مميزات الحالة السياسة، ومهام الاشتراكيين الثوريين


المناضل-ة
2010 / 10 / 25 - 09:13     

1- توطد أواصر التبعية: يتواصل إحكام إخضاع المغرب للسياسة الامبريالية – بشكلها النيوليبرالي- عبر ما يمليه الاتحاد الأوربي وفق اتفاق التبادل الحر، وما يدعى "الوضع المتقدم"، مسنودا في ذلك بالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي . يجري تكييف شامل للاقتصاد المغربي مع متطلبات الاستثمار الامبريالي في المنطقة وفق الدور المنوط بالمغرب : بلد تصدير مواد أولية ومنتجات زراعية ومخزون يد عاملة رخيصة لأنشطة المقاولة من باطن، سواء في الصناعة او الخدمات المرحلة. البرجوازية المحلية تتأقلم، أقسامها المتضررة من السياسة النيوليبرالية، ومن مكانة الملكية في الاقتصاد، تسعى الى مخارج أخرى غير طريق معارضة سياسية.

2- على صعيد دولي يدخل استعمال المغرب لأغراض السياسة الامبريالية بالمنطقة طورا جديدا، بتعميق العلاقة مع حلف شمال الأطلسي، و تنشيط "التعاون العسكري" مع الولايات المتحدة الأمريكية ، خلف ستار "محاربة الإرهاب". ويسعى النظام بخدماته الى كسب مساندة الولايات المتحدة الأمريكية له في مسألة الصحراء.

3- إقليميا: تظل قضية الصحراء قنبلة موقوتة، يتلاعب بها النظامان المغربي والجزائري. بعد زهاء 20 سنة من وقف إطلاق النار، بعد أن حسم النظام المغربي الحرب بنصب الجدران، بات الوضع لصالحه، لا سيما ان العمل السياسي لجبهة البوليساريو بالداخل لم يبلغ مستوى إقامة ميزان قوى جديد، علاوة على ما يسبب لها هذا الوضع من تمأزق يهدد وجودها .

4- اجتماعيا تؤدي سياسة الملكية المسنودة الى الامبريالية الى اتساع دائرة الفقر، والبطالة وتهشيش اوضاع الشغلية، والاجهاز على ما تبقى من مكاسب اجتماعية. و سعي متواصل الى خفض كلفة العمل بتجميد الاجور ودعم المقاولة و ضرب الحماية الاجتماعية و قانون الغاب في علاقات الشغل. وستفاقم مفاعيل الازمة العالمية للرأسمالية محليا هذا الوضع المحتقن.

5- سياسيا: اتاح موت الحسن الثاني للملكية التزود بنفس جديد، بالقاء جريرة القمع الاسود على شخصه، و بمعالجة عدد من كبريات القضايا بذكاء: قانون الأسرة، ماضي القمع، المسألة الأمازيغية. وقد ساعده ذلك على استقطاب طلائع النضال في تلك المضامير. الطبيعة الليبرالية لقيادات الحركة النسائية ساعد النظام الملوح بالفزاعة الاسلامية على احتوائها. ومن جهته سهل المعهد الملكي للامازيغية استقطاب غالبية اطر الحركة الأمازيغية. الحياة السياسية مضبوطة متمحورة حول إجماع الأحزاب ، ما عدا أقصى اليسار والعدل والإحسان، على قواعد اللعبة المفروضة من القصر، بعد تخلي المعارضة التاريخية عن أي مطلب يحد من سلطة الملك المطلقة. وينجح النظام في مزيد من ترويض الليبراليين بإعادة هيكلة حزبه بإشراف ساعد الملك الايمن علي الهمة.

6- الوضع الاجتماعي يزداد احتقانا، ويتفجر في مناطق مهملة، ميزتها الاساسية ضعف النشاط الاقتصادي الشديد، وتردي البنيات التحتية الاجتماعية. ويمثل حجم الاحتجاجات، ومطالبها، تحولا نوعيا قياسا بركود ميز العالم المهمش عقودا من الزمن.

