حوار في فضاء التقرير الفكري للحزب الشيوعي السوري


معتز حيسو
2010 / 10 / 27 - 12:49     

يشكّل التقرير الفكري مدخلاً نظرياً ومعرفياً لتحليل كافة التحولات الاجتماعية. وبمعنى أدق إنه يشكّل البنية النظرية التي بموجبها يتم تحديد الممارسة السياسية والنظرية، لذلك من البداهة بمكان أن نعتبره الأساس الموضوعي المحدّد لشكل ومضمون التحليل الاقتصادي والاجتماعي.... نبدأ من حيث انتهى التقرير ونؤكد على ضرورة إنشاء مراكز بحثية ومعلوماتية، وإصدار مجلة فكرية تسهم في بلورة وإنضاج هوية اليسار في سياق تفعيل حوار وطني ديمقراطي يرسي مداميك تحالف يساري ماركسي ديمقراطي اشتراكي، أساسه النظري و حقله المعرفي المنهج الماركسي المادي الجدلي، وهدفه السياسي بناء مشروع وطني ديمقراطي في سياقه يتم مواجهة الفكر الظلامي السلفي الرجعي التكفيري النابذ للتعدد والتنوع...وتحولات رأس المال المالي العالمي وتجلياته المحلية،وتجاوز الخطاب المنغلق المتقوقع حول الذات وإدراك وتحديد أهمية وتأثير الانفتاح الزمكاني المعولم على الممارسة النظرية والسياسية...
لقد أثار التقرير قضايا تشكّل حدوداً معرفية أسست وما زالت لوعي سياسي عقائدي، وإن طرحها على بساط الحوار والنقد ما زال يعتبر أحد الإشكاليات المولّدة لتناقضات لصّراعات النظرية والسياسية. ومن هذه القضايا: اعتبار الديمقراطية مدخلاً لنموذج اشتراكي لا يقوم على نظام الحزب الواحد، ضرورة التجديد المستند إلى حوارات فكرية منفتحة، تعميق الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان، التأكيد على العلاقة الجدلية التكاملية بين الديمقراطية الاجتماعية والسياسية. تناول الماركسية بكونها منهجاً مادياً جدلياً ينطلق من فهم الواقع بحدوده الزمكانية، وليس بكونها عقيدة جامدة و نصوص مغلقة مطلقة الصحة، انطلاقاً من أن الماركسية تمثل فكراً كونياً يتذوت في سياق الممارسة الإبستمولوجية والسياسية.إن الأدوات المعرفية الماركسية تشكّل أساساً منهجياً لقراءة وتفسير وتحديد وضبط حركة الواقع وتغييره على قاعدة الترابط الجدلي بين المستويين التفسيري والتغييري. أي أن الماركسية تقوم على فلسفة التفسير والتغيير، وتهميش أياً من هذين المستويين يعني تشوياً للفكر الماركسي. إن الحفاظ على شباب الفكر الماركسي وتجدد أدواته النظرية والمعرفية يفترض ربطه جدلياً بالتطور العلمي والمعرفي والتقاني في سياق آليات التفكير والممارسة النظرية والسياسية، لتكون بوابة السياسية العلم والثقافة.أي يجب على الماركسي ضبط المفاهيم الماركسية وآليات الممارسة السياسية في سياق التطور العام/ الكوني.وكون الفكر الماركسي علماً فإن تطوره وتجدده ينبع من انفتاحه على التطور واستغراقه المنجزات العلمية وربطها جدلياً في حقل الممارسة السياسية والنظرية، وإن استمرار تجدد الفكر الماركسي يتجلى أيضاً في حقل الصراع الفكري مع التيارات الفكرية المناقضة له، و في سياق التحول والتطور الاجتماعي، من هذا المنظور يجب أن ندرك ما طرحه التقرير بخصوص فهم الطبقة العاملة وتركيبها البنيوي من منظور التطور التقاني، ونذكّر بأن التراكم المعرفي الإنساني يشكّل مكوناً أساسياً لبناء الحضارة الإنسانية.. لكن العولمة الاحتكارية تفرض على الدول(النامية) العزلة والتهميش والتخليف والتبعية للمؤسسات المالية العالمية في سياق تعميق حدة النهب، وتفرض عليها بذات اللحظة انفتاحاً اقتصادياً يتجلى بفتح الحدود وتحرير الأسواق والأسعار والتجارة من سلطة الدولة ودورها التنموي.
ومن المزايا الإيجابية في التقرير، اشتغاله على إبراز أهمية دور المثقف والثقافة في المستوى السياسي. ونعلم بأن الابتعاد عن الثقافة النقدية في الأوساط الحزبية ومناصبة العداء للمثقفين النقديين أدى إلى جمود الفكر وتعزيز الدوغما العقائدية وآليات التخوين. إن الحوار الفكري النقدي التغييري المنفتح على الآخر يشكّل رافعة لنّضال السياسي، في لحظة تستوجب منّا التأكيد على أهمية دور المثقف اليساري والثقافة العلمانية و ضرورة في صياغة وبلورة هوية فكرية يسارية لمواجهة التحولات والتغيرات المتسارعة محلياً وعالمياً.وعلى هذا الأساس نرى بأن ما يطرحه مشروع التقرير بخصوص اليسار ومهامه يعبّر عن إدراك عميق للأزمة الاجتماعية، وهذا يستدعي التأكيد على ضرورة التحالف الوطني القومي الديمقراطي وتضافر قوى اليسار لتحقيق المصالح الاجتماعية والقوى الشعبية وضبط وتحديد حركة واتجاه التطور الاقتصادي والاجتماعي في سياق إنجاز المشروع التنموي الديمقراطي.
