بناء تنظيم شيوعي في -الخارج-


سامان كريم
2010 / 11 / 9 - 22:39     

مـــــــــــــــــــــقدمة
هذا البحث قدمته في ندوة موسعة لكوادر تنظيمات الخارج للحزب الشيوعي العمالي العراق في 2-3 اكتوبر من العام الجاري، حيث تدخل الحضور بشكل ملفت للنظر حول هذا الموضوع، وإبدوا ملاحظاتهم وآرائهم حوله. لكن البحث طرح في الندوة تحت إسم " الازمة الاقتصادية العالمية و الحركة العمالية في اوروبا" كان عنوان البحث موضع تساؤل في الندوة. في معرض إجابتي حول هذه النقطة وإختيار هذا العنوان قلت اريد فقط ان اوجه الانظار والاهتمام الى حركة عمالية حاضرة وقوية في العالم اجمع و بالتحديد في اوروبا حيث نرى التظاهرات والاضرابات المليونية في اليونان وفرنسا والعديد من الدول الاوربية إحتجاجاعلى سياسة التقشف التي تبنتها الحكومات الاوروبية... ان البحث لا يرتبط بوجود احتجاجات عمالية او إضرابات عمالية واسعة، ولايتربط مطلقا بوجود ازمة إقتصادية أو عدمها. إن بناء تنظيمات شيوعية قوية في الخارج هو امر مرتبط بنا كشيوعيين ضمن التقليد الماركسي، شيوعيين وفق منهج فعال ومتدخل بقضايا النضال الطبقي العمالي، وهذه وظيفتنا وعملنا اينما كنا.
قلت في جلسات ندوة الكوادر ان هذا البحث لا يشمل المسائل ادناه:
- البحث ليس له علاقة ببحث الخارج وداخل العراق
- البحث ليس له علاقة بالجبهة الخلفية والجبهة الداخلية، او ان الداخل اهم والخارج ثانوني
- البحث ليس له علاقة بالعمل او بالوظيفة الأممية المباشرة للحزب...
- البحث ليس له علاقة بقوة او ضعف الحزب في الداخل.... وليس قضيتي ايجاد وظيفة ووصلها بالوظائف الأخرى..
وبعدها وبدعوة من الرفيق مصطفى باهر سكرتير لجنة فنلندا للحزب الشيوعي العمالي الكردستاني في فلندا القيت هذا البحث مرة اخرى في فنلندا بحضور جمع من الرفاق وهناك ايضا طُرحت اراء و ملاحظات جدية وجديرة بالإهتمام...
أنا بحثت في الاجتماعين اعلاه محتوى هذا البحث. لكن بعد الاجتماعين أدونه بصياغة اخرى وبإضافات اخرى تساعد على وضوح البحث وفهمه بصورة اسهل.

أفق لتنظيمات الشيوعية في " الخارج"

ان الوظيفة الاصلية والرئيسة او هويتنا كشيوعيين عماليين ، كشيوعين على خط ماركس ومنصور حكمت، الشيوعيون الذين يرون في الاشتراكية إلغاء العمل المأجور وبناء مجتمع خالٍ من الطبقات عبر الثورة العمالية و الحكومة العمالية. للشيوعية التي قطعت صلتها بالهويات القومية والديمقراطية بأنواعها المختلفة وما شابه من الاتجاهات البرجوازية الاخرى... هذه النوعية المحددة من الشيوعية اي شيوعية ماركس هويتها هي نضال العمال الطبقي والسبل الكفيلة لتوجيهه، تنظيمه وقيادته صوب اهدافه الانية والمستقبلية. هذا يعني ان الشيوعية هي جزء من صميم هذه الحركة، كحركة موضوعية وواقعية داخل الحركة العمالية. اي شيوعيتنا هي تيار طليعي داخل الحركة العمالية سواء كانت ضعيفة أو قوية مقتدرة. فهذا ما نراه اليوم في الحركة العمالية في اوروبا بوجه سياسة التقشف البرجوازي العالمي. نرى ذلك في تقليد هذا الجزء الطليعي من العمال الفرنسيين في شركة كاتربيلار للبناء والانشاءات الذين حجزوا مدير التنفيذ للشركة لمدة 24 ساعة متواصلة لاجباره على التراجع عن قراراه بطرد العمال، وهكذا تم تحقيق مطالبهم. نراه ايضا في اضراب في محطات النفط في فو- لافيرا في جنوب فرنسا التي تحرم ست مصاف من التزود بالنفط الخام منذ 18 يوما والعمال الذين سيطروا على المصفى و فكوا حصارهم بقوة الشرطة. وغيرها من الأمثلة كثيرة. نحن أولئك وهذا هو تقليدنا الماركسي....

