الخط العام لإعادة البناء التنظيمي لمنظمة -إلى الأمام- (1972 1976)


الأماميون الثوريون
2010 / 9 / 3 - 13:56     

الخط العام لإعادة البناء التنظيمي لمنظمة "إلى الأمام" (1972 ـ 1976)

كما أكدنا في الجزء السابق ، ليس المجال هنا لتقييم التجربة التنظيمية لمنظمة "إلى الأمام" و لكن التعريف ببعض الجوانب الهامة في تاريخها التنظيمي ، و نعتمد هنا ثلاث وثائق أساسية تبرز الفكر التنظيمي لمنظمة "إلى الأمام" و هاته الوثائق هي :

1 ـ "الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري و المنظمة الثورية للجماهير"(29 مايو 1972).
2 ـ "تقرير 20 نونبر : عشرة أشهر من كفاح التنظيم ـ نقد و نقد ذاتي"(20 نونبر 1972).
3 ـ "النظام الداخلي لمنظمة "إلى الأمام" (أكتوبر 1974).

إعتمد الخط التنظيمي لمنظمة "إلى الأمام" على محاولة مستمرة لاستيعاب التجربة البلشفية و التجربة الصينية و الإستفادة من دروسهما ، ف"إلى الأمام" اعتبرت كما نحت إلى ذلك الوثيقة الأولى أن معرفة التحكم في جدلية بناء الحزب الثوري و التنظيم الثوري للجماهير يقوم على إدراك أن مصدر العفوية (spontanéisme) و "الإطاروية" (cadrisme) هو عمل المثقف البورجوازي الصغير الذي يضع نفسه مربيا فوق الجماهير، و قد تسنى لمنظمة "إلى الأمام" هذا الإستيعاب الجيد اعتمادا على نقد تجربة الحزب البلشفي (باعتبار وجود منحى إطاروي داخل تجربة الحزب) ، و اعتمدت "إلى الأمام" على الطرح اللينيني الوارد في رسالة فبراير 1905 التي انتقد فيها لينين العراقيل البيرقراطية داخل الحزب و المانعة لانفتاحه على الحلقات الثورية إبان ثورة 1905 .
و قد كان لمنظمة "إلى الأمام" نقدا للإحزاب الشيوعية التحريفية استنادا على الأطروحات اللينينية الأصيلة وبالإستناد إلى التجربة الصينية و الدور الهائل لماو . بناء عليه كانت "إلى الأمام" ترفض الصورة المشوهة لحزب المحترفين الثوريين كما كانت تقدمها بعض فصائل اليسار الثوري الأوربي ، بتحويلها للمفهوم الذي على أساسه المحترف الثوري أصبح "خبيرا في الماركسية اللينينية" و في "الثورة" أي فوق الجماهير ، هكذا رفضت "إلى الأمام" الصورة المشوهة ل"حزب المحترفين الثوريين" كما قدمها بعض فصائل اليسار الثوري العالمي لتؤكد على ضرورة العودة لجوهر الطرح اللينيني دون نقل حرفي.
و تكفلت وثيقة 20 نونبر"عشرة أشهر من كفاح التنظيم ـ نقد و نقد ذاتي" التي رفعت شعار "من أجل منظمة ثورية طليعية صلبة و راسخة جماهيريا ، قادرة على مواجهة العواصف الجماهيرية المقبلة و قيادتها". و لضيق المجال لن نتطرق للكيفية التي مهدت بها وثيقة "مسودة الإستراتيجية الثورية" الطريق لوثيقة 20 نونبر حينما أقدمت على نقد جوهر مفهوم "الإنطلاقة الثورية" الذي كانت تتبناه آنذاك منظمة "إلى الأمام" ، و الذي كان يقوم على ثلاثة عناصر وهي :
1 ـ عفوية الجماهير المطلقة.
2 ـ تصور ميكانيكي لمراحل الثورة.
3 ـ إغفال عامل التهييء للحزب الثوري و غياب جدلية العمل السياسي و العمل المسلح.

