخينا البرجوازيين. ولكن هؤلاء المحررين، لا يصبحون، من ناحية ثانية باعة أنفسهم إلا بعد أن تنهب منهم وسائل إنتاجهم كافة، وتنهب منهم جميع ضمانات العيش التي كانت توفرها المؤسسات الإقطاعية القديمة. وتاريخ انتزاع ملكية هؤلاء مسجل في مدونات البشرية بحروف من دم ونار".
ويضيف:"وكان استعباد العامل نقطة انطلاق التطور الذي أدى الى ظهور العامل المأجور والرأسمالي معا وتمثل هذا التطور في تبديل شكل استعباد العامل، في تحويل الاستغلال الإقطاعي الى الاستغلال الرأسمالي. ومن المهم التأكيد بأن الرأسمال لم يخترع العمل الزائد. ففي كل مكان يحتكر فيه جزء من المجتمع وسائل الإنتاج بتعيين على التشغيل الحر أو غير الحر أن يضيف الى وقت العمل الضروري لأجل الإنفاق على نفسه شخصيا، وقت عمل زائداً لكي ينتج الوسائل الحياتية لمالك وسائل الإنتاج بغض النظر عما إذا كان هذا المالك Kalos Kagathos ارستقراطيا، من أثينا أو ثيوقراطيا من آطروس "CIVIS romanus" (من مواطني روما) أو بارونا من نورماندي أو مالك عبيد من أمريكا أو شيخا ولاشيا أو إقطاعيا عصريا أو رأسماليا (ماركس "رأس المال" المجلد الأول).
وكما جاء أيضا في البيان الشيوعي: "وليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن أمام البرجوازية وجها لوجه إلا طبقة واحدة ثورية حقا هي البروليتاريا. فإن جميع الطبقات الأخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى، أما البروليتاريا فهي على العكس من ذلك أخص منتجات هذه الصناعة".



*طبقة ثورية*
المظاهرات الأخيرة في فرنسا والتي قامت بها النقابات العمالية لهي أكبر دليل على أن طبقة العمال- البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة الثورية في المجتمع الرأسمالي.
فكما جاء في البيان الشيوعي: "فالبروليتاريا محروم من الملكية، وليست هناك أية صفة مشتركة وعلاقات العائلة البرجوازية. والعمل الصناعي الحديث الذي يضم في طياته استعباد العامل من قبل الرأسمال، قد جرد العامل، سواء في إنجلترا أو فرنسا أو أمريكا أو المانيا من كل صبغة وطنية. وما القوانين والقواعد الأخلاقية والأديان بالنسبة إليه إلا أوهام برجوازية تستتر خلفها مصالح برجوازية".
"إن كل الطبقات التي كانت تستولي على السلطة فيما مضى، كانت تحاول تثبيت أوضاعها المكتسبة بإخضاع المجتمع بأسره لأسلوب التملك الخاص بها. ولا تستطيع البروليتاريا الاستيلاء على القوى المنتجة الاجتماعية إلا بهدم التملك الخاص بها حاليا، وبالتالي بهدم كل أسلوب للتملك مرعي الإجراء الى يومنا هذا. ولا تملك البروليتاريا شيئا خاصا بها حتى تصونه وتحميه فعليها إذًا أن تهدم كل ما كان يحمي ويضمن الملكية الخاصة".
"وكانت الحركات الى يومنا هذا كلها حركات قامت بها أقليات أو جرت في مصلحة الأقليات. أما حركة البروليتاريا فهي حركة قائمة بذاتها للأكثرية الساحقة في سبيل مصلحة الأكثرية الساحقة. والبروليتاريا التي هي طبقة سفلى في المجتمع الحالي، لا يمكنها أن تهب وتقوّم عودها إلا إذا نسفت كل الطبقات المتراكب بعضها فوق بعض والتي تؤلف المجتمع الرسمي".
كتب ماركس في الفصل الرابع والعشرين للمجلد الأول من "رأس المال" يقول:
"اكتشاف مناجم الذهب والفضة في أميركا واستئصال السكان المحليين، واستعبادهم، ودفنهم أحياء في المناجم، والخطوات الأولى للاستيلاء على الهند الشرقية ولنهبها، وتحويل أفريقيا الى محمية لاصطياد السود- ذلك كان فجر عصر الإنتاج الرأسمالي. إن هذه العمليات الرغيدة إنما هي العناصر الرئيسية في التراكم البدائي (القصد التراكم البدائي لرأس المال د.خ). وعلى أثرها جاءت الحرب التجارية بين الأمم الأوروبية وكانت الكرة الأرضية ميدانها. وقد بدأت هذه الحرب بانفصال هولندا عن إسبانيا، واكتسبت مقاييس هائلة في الحرب الإنجليزية ضد اليعاقبة ولا تزال قائمة الآن بشكل حروب "الأفيون" ضد الصين وهكذا دواليك (والحروب الإمبريالية في عصرنا الحاضر هي استمرار لخدمة رأس المال النفطي والعسكري والمالي في دول رأس المال د.خ) إن مختلف عناصر التراكم البدائي تتوزع، بدرجات متفاوتة من الانسجام من الناحية التاريخية، بين بلدان مختلفة، ونعني بها إسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا وإنجلترا وفي إنجلترا أخذت في أواخر القرن السابع عشر تتحد بدأب وانتظام في النظام الاستعماري وفي نظام قروض الدولة وفي نظام الضرائب الحديث وفي نظام الحماية الجمركية. وهذه الطرائق ترتكز جزئياعلى أخشن العنف كالنظام الاستعماري مثلاً. ولكنها جميعها تستغل سلطة الدولة اي العنف الاجتماعي المركز والمنظم، لكي تعجل عملية تحويل أسلوب الإنتاج الإقطاعي الى أسلوب رأسمالي وتقصر مراحلها الانتقالية.
