الايدلوجيا الزائفة


فريدريك انجلز
2021 / 12 / 2 - 22:29     

أن ألآيديولوجية انما هي عملية يقوم بها من يسمى بالمفكر، وأن عن ادراك خاطىء .فأن القوى المحركة الحقيقية التي تحمله على النشاط تظل مجهولة بالنسبة اليه، والا لما كانت العملية عملية آيديولوجية . ولذا يصنع لنفسه تصورات عن قوى حافزة كاذبة أو ظاهرية . وبما أن الكلام يتناول عملية التفكير،فأنه يستخلص المضمون وشكله على السواء من التفكير الصرف، اما من تفكيره بالذات، واما تفكير اسلافه . وهو يعنى بوجه الحصر بمادة تفكيرية، وهو يعتقد صراحة ان هذه المادة وليدة التفكير،وهو على العموم لاينصرف الى دراسة أي مصدر آخر ،اكثر بعدا ومستقل عن التفكير . فأن هذا الموقف من المسألة يبدو له بديهياً لان كل عمل يبدو له مرتكزا في آخر المطاف على التفكير، أذ انه يتحقق بواسطة التفكير .أن الآيديولوجي التاريخي ( والتاريخي هنا يعني مجرد تعبير جامع يشمل المفهوم السياسي والحقوقي والفلسفي واللاهوتي –وبكلمة، جميع الميادين المتعلقة بالمجتمع لا بالطبيعة ) يجد تحت تصرفه في كل ميدان من ميادين العلوم مادة معينة تشكلت بصورة مستقلة من تفكير الأجيال السابقة وأتبعت سبيلا مستقلا، خاصا بها من التطور في أدمغة هذه الأجيال المتعاقبة واحداً تلو آخر . يقينا انه من الممكن ان توثر ايضا في هذ التطور، كأسباب مرافقة، وقائع خارجية تتعلق بهذا أوذاك من الميادين، ولكن هذه الوقائع، كما يفترض ضمنا، هي مع ذلك مجرد ثمرات عملية التفكير، وعليه لانزال دائما في مضمار الفكر الخالص الذي يبدو كأنه هضم بسلامة حتى اشد الوقائع عنادا .
ان ظاهرية التاريخ المستقل لأشكال البنيان السياسي والنظم الحقوقية والتصورات الأيديولوجية في اي ميدان كان، هي التي تعمي، قبل غيرها،اغلبية الناس . فأذا كان لوثر وكالفين (يتغلبان) على الدين الكاثوليكي الرسمي، وأذا كان هيغل (يتغلب ) على كانط وفيخته، وأذا كان روسو (يتغلب ) بعقده الأجتماعي الجمهوري على الدستوري مونتسكيو بصورة غير مباشرة ، فأن هذه العملية تبقى داخل اللاهوت والفلسفة وعلم الدولة، وهي تمثل مرحلة في تطور ميادين التفكير هذه ولا تتخطى أطلاقا حدود التفكير .ومنذ أن ظهر، علاوة على هذا، الوهم البرجوازي حول خلود ألأنتاج الراسمالي وكماله المطلق، منذ ذلك الحين، يعتبر ( تغلب ) الفيزيوقراطين وآدم سميث على أنصار المركنتيلية أنتصارا خالصا للفكر،لا انعكاسا في ميدان التفكير للوقائع الاقتصادية المتغيرة، يعتبر انه الفهم الحقيقي، الذي تم بلوغه في آخر الامر، للظروف الفعلية القائمة في كل مكان دون أي تغير . ينجم مما سبق انه لو ان ريتشارد قلب الاسد وفليب – أوغست طبقا حرية التجارة بدلا من ان ينجرا الى الحروب الصليبية، لأمكن تجنب 500 سنة من الفقر والجهل . واني اعتقد اننا جميعنا اولينا هذا الجانب من القضية الذي لم استطع ان المسه هنا الا لمسا، قدراً من الاهتمام اقل مما يستحق . وهذه حكاية قديمة .دائما في البدء لا يهتمون بالشكل بسبب المضمون .واكرر انني اقترفت هذا الخطأ بنفسي، وكان هذا الخطأ يفقأ عيني دائماً (Post festum) ولهذا لست بعيداً وحسب عن توجيه اللوم اليك بالارتباط مع هذا –فليس لي أي حق في هذا لاني اذنبت قبلك في الامر نفسه، بل بالعكس،-ولكني وددت مع ذلك لو الفت انتباهك الى هذه النقطة من اجل المستقبل .
وبالارتباط مع هذا،يوجد أيضا تصور سخيف عند الايديولوجين .فنحن لانقر بالتطور التاريخي المستقل لمختلف الميادين الايديولوجية التي تضطلع بدور في التاريخ، فننكر بالتالي كل امكانية لتاثيرها في التاريخ .وفي اساس هذا،يقوم تصور سطحي، غير ديالكتيكي، عن السبب والنتيجة يعتبرهما قطبين متضادين احدهما للآخر ابداً و دائماً، ويغيب عن البال كلياً التفاعل بينهما . ان هؤلاء السادة ينسون في كثير من الاحيان، قصداً وعمداً تقريباً أن الظاهرة التاريخية، التي تولدها بالاحرى اسباب من طراز آخر هي في أخر المطاف اسباب اقتصادية، تصبح على الفور بدورها عاملاً فعالاً،ويمكنها ان تؤثر بالمقابل في البيئة المحيطة وحتى في الاسباب التي ولدتها . بارت، مثلا ،بصدد المرتبة الدينية والدين،.فقد أعجبني جداً كيف صفيت حساب هذا الكائن السافل الى درجة لا تصدق . وهذا الكائن يعينونه استاذ التاريخ في ليبزيغ، مع انه كان هناك العجوز فاكسموت، وهو والحق يقال، رجل ضيق الافق مثل بارت، ولكنه رجل من طراز آخر تماماً، ويمتلك ناصية الوقائع بصورة ممتازة .
المصدر
*********************************************
صدرت للمرة الاولى مع اختصارات في كتاب لفرانتس مهريينغ في عام 1898 في شتوتغارت
وصدرت بنصها الكامل باللغة الروسية في مؤلفات ماركس وانجلز،الطبعة الاولى،المجلد 29،عام 1946
المصدر المعتمد : مختارات ماركس انجلس الجزء الرابع ص168_ص174 ترجمة الياس شاهين
جهةالاصدار : دار التقدم موسكو
سنة الاصدار : 1987
النسخ الالكتروني : أبتهال حسين