لقد انصب نقد وثيقة 20 نونبر 1972 على "اللامركزية كمبدأ تنظيمي باعتباره انعكاسا لخط و مفهوم القيادة كتنسيق سياسي يميزه بشكل رئيسي العفوية : عفوية حركة الجماهير في بناء تنظيمها الثوري ، عفوية الجماهير في بناء استراتيجيتها الثورية (يتعلق الأمر بمفهوم الإنطلاقة الثورية) . هكذا طبعت تجربة المنظمة في الفترة الممتدة من 30 غشت 1970 إلى 20 نونبر 1972 ، العديد من الممارسات تنتمي إلى خط العفوية التي تميزت به ممارسة التنظيم وذلك من خلال سيادة أسلوب الخطابة و التحريض الفوقي في مواجهة البيروقراطية المقيتة ، سيادة أسلوب المناشير الغير المرتبطة بعمل قاعدي ...
و قامت محاولات لتجاوز الوضعية لكنها ظلت عاجزة عن إدراك ثلاث قضايا أساسية :

1 ـ عجز عن فهم دور التنظيم في مرحلة تقدم حركة الجماهير العفوية و بناء الأداة الثورية.
2 ـ دور الطليعة في تركيز و بلورة المواقع و الفصائل المتقدمة في حركة الجماهير في كل مرحلة و ذلك من خلال اندماج الطليعة بحركة الجماهير العفوية و على رأسها الطبقة العاملة بمختلف الأساليب و ممارستها لعمل سياسي و تنظيمي يومي و طويل النفس داخل هذه الحركة و في مواقع متقدمة أولا.
3 ـ دور التركيز و البلورة في مرحلة بناء الأداة يتطلب تنظيما مركزيا متينا قادرا على إنجاز هذه المهمة و ذا قيادة صلبة.

بناء على إدراك متقدم لهذه النواقص و خصوصا بالإستفادة من تجربة القمع الذي طال المنظمة خلال سنة 1974 ، و باعتماد ما قدمته وثائق سابقة "الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري و المنظمة الثورية للجماهير" و "مسودة حول الإستراتيجية الثورية" ساهم تقرير 20 نونبر 1972 في تطوير الخط التنظيمي لمنظمة "إلى الأمام" من خلال تأكيدها على سبعة من المحاور الرئيسية ، للدخول في انطلاقة جديدة من أجل إعادة بنائها و تطويرها و هذه المحاور السبعة هي :

1 ـ ضرورة بناء منظمة ثورية مهيكلة من المحترفين الثوريين منظمة الشيوعيين الذين ينظمون و يكرسون حياتهم و عملهم اليومي للثورة ، ينبثقون من النضال الجماهيري و يشكلون طليعته.
2 ـ منظمة ثورية تستند على الدور الطليعي للبروليتاريا في الخط و الممارسة : تضع مهمة التجذر داخل الطبقة العاملة في مقدمة كل المهام.
3 ـ منظمة ثورية تستند على المركزية الديمقراطية (مبنية على وحدة الإرادة ، وحدة الفكر و الممارسة الجماعية).
4 ـ منظمة ثورية صلبة و متينة قادرة على بناء الخط السياسي و ضمان تطبيقه في كل مرحلة و تطوير ممارسة التنظيم.
5 ـ منظمة ثورية يلتزم أفرادها بالإنضباط الصارم على كافة المستويات و ممارسة النقد و النقد الذاتي.
6 ـ منظمة ذات خط سياسي سديد انطلاقا من الإستيعاب الدائم لخصائص الوضع ببلادنا و على استعمال المنهج الماركسي اللينيني في تحديد هذا الخط و استنادا على تطوير حركة الجماهير الثورية.
7 ـ منظمة ثورية تساهم بصفة فعالة في وحدة الماركسيين اللينينيين من أجل منظمة ماركسية ـ لينينية موحدة نحو بناء الحزب الثوري.

و على نهج تقرير 20 نونبر 1972 ، و تحت تأثير سيرورة التطور الذي بدأت تعرفه "إلى الأمام" و الذي عرف أوجه سنة 1974 ذلك أن التنظيم عرف توسعا ملحوظا بارتباط مع توسع دائرة الإرتباط الجماهيري الذي مس قطاعات هامة عمال ، فلاحين ، شبيبة مدرسية ، أحياء شعبية ، عمل نقابي في قطاعات استراتيجية ، تحت هذه الشروط جاء النظام الداخلي للمنظمة (أكتوبر 1974) ، نص هذا النص في ديباجته على المباديء العامة للخط الأممي و الثوري للمنظمة المستند إلى مفاهيم أساسية : الماركسية اللينينية ـ إسهامات ماو ، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ، الإشتراكية و الشيوعية ، الإستراتيجية الثورية ...
أما فيما يخص المباديء التنظيمية المستلهمة طبعا من الخط الأيديولوجي و من التجربة الملموسة فقد أكدت حسب المادة الأولى للنظام الداخلي على المركزية الديمقراطية كمبدأ تنظيمي أساسي للمنظمة في علاقة مع المستويات الثلاثة :
1 ـ المنظمة.
2 ـ التنظيمات الثورية الشبه جماهيرية.
3 ـ التنظيمات الجماهيرية.

أما المادة الثانية فقد سطرت مبدأ القيادة الجماعية للمنظمة على كل المستويات بينما المادة الثالثة أكدت مبدأ الإنضباط البروليتاري كإحدى شروط بناء الطليعة البروليتارية المنظمة لقيادة الثورة ، في حين نصت المادة الرابعة على مبدأ النقد و النقد الذاتي لتطوير خط المنظمة و ممارستها كنقد داخلي و أمام الجماهير، أما المادة الخامسة فأقرت بضرورة بناء التنظيمات الثورية الشبه الجماهيرية بتأطير المناضلين القاعديين الملتفين حول الخط السياسي للمنظمة وأيديولوجيتها البروليتارية ، و روابط متماسكة للمنظمة بالمنظمات الجماهيرية و بعامة جماهير البروليتاريا و الجماهير الكادحة ، و أكد المبدأ الخامس على قيام علاقة التنظيمات الثورية الشبه الجماهيرية بالمنظمة المركزية على مبدأ المركزية الديمقراطية ، و تناولت المادة السادسة شروط تطبيق هذه المباديء معتبرة ضرورة توفير خمسة شروط لتفعيل المباديء الخمسة و هي :

1 ـ تدعيم الطابع البروليتاري للمنظمة و فتح فرص الإحتراف الثوري للطلائع العمالية.
2 ـ التثقيف النظري السديد و العمل المتواصل على دراسة الماركسية اللينينية و روحها الحية.
3 ـ التطبيق المتواصل لسياسات المنظمة و خططها المرسومة.
4 ـ الإعتناء بالتنظيمات شبه الجماهيرية و تطويرها و إحكام روابط المنظمة معها.
5 ـ التطهير المستمر للمنظمة و الحفاظ الدؤوب على نقاوتها الثورية عبر نبذ العناصر المتفسخة و المرتدة والمنحلة و العديمة الحيوية و تعويضها بالعناصر المتوثبة و تجديد دماء المنظمة باستمرار.
بالإضافة إلى هذا أدخل النص تغييرات على مستوى البنية التنظيمية فأصبحت الهيآت المركزية تتشكل من المؤتمر الوطني العام ، اللجنة المركزية ، المكتب السياسي ، المجلس الوطني العام ، أما باقي البنيات فتتدرج كالتالي : المنظمة الفرعية ، المنظمة المحلية (مع لجنة فرعية ، لجنة محلية ) و القاعدية (الخلية ، الخلية المرشحة ...).

كانت منظمة "إلى الأمام" كذلك قد أقامت سياسة الأفواج (عبارة عن مدارس لتخريج الأطر) و كان أول فوج تخرج سنة 1974 هو فوج ماو تسي تونغ . كما كانت المنظمة تستعد لعقد مؤتمرها الوطني الأول حينما فاجأتها الإعتقالات إثر انهيار قيادة "23 مارس" و كان من نتائجها إعتقال العديد من أطرها و في مقدمتهم القائد الشهيد عبد اللطيف زروال ، الذي كان كل رفاق المنظمة مجمعين على ضرورة تحمله لمسؤولية أول أمين عام لمنظمة "إلى الأمام" التي كانت كما قلنا تستعد لمؤتمرها الوطني الأول.