إذن الحلقة او نواة عملنا وهويتنا في الوقت نفسه هي تنظيم هذه الحركة، توضيح رؤيتها وآفاقها قبل اي شئ آخر. في هذه المرحلة هذه الهوية تعني ادخال ماركس بكل معنى ماركس الى صفوف هذا الجزء الطليعي. هذا الجزء الشيوعي داخل الحركة العمالية. ادخال ماركس يعني إدخال مانفست ماركس يعني ادخال الايديولوجية الالمانية وبرنامج غوتا، يعني كتاب الرأسمال ويعني تقاليد نضالية من ناحية السياسة والتنظيم و كل مايتعلق بالنضال الطبقي للعمال. يعني ان نشرح لهم شيوعيتنا وهي ليست الشيوعية السوفيتية و لاالستالنية ولا الماوية و لا اوروكومنيزم ولا الالبانية...بل هي شيوعية ماركس و لينين و منصور حكمت وقادة العمال الذين ضحوا في سبيل الاشتراكية والنضال الطبقي...
يترتب على هذه الهوية او هذا العمل ركيزتان اساسيتان بالنسبة لنا:
الاولى: هي نظرة سياسية عملية استراتيجية لأممية عمالية او لأممية شيوعية. كيف ننظر الى العالم ووفق اي تصور نؤطر تحليلاتنا للطبقة العاملة وللمجتمعات وللانسان بصورة عامة، هذا يعني قطع الصلة الكاملة مع كافة الاتجاهات البرجوازية سواء كانت القومية او الديمقراطية بملحقاتها المخلتفة والاصلاحية التي فقدت بريقها في هذه المرحلة. انا لا اذكر الاتجاهات الأخرى من البرجوازية الاسلامية، لان من المسلم به ان الشيوعية هي قاطعة الصلة بصورة مطلقة مع هذا الحركة بانواعها. بمعنى أخر نحن نجسد عمليا مبدأ " لا وطن للعمال".
ثانيا: بما إننا في الخارج جزء شيوعي ماركسي منظم اي جزء من الهيكل التنظيمي لاحزابنا الشيوعية العمالية سواء كان الحزب الشيوعي العمالي العراقي او اي أسماء اخرى. يستوجب علينا كجزء من هذا المؤسسة الحزبية ان نكون جزءاً لتقوية الحزب و جزءا مهما لتجسيد تحويل الحزب الى حزب قوي ماركسي ثوري مقتدر.
الحلقة التي تربط الركيزتين هي الهوية الشيوعية وماهية الشيوعية وهي بوصلتنا ورؤيتنا للعالم. اي الحركة الطبقية للعمال وتقوية هذه الحركة وبالتحديد الجزء الطليعي منها اي التيار الشيوعي العمالي، بصفتنا جزء منظم وبالتالي جزء طليعي وعنصر فعال لتقوية هذا الأمر. أن تقوية الحزب وتقوية الصف الأممي امران يكتملان بعضهما البعض ولا حدود بينهما بل هي رابطة طبقية سياسية عملية واضحة.
إذ يقول ماركس في البيان الشيوعي " إن ما يميز الحركة الشيوعية عن سائر الحركات والأحزاب العمالية هي إنها أولاً، في النضال الطبقي في كل بلد ترفع راية الوحدة والمصالح المشتركة لعمال العالم قاطبة. وثانياً، في المراحل والجبهات المختلفة لنضال الطبقة العاملة، تمثل مصالح حركة الطبقة العاملة بأسرها" وهذا يعني الشيوعية تشكل بالضرورة الحركة التي تمثل أكثر أقسام الطبقة العاملة تقدماً والتي تدرك ظروف ومستلزمات الانتصار والهدف النهائي للنضال الطبقي بشكل صائب وتسعى لحشد مختلف فئات الطبقة العاملة.
إن المعنى السياسي العملي لجوهر الشيوعية بهذا المعني الذي شرحه لنا ماركس في المانفيست و تمايزها عن باقي التيارات الشيوعية البرجوازية بمختلف تلاوينها وعن باقي التيارات والحركات البرجوازية ... هو ان النضال الطبقي وصراع العامل ضد الرأسمال هو امرنا وقضيتنا الرئيسة اينما كنا، سواء كان في بلداننا او في أي بلد نتواجد فيه...
