الشهيد القائد عبد اللطيف زروال و مفهوم الحزب الثوري


امال الحسين
2010 / 8 / 21 - 10:07     

الشهيد القائد عبد اللطيف زروال و مفهوم الحزب الثوري

لا يمكن الحديث عن منظمة إلى الأمام بمعزل عن المناضل الثوري الشهيد القائد عبد اللطيف زروال ، ففي زمن التنكر للثورة الديمقراطية الشعبية و في ظل التراجع عن الماركسية اللينينية من طرف "اليساريين" معتنقي الإنتهازية و التحريف لابد من تخليد نضالاته الثورية.
و كما قال الشهيد القائد عبد اللطيف زروال في حق أبيه : " ..أنت أبي الذي صنعتني ثوريا. فقد كرس حياته من أجل وضع أسس بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين في مواجهة الإقطاع و الكومبرادور خدام الرأسمالية الإمبريالية ، و ساهم بشكل كبير في تأسيس منظمة إلى الأمام " تحت نيران العدو" كما تقول الوثيقة الايديولوجية لبناء الحزب الثوري التي ساهم الشهيد القائد بشكل كبير في وضعها و هي " لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو " و التي جاء فيها :
" لقد أظهر لنا لينين فيما قبل أن تطور الوعي الثوري لدى الطبقة العاملة ، لا يمكن أن يتم إلا بتحريك كل طبقات الشعب... ، فبالأحرى في بلد كالمغرب ، حيث يتكون ثلثا السكان من الفلاحين ، وحيث لا تكون الطبقة العاملة نفسها إلا قسما قليلا من مجموع سكان المدن. إذن يمكننا الوصول إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل في إنطلاق الحرب الشعبية ، التي توجد من بين شروطها الأساسية إنطلاق النضالات السياسية والثورية لجماهير البوادي ، ويبقى نمو هذه النضالات نفسه مرتبطا بنمو النضالات في المدن ، في نفس الوقت الذي يكون عاملا قويا للدفع بتبلور الوعي البروليتاري ، ولبناء قيادة الطبقة العاملة في الجبهة الثورية للعمال والفلاحين. ومرة أخرى فإن بناء جبهة ثورية كهذه وبناء قيادة بروليتارية ، ليس بناء آليا ، أكاديميا ...هذا البناء هو تحريك دياليكتيكي للعناصر المتقدمة أكثر التي تتأصل وتتجذر اليوم موضوعيا داخل قوى الشباب وداخل مجموع الجماهير الثورية في البلاد ، أي داخل جماهير الفلاحين وفي نفس الوقت داخل الطبقة العاملة ".
إن الشروط الموضوعية للنضال الثوري الذي من أجله ناضل الشهد القائد عبد اللطيف زروال مازالت قائمة إلى اليوم و إن تغيرت أسس شروطها المادية ، فإن دواعي النضال الثوري قد تعمقت في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية على المكتسبات التاريخية للشعوب و تنامي الإنتهازية و التحريف.
كان من طبع الشهيد القائد التفاؤل ، تفاؤل المناضل الثوري و هو يتحلى ب" غبطته بالحياة " كما قال عنه أحد رفاقه الذي استحال اليوم إلى انتهازي تحريفي :
" تذكرت غبطتك بالحياة ، و أيضا عزمك و صرامتك في النضال ، هاتين الميزتين اللتين تحليت بهما إلى حد الاستشهاد ... يا معلمي/ فضلك علي كبير ، ولكن كونك معلمي هي العلامة التي بقيت محفورة في داخلي بعمق أكبر ، فرغم كل سنوات النضال، و أي نضال ، بقيت بورجوازيا ، و رغم صعوبات السرية الجمة جعلتني أكتشف بفضلك ... الواثق أدق حركات السلوك البروليتاري ، العناية التي توليها لأبسط الأشياء في الحياة اليومية ، الانضباط الذاتي أصبح طبيعيا ، قيامك التلقائي بابسط الأعمال في الحياة الجماعية ، و في كل هذا كنت تتصرف بظرافتك المعهودة..."
كان مناضلا محنكا يمتلك القدرة على الإقناع بفضل تكوينه و حركيته ، استطاع الإلتحاق بقيادة "منظمة إلى الأمام" و هو لا يتجاوز من العمر 19 عاما في سنة 1970 ، و ساهم بشكل كبير في وضع الأسس النظرية للحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و تم اختطافه يوم 5 نونبر 1974 من طرف الأجهزة السرية البوليسية المغربية ، و تعرض للتعذيب الوحشي نتيجة صموده في وجه الجلادين وكيف لا و هو من صاغ كراس : " كيف نتجاوز القمع و نصمد في وجهه " .
و تعتبر منظمة إلى الأمام من بين التجارب الرائدة في الحركة الماركسية اللينينية إن على مستوى الزخم النضالي و تضحيات المناضلين الثوريين أو على مستوى الإبداع الفكري و النظري ، و عرفت المنظمة عدة مراحل متميزة من تاريخها النضالي و هي :