7- تراجع حركات النضال: ازمة الحركة النقابية المستفحلة منذ استعمال الاتحاد الاشتراكي في حكومة الواجهة. تنامي مظاهر التبقرط والكبح المباشر للنضالات. القيادات البيروقراطية مسايرة على طول الخط لهجمات ارباب العمل والدولة . تراجع حركة المعطلين بفعل اغلاق الدولة باب التشغيل في الوظيفة العمومية . استمرار ازمة الحركة الطلابية المعمرة ثلاثة عقود كاملة رغم الصبوات المتواترة ببعض الجامعات. ازمة ذاتية في المقام الاول.

8- تجذر الشباب، وفئات شعبية عريضة ، لا سيما المنفصلة طبقيا، لا زال يجري في اتجاه الحركات الدينية الرجعية. ولا يزال الوضع الاقليمي، لا سيما بالشرق الاوسط (دور حزب الله وحركة حماس، و بروز ايران قوة ممانعة ازاء امريكا) يديم مناخا عاما مواتيا للتيارات الاسلامية. تمثل جماعة العدل والاحسان قطبها الرئيس ، وتنجح في الحفاظ على قوة تنظيمية استثنائية رغم انتظاريتها السياسية. وبوجه عام تتنامى مظاهر التدين في هوامش المدن الكبرى وفي المراكز الحضرية الصغرى. القوة التنظيمية لجماعة ياسين، و موقفها الجذري من النظام،يجعلانها القوة الاقدر على استثمار انفجار الوضع الاجتماعي.

ليس استمرار هيمنة الحركة السلفية أمر محتما وثابتا، فهو ناتج الى حد بعيد عن قصور اليسار ذاته. وقد دلت نضالات مناطق مهملة، وكذا صمود الحركة النقابية، ان فرص التطور واستعادة المبادرة مفتوحة لليسار على نحو أفضل بكثير من المتاح بأغلب بلدان المنطقة. الفرص قائمة موضوعيا، لكن تثميرها وقف على سياسة صائبة من جانب اليسار، سياسة تقطع مع أوهام الإصلاح والتلاعب بالاستعداد النضالي للكادحين من جهة، و جهة أخرى مع التكتيكات الخاطئة لدى القسم الأعظم من اليسار الجذري سواء في انمحائه السياسي الكلي بوجه بيروقراطيات النقابات لقاء كراسي الأجهزة، او ممارساته اللاديمقراطية في حركة النضال الشعبي [ تنسيقيات مكافحة الغلاء مثلا]، أو موقفه العقيم من استعمال الانتخابات.

9- المعارضة البرجوازية التاريخية (الاتحاد والاستقلال) مستوعبة بالكامل بعد ارتطامها بجدار الرفض الملكي لادنى تخل عن بعض من سلطاته. تلاشى ما كان يدعى "كتلة ديمقراطية"، و غلب التنافس على الفوز بفتات الإشراك في المؤسسات. انتهى التعاطف الشعبي النسبي [من نهاية سنوات 80 حتى منتصف سنوات 90] الى خيبة امل عميقة بعد اتضاح نتائج ما سمي "حكومة التناوب". خلف الاتحاد الاشتراكي فراغا بالساحة اليسارية لم تشغله اية قوة يسارية : تردد منظمة العمل سابقا و الحزب الاشتراكي الموحد لاحقا، وطبيعته الديمقراطية الناقصة اقعده عن القيام بذلك. فيما كان اليسار الجذري ضحية خطه السياسي غير الملائم [مسايرة البيروقراطية في النقابات العمالية، و رفض استعمال الانتخابات لأغراض تربية الكادحين سياسيا، و المراهنة على قوى ليبرالية عاجزة ("تجمع اليسار الديمقراطي").