أن هذا البحث يرجع في محتواه الى ادراكنا وفهمنا لشيوعية ماركس ومحور التناقضات التي شكلها النظام الاقتصادي الرأسمالي، وهو إستغلال العامل بوصفه يعمل بالاجرة او عاملا أجيراً ليس لديه ما يملكه سوى قوة عمله... هذا البحث في اخر المطاف يؤدي بنا الى حل هذه التناقضات بواسطة قلب النظام القائم كنظام سياسي أجتماعي عبر الثورة العمالية اي إلغاء العمل المأجور و بناء مجتمع شيوعي من خلال السلطة السياسية للطبقة..." الحكومة العمالية".
هذا الفهم" العملي السياسي النظري" يستوجب بالضرورة ان يكون لدى الشيوعين العماليين لدى كوادر حزبنا، فهما أمميا بالمعنى العملي والسياسي و ليس فقط بالمعنى النظري واطلاق الشعارات الطبقية والتضامنية... اي النظر الى العمال كطبقة عالمية لها مصلحة طبقية مشتركة، اي مصلحة سياسية عملية بحتة .. وهذا الفهم تحديدا يعني ان قوة واقتدار الطبقة العاملة هي قوتها واقتدارها على الصعيد العالمي...
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي بوصفه طليعة لهذه الطبقة في العراق هو جزء طليعي من نضال هذه الطبقة وتركيبتها الاجتماعية على الصعيد العالمي. حزبنا يناضل في سبيل قيادة الثورة العمالية ضمن حدود دولة معينة، إذن كيف تقصد السلطة السياسية في العراق و كيف تنظر اليها حسب هذه الحركة وخصوصا نحن نتفاعل في عالم راسمالي معولم رأسماليا " امميا" بمعنى الكلمة ليس على الصعيد الاقتصادي ونموذجه السوق الحرة فقط بل على الصعيدين السياسي والفكري ايضا؟!... كيف نتفاعل مع هذه الاوضاع نحن في منظمة الخارج كجزء من الحزب وفي الوقت نفسه جزء من الصف الطبقي على الصعيد العالمي لتقوية الشيوعية العمالية على صعيد عالمي وحزبها في العراق وبالتحديد لدفعها باتجاه إستلام السلطة؟!... بمعنى آخر اي التحركات السياسية العملية للحزب في الخارج تضعه على الطريق الصحيح لتحويله الى حزب مقتدر...إذن البحث في محتواه يرتبط بالسلطة السياسية وسبيل التجسيد العملي لهذه السلطة في اعمالنا وسياساتنا في الخارج.
بعد هذه المقدمات كيف نبنى تنظيمنا وماهي المادة اللاصقة التي لا بد ان نلتصق بها كجزء من الشيوعيين العماليين لأجل طبقتنا؟!
بناء التنظيمات الشيوعية والطبقة العاملة
اولا: إن اساس الشيوعية كحركة إجتماعية عمالية في قلب الصراع الطبقي ضد الرأسمال، هو إلغاء الجوهر الذي ارتكز عليه النظام الراسمالي وهو العمل المأجور والملكية الخاصة البرجوازية. هذا هي محتوى نضال طبقتنا وحركتنا عبر تاريخ النظام الرأسمالي حتى اللحظة. وهذه هي قضيتنا ايضا ولا شئ غيرها. على هذا الاساس وحسب هذا المنظور الشيوعي علينا بناء تنظيمنا الشيوعي في الخارج وفق استراتجيتنا، وهي إسقاط النظام الرأسمالي وبناء النظام الشيوعي على انقاضه عبر الثورة العمالية وحكومتها.
ثانيا: ان تنظيمات الخارج كهيكل تنظيمي هي موجودة في خارج العراق. لكن قبل ذلك نلقي نظرة سريعة على القوة البشرية للشيوعية العمالية للحزب، كمادة وقوة بشرية تتشكل منها التنظيمات هي جزء منخرط في هذه المجتمعات التي تتواجد فيها تنظيماتنا وأعضائنا، كأيّ مواطن ومواطنة في هذه المجتمعات بمعنى الكلمة وبالمفهوم الإجتماعي، يعاني وتعاني مثل السويدين والبريطانيين والكنديين والنرويجيين والسويسريين... من سياسات التقشف مثلاً او من اية سياسات أخرى، تضيق الخدمات وتسلب الحقوق. فمعيشتها، حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، تربية اطفالها، علاقاتها الاجتماعية ، مرتبطة بتلك المجتمعات. بمعنى آخر ان الاكثرية المطلقة من اعضائنا أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الطبقة العاملة في بلدانهم، وان عدداً كبيراً منهم اعضاء في النقابات العمالية وعدد آخر ناشطون على الصعيد الاجتماعي في ميادين مختلفة. إن نضال العمال في بلدانهم في سبيل رفع مستوى معيشتهم والحصول على الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ضد الرأسمال وحكوماته او نضالهم للدفاع عن مستوى معيشتهم والذي يجري حاليا في كافة البلدان الاوروبية مثلا، لا يمسهم فحسب بل هم جزء لا يتجزأ من هذا النضال و من هذا الواقع ويمس معيشتهم وحقوقهم السياسية والإقتصادية. الحياة والنضال في سبيل حياة أفضل بالنسبة لهم مرتبط بهذا النضال العمالي بشكل محتوم.
ثالثا: اللجان الحزبية الشيوعية: اللجنة الحزبية او أية هيئة تنظيمية تتشكل وفق مقومات اجتماعية وليس وفق اي مقومات أخرى مثل "الجاليات" او حسب " تعدد الثقافات" وهذه عناصر ثقافية قومية ودينية بحتة لا تتربط باية مقومات اقتصادية في الخارج. المقومات الاجتماعية هي موجودة اجتماعياً في وعاء المجتمع والمخاض الذي يمر به المجتمع. وهذا المخاض ليس الا الصراع الطبقي ونضال العامل بوجه الرأسمال. وخصوصاً نحن نتحدث عن اوروبا وامريكا واستراليا، اي عن اكثر البلدان الرأسمالية تقدماً. بما ان الشيوعية هي تيار طليعي داخل الحركة العمالية، عليه ان اللجان الشيوعية والحزبية يجب ان تبني ركائزها داخل هذه المقومة وهي موجودة فيها كعامل مأجور مثل بقية العمال الآخرين، ربما الفرق الوحيد هو لون بشرته أو لغتة الأم. ولكن الشيوعية كعقيدة وكتيار سياسى عمالي وكفكرة ونهج سياسي لا تعيقها هذه المسائل بل هي تعمل بالاساس على تجاوزها وتحل محلها هوية الانسان العامل. هذه خصيصة تميز شيوعية ماركس، شيوعيتنا عن كافة الحركات البرجوازية بدون إستثناء. إذن اللجنة الحزبية هي لجنة شيوعية على تقليد ماركس، هي لجنة تتفاعل وتتاثر في خضم اوضاع اجتماعية في هذه البلدان، ليس لانها شيوعية فقط بل لأنها تنظم عمالاً وأشخاصاً ترتبط معيشتهم وحقوقهم كافة بأوضاع تلك المجتمعات. ان تنظيماً شيوعياً لا يمكن ان يبنى بدون مقومات اجتماعية. ان "عمالنا" اي اعضاء الحزب او ابناء ماتسمى "بالجاليات" يعملون في قطاعات صناعية وخدمية في هذه المجتمعات، ماهي الصلة الاجتماعية الطبقية لروابطهم التنظيمية؟!
حضورهم وبروزهم في النضال الطبقي والحركة العمالية وتدخلهم كمواطن وكعامل شيوعي في البلد المعني، وحضورهم السياسي والاجتماعي على الصعيد العام من خلال آليات عمل واضحة مثل البروز في كتابة المقالات او الوصول الى قيادة النقابات " البحث ليس له علاقة بتصورنا حول النقابات و تريديونيزم بصورةعامة" او ظهورهم في اعلام البلد المعني…وهذه تؤثر ثأثيرا كبيراً على إبرازهم داخل ماتسمى "الجاليات العربية والكردية…" حيث ان هذه الجاليات وخصوصا هي منقسمة اساسا على الطبقيتن العاملة و البرجوازية وبما ان اكثريتها المطلقة من العمال، تتأثر كباقى العمال والعاطلين عن العمل بسياسات وقوانين البلد المعني. ان التقوقع والانزواء داخل ما تسمى "بالجاليات" او تحت قبة "تعدد الثقافات" هو الذي وضع غشاءاً قومياً او إسلامياً على عيونهم بحيث منعهم ويمنعهم من ان يحسبوا انفسهم كمواطنين عاديين لهذه البلدان. ان مهمتنا هي رفع هذه الأغشية بأنواعها المختلفة. ولهذا برأيي ان التدخل الشيوعي في الاوضاع الاجتماعية في البلد المعنى له تأثير مباشر على تلك "الجاليات" و جذبها نحو الشيوعية والحزب.
بهذا المعنى ستكون التنظيمات لديها قوة كافية لضمان نجاح اي رد فعل سياسي لصالح الحزب في العراق وكردستان وايران وستكون لديها قوة لحشد وتعبئة التضامن العمالي والشخصيات الشيوعية واليسارية لصالح الحركة العمالية في العراق …وتساهم في صيانة الحزب والدفاع عنه متى استلزم الأمر ذلك، ناهيك عن جذب الناطقين باللغة العربية الى مسارنا السياسي.
رابعا: اللجنة الحزبية جزء من الحزب العراقي أو...: اللجنة الحزبية ومنظمة الخارج بكاملها هي جزء من الهيكل التنظيمي والبنية التنظمية للحزب الشيوعي العمالي العراقي. بهذا المعنى لديها وظيفة حزبية اخرى وهي النشاط في أوساط الناطقين باللغة العربية او التي تسميها البرجوازية وبالتحديد الحركات والاحزاب القومية ودولها والاعلام "بالجالية العربية او العراقية" او ماتسميها الاحزاب الاسلامية والاعلام "بالجالية الاسلامية" وهي اوسع بكثير من "الجاليات القومية"... التاثير الفكري و السياسي و تقليل النفوذ الفكري والسياسي للحركات القومية والاسلامية في تلك الأوساط هي وظيفة رئيسة بالنسبة للجان الشيوعية وكوادرها، ومن ثم جذبها الى الشيوعية والحزب الشيوعي العمالي. هذه الاعمال وهذا الهدف لا يمكن ان تتحقق بدون التصور السياسي والأممي العمالي الذي شرحناه آنفاً وفي الفقرات الثلاثة اعلاه.
تعدد الثقافات والجاليات
أن تعدد الثقافات كمفهوم سياسي وثقافي هي حلقة او نقطة التقاء بين الديمقراطية كحركة سياسية برجوازية بانواعها كافة والحركات القومية والاسلامية والاصلاحية. ان سياسة تعدد الثقافات التي اصبحت نموذجاً خطيراً على هوية الانسان العامل منذ عقدين او اكثر من الزمن، هي المظلة التي تجمع تحتها كافة الاتجاهات البرجوازية لغرض تقسيم الانسان العامل الى إنسان عربي وكردي وسويدي و بريطاني وأمريكي واسترالي وإيراني ومسلم ومسيحي ويهودي وبوذي وشيعي وسني.... هي سياسة لالتقاء مصالح الحركات البرجوزاية كافة لشق الصف الطبقي تحت الهويات الكاذبة، على صعيد الفكري والسياسي والثقافي" بمعنى الواسع لمفهوم الثقافة، اي التقاليد والتراث، والآداب والفنون والاخلاقيات"، التي وجدت طريقها في دساتير وقوانين البلدان المتقدمة رأسماليا.
بما ان البعد الثقافي والقانوني والدستوري والسياسي والاخلاقي كلها هي جزء من البنية الفوقية للنظام الرأسمالي، تشكل بمجملها احد المرتكزات السياسية الرئيسة لشق الانسان العامل على اساس الهويات القومية والدينية و لون البشرة والغرب والشرق... لغرض صيانة الملكية الخاصة البرجوازية والحفاظ عليها وشق صف "العدو الطبقي" تحت هذه المسميات". ان تعدد الثقفات كسياسة وكقانون تشكل اقصى ما وصلت اليها البرجوازية الديمقراطية " كارقى أشكالها وفي الغرب الرأسمالي" من الرجعية وبعدها عن أصالة الانسان وطبيعة الانسان.
هذه الخيمة اي "تعدد الثقافات" لكافة الاتجاهات البرجوازية تخدم صيانة الرأسمال والملكية الخاصة ليس فقط في الغرب بل ايضا في البلدان " الجاليات" ايضا. بمعنى اخرى ان تقوية البنية الثقافية بهذا المعنى الواسع تعني تقوية الطبقة السائدة في هذه البلدان وحركاتها من جانب ومن جانب آخر تقوية الافكار والسياسات القومية والدينية في بلدانهم، اي البلدان الغربية... اي تقوية اكثر العادات والتقاليد الرجعية داخل هذه "الجاليات" وتمويل هيئاتهم ومنظماتهم مالياً لهذا الغرض ولفرض الشق بين صفوف الطبقة العاملة وإبعادها عن خاصيتها الأممية وخصوصا ان العمالة وهجرتها مسألة ضرورية للرأسمال. هذه السياسة تشكل محوراً مهماً في هذه البلدان لكسر الاضرابات العمالية، وخفض الأجور او تقليل الحد الادنى للأجر للطبقة العاملة في هذه البلدان التي تفاخرت حتى سنوات قليلة ماضية "بدولة الرفاه". ان حقوق الانسان بالنسبة لهم تقاس الآن بحقوق القوميات والطوائف والأديان....وهذه تشكل ردة عن البنية الفكرية والثقافية للبرجوازية مقارنة ببداية القرن الماضي او حتى منتصف القرن الماضي. تلك الردة الرجعية التي سميت بـ "مابعد الحداثة" بوستمودرنيزم".
بما ان سياسة تعدد الثقافات فشلت فشلاً ذريعا حيث اعلنت ذلك المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في 16 أكتبر 2010 وقالت في اجتماع للأعضاء الشبان في "الحزب الديمقراطي المسيحي" إن تجربة ألمانيا لخلق مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما". (بغض النظر عن الجوانب العنصرية الخفية لهذا التصريح) واعلنت احزاب اخرى من اليسار واليمين البرجوازي " عندما تكون في روما افعل كما يفعل الرومان" When in Rome do as the Romans do . بغض النظر عن توجهات الاحزاب التي ترفعون هذه الشعار ولكن كلها تعبر عن فشل سياسة "تعدد الثقافات".
حسب وجهة نظرهم ان سياسة اندماج اللاجئين والمهاجرين في بلدانهم وفق سياسة "تعدد الثقافات " فشلت. ان اللاجئين والمهاجرين حسب وصفتهم يميلون الى قومياتهم أو طوائفهم وتقالديهم أكثر مما يميلون الى تقاليد البلدان الوافدون اليها. لكن من الناحية النظرية والسياسية تمثل فشلا كبير لأفكار وتصورات ونهج وسياسة ما بعد الحداثة الرجعية التي تؤمن بـ"بالنص" و"التاويلات" و " السفسطة" وبـ"إنعدام الحقيقة" مقارنة بالواقع الموضوعي والنضال الطبقي. النضال الطبقي بالنسبة لهم مفهوم تجاوزه الزمن، وهو حسب وجهة نظرهم ليس حقيقة...
أن هذا الفشل فرصة مضافة لشيوعية ماركس ولأحزابها ولكل الذين يبتغون الشيوعية ومجتمع خالٍ من الطبقات، ان يناضلوا في سبيل وضع الانسان العامل في مكانته الصحيحة، في سبيل تحويل الانسان الديني والقومي والشرقي والغربي إلى الانسان العامل الذي " لاو طن له" انسان بدون دين وبدون قومية، انسان لاشرقي ولاغربي، بدون شمال وبدون جنوب. هذا يتطلب صراعا طبقياً على اوجه عدة.

الجــــــــــــاليات
في هذا الاطار ان الجاليات المختلفة ونحن نتحدث عن الجالية العربية او بالتحديد عن الجالية العراقية... وجدت نفسها في إطار تلك السياسات و الرأي او التصور السائد فيها يبارك اتجاه او سياسة "تعدد الثقافات" نظراً لحصولها على فرصة تنظيم انفسها والبقاء ضمن دائرة التقاليد التي نقلتها معها الى البلد" المضيف". بهذا المعنى وتصورا منها تحافظ على كيانها في "الغربة"... هذه الأطر من التفكير بصورة عامة أطر ونهج وفكر وسياسة وتقليد قومي بالدرجة الاولى. هذا التفكير فرض على العامل "الوافد" وعلى العامل "المضيف" بإتساق تام وفق صياغة او مفهوم تعدد الثقافات وقبل ذلك ايضا وفق الأطر والنهج القومي والديني.
