في ثقافة اليسار : الابداع والحرية الفردية


سلام صادق
2004 / 9 / 15 - 09:41     

للسياسة الثقافية اهمية كبيرة في حياة المجتمعات ، كونها احدى اهم وسائل تشكيل وبلورة رؤيا واضحة عن المستقبل ، هذا المستقبل الذي ينظر اليه بعضنا اليوم نظرة قاتمة ، انطلاقا من حقائق موضوعية عديدة سياسية وثقافية واجتماعية متعلقة بما يجري داخل الوطن العراقي ، واخرى ذاتية تتعلق بالمنفى وملابساته القامعة في مصادرة اللغة واستنزاف نسغ البعد التاريخي الذي يغذي معارفنا واشتداد وطأة العزلة علينا ، وتكويننا مجموعات مغلقة وخاضعة لرقابة سياسية ، لاتثق باعضائها وتعادي كل من يوصم بالاختلاف حسب ث. ادورنو 0
لااتذكر بالضبط متى واين قرأت عن استفتاء بالرسم اجري لاطفال مدرسة ابتدائية عراقية ، لمعرفة وتحديد نظرتهم وكيفية استشرافهم المستقبل ، وكذلك طموحاتهم واحلامهم فجاءت النتيجة قاتمة تماما ، طغى عليها اللون الاسود ، نخيل محترق واسيجة عالية وبيوتات موحشة ومظلمة تحلق فوقها طائرات ، واسلاك شائكة تقبع خلفها اعداد جمة من البشر المحاصرين ، فصدقت قول رينييه شار بان الاطفال يحسون الحرية ويشعرون بها قبل الكبار0 هنا ، اود البدء بطرح سؤال قد تنطوي فيه تساؤلات كثيرة،والسؤال هو اية رؤى مستقبلية واية طموحات يتوسمها الانسان العراقي المستلب في ثقافة الحركات السياسية العاملة على الساحة العراقية ؟ فيما اذا تعمدنا وضع ثقافة السلطة وامتداداتها وتاثيراتها الجانبية وارثها الاسود جانبا ، حيث اشبع هذا الموضوع بحثا ونقاشا في مناسبات سابقة0
ولزيادة تأصيل الحالة نصوغ السؤال السابق بشكل اكثر دقة فنقول : اية صورة محددة وواضحة المعالم تقدمها هذه الحركات على كثرتها ، علمانية ام دينية للشعب العراقي في مشروعها الثقافي المستقبلي البديل لثقافة السلطة الفاشية البائدة والتي مازالت معشعشة في بعض مفاصل حياتنا كما في بعض العقول ايضاً ؟
ففي برامج معظم الاحزاب والحركات السياسية العراقية بعددها الهائل وانشطارها الأميبي وعلى اختلاف مشاربها واهدافها لايجد المرء اشارة تجلب الانتباه في برنامج متكامل وواضح الى هدف ثقافي بعيد المدى وان وجد عند بعضها فغالبا مايبقى موضع حوار غير تام او نقاش غير موضوعي من اجل الطعن والطعن المتبادل وكيل الاتهامات لاغير ، بتغليب النزعة الفئوية ووضعها في مرتبة فوق الهم الوطني المشترك وطموحات الثقافة الوطنية 0
ولهذا ينصب معظم اهتمام الحركات الساسية العراقية اليوم على مسلمات سياسية مجردة - وبمنأى عن عمقها الثقافي الذي يشكل وجدان الانسان العراقي - تتعلق بنوع الحكومة المزمعة وتكويناتها او التشكيلات الديمقراطية وابعادها ووسائل تبادل السلطات والحكم المدني وغيرها من المصطلحات الجاهزة والمتداولة ، وبمعزل عن مختبرها ومحورها ، الذي هو الانسان العراقي العادي والمسحوق ، بكل تلاوينه 0 ان وجهة النظر المستقبلية للاحزاب والحركات بشتى فصائلها يجب ان تنطلق من الانسان العراقي باتجاه انصافه وليس من برامج وخطط لا تعتمده كاداة ولا تستطيع بحال من الاحوال ان تعطي تعبيرا شاملا يجسد طموحاته كحجر البناء في مجتمع الغد الديمقراطي المنشود 0 وهذا مايجب اعتماده بالمحصلة كوسيلة لبلوغ اهداف اخرى تلقائية تتعلق بانضاج وعي الجماهير واخذ ردود فعلها بالحسبان تجاه التغييرات التي تحصل اليوم وستحصل مستقبلا ، وان يكن هذا هدفا حتميا بذاته 0 لان اشكال الحوار المختلفة وما تتمخض عنها من بناءات فكرية ثقافية ، يجب ان تنطلق من الانسان العراقي وتتمحور حوله كهدف وحيد في نهاية المطاف ، في زمن نقاد فيه ونتاثر ومنذ اللحظة الاولى بقوى وفاعليات مختلفة تريد جميعها وبلا استثناء ان توحي لنا بانها لاتنطق عن الهوى وان لكل منها وحيه الخاص 0