10- . لا يعني الانهيار الانتخابي لليسار الليبرالي استحالة استعادته لموقعه في المؤسسات وبالساحة السياسية عموما، ويكفي التذكير بمسار حزب الاستقلال الذي دخل الحكومة من 1977 وغادرها فاقدا الكثير من رصيده السياسي لدى الجماهير الشعبية، لكنه تمكن بحملة سياسية بتعاون مع الاتحاد الاشتراكي من 1989 إلى 1995 من استعادة مكانته. ليس المرور بتجارب حكومية نهاية الإصلاحية، فقد تنبعث تعبيرا عن بداية نهوض شعبي، أي كدرجة أولى من الوعي لدى الكادحين، فالسعي إلى إصلاح الوضع سابق دوما للاقتناع بلزوم التغيير الشامل والعميق، ولا يجري الانتقال من الأول إلى الثاني إلا عبر سيرورة نضالية.

11- كان من أسوأ عواقب دمج الاتحاد الاشتراكي في حكومة الواجهة تفجر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، و ادى غياب يسار نقابي الى بقاء القيادة الاموية في حدود مسايرة الهجوم على الطبقة العاملة. هذا فيما تواصل بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل سياسة تفكيك القوة العمالية و كبح النضالات و اقتناص الامتيازات وفرص الاغتناء. وقد مني معظم نضالات الشغيلة في العقد الماضي بالهزيمة، وتمكن ارباب العمل والدولة من تنفيذ هجماتهم بنجاح، و حتى بإشراك القيادات النقابية. الحصيلة تراجع النضال النقابي و تفاقم نتائج انعدام دور سياسي مستقل للعمال.

12- تستمر حالة الاحتجاج الشعبي الناشئة بالمناطق المهملة منذ منتصف التسيعنات، وبلغت مستويات غير مسبوقة في سيدي إفني وطاطا وبوعرفة وصفرو. تلكن ، ظل المدن الكبرى بمنأى عن أشكال النضال المميزة للهوامش [مظاهرات شعبية عارمة ، وتصد للقمع في حالة ايفني]، و تظل مقاومة هجوم الدولة على سكان الاحياء الاكثر فقرا [احياء الصفيح والبناء العشوائي] مجرد رد فعل آني على اعمال الهدم. وبوجه الاجمال نجحت الدولة في اجتثات تدريجي لتجمعات "الكاريانات".أما تنسيقيات مناهضة الغلاء، التي انتشرت باغلب المدن، فقد كشفت بضآلة ما حققت و ثم بتوقفها المفارقة المتعاظمة بين الإمكان النضالي الموضوعي وعجز اليسار الجذري و الثوري عن بناء حركات اجتماعية مناضلة.

13- انعكس استياء الطبقات الشعبية في رفض المشاركة في الانتخابات. برز الامر في انتخابات البرلمان في 2007 و تأكد بقوة في انتخاب المجالس المحلية في 2009. لكن هذا الاستياء مؤطر بهزائم الحركة النقابية و جنينية النضالات بالهوامش، ما يجعله بلا افق. لكنه معطى مناسب لعمل سياسي بصدد مطلب الديمقراطية.

ثمة عاملان يتيحان استجلاء جوهر الموقف الشعبي الرافض للانتخابات

1- لم تتلق الجماهير الشعبية، الواقعة طلائعها تحت هيمنة القوى الليبرالية طيلة عقود، أي تربية سياسية تصقل ميولها الديمقراطية وتمكنها من النضال من اجل أهدافها الخاصة بها. لم تنشأ تقاليد نضال ضد الاستبداد السياسي ، ولم تتبلور أي مطالب سياسية شعبية. *

2- - جرت انتخابات 2007 و 2009 في سياق تراجع عام لحركة الجماهير النضالية، إذ توجد الحركة النقابية العمالية في درك غير مسبوق منذ عقود، درك بدأت التدحرج إليه منذ اتفاق النقابات السائرة في فلك المعارضة الليبرالية مع أرباب العمل ودولتهم في غشت 1996، تمهيدا لدخول تلك المعارضة الى حكومة الواجهة. كما تعاني باقي مكونات الحركة الجماهيرية أزمة مستحكمة تمثل حالة حركات الشباب المتعلم ( الطلاب والمعطلين) اشد أوجهها تفاقما. ولا يستثنى من هذه اللوحة القاتمة غير صبوات الكفاح الشعبي بالمناطق المهملة ، لكنها مجزأة وفي طور ابتدائي مطلبيا وتنظيميا.