بامكاننا ان نكرر قول ماركس بصدد الدين في معرض بحثه حول الدين في " مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيغل" وهو يقول" ان أساس النقد اللاديني هو التالي: الانسان يخلق الدين، اما الدين فلا يخلق الانسان، وهذا يعني ان الدين هو الوعي الذاتي والاحساس الذاتي للإنسان الذي لما يكتسب نفسه، أو اوضاع نفسه من جديد. ولكن الانسان ليس كائناً مجرداً قابعاً في مكانٍ ما خارج العالم. الانسان-انما هو عالم الانسان، الدولة، المجتمع، وهذه الدولة، وهذا المجتمع، يلدان، الدين، العقيدة الخاطئة لانهما بالذات-عالم خاطئ. والدين هو نظرية هذا العالم العامة، خلاصة وافية موسوعية عنه، منطقه في شكل شعبي مبسط، الروحانية، حماسته، عقوبته المعنوية إستكماله الاحتفالي، اساسه العام لاجل التعزية والتبرير.....والدين يحول الجوهر الانساني الى واقع خيالي لأن الجوهر الانساني لايملك الواقع الفعلي. ومن هنا ينجم ان النضال ضد الدين هو نضال غير مباشر ضد ذلك العالم الذي الدين نعيمه الروحي." بامكاننا هنا ان نغير الدين بالقومية ايضاً او نضيف القومية الى هذا الاطروحة الرائعة. حينذاك نقول ان الانسان يخلق القومية وهو يخلقها يوميا، والانسان يخلق جاليته يومياً ويخلق لنفسه اوهاماً وروح هذه الاوهام من "الغربة" و" الأجنبي" " والكردي" والعربي" و"الايراني" والسويدي... هو عالمنا الواقعي اي الدولة الرأسمالية والطبقة البرجوازية وحركاتها السياسية واحزابها المختلفة القومية والديمقراطية والاصلاحية والاسلامية... ومؤسساتها الثقافية والاعلامية الطويلة والكبيرة، هو المجتمع المدني والمنظمات التي تطبل لهذه الأوهام...
لكن وفق هذه النوعية لتنظيم الانسان اي "الجاليات او جالية معينة" تتعارض والمقومات الاجتماعية، تتعارض مع حياة الانسان العامل ومعيشته وسبل تحسينها بإستمرار، انها مطبات هوائية ليس لها صلة بالارض والواقع الموضوعي التي يعاني منها الانسان العامل. انها مطبات ثقافية وبالمعنى الواسع تستهدف شق صف الانسان العامل على اساس الهويات الكاذبة من جانب ومن جانب آخر هي سبيل لخفض مستوى الطموحات السياسية والاقتصادية والحياتية بصورة عامة للانسان العامل "الوافد اوالمهاجر والمضيف".
أن سياسة " الجاليات" تعني إبقاء العامل العراقي او السوداني او المصري او الجزائري او المغربي او الخليجي... الذين هاجروا الى هذه البلدان على تقالديهم القومية والدينية وإعادة انتاجها وفق مصالح الاقتصاد العالمي. أي ان التأثير الأول التي يتلقاه العامل ضمن هذه السياسية هو خلق إحساس لديه بانه يعيش في "الغربة" يعيش في مجتمع "إنساني" آخر لا صلة تربط بينه وبين مجتمعه الجديد نظراً لأنه عربي او كردي او افغاني او ايراني.. نظرا لانه عراقي او سعودي او مصري او جزائري... وبما ان التقاليد التي يتحدثون عنها هي تقاليد حسب تقسيم التقاليد على الصعيد العالمي، هي طبقية لصالح الطبقة البرجوازية على الصعيد العالمي. يستفيد منها البرجوازي الأوروبي او البرجوازي في العراق او مصر او السعودي او الجزائري. يستفيدون منها من الناحية السياسية لإعادة انتاج هوياتهم الكاذبة العربية او الايرانية او الكردية وبالنسبة للجانب المقابل هوية " اوروبا-المركز" سواء كانت المانية او فرنسية او سويدية او بريطانية... وفي الميدان الاقتصادي هي ادامة وإعادة انتاج " العامل الرخيص في البلدان التي تحت سلطة البلدان الكبرى، وكذلك توفر منافسة شديدة بين العامل ابن البلد المعني والعامل الوافد او المهاجر على الأقل في البداية على صعيد توقعات الحياة والمعيشة بصورة عامة... أن هجرة الشركات الكبرى الى الصين وماليزيا وبنغلاديش وبلدان اوروبا الشرقية سعياً منهم لتراكم الربح الاضافي من قوة العمل الرخيصة في تلك البلدان، هي اساسا تحقق عبر هذه السياسة وتقسيم العمل العالمي هذا...
ان تقاليد " كلچر او الثقافة بمعناها الواسع" هي إنعكاس للتقسيم العالمي بين البلدان الرأسمالية الكبرى والبلدان التي تحت سلطتهم ضمن اطار لتقسيم العمل الاقتصادي العالمي. بمعنى آخر ان البلدان الخاضعة، هي تلك البلدان التي عليها ان توفر "العمل الرخيص والعامل الخامد" اي عمال قليلي الأجر مقارنة بالبلدان الغربية، وانعدام الحقوق الاقتصادية والسياسية مثل انعدام حق التنظيم والاضراب والحقوق السياسية والاجتماعية طبعاً، للابقاء على هذه المبدأ وإعادة انتاجه بصورة مستمرة... هذه الوظيفة وهذا التقسيم للعمل الاقتصادي البرجوازي على الصعيد العالمي يتسوجب بالضرورة في تلك البلدان بنية فوقية تنعدم فيها هذه الحقوق، البنية الفوقية التي تشمل القوانين والدستور تستوجب بالضرورة هنا الرجعية الى اقصى حدودها والقمع والاستبداد بأشد انواعه، قمع حرية التعبير، قمع حرية النقد، العنف ضد المرأة بأسوأ اشكالها، العقوبات القاسية بدءاً من السجون بدون محاكمات الى الاعدام.
هذا يتطلب ايديولوجيات رجعية وبالية جدا من القومية المقيتة الى الاسلامية او الشيوعية البرجوازية مثل الطراز الصيني" وهي اساسا قومية" او الديمقراطيات من النوع الجديد مثل ما لدينا في العراق اي ديمقراطية الاثنية والدينية والطائفية...
إذن "الجالية" او "الجاليات" ليس غريبة عن مفاهيمنا وعناصر ومقومات نضالنا فحسب، بل انها أحدى المكونات والمفاهيم الطبقية البرجوازية ضد الانسان العامل وتطلعاته ووحدته واتحاده كانسان ليس له وطن. وهذا الشعار او هذا المبدأ " لا وطن للعمال " تحقق اليوم بصورة عملية وموضوعية على صعيد السوق العالمي وسعي العامل المتواصل للحصول على العمل في مكان او بلد ما في العالم دون ان تردعه الحدود المصطنعة. حيث هجرة العمالة والشركات بصورة واسعة وكبيرة وتشمل كافة أرجاء العالم. يبقى العامل الذاتي للطبقة العاملة حتى يتسنى لها الظفر بالسلطة السياسية، لكي تحقق تطلعاتها في بناء مجتمع خالٍ من الطبقات و عالم بلا حدود....
ان هذه الجاليات لا تنظم تحت خيمة "الجالية" حتى وفق اطروحات البرجوازية ولو ان المفهوم برجوازي أساسا كما بحثنا اعلاه. لأنها لا تملك مقومات اجتماعية واقعية، انها مقومات ثقافية كاذبة، مقومات قومية ودينية وشرقية وغربية... لا تسند الى اي اسسس اقتصادية بالنسبة لافراد معينين يشكلون مجموعة هذه الجالية او تلك........ عليه حتى سياسة " تعدد الثقافات" التي يمولها بنك وصندوق النقد الدوليان والحكومات الأروبية وشركات القمار... التي مولت هذه الجاليات من خلال تنظيماتها بامكانيات مالية هائلة تحت اسم منظمات غير حكومية ومنظمات المجتمع المدني وهي فعلا منظمات مجتمع المدني...، لم تتمكن من تنظيم هذه الجاليات مطلقاً. ربما تتمكن المنظمات الاسلامية ضمن منظمات المجتمع المدني في اوروبا تنظيم عشرات الشبان للارهاب فقط.... لكن كجالية عراقية او افغانية او صومالية او كردية لم ولن تنظم وفق هذه السياسة... لكن تبقيها على تقاليدها الرجعية لصالح البرجوزاية، وهي روحها. ان هذه التقاليد هي خمرة خبيثة تتطفل البرجوازية باشكالها المختلفة عليها.
ان شيوعية ماركس، شيوعيتنا العمالية يتطلب منا تنظيم العمال وتوضيح رؤية الطبقة ورفع وعيهم الطبقي اينما كنا. ان النضال الطبقي للعمال هو هويتنا ووظيفتنا. عليه ان رفع خيمة " الجالية" عن العامل ورفع خيمة "الغربة" و خيمة "اللاجئ" او "المهاجر" هو جزء من علمنا السياسي والحزبي، وهذا يتطلب ادخال ماركس في كل المواضيع والأحداث والاوضاع الاجتماعية والسياسية في هذه المجتمعات.