أن تجاوز تناقضات المرحلة الراهنة وإيجاد حلول للأزمات الاجتماعية لا يتحدد كما ورد في التقرير بكون القضية الأم لنهوض اليسار هو طرح برنامج يساري عملي واقعي تقتنع به الجماهير، ويتضمن أهداف قابلة للتطبيق ( فصل الدين عن السياسي والدولة والتعليم، المساواة أمام القانون،تحقيق المواطنة،إحداث تغيير جذري في نمط الإنتاج،وبناء دولة عصرية)رغم ضرورة المستوى البرنامجي وأهمية القضايا المطروحة. لكن الأهم بحث وتحليل الأزمة في حقل النشاط الاجتماعي والسياسي،وتحديد أسباب وعوامل أزمة الوعي وتخلفه عن حركة الواقع(الممارسة السياسية داخل الجبهة الوطنية التقدمية وخارجها،المهمات التي يتم العمل عليها،مستوى وشكل العلاقة بين القوى السياسية داخل الجبهة والفئات الاجتماعي في القاع الاجتماعي،انعكاس شكل العمل السياسي الجبهوي على أشكال ومضامين العمل السياسي، المهام التي تم إنجازها... ).إن تجفيف منابع العمل السياسي،و ضبط واحتواء النشاط المدني والسياسي في كنف مؤسسات السلطة، وترهل القوى السياسية وعجزها عن تجديد ذاتها بسبب إقصاء وابتعاد الكوادر الشبابية عن المشاركة السياسية و المدنية ... يستدعي التأكيد بأن المخرج من إشكاليات قوى اليسار وأزمتها لا ينحصر في شكل ومحتوى البرامج السياسية رغم أهمية ذلك، بل في تحديد وتحليل الأزمة الاجتماعية بعمقها السياسي الذي أدى إلى تغييب الجماهير وتحديداً الشباب عن المشاركة في القضايا العامة،نتيجة لسيادة وتكريس ثقافة الخوف، والموافقة على ميثاق(الجبهة الوطنية التقدمية)الذي استبعد القوى السياسية عن النشاط السياسي بين أوساط الطلبة تحديداً...وإعادة هذا الدور لهذه القوى جاء بعد أن ترهلت وفقدت كوادرها القادرة على النشاط في أوساط الطلبة... لذلك فإن آليات وأشكال استعادة ثقة الإنسان بذاته وبضرورة دوره الاجتماعي في تجاوز الأزمات الراهنة يجب أن ينطلق من العمل على بحث كيفية تجاوز ثقافة الخوف التي تجهض أهم البرامج السياسية، وبحث الآليات والسبل التي من خلالها يمكن استعادة الشباب للاهتمام بقضايا الشأن العام، كونهم يمثلون الحامل المادي الأهم لأي مشروع سياسي. ونعلم بأن أهم البرامج السياسية وأكثرها راديكالية تساوي الصفر، وتنعدم أهميتها عندما تفتقد حاملها البشري الذي يحولها لقوة مادية، مما يستدعي التأكيد على أن انفتاح القوى الوطنية والتيارات الفكرية وحرية العمل السياسي والمدني تشكل الخطوة الأولى لتوسيع وتعميق المشاركة السياسية لكافة الفئات الاجتماعية المتضررة من التحولات السياسية والاقتصادية الراهنة.
ويجب التنويه بأن محاولات إقرار قانون أحوال شخصية سلفي يكرس عقلية القرون الوسطى والتخلف، يستوجب مواجهته بتعزيز تحرر المرأة وتعزيز مكانة العمل وإلغاء التمييز بين الجنسين ومنح المرأة حقوق الأمومة والسفر وحضانة أطفالها والجنسية لها ولأطفالها ونفي القهر والاستغلال و العمل على إنضاج مشروع قانون أحوال شخصية مدني ديمقراطي.
أخيراً: إن تخلي البرجوازية عن دورها الوطني وفشلها في إنجاز المشروع التنموي يضع قوى اليسار أمام مهامها التاريخية في قيادة المجتمع وتحقيق الاشتراكية في سياق الترابط الجدلي لمستويي الديمقراطية الاجتماعي والسياسي. ونشدد على أن الفكر العلماني والحوار الديمقراطي العلني المتحررة من استلاب الماضي الظلامي السلفي والجمود العقائدي،يمثل أحد أهم القوى الفاعلة في التغيير الاجتماعي وتحقيق التنمية، ويتقاطع هذا مع أهمية وضرورة الوضوح النظري في ظل ثورة المعلومات والاتصالات وهذا ما عالجه التقرير بشكل موسع إضافة لتأكيده على إن (غاية العمل الفكري والنشاط الثقافي جعل الثقافة رافعة لنضال الحزب/ الهوية الأيديولوجية والسياسية ضرورة لكل حركة نضالية تبحث عن أفق/الأيديولوجيا منظومة فكرية يجب أن تقوم على الجدل مع الواقع وقوانينه).
*****************************************************************************************