هكذا فالعامل التاريخي (افتقار الجماهير إلى تربية سياسية)، وسياق الانتخابات غير النضالي، يدلان على أن الرفض الشعبي للانتخابات استياء لا غير. قد يكون هذا الاستياء مقدمة لتطور سياسي ايجابي، بما هو تعبير عن قابلية للتجاوب مع خط سياسي جذري، كما قد يفضي الى سلبية سيستفيد منها الحكم الذي دأب على إفقاد كل القوى السياسية الاعتبار ليبرز كقادر وحيد على قيادة البلد. باختصار لم تعد الجماهير الشعبية تترجى شيئا من " اللعبة الديمقراطية" لكنها لا تستشرف أي بديل. فماذا بعد الامتناع عن التصويت؟

إن ما كشفه انتخاب 2007 و 2009 من حالة ذهنية ساخطة لدى الجماهير لشعبية، يدل على تحسن شروط عمل سياسي يساري بديل، لا سيما أن الحركة الرجعية الدينية المستفيدة من لجوء قطاعات شعبية مفقرة واسعة إلى الدين، موزعة بين مولاة للنظام مقنعة بمعارضة زائفة بالمؤسسات ( حزب العدالة والتنمية)، و عمل دعاوي مستنكف عن أي تدخل سياسي أو في النضالات الاجتماعية (حركة الشيخ ياسين).

هذا الوضع يضع على كاهل مناضلي طبقتنا المهام التالية:
مواصلة جهود التنوير السياسي، لكسب طلائع النضال لمشروع بناء حزب العمال الاشتراكي، حزب التغيير الشامل والعميق، ومتابعة نقاش الأفكار والتكتيكات الخاطئة داخل اليسار الجذر، والتقدم في عمل البلورة البرنامجية.
عمل منهجي وكثيف لفضح كل أشكال الاستبداد والاضطهاد والاستغلال، وإبراز تأصلها في النظام السياسي وفي الرأسمالية التابعة، و التعريف بالمشروع الاشتراكي القائم على ديمقراطية المجالس العمالية والشعبية والتسيير الذاتي.
الانخراط العميق في النضالات العمالية اليومية، بممارسة التضامن، وتعزيز المنظمات النقابية بدماء جديدة، والدفاع عن منظور نضال طبقي داخلها، والاحتماء من الإجراءات الاستبدادية للبروقراطية الرامية الى وضع المناضلين الثوريين خارج النقابات. و توطيد أشكال العمل العمالي الموازي للنقابات، لما لها من دور بالغ الأهمية في التثقيف والتشهير بالاستغلال وحفز التضامن. - توطيد حركة النضال ضد غلاء المعيشة وتوسيعها، بالعمل عن كثب مع الكادحين بالأحياء الشعبية والقرى، باعتماد مرونة الاشكال وإتاحة أوسع ديمقراطية في الحركة، والإفادة من خبرات الكفاح بمختلف المناطق [ بوعرفة، صفرو، طاطا، ايفني...]
حفز أشكال تنظيم الشباب بمؤسسات التعليم ، ثانويات وجامعات، وخارجها. وجعل الأشكال القائمة، كجمعية اطاك المناهضة للعولمة وحركة المعطلين، منظمات نضال حقيقية مستبعدة لأي وصاية ومرتكزة على الديمقراطية والتسيير الذاتي للنضالات.
التوجه لإعادة بناء الحركة النسائية، بعد نجاح النظام في احتواء قسمها الأعظم، على أسس كفاحية وديمقراطية معادية للبطريركية وللرأسمالية. ويفرض الطور الحالي حفز لجان نسائية داخل منظمات النضال القائمة، وجمعيات نساء بالأحياء.
العمل الميداني الوحدوي بروح ديمقراطية مع مناضلي أحزاب اليسار الإصلاحي المشاركين فعلا في التعبئات العمالية والشعبية، دون الكف عن نقد الحليف، وفق مبدأ "الضرب معا والسير على حدة".