إن العنف هو قابلة كل مجتمع قديم عندما يكون حاملا بمجتمع جديد. والعنف نفسه إنما هو قدرة اقتصادية.
وفيما يخص النظام الاستعماري المسيحي، قال وليام هاويت، وهو الذي جعل من المسيحية مهنته:
"إن ما اقترفه ما يسمى بالعروق المسيحية من همجية وقساوة ضيقة في جميع مناطق الدنيا حيال جميع الشعوب التي أمكن لها أن تستعبدها، يتجاوز جميع الفظائع التي ارتكبت في أي عهد تاريخي كان، من قبل أي عرق كان، مهما بلغ من الوحشية والجهل، ومن القساوة والصفاقة". ويضيف ماركس:" إن تاريخ الاقتصاد الاستعماري الهولندي- وهولندا كانت البلد الرأسمالي النموذجي في القرن السابع عشر- يعطينا لوحة لا تضاهى عن أعمال الخيانة والرشوة والقتل والخساسة. وليس ثمة ما هو أوسع دلالة من نظام سرقة الناس الذي مارسه الهولنديون في "سيليب" لأجل زيادة عدد العبيد في جزيرة جاوا. ولهذا الغرض، يهيئون خصيصا سراقي بشر. وقد كان السراق والمترجم والبائع عملاء هذه التجارة الرئيسيين، وكان الأمراء المحليون الباعة الرئيسيين. وكانوا يزجون بالشبان المسروقين في سجون "سيليب" السرية الى أن يبلغوا من العمر ما يكفي لإرسالهم الى السفن التي تنقل العبيد. وقد جاء في أحد التقارير الرسمية قوله:
"مثلاً إن مدينة مقصر وحدها مليئة بسجون سرية، بعضها أرهب من بعض، وتزدحم بضحايا الجشع والطغيان التعيسة المقيدة بالسلاسل والمفصولة عن أهلها بالعنف. وفي عصرنا الحالي تقوم الإمبريالية الأمريكية بإقامة سجون سرية وعلنية مثل غوانتانامو في كل أنحاء العالم لكل من يعارض هيمنتها الإمبريالية واستراتيجيات هيمنة القوة الأمريكية.
وفي الهند من عام 1769 الى 1770 نظم الإنجليز المجاعة بصورة اصطناعية، وذلك بشرائهم الرز بأكمله وبرفضهم بيعه إلا بأسعار باهظة خيالية. وفي عام 1866 مات أكثر من مليون هندي جوعا في أقليم أوريسا وحده".
ويضيف ماركس: إن أفظع أشكال معاملة السكان المحليين كانت بالطبع، في المزارع المخصصة بوجه الحصر لتجارة التصدير، كما في الهند مثلاً، وكذلك في البلدان الغنية والمكتظة بالسكان والمحكوم عليها بالنهب كالمكسيك والهند الشرقية. ولكن الطابع المسيحي نفسه الذي اتسم به التراكم البدائي تجلى أيضا في المستعمرات الصرف. فإن بوريتانيي إنجلترا الجديدة- هؤلاء الورعين الغلاة من البروتستانتية الرزينة- أقروا في ASSEMBLY (جمعيتهم التشريعية) في عام 1703 منح مكافأة قدرها 40 جنيها استرلينيا لقاء كل جلدة رأس هندي أحمر ولقاء كل أسير هندي أحمر".
"وقد يسر النظام الاستعماري تعجيل نمو التجارة والملاحة. وقد كانت الشركات- الاحتكارات بمثابة دوافع جبارة لتركيز الرأسمال".
"وكانت الكنور المحصلة خارج أوروبا عن طريق النهب السافر واستعباد السكان المحليين، وعمليات القتل، تصب في المتروبول وتتحول فيها الى رأسمال".
"ومع تطور الإنتاج الرأسمالي في سباق المانيفاكتورية، تحرر الرأي العام في أوروبا من أواخر بقايا الحياء والضمير وأخذت الأمم تتباهى بوقاحة وبكل خساسة ما دامت هذه وسيلة من أجل تكديس الرأسمال".
وهذا ما يجري في عصرنا الإمبريالي الحالي أيضا بكل وقاحة وخساسة عندما تدعي أمريكا بأنها تريد أن تدافع عن الديمقراطية في الشرق الأوسط وتقوم بالحروب العدوانية في أفغانستان والعراق من أجل نهب خيرات شعوب المنطقة، وتدافع بكل وقاحة عن سياسات إسرائيل العدوانية في المنطقة، وتتهم كل من يعارض سياسات هيمنة القوة في المنطقة، بالإرهاب.
ويضيف ماركس قائلاً:" وإذا كانت النقود على حد قول أوجية" ترى النور بلطخة دم على الخد"إ فإن الرأسمال المولود حديثا ينزف دما وقذرا من جميع مسامه. من الرأس حتى أخمص القدمين".

(يتبع)