الحلم الاشتراكي


محمد بودواهي
2010 / 9 / 30 - 20:25     

في ظل تداعيات الأزمة المالية الحالية تصاعد الهجوم الإمبريالي وسقطت شعاراته الكاذبة حول الديموقراطية وحقوق الإنسان وما بشر به من حسنات ونعيم العولمة التي ادعى أنها ستخلص شعوب العالم من الفقر والجوع والبطالة .....؟؟؟؟ تصاعد الهجوم الإمبريالي من خلال آلته العسكرية الجبارة والفتاكة التي ما فتئت تضرب كل من تسول له نفسه الدفاع عن استقلال وطنه وكرامة شعبه وخيرات بلده ، ومن خلال مؤسساته الاقتصادية العابرة للقارات كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي حيث أحكمت سيطرتها على ثروات الشعوب المستضعفة وعملت على الاستغلال المكثف للطبقات العاملة عبر العالم وذلك تحت شعار ( تحرير التجارة العالمية ) ، فأنشأت بذلك ما يسمى بالمناطق الحرة للتجارة ، حيث فرضت التبعية كأسلوب استعماري جديد على جميع دول العالم الثالث وخاصة منها تلك الغنية بالمواد الأولية كالنفط أو تلك التي تقع في مواقع جغرافية لها استراتيجية هامة كمنطقة الشرق الأوسط .
ففي المرحلة الاحتكارية للرأسمالية وخاصة منها الفترة الأخيرة توسع الإنتاج الرأسمالي عبر سيرورات حددتها معطيات عدة كان من ضمنها ضمان أقصى حد من الريع المالي عبر إطلاق العنان للحروب وتوسيع دائرة الاقتصاد العسكري وتقويته والقيام بعمليات النهب والاستعباد الممنهجين للشعوب المختلفة وتكثيف استغلال الطبقات العاملة في دول المركز الرأسمالي ، مما أدى إلى احتدام التناقضات بين الدوائر الإمبريالية نفسها فاشتد الصراع السياسي والاقتصادي بينها وتنامت النزعات العنصرية والفاشية العدوانية ضد الشعوب الأخرى المستضعفة واحتلت بلدانها في إطار أشكال استعمارية جديدة ، كما تحكمت في أسواق العمل فحمت الرأسمال بفرض سياسات الخوصصة وقوانين أخرى أكثر رجعية ضربت من خلال كل المكتسبات التي حققتها الطبقات العاملة بكفاحاتها المريرة ضد الاستغلال الرأسمالي عبر تاريخها الطويل فنشرت البطالة وحددت الأجور والأسعار بشكل كارثي .
إن النهب الامبريالي تصاعد وتقوى بدعم وتأييد مطلقين من قبل البرجوازيات الكومبرادورية المحلية للدول التابعة بعدما تم تسويق مجموعة من الأوهام والأكاذيب حول ما سمي بالمنافسة الحرة والأعمال الصغرى الحرة الجالبة للرخاء والازدهار والتنمية وغيرها من الشعارات الكاذبة والمزيفة للخطاب النيوليبرالي المنمق الذي يزعم أن الدموقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة ستتوفر للجميع بعدما تم القضاء على الاشتراكية حسب زعمهم ليصبح العالم كله يتطور ويسير في اتجاه وحيد منتصر هو اتجاه الرأسمالية التي هي نهاية التاريخ . غير أن الواقع العنيد والسيرورة التاريخية التي لا تقبل الرجوع إلى الوراء تكفلا بتفنيد هذا الخطاب الدغمائي حيث برزت إلى الوجود أزمة مالية عاتية أطاحت بأعتى المؤسسات البنكية والمالية وأصابت الاقتصاد الرأسمالي في كل الدول الإمبريالية بالشلل التام .
