اكتوبر الثورة التي لم تحقق اهدافها


فالح الحمراني
2010 / 11 / 7 - 16:01     

اكتوبر الثورة التي لم تحقق اهدافها
فالح الحمراني /موسكو
اكتفت روسيا بالاحتفال اليوم بثورة اكتوبر الاشتراكية في مسيرات غير رسمية في موسكو والمدن الاخرى شارك بها الحزب الشيوعي الروسي ومنظماته. وكان حزب روسيا الموحدة الذي يشكل الغطاء السياسي للقيادة الروسية قد قام منذ عدة سنوات بالغاء الاحتفال رسميا بثورة اكثوبر وشطبها من لائحة الاعياد الوطنية لطمس معالم وميراث النظام السوفياتي ومحوه من الذاكرة الجمعية ، وجاء القرار حينذاك في لجة الصراع على السلطة والسعي لسحب كافة الاوراق من الحزب الشيوعي وتهميشه ودفعه نحو الضمور ومنعه من الافادة من حنين شرائح اجتماعية واسعة للنظام السوفياتي وتوظيفها لتحقيق اهداف سياسية على الاخص انتخابية.

لقد تخلى الروس صانعوا ثورة اكتوبر عن ثورتهم، بيد ان هناك من يذكرها من بينهم اليسار الروسي خاصة الحزب الشيوعي ، ولكنه راح يشحن شعاراتها بمضامين غريبة عن الثورة الام باخرى ذات نبرة قومية متشددة وشعارات سياسية يومية راهنة لاغراض انتخابية ، تخلى الروس عن اول ثورة جسدت على ارض الواقع النظام الاشتراكي تمهيدا للولوج في النظام الشيوعي الذي حدد تاريخة الزعيم السوفياتي الاسبق نيكتا خروشوف في ثمانينيات القرن العشرين، اي في ذلك العقد الذي اسس لانهيار النظام السوفياتي باكمله.

لقد كانت ثورة اكتوبر احد الاحداث السياسية الكبرى في تاريخ البشرية وتركت انعكاساتها على مجمل تاريخ القرن العشرين، وهي الثورة الثالثة بناريخ روسيا التي اسفرت عن اطاحة الحكومة المؤقتة وتسلم السلطة حكومة قام بتشكيلها مؤتمر السوفيات الثاني لعموم روسيا التي كان البلافشة من الحزب الاشتراكي الاشتراكي الديمقراطي البلشفي يشلكون الاغلبية فيه، ونهضت لمقاومتها الدول الامبريالية/الاستعمارية وقوى داخلية متنوعة.

وكانت الحكومة المؤقتة قد انهارت امام الانتفاضة المسلحة في 25 ـ 26 اكتوبر( 7-8 نوفمبر /تشرين ثاني في التقويم الروسي الحديث) وكان على رأسها فلاديمير لينين وليف تروتسكي وياكوف سفيردلوف وغيرهم. وقامت بتنفيذ الانتفاضة لجنة مجلس بطرسبورغ العسكرية ـ الثورية.

هناك طيف واسع من التقديرات لثورة اكتوبر وهناك بين التقديرات طيف كبير من التقديرات الوسطية.وترتبط بهذا الاحداث الكثير من الاختلاقات التي تقترب بعضها من الحكايات الخرافية. . ويرى البعض انها حدث تقدمي كبير في تاريخ البشرية تركت انعكاساتها على العالم باسره وساعدت روسيا على التخلص من بقايا النظام الاقطاعي وانقاذ البلاد من الانزلاق في هاوية محتمة والانتقال بها الى جانب الدول المتطورة اقامة نظام اجتماعي واقتصادي عادل. ويرى البعض الاخر انها كانت كارثة وطنية ادت الى اشعال الحرب الاهلية واقامة نظام شمولي في روسيا او انها افضت الى انهيار الامبراطورية الروسية


لقد وضعت ثورة اكثوبر امامها اهدافا نبيلة تطلعت وتتطلع البشرية لتحقيقها، تمحورت على اقامة النظام الاشتراكي ونشر العدل والمساواة والحريات باساليب علمية، تتحق من خلال قيادة الطبقة العاملة المتحلفة مع الفلاحين.

