الثابت والمتغير في الفكر الماركسي:


خالد عبد القادر احمد
2010 / 10 / 16 - 20:20     

الثابت والمتغير في الفكر الماركسي:

خالد عبد القادر احمد
[email protected]


عالجت رؤية الماركسية للواقع مستويين فيه, الاول مجال القوانين التي تحكم حركة هذا الواقع, وهذا هوالاساس النظري المنهاجي الماركسي في التحليل, وهو الذي يشكل الثابت العلمي المطلق غير القابل للنقض في الفكر الماركسي, اما الاخر فهو المتحرك النسبي الاستنتاجي الاحتمالي القابل للنقض والتغيير, وهو عمليا الجانب الثقافي الحضاري في الفكر الماركسي.
ليست مقولة التطبيق الاشتراكي في الفكر الماركسي نص مقدس معزز الفدسية حتمي الحدوث بقدرة الهية غير قابلة للنقض, بل كانت توقعا ماركسيا مرهونا الى سمات وصفات واقع موضوعي مؤقت خاضع للتغير تبعا للتغير الذي تستحدثه ديمومة الحركة.
ان التطبيق الاشتراكي والانتقال الى الحياة الشيوعية في الرؤية الماركسية, هي مراحل انتقالية في مسار التطور الحضاري الانساني. ينطوي عليها مسار الانسانية نحو ( الصيغة العلمية ), ولم تات في سياق توقع انها فحسب ( الصيغة العلمية ) له, وفي هذه الصيغة يكون الشرط العلمي هو الاساس لا الشرط الطبقي كما في السابق عليها.
ان الفكر الماركسي الذي يقول بقابلية الولوج من المرحلة الاشتراكية الى المرحلة الشيوعية والى مرحلة الصيغة العلمية لا يرفض قبول فرضية الارتداد عنها الى مرحلة نمط الانتاج الراسمالي باعتبارها الصيغة الاكثر سيطرة ورسوخا على الصعيد العالمي. لكنه لا يقبل فرضية الارتداد الى مرحلة الاقطاع التي ولت تاريخيا وسياسيا. فاين التناقض وعدم الانسجام والتناغم في الرؤية الماركسية.
ان الوعي الثقافي بالماركسية يتميز عن الوعي الثقافي الراسمالي في كونه وعيا شاملا بالبنية الفكرية للماركسية, لا بمجتزأ ( النصوص الحكيمة ) من القول الانساني, انه ليس تعاويذ لمعالجة او التعبير عن كل حالة على حدة, ان منطق اين يقول ماركس بخصوص الموضوع كذا هو تساوق مع الطابع الراسمالي للثقافة ولا يتساوق مع امتلاك البنية الشاملة للفكر الماركسي. فالذي قال انني لست ماركسيا كان صادق في قوله لانه كان ماديا جدليا فعلا, فعبقرية ماركس لم تتجلى في انه حفظ هذه الصيغة او تلك من اقوال سابقيه بل تجلت في اصراره على ان يكون ماديا جدليا وفي نقده لهذه النصوص باخضاعها لمحكمة المنطق المادي الجدلي.
ومن المعيب ان سلفيوا الفكر الماركسي يقفون عند حد نص الجملة الفلسفية الماركسية و يقفون عند حد عدم محاكمة الواقع المحدد قياسا لقوانين المادية الجدلية ونهجها في القراءة بل بتطبيق النص بصورة ميكانيكية على الواقع فهم يعيدون رسم الواقع بحسب صورة النص, بل يرفضون الاقرار بحقيقة ان ( الافكار والمعالجات ) التي انجزها ماركس كانت لاطر موضوعية محددة من العالم الانساني موقعا وزمانا وشرطا. وان الواقع الانساني ينطوي على مواقع اخرى و شروط اخرى وازمان اخرى. على عاتق اناس اخرين ان يطبقوا عليها, قوانين الديالكتيك, ان اعتقال حرية البحث كان نتيجة حتمية للسلفية المتمركسة.
ان الحوار حول ارتداد مجتمع المعسكر الشرقي عن التطبيق الاشتراكي, يقع في خطأ انه بصورة رئيسية حوار بين طرف له موقفه المعادي المسبق من الفكر الماركسي, وطرف سلفي ماركسي يفسر السقوط من منظور المؤامرة, لكن كلاهما لا يقراء التجربة باعتبارها موضوعا للبحث العلمي يجب ان نلتزم القوانين العلمية في قراءة وتحليل الية مسار تحققها وسقوطها. ومن اجل استخلاص العبر التي تخدم مسار التطور الحضاري الانساني, وبهذا الصدد لن يجد كلاهما من فكر قادر على قراءة التجربة واستخلاص عبرها سوى النهج المادي الجدلي الذي كان ماركس معلمه القادر وتلميذه النجيب في تفس الوقت.
ان استقلالية البحث والتقصي العلمي تشترط عزل الخيار السياسي, المؤيد او الرافض للتطبيق الاشتراكي, لكنها لا تشترط رفض الفكر الماركسي نفسه فبين الفكر الماركسي نفسه ومحاولة التطبيق الاشتراكي مسافة تصون استقلالية الفكر العلمي عن التوظيف السياسي, تماما كما يستقل جهد علماء الفيزياء في اكتشاف قوانين والية حدوث الانفجار النووي وتوليده للطاقة عن توظيف الدولة له في صناعة قنابل الدمار الشامل الذرية والنووية. حيث نقول شكرا لعالم الفيزياء حين نولد الكهرباء بفعل الطاقة النووية او نلومه حين استخدمت الولايات المتحدة الطاقة الذرية للقضاء على الجنس البشري في اليابان.
ان الذي دعاني لكتابة هذه المادة هو هذا الارتباك الذي يسود الحوار حول عبر سقوط تجربة التطبيق الاشتراكي, وعلاقته بالفكر الماركسي وكان مقولة التطبيق الاشتراكي تستغرق كامل مقولة الفكر والفلسفة الماركسية, ومحاولة حصار هذا الفكر العلمي وقتله التي ياتلف عليها كل الفكر الرجعي الاستعماري. لذلك اضع هذه المادة مقياسا للمشاركين في الحوار حول هذا الموضوع حيث سيعرف القاريء والمشارك في الحوار الى اين شعرة معاوية في الحوار.