فالمجتمع الرأسمالي استنفذ كل إمكاناته ولم يعد - في ظل هذه السيرورة التي لا مناص منها - يستطيع التكيف مع الأزمات ، إذ لم تعد السلفات تعيد نشاط دورة الاقتصاد كما لم تعد السرعة في الانتاج تضمن كثرة الارباح ولا الاسواق تتحمل ذلك الكم الكبير جدا من المنتوجات رغم إزالة الحواجز الجمركية بين الدول ، ورغم فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية على الشعوب المستضعفة بدعوى محاربة الإرهاب والدفاع عن الديموقراطية وحقوق الانسان . لقد استنفدت الرأسمالية كل إمكانات صيرورتها التاريخية لذلك فهي تعيش على وقع الأزمات المزمنة والمتتالية في انتظار أن يحصل الوعي لذى الطبقات التي لها مصلحة في التغيير ، هذه الطبقات التي راهنت على أحزاب اشتراكية ديموقراطية أو أحزاب شيوعية غيرت من قناعاتها النضالية واستراتيجيتها السياسية فتحولت من خيارالنهج الثوري الذي كان يستهدف التغيير الجذري للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية باستيلاء الطبقات العاملة وحلفائها التاريخيين على زمام السلطة إلى خيار الممارسة البيروقراطية والمغازلة السياسية للأنظمة الحاكمة ، كما راهنت على النقابات العمالية التي تراجعت بدورها عن خطها النضالي وتورطت إداراتها البيروقراطية والخائنة في المساومات السياسية لتمريرمخططات النيوليبرالية المتوحشة على حساب قضايا العمال والعمل على لجمهم ومنعهم من أي تحرك نضالي من شأنه الدفاع عن المصالح والمطالب المشروعة لهم ، مما قوض من المردودية الكفاحية سياسيا ونقابيا ومما أدى إلى فتح المجال واسعا أمام أبواق دعاة الحداثة الذين أبهرهم التقدم التكنولوجي والتطور التقني للمجتمعات الرأسمالية المتطورة فانزاحوا عن مبادئ العدالة والسلام والقيم الاخلاقية واحترام كرامة الإنسان ، ومما وفر الأجواء المناسبة للأحزاب الإسلاموية وقوى الظلام والتشدد الديني من ملا الفراغ واكتساح الساحة .
لا خيار إدن لليسار الاشتراكي والشيوعي في العودة إلى تنظيم الصفوف من جديد والانخراط بقوة في العمل السياسي النضالي اليومي والتواجد بجانب الطبقات العاملة والطبقات المتحالفة معها من أجل تنظيم صفوفها ودعمها على جميع المستويات وتنوير طريقها ومدها بكل آليات العمل القادرة على تفجير الصراع الطبقي واحتدامه مادام النظام الرأسمالي يعيش أزمة بنيوية عميقة ومستديمة لا يستطيع التكيف معها إلا بالاندماج كليا في سياسة الاستغلال المكثف والمطلق والبشع للطبقات الغير بورجوازية عبر الإجهاز على ما تبقى من فتات الحقوق السياسية والنقابية وعبر التراجع الكلي عن المكتسبات التي تم انتزاعها في الفترات السابقة وعبر إصدار قوانين جديدة تتماشى مع حالة التصدع والتلاشي التي تعرفها أسس وأركان الرأسمالية التي لم تعد قادرة على ضمان حتى الحد الأدنى من فرص الشغل والترسيم ولا على توفير التعويضات الاجتماعية ولا على الرفع من الأجور لتساير غلاء المعيشة ،وبالتعاطي كليا للتدمير الآلي الهائل للطبيعة سواء من خلال الاستغلال المكثف لموارد الطبيعة او من خلال الزيادة في نسبة التلوث البيئي ، وبالمزيد من تفقير المجتمعات التابعة ونهب خيراتها واستنزاف موادها الأولية وترواثها الطبيعية المعدنية والفلاحية والبحرية بناء على معاهدات واتفاقيات مجحفة وغير متكافئة .
لا خيار أمام الشيوعيين والاشتراكيين واليساريين بشكل عام على المستوى الأممي والجهوي والمحلي إلا بالعمل على نبد كل مظاهر الانعزالية الضيقة والانغلاق التنظيمي وكل أساليب العمل الحلقي المقوقع على الذات وما يجره على التنظيمات الماركسية من سلبيات قاتلة كالجمود والتحجر والانكماش والعمل بدل ذلك على الانفتاح الإيجابي على كل الطاقات والفعاليات الفردية والجماعية والتنظيمية وعلى العمل السياسي التنسيقي والوحدوي وعلى تدبير التحالفات بين الإطارات التي يتوفر فيها الحد الأدنى من التوافق والتلاقي في وجهات النظر والعمل على إشاعة ونشر ثقافة الديموقراطية وتقبل الرأي الآخر في داخل المنظومة الفكرية والسياسية الواحدة ومرجعيتها الماركسية التي لا محيد عنها على الإطلاق .
إنه الحلم الاشتراكي الذي يجب أن تتضافر الجهود على مستوى العالم لتحقيقه .