لقد عاشت ثورة اكثورة التي تجسدت بالنظام السوفياتي اكثر من سبعين عاما، وحققت جملة من الانجازات على صعيد الاهداف التي رسمتها، لكنها جاءت ناقصة ومشوهة ولم تتحق كما كان يخطط لها.لكنها كانت تجربة مريرة مليئة بالمتناقضات مثل اية حركة وانعطاف تاريخي كبير فانها حولت روسيا الى دولة صناعية من دون ان ترفع من مستويات المعيشة.ووضعت السلطة اسميا بيد الطبقة العاملة، لكنها مارست وسائل غير انسانية في التعامل مع الشعب. لقد تحولت شعارات ثورة اكتوبر في مراحل كبيرة الى شعارات شكلية من اجل ان يحافظ الساسة على مواقعهم بالسلطة او تحقيق اهداف جيو سياسية والعثور على مواقع واسواق وحلفاء بالنسبة لروسيا ودمومتها كامبراطورية ولكن باشكال جديدة.

ومع كل هذا فقد ظل النظام السوفياتي الخلفية التي الهمت الشعوب المضطهدة والمظلومة التي رزخت تحت نير الاستعمار الغربي ، ملهما لكفاحها وتطلعاتها نحو مستقبل مشرق. ولكن اليوم هناك من يشك من ان النظام السوفياتي كان يدعم تلك الشعوب ليس في سبيل قضية بناء عالم العدالة والحرية والمساواة، وانه كما يرون اراد تحقيق ومصالح الدولة الروسية.

الثورة تحولت الى نظام حكم دولة، وانقطعت القيادة عن الجماهير واحلت اجهزة الاستخبارات وشبكة المخبرين محل الحزب. الحزب تحول الى اداة لحفاظ القيادة السياسية على وجودها بالحكم، تم تغييب الطبقة العاملة لتقود الدولة شرائح المدراء والبيروقراطية، التي واصلت الحكم باسمها. ونخرت الصراعات والقتال على مراكز السلطة التي جسدت شكليا قيادة الطبقة العاملة، وغابت الادوات الديمقراطية في انتخاب القيادات وحل محلها التعين والمكائد والمؤامرات.وجرى احتكار الحقيقة واهملت اهم جوانب في الفكر الماركس : الدياكلتيك، واهملت كافة الاجتهادات الاخرى.وانقطعت القيادة عن التعامل مباشرة مع الجماهيرة، فنشات الغربة بين الطرفين.وتحولت الاجواء كما قال فيما بعد الكاتب الروسي المرموق فانتين راسبوتين: اجواء رمادية.

وهكذا لم تحقق اول تجربة اشتراكية اهدافها النبيلة، فقد جعلت تلك الاسباب وغيرها منها نظاما هشا لم يوفر قاعدة اقتصادية قوية قابلة للحياة

من دون شك ان انهيار النظام السوفياتي الذي كان مضمونه ثورة اكتوبر حدث تاريخي غير طبيعي او اصطناعي ليس بالضرورة نتيجة مؤامرة، وانما على الاغلب ضعف وتخاذل قيادته وعدم اهليتها لادارة دولة عظمى وخوض التنافس مع الاقطاب الاخرى، وكان ثمة احتياط كبير لتطوير النظام السوفياتي والجوانب الايجابية فيه والبحث عن بدائل اكثر حيوية للتطوير الاقتصادي والاجتماعي وتكوين اجهزة السلطة والتخلي عن الفكرة الحزب لواحد الى التعددية وفتح باب التنافس البناء والمبدع...

ان ثورة اكتوبر ستصب حتما في الخبرة البشرية المتواصلة لتحقيق الهدف الانساني المنشود لاقامة عالم العدالة والحرية والمساواة، وربما ستتعض الاجيال المقبلة بالاخطاء التي ارتكبتها قياداتها من اجل عدم تكرارها والاتعاض بها، والامل معقود على ان تكون ثورات المستقل غير دموية وانما تحولات حضارية سلمية.