ان دفة مصلحتنا لا تدار بالانكفاء الى جزء ما او قاطع ما او شريحة من ذاتنا الجمعية ، حيث يتشبّح الكل ومن ثم يضيع لامحالة في مجتمع كمجتمعنا يحكم فيه على السواد الاعظم من الجماهير بالاقصاء عن المراكز الفاعلة ، نظرا لان اسس المفاضلة تكون طبقا لملكيتها مالية كانت ام سلطوية ارثية ، دينية ام عشائرية ام شخصية مبنية على التزلف والتملق والمحاباة 0 ولذا نراها تتكيف دوما مع متطلبات سطحية مجهولة وغيبية في احسن الاحوال وغير مضمونة النتائج ، بدلا من الانطلاق مما تعتقده واضحا وحقا وصحيحا 0
في كتابه ( الهروب من الحرية ) يصف ايريش فروم مطاردتنا السعادة لاقتناصها بالشكل التالي " ان مركز الثقل ينتقل من النشاط الخالق للطمأنينة الانية لصالح نشاط الانتاج( الثقافي والمادي معا) المخلوق وبهذا يضيع الانسان ويتهمش ،حيث يهبط التهميش بمستوى سعادته الحقيقية - معايشة التأثير الآني - فيعمد لمطاردة شبح يهزأ منه كلما حاول الانسان اصطياده ، وان هذه السعادة الوهمية هي مايطلق عليها اسم النجاح " 0
فاذا كان الفرد من خلال مثابرته على الانتاج يستطيع بان يحقق أناه الخاصة فانه وبهذه الطريقة يستطيع من تحقيق اواصر جديدة تربطه بعالمه او مجتمعه الذي ساهم في خلقه وصياغته وتكريس شروطه وبهذا يتضاعف لديه الاحساس بانه ليس مجرد اداة او ذات معزولة بمعنى ان الفرد ومحيطه الانساني يصبحان مفصلين في بناء كلي ، ويحتل الفرد بذلك مكانه المناسب في هذه الكلية ، وبهذا يختفي التردد والشك في نفسه وفي معنى حياته ذاتها وفي نظرته الى محيطه العام 0
لأن هذا التردد في المشاركة - في انماط الانتاج المختلفة وحتى السياسية والثقافية منها- ينبع من العزلة الفردية ومن الكبت الذي يفرضه عليه نمط الحياة المحتكرة المحيطة به ويعمل على اقصائه عن مراكز التأثير وصنع القرار 0
وعندما يكون باستطاعته ان يعيش ويمارس حياته اختياريا يتلاشى هذا التردد ، ويصبح واعيا لذاته كفرد خالق ومبدع ومؤمن بان المعنى الوحيد للحياة يكمن في ان تعاش ليس بمعزل عن تأثيره فيها واسهامه في صيرورتها 0
يشير فروم الى الثقل الكبير الذي تحتله " الصفة الذاتية للانا " في مجرى تطورها على ان لاتتخندق في موقع معاكس لمبادىء المساواة ، ولهذا فان عبارة ان الناس ولدوا متساووين 000 تتضمن على وجه التحديد بان جميع الافراد انما يتقاسمون بنفس المقدار جميع الالتزامات والشروط الجوهرية لوجودهم وانسانيتهم وبان لهم جميعا ايضا وبنفس المقدار ذات المطالب البدهية في الحرية والعيش بسعادة 0
وهذا يتضمن وعلى المدى البعيد بأن شروط وجودهم الفردية الخاصة ستصطبغ بصبغة التضامن الجماعي وليس بشروط اقحامية كالتي تشيع في علاقة المسيطر بالخاضع او السيد بالعبد ، حيث يسود الانصياع ويتكرس كأحد المسلمات مع مرور الوقت وبذا تسهل عملية التنازل عن الحرية مقابل هذه السعادة التهميشية الزائفة والتي تعني في جوهرها ابعادا واقصاء عن حركة الحياة وتياراتها المتصارعة ، ويصح هذا ايضا في علاقة المجتمعات مع بعضها عبر اشكالها الادارية (الدول) خاصة في عصر القطب الواحد واحتكار التكنلوجيا والثورة المعلوماتية 0
لذا فان الانسان غاية لايمكن تجاهلها اطلاقا تحت ذريعة اختلاف الاوزان المعنوية للافراد في مجتمع ما 0
ان نمط الحرية الذي نعنيه يقف على النقيض تماما من الحرية التي يروج لها اساطين العولمة من مفكري البرجوازية المعاصرة 0 حين يتبجحون دوما بانهم هم وحدهم انما يدافعون عن الحرية وبأن الاشتراكية انما هي اللاحرية في جوهرها ، وهي المساواة السلبية في ظاهرها 0 وكبديل عن هذا يروجون لشكل من الحرية حسب المفهوم الراسمالي والذي هو في جوهره حرية استغلال الآخرين وحرية التطور والازدهار على حسابهم ، وحرية التجاوز على حقوقهم بوسائل مشرعنة ولا شيء آخر 0
كما تتضمن الحرية حسب هذا المفهوم ايضا وفي مداها البعيد بأن الناس بدلا من ان يكونوا افرادا مختلفين يصبحون مرتبطين وموجهين اكثر فأكثر بتأثير قوى السوق الفاعلة ومركزيتها الجاذبة 0 فتحت يافطة الاستلاب التجاري الشائع يجب ان نرتدي نفس الملابس الانيقة لكي يتم قبولنا من قبل "الجماعة" وكذلك يجب ان نمتلك اشياء بعينها ، يجب ان نقرأ كتبا بعينها وان نرى نفس الاشياء وتتماثل لدينا الطموحات وحتى الأحلام تقريبا 0
ان مبدأ الحرية البرجوازية يتضمن في جوهره مبدأ التنافس والتناحر نيابة عن التضامن والتعاضد بين المواطنين ، وكبديل عن توجيه نضالنا ضد من يجعلوننا مرتهنين وغير متحررين ، نوجه نضالنا ضد بعضنا وهذا ما يصادر آخر امل لنا في حريتنا ، ويجعلنا مستعبدين اكثر و اكثر 0
ان مصطلح الحرية حسب المفهوم الاشتراكي يتجسد في ان لنا الحق في ان نكون مختلفين ، وفي ان لنا الحق في تحقيق ذواتنا في نفس الوقت 0 وبأن لنا الحق في ان نعيش حياتنا بعلاقة تضامنية مع الاخرين 0 ففي المجتمع الاشتراكي يكون لجميع الناس الحق في ان يكونوا احرارا ومع هذا مختلفين كحق ينكره علينا المجتمع الرأسمالي بصفاته المادية وميزاته النخبوية المعروفة 0
ان الفكرة الأساسية للحرية بالنسبة للانسان العراقي اضحى لها محتويين متناقضين اولهما بأن الحرية نفسها يجب ان تتحرر من قيود السلطات التقليدية (الاقطاعية والدينية والقبلية) وتصبح " فردية" وثانيهما انها وفي نفس الوقت اصبحت معزولة واهنة وعاجزة وأداة لتحقيق غاية تقع خارجها ودخيلة عليها بالذات - وعلى الآخرين من الذين يحلمون بها - مع بزوغ عصر الدكتاتوريات المعاصرة المسلحة بالتقنية العالية التي عملت على تخريب الأنا الخاصة للأفراد واضعفتها وارعبتها بشكل استحالت معه الى عبودية القطيع التي القت بظلالها بأشكال جديدة ومسوغات مستحدثة كما لو كانت طقوسية مقدسة 0
ان الحرية الايجابية التي نقصدها هنا والتي نتوخاها ايضا تكمن في تحقيق الامكانات الكاملة للافراد واطلاقها من عقالها ، وتمهيد الطريق للقابلية الشخصية على العيش والتفاعل والابداع بشكل فاعل وعفوي ، غير ان حريتنا اليوم وصلت الى نقطة حرجة اصبحت فيها مدفوعة بواسطة نتائج منطقية وعواقب مفرزة من قبل ديناميكيتها الخاصة ، وهنا تكمن الخطورة في ان تنتقل الحرية الى الموقع المضاد ، لتكون على العكس من طبيعتها ومن اهدافها المتوخاة 0 لأن مستقبل الديمقراطية يعتمد بالدرجة الأولى على تحقيق الحرية الفردية ايضا (بالمواصفات التي تطرقنا اليها سابقا) والتي كانت على الدوام الهدف الأيدولوجي لشكل الافكار السياسية المعاصرة منذ عصر التنوير وحتى الأن 0
يقال خطأ بان ازمتنا الساسية والثقافية هذا اليوم ترد الى تفشي الفردية ، على العكس فقد تُرد الى ان ما اعتقدناه حرية فردية أصبح غلاف أجوف يحوي في داخله جميع تناقضاتنا المتصالبة دون تفاعلها مع بعضها للخروج بنتائج جديدة يحكم عليها لاحقا سلبا ام ايجابا يتم الانطلاق على ضوءها الى مراحل جديدة 0
ان الشيء الوحيد والممكن هو انتصار الحرية ، اذا كان المجتمع الديمقراطي ينمو ويتطور اعتمادا على الفرد كقوة ، شريطة ان يكون تطوره ورفاهيته هما هدف الثقافة وغايتها ، في مجتمع لاتكون فيه الحياة بحاجة الى مسلمات جاهزة ومعطاة تقود الى النجاح ، ويكون الفرد فيه (اي المجتمع الديمقراطي) غير مهمش أو أداة لسلطة أو قوة تأتي من خارجه متمثلة بالدولة وأجهزتها أو الجهاز الأقتصادي (السوق الذي له نفس القدرة على الاخضاع كأجهزة القمع الاخرى للدولة) 0 مجتمعا يكون فيه الضمير والوجدان والمبادىء نابعة من الداخل وليست اسقاطا لمطالب وشروط خارجية 0 وانما تكون في الواقع مطالبه الخاصة المحكومة بالوعي والنابعه منه وعن صفته الذاتية 0 ان هذه المطالب لم يتم تكريسها للآن ولا في اية حقبة تاريخية سابقة ، حيث امكن وبشكل متسع وممتد الابقاء على الايديولوجيا ، بينما القاعدة المادية للتطور المعاصر من اجل تطور فردي موازٍ تكاد تكون معدومة تماما 0
واذ دأبت الرأسمالية على الزعم بانها تمكنت من خلق هذه القاعدة المادية الموازية بحسمها لمشكلة الانتاج ، فان الضمانات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مايسمى (مجتمع الرفاهية) مازالت نفسها تشير الى عدم التكافؤ واختلال مبدأ المساواة على المستويين الذاتي والموضوعي 0
لأن المشقة لاتكمن في النضال الدؤوب من اجل الفوائد الاقتصادية فحسب وانما في مواجهة المشكل السياسي - الثقافي الذي يفرزه السوق وهذا يتطلب حشد وتنظيم كافة الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء من اجل ان يحس الافراد بأنهم وحدات ابداع وبناء في مجتمع مستقبلي منظم ، وبذلك يصبحون تلقائيا اسيادا لأنفسهم وتنتهي مرحلة العبودية المقنعة تحت واجهاتها المتعددة والتي يتفنن الرأسمال في خلقها وبثها وتزكيتها 0
لقد تناول اريش فروم هذه الموضوعة بشكل تنبؤي ، وكانت الحرب العالمية الثانية لما تزل تلقي بظلالها المرعبة على اوربا والعالم بأسره ، غير ان افكاره وطروحاته مازالت حية وآنية وملحة لهذه اللحظة وتهم بشكل خاص في بعض تفاصيلها الحركات السياسية العراقية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها ، عند التصدي للمشكل السياسي - الثقافي وماذا نعني به وكيفية التعامل معه 0 ان ما نعنيه على وجه التحديد هو حاجة الانسان الفردية الأساسية للتطور والنمو ومعنى هذا علائقيا وتجريبيا مع الظواهرالأخرى التي تشكل مرتكزات المجتمع في تطوره ونموه للتغلب على هذا الارث الأسود الذي ورثناه والذي مازالت اشباحه تتهددنا هنا وهناك 0
فالانسان العراقي يجب ان يتعرف على هويته اولا وما يستتبع ذلك من افراز اطر ثقافية يكون مساهما في خلقها وتكريسها وتكون في ذات الوقت اداته في التأثير المطلوب في مجتمعه داخل هذا الاطار الشامل 0 لأن الثقافة في جوهرها تكاد تكون الرابط الوحيد الذي يوحدنا على اختلاف انتماءاتنا الطبقية والاثنية والمذهبية 0
لكن ماهي المرتكزات الأساسية لهذه الثقافة وما هي خصائصها العامة؟

أولا: انها الثقافة التي تعرض وتؤرشف لنضالات الانسان العراقي ومحصلة تجاربه المريرة والتي قد تمتد على طول تاريخه المعاصر
فهناك كم هائل ذا قيمة ثقافية - فنية عالية اذا اتيحت فرصة صياغته وتكريسه - من اجل الحفاظ عليه وتطويره واستخدامه لصالح
مجتمع الغد الذي ننشده ، وما يتمم هذا الجهد ويرسخه في سحب البساط من تحت اقدام مخلفات ثقافة السلطة الدكتاتورية ، التي تم تفريخها في كافة مفاصل المجتمع خلال عقود من السنوات ومكافحة مرتكزاتها ومقوماتها واشاعة ثقافة الشعب بكافة قومياته بديلا عن ثقافة السلطة السابقة ام اللاحقة0
ثانيا: انها الثقافة التي تبنى على المساهمة في التطوير اللاحق للتضامن البعيد المدى وروح المشاركة ومغزى التعاون الجماعي 0
فالثقافة في جوهرها ليست خلق فردي وانما تشكيل وحصيلة جماعية طبقا لبيئتنا وموروثنا وتكويننا النفسي ، واعطاءها بعدها الأنساني بالانفتاح على ثقافات الشعوب الاخرى والتفاعل معها باعتماد مبدأ لا حوار بلا تبادل 0
ثالثا: انها الثقافة التي تعني بتطوير الأشكال الفنية المختلفة كلغة موحدة تخص الجميع من أجل الارتقاء بالخبرات المتراكمة ( لا ننسى العلمية منها ) ووضعها تحت الضوء ، وعرض المشاعر الوطنية الكثيفة لجعل العلاقة بين أبناء الشعب اكثر انفتاحا ودفئا ، وتغليب الهم الجماعي بدلا من المنافسة والنزعات الشخصية 0
رابعا: انها الثقافة التي تنظر للفنانين والأدباء نظرة جدية كمشاركين فاعلين في عملية التطور الاجتماعي وليسوا كنوابغ وعبقريات معزولة او كنتاج لمشاريع تأملية حالمة وانما كعاملين فاعلين في " البحث عن الحقيقة " وكخالقين للوعي من خلال الحوار التام وكمبوصلين للامكانيات المتاحة من خلال قابلياتهم وقدراتهم على التشكيل والترميز والتصوير والعرض والكتابة 0
خامسا: انها ثقافة التغيرات السياسية - الثقافية والاجتماعية- الثقافية في الحياة العامة والتي هي الدافع لخلق الوظائف ذات المعنى للعمل الثقافي ذاته وكذلك الحافز والمطور لجميع العاملين في حقول الثقافة المختلفة وانعكاسات ذلك على المجتمع والارتقاء بوعيه 0
وبدون هذا يصبح العمل الثقافي عملا لتزجية الوقت وقتل الضجر والاحساس بالفراغ وتصبح الثقافة قفزة في الهواء من دون ركائز 0 ان السياسة الثقافية تبغي اول ما تبغي الوصول الى تحقيق الهدف الأهم وهو الانسان الحر لأن هذا بحد ذاته يضمن ان تصبح الثقافة فاعلة ومؤثرة في عمل تبادلي بين صاحب القرار السياسي وامكانيات الانسان المسلح بالوعي وقدرته على توجيه هذا القرار السياسي بالنقد ، ومن خلال هذا المنظار يكون للمثقف دور كبير في تحقيق وتكريس واغناء الهدف السياسي - الاجتماعي البعيد المدى ، وهو الأنسان العراقي في فرديته المقدسة واحساسه الجماعي الشديد الذي يربطه الى قضايا وطنه وابناء وطنه بالمحصلة 0