ـ مرحلة النشأة الممتدة بين غشت 1970 و نونبر 1974 :

التي عرفت بلورة النظرية الماركسية اللينينية في صفوف مناضلي المنظمة كهوية ايديولوجية و سياسية في مواجهة البورجوازية ، و شكلت وثيقة "سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري " الأرضية الايديولوجية و السياسية التي تم اعتمادها بعد الانسحاب من حزب التحرر و الاشتراكية ، و شهدت هذه المرحلة اعتقالات واسعة في صفوف مناضلي منظمة إلى الأمام و من بينهم الشهيد القائد عبد اللطيف زروال ، الذي ساهم بشكل كبير في وضع الأسس الايديولوجية و السياسية للمنظمة و على رأسها :
ـ تشخيص التناقضات الأساسية للمجتمع المغربي.
ـ مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
ـ الجبهة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
ـ الدور المركزي للطبقة العاملة في التغيير.
ـ مفهوم الكفاح الجماهيري المنظم و الطويل النفس.
ـ مفهوم بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين.
و استشهد القائد الشهيد عبد اللطيف زروال تحت التعديب بسجون النظام القائم في 14 نونبر 1974 .
ـ المرحلة الثانية و الممتدة من نونبر 1974 إلى أوائل 1976 :

واصل فيها ما تبقى من المناضلين خارج الاعتقال نضالاتهم خاصة في صفوف الطلبة و المثقفين، و بالرغم من ضعف التواجد داخل الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين فإن عملهم كان متمركزا داخل الإطارات الجماهيرية و خاصة داخل النقابات العمالية و الطلابية و الجمعيات الثقافية ، و مواجهة النظام الحاكم و ذلك بإبراز تناقضاته بالدعاية ضد سياساته التبعية للرأسمال المركزي و خاصة موقفه من قضية الصحراء الغربية ، إلى أن تم اعتقال ما تبقى من القيادات في نونبر 1976 .

ـ المرحلة الثالثة و الممتدة ما بين 1976 و نهاية 1979:

التي عرفت عدة محاولات لإعادة البناء التنظيمي و إفراز قيادة ثانية للمنظمة ، كما عرفت محاكمة القيادة الأولى بعد نضالات مريرة داخل المعتقلات السرية توجت بالمحاكمة العلنية في 1977 التي حولها الماضلون إلى محاكمة النظام القائم، حيث لم يقوموا بالدفاع عن النفس بقدر ما قاموا بالهجوم على سياساته الطبقية و فضحه و إبراز مشروعهم المجتمعي الثوري .
و في نفس الدرب تم استشهاد المناضلة الثورية سعيدة المنبهي في 11 دجنبر 1977 بعد إضراب طويل عن الطعام في سجون النظام القائم.
و في نهاية 1979 برز الخط التحريفي داخل المنظمة و الذي عصف بكل إرثها النضالي نحو الإنتهازية و التحريف باسم "النضال السياسي الديمقراطي" ؟

وتعتبر وثيقة "سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري " الوثيقة الايديولوجية و الساسية ل "منظمة إلى الأمام" و الأطