النضال الهوياتي والطبقي


كوسلا ابشن
2010 / 11 / 10 - 16:57     

اعلنت معظم دول العالم استقلالها عن القوى الاستعمارية في اواسط القرن 20 سواء عبر الثورات التحررية المسلحة او عبر المفاوضات التنازلية والمساوماتية , الكارثة ان الاستعمار في بعض الدول وعن قصد فاوض عملاءه من بقايا الانظمة الاستعمارية السابقة ا وحراكات استطانية تابعة فكريا وايديولوجية للانتماءات الاجنبية , كما حصل مثلا في تيمور الشرقية المستعمرة الهولندية سابقا , او ما حدث مع الشعب الكردي من تقسيم ارضه بين دول احتلالية , او ما نتج عن اتفاقيات ومساومات تقسيم شمال افريقيا بين قوى استطانية استعمارية قديمة - جديدة متبنية للعروبة او المتشبثة باحتلالها لاجزاء من اراضي الشعب الامازيغي , كاناريس , مليلت وسبتا وجزر المتوسط او تقسيمها على الكرطونات المحدثة , مالي النيجروبوركنافاصو.
انسحاب الجيش الاستعماري الاوروبي من شمال افريقيا ليعوضه استعمار من طراز جديد , مستعمر (كسر الميم ) يشارك المستعمر (فتح الميم ) في المعتقد الديني بقيمه وبسلوكياته ... مستعمر استطاني وجد للبقاء الدائم مع فرض هوية تجريدية وتدمير الهوية المادية والملموسة المنبعثة من المكان ومن انتاج الانسان المحلي , استعمار اوجده السيد الاوروبي للحفاظ على مصالحه في ارض امازيغن , استعمار تبعي للقوى الامبريالية العالمية مهمته مواصلة الاحتلال نيابة على السيد الاوروبي ( ايديولوجية شرقية في خدمة ايديولوجية غربية امبريالية) .
ورثت القوى الجديدة ورشات السيد الاوروبي وانتزعت الاراضي الخصبة من القبائل الامازيغية وتردت اصحابها الى اطراف المدن وتشكيل جيش من العاطلين عن العمل او تشكيل ايدي عاملة رخيصة تستغل في المناجم و الموانئ وفي بعض الورشات من مخلفات الفرنسسين وفي الجهة المقابلة ستبرز الى الوجود طبقة هجينة لا هي بورجوازية ولا اقطاعية ورثت الالة الراْسمالية وذهنية تقليدية اقطاعية ,طبقة لم تبرز بفعل التطور التاريخي لعلاقات الانتاج وتفكيك مكانيزمات النظام الاقطاعي بل ظهرت بفضل الارتباط بالنظام الراْسمالي الاستعماري ,( تبديل الجلباب المحلي بالكوستيم وربطة العنق الغربية ) ,تحديث المظهر العروبي, طبقة لم تساهم في تحرير الشعب من النظام الاستعماري ولم تكافح من اجل تغيير النظام الاقطاعي الاكثر تخلفا بنظام جديد اكثر تطورا ,بل قبلت بموقعها الطبقي التبعي للنظام الامبريالي ووظيفتها الجديدة , حماية مصالح البورجوازية الغربية وتنفيذ قراراتها الاستغلالية في نهب خيرات الشعب الامازيغي وافقاره واضطهاده قوميا وطبقيا . من منطق استعماري ان الشعوب المغربة اكثر الشعوب ارتزاقا وعمالة للاجنبي ومن هذا المنطلق ستدعم القوى الاستعمارية مشروع تعريب الشعب الامازيغي , الذي بداْه الفرنسيين اثناء تواجدهم العسكري لحماية الاقلية الاستطانية واستمر الدعم الى الوقت الحاضر .
في غياب مقاومة حقيقية للمشروع الاستعماري لتعريب وتغريب الشعب الامازيغي وفي غياب وعي طبقي , سيضطهد الامازيغ قوميا وطبقيا , سيسلخون قسريا عن هويتهم الثقافية والحضارية وستمنع لغتهم من التداول في المدن وتفرض عليهم لغة اجنبية في التعامل اليومي وفي الادارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية , يعامل الامازيغ كاقلية مهاجرة استوطنت ارض غيرها ولا يحق لها الاستفادة من خيرات البلد و يمارس ضدهم التمييز في التوظيفات وفرص الشغل و تمنعون من حمل اسمائهم المحلية الهوياتية ويقصى الامازيغي من التمدرس او استكمال الدراسات العليا ويحرم من التطبيب , ( مستشفي واحد لما يقارب 3مليون نسمة اقليم الناظور نموذجا ) واختصارا انعدام البنية التحتية في المدن الامازيغية وفي البوادي ما زالت العلاقات العبودية هي المشكلة لعلاقة الاقطاعي المصادر لاراضي الامازيغ والفلاح المحلي صاحب الارض الحقيقي اما عن البنية التحتية في البوادي فحدث ولا حرج , حياة القرون الوسطى مازالت سائدة في المجتمع الريفي (البادية ) الامازيغي . سياسة عنصرية ممنهجة في كل الميادين , الاقتصادية والاجتماغية والثقافية والسياسية , الامازيغ مستهدفين بالدرجة الاولى كهوية وبالدرجة الثانية كفئات اجتماعية .
بروز الوعي الهوياتي بصورة محتشمة في الستنيات من القرن العشرين وفي اطار منغلق بين جدران الصالونات ونقاش المقاهي لم يلعب دور في اذكاء الروح النضالية في الجماهير الشعبية , لم يتغلغل حتى في اوساط المتعلمين والمثقفين , ولهذا لم تكن هناك ردود فعل ازاء السياسة التعريبية العنصرية والاستغلال الهمجي اللانساني للفلاح الامازيغي وسائر الكادحين وسلبية تامة ازاء حرمان ملايين من الامازيغ من التنمية والعيش الكريم.
بعد انهيار جدار برلين وفشل التنظيات الشيوعية بالحفاظ على التجرية الاشتراكية التي اعطت لشعوب المنظومة الاشتراكية ما لم تقدمه الراْسمالية طيلة خمسة قرون من النمو والتطور , سيظهر خطاْ التيارات الشيوعية (بعد لينين ) في التعامل مع القضايا القومية وارتكازها فقط على العامل الطبقي , بعد الطبخة الغورباشوفية - الريغينية ستطفوا فوق السطح القضايا العالقة وصراعات قومية بين القوميات المتعددة لشعوب الاتحاد السفياتي . وخارج اسوار القلعة الحمراء ستذوب ثلوج الدكتاتوريات المتعفنة بسبب الاوضاع الجديدة الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور القطب الواحد وما صاحبه من ضغوطات المركز الامبريالي على اطرافه للتخفيف من الاستبداد واطلاق بسيط من الحرية تماشيا مع النهج الكوني الجديد وتنفيذ للمشروع الامبريلي , ما يسمى بالعولمة وتدويل الراْس مال والسيطرة على العالم .
في هذه الظروف الدولية الجديدة ستبرز للوجود قوى جديدة بوعي قومي هوياتي تناضل ضد كل اشكال الانظمة الاستعمارية , ضد الاضطهاد القومي والاجتماعي . حركات اختارت النضال المسلح والعنف الثوري للاطاحة بالانظمة الاستعمارية والاستطانية , على سبيل المثال الشيشان , وحركات اختارت النضال السلمي , كالحركة الامازيغية وذلك حسب الوضع الذاتي والموضوعي لكل حركة على حدة .
الحركة الامازيغية لا تختلف كثيرا عن الحركات التحررية التي ظهرت غلى مسرح التاريخ ورغم قصر عمرها ومحدودية تجربتها وقلة عطائها المعرفي النظري الا انها رسخت مفاهيم في المنطقة لم تكن متداولة من قبل , كالتعايش السلمي بين الاثنيات والمعتقدات ودولة المواطنة وحقوق الانسان , مفاهيم كانت غائبة عن القاموس الفكري والمعرفي لدى المثقف التقليدي ,فاذا كانت الافكار اللبرالية مسيطرة على الخطاب الامازيغي فذالك راجع لضعف او غياب للفكر النقيض وخيانة الاتجاه ّ الماركسي ّ في الوسط الامازيغي بسبب التاْثيرالقومي العروبي وسوء الفهم للنظرية الماركسية التي جردت من مفهوم التغيير والجدل والتطور وخصوصية التعامل حسب المكان المشخص , وحولت الى معتقد ايماني مطلق ونص جامد يطبق كما هو , وسوء الفهم لما هو عام وما هو خاص وبين الكلي والجزئي او بين الطبقي و القومي والاممي , ينظرلكل ما هو قومي شوفيني بدون تشخيص للمرحلة والوضع القائم وينظر لاممية الطبقة العاملة ليس من خلال تضامنها الاممي بل من خلال الموقع الطبقي , ايجاد هوية مشتركة للطبقة العاملة العالمية , متناسيا الخصائص الثقافية والحضارية والاستقلالية الذاتية لكل طبقة على حده . الحروب الاستعمارية خاضتها الطبقة العاملة للدولة الاستعمارية ضد شغيلة المستعمرات ولم يظهرالاحساس المشترك او الهوية الطبقية المشتركة . ان التضامن الاممي للطبقة العاملة يتجلى في نضالها ضد الراْسمالية والامبريالية , فامميتها الطبقية هي نضالها ضد الاستغلال الطبقي , التضامن الطبقي هو مؤازة نضال الطبقة العاملة ضد بورجوازيتها في المكان المعين , مثال على ذلك ما حصل من وقوف ودعم معنوي ومادي لعمال المناجيم في اضرابهم التاريخي في انجلترا اواسط الثمانينات. الطبقة العاملة ليست هوية طبقية منعزلة عن الفئات المجتمعية الاخرى .
غيلب التيار التقدمي بفكر علمي مسترشد بالنظرية الماركسية كمنهج لتحليل الواقع الملموس والمشخص , سبب في هيمنة الفكر الليبرالي , الا ان وجودية الحركة في حد ذاتها مكسب للشعب الامازيغي لذا يجب الانخراط في نضالها العادل , نضالها التحرري من السيطرة الاستطانية , نضالها المشروع ضد الاستلاب الثقافي والتغريب الهوياتي .
الحركة الامازيغية بعتبارها وحدة فصائل وجمعيات يغلب عليها الثقافي اكثر من السياسي ,لكنها تخلو من القمع المادي والفكري , فهيمنة اللبرالية ليست نتيجة لفرض سلطوي , قمعي ايديولوجي , بل كما اشرنا سابقا لغياب النقيض , غياب التيار الماركسي المحلي المسترشد بالنظرية الماركسية الخلاقة داخل صفوف الحركة الامازيغية , ليس لمجرد خلق المعادلة والنقد وانما لتوجيه نضالات الحركة ليس للتحرر الهوياتي فحسب بل و للتحرر الطبقي ايضا و تحويل النضال الثقافي للنضال السياسي . بروز الحركة نتيجة للاضطهاد القومي والاجتماعي وفي مواجهة الفكر الشوفيني العروبي التبعي ,و في مواجهة الطبقة الهجينة المسيطرة سياسيا واقتصاديا فنضالها يحتوي الهوياتي والاجتماعي , الوحدة الجدلية بين الهوياتي والطبقي , النضال الهوياتي لايبعد الشقيلة عن الصراع الطبقي كما يوهم البعض بل يساهم في تنمية الوعي التحرري لدى العمال , فلينين ساند نضال الشعوب المضطهدة ونادى بتقرير مصيرها كبيرها وصغيرها ولم يتهمها بالشوفينية والعرقية بل نظر اليها كحليف في الصراع ضد الامبريالية والراْس مال العالمي , وتجربة السوفيات , بعد الثورة دليل على الموقف الماركسي-اللينيني من القضايا القومية الهوياتية , بعد الثورة خير لينين شعوب فيلندا والبلطيق واسيا الوسطى بين الانفصال والانضمام للسفيات ولم يتهمها بالنعرات القومية اوتفتيت الطبقة العاملة .الموقف الانعزالي والسلبي من الصراع الهوياتي لا يخدم مصالح العمال بقدر ما يخدم مصالح الطبقة الهجينة المهيمنة والمنتجة ليس لادوات القمع فحسب بل ولادوات التغريب المزدوج عن الهوية والانتاج . الانضمام للنضال الهوياتي طريق لتقصير الزمن النضالي الموجه ضد المسيطر الاقتصادي , فضرب النظام الاستطاني يعني ضرب طبقته الهجينة , فحرية العمال لا تتم في معزل عن حرية الجماهير الشعبية , وسقوط النظام الاستطاني هو حرمان النظام الامبريالي من احد بيادقها وبالتالي حرمانيها من ّمجالها ّ الحيوي وكل ما سيترتب عن ذلك من تغيير علاقات التابع والمتبوع , انخراط التيار التقدمي و الماركسي الامازيغيين في الصراع الهوياتي والطبقي وقيادته باستراتيجية علمية واقعية سيسهل عملية انضاج الظرف الذاتي للاطاحة بالنظام الاستطاني التبعي والاستقلال الذاتي المجتمعي والتحرير الطبقي والمساهمة الاممية في دعم عمال العالم والشعوب المقهورة .
كوسلا ابشن