لا زالت الطبقة العاملة قاطرة التاريخ


جورج حزبون
2010 / 10 / 29 - 17:43     

تعيش البشرية لحظات غير مسبوقة، ولعلها مرحلة فائقة، فبعد نفكك دول المنظومة الاشتراكية، وانتهاء الحرب الباردة جرت محاولات أمريكية لعولمة العالم، ولم تتمكن رغم كل محاولات استعراض القوى سواء العسكرية أو سواها، فقد فهم العالم قيمة القوة الاقتصادية، وتشكلت قوى هامة خارج سياق المعادلات التي سادت القرن العشرين، منطقة اليورو ومغادرا منطقة الدولار التي واجهت أكبر تحدي اقتصادي، عززته عملية صعود الصين ومجموعة ما أطلق عليه بالدول الصاعدة، وجاءت الأزمة الاقتصادية، حيث جعلت أمريكا تعيد النظر في مجمل سياساتها، وجاء أوباما بشعار "التغيير"، مفسحا فضاء جديدا للإعادة صياغة سياسة واقتصاد أمريكا ولكن يبدو أن ( العطار لا يفيد أمام ما فعله الزمن) .
فإلى جانب حدة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، بدأ العالم يدخل أجواء أزمة الثلاثينات من القرن الماضي، لتبرز النزعات القومية والمحلية، ومحاولة البعض حل أزمته من خلال الدفع باتجاه الحروب الإقليمية والأثينية، حيث كانت الحروب شكلا مهما في مواجه الأزمات الاقتصادية، من خفض البطالة إلى تشغيل الصناعات سواء الحربية أم التكميلية.
لم تصل الأمور لحد الأزمة العامة للرأسمالية، لكنها حالات تتراكم خلالها مفاعيل الأزمات وصولا إلى الأزمة العامة، وهذا ما جعل أوباما يقول عشية الأزمة التي لا زالت تتفاعل " إن الواجب يحتم صياغة نظام اقتصادي جديد، لا يستبعد تدخل الدولة" وكذلك فعل ساركوزي وربما أوضح بكثير عندما لاحظ أن النظام الاقتصادي الحر سبب لاستمرار الأزمات.
وحين تلاحظ أن أمريكا صاحبة أكبر مديونية عالمية، وإنها تطلق كميات هائلة من الدولارات دون رصيد، معتمدة على هيبة الولايات المتحدة، ومع عدم توفر( في المنظور) قوى بديلة لنظام ورقي أو اقتصادي مال، فإن هذا يدفع إلى تعميق أفق التكتلات الاقتصادية، والدفع باتجاه زيادة الأزمة لعنوان الاقتصاد الراهن الولايات الأمريكية.
من نظريات ماركس الأساسية في الاقتصاد ( تراكم رأس المال ) حيث شرح بالتفصيل طبيعة هذا التراكم بفعل التنافس في السوق وتدمير اقتصاديات وصناعات على حساب الأقوى والتحول إلى تشكيل ما سماه ( الكارتيلات) الضخمة والتي تصبح مالكة للعمل والسياسة بحيث ترتهن لها السياسة بقوة ضغطها الاقتصادية، ومؤثراتها الهائلة، وهذا فغن أصحاب القرار السياسي لم يعودوا مستقلين في القرار استنادا إلى قناعات أخلاقية أو مبادئ إنسانية، فقد ارتهن القرار للقوى الرأس مالية الاقتصادية، ومع الأزمة الاقتصادية الراهنة فإنه تعمق أكثر خاصة أمام الشركات العابرة للقارات والكارتيلات المعولمة.
إذا فالقرار طبقي بامتياز، رغم تغليفه بالشعارات والخطابات والمسوغات الأدبية والإلكترونية، لأنها هذه هي البنية الفوقية للفئات التي تستغل الطبقة العاملة ومن في دائرتها. وحين تطلق الأمم المتحدة نداءات لخفض الجوع في العالم، وحين تعود الكوليرا لهايتي.... فإنها تعبيرات عن تمركز رأس المال وتزايد أعداد المسحوقين.... وحين يتنامى العنف وتصبح أفغانستان وباكستان بؤر تعصب وعنف وتتعمق أزمات السودان وفلسطين والعراق والكثير من البلدان سياسيا واقتصاديا، فإن أصحاب رأس المال تفرغ أزمتها عندهم، فمع الأمراض تعمل على إنتاج صناعات دوائية تزيد أرباحهم كما صنعت عن تهويل أمر أنفلونزا الدجاج ثم الخنازير، وحين تتعمق الأزمات السياسية المحلية والدولية تزداد أرباح صناعة السلاح على طريقة ما هو حاصل مع السعودية والإمارات العربية، تزداد الأرباح ويزداد إفقار الدول بالمديونية والشعوب بالجوع والمرض والصراع...
لقد فهمت الماركسية طبيعة هذا النظام العالمي المبني على الاحتكار ورأس المال، ولكنها لم تستطع عرض نموذج واقعي بعد أن احتوى الاتحاد السوفيتي كوصي على المنهج، ودخل به حالة حرب باردة بمعيار سياسي صراعي، مما خلف بيروقراطية دمرت التجربة وأحالتها إلى وضع حذر تخشى منه الشعوب وكأنها الماركسية مسئولة عما جرى، إن الحاجة تتطلب تفعيل القوى الماركسية بالعودة إلى العمل بين الجماهير حيث يظهر في الفترة الأخيرة تحول الفكر الماركسي إلى حالة جدلية بين مفكرين بعيدا عن الخوض في النضال المباشر وهو الذي يغني التجربة ويعيد البرهان ويحفز العمال والكادحين فعلى أهمية الفكر إلا أنها تظل غير موضوعية حتى تخضع للتجربة بالواقع. تماما مطلوب ذلك عربيا دون حاجة إلى استمرار الخطابة والبحث في أسباب نهوض حركات أصولية وكأن الأمور دراسية فقط، بل هي مقتضى نضالي في ساحات العمل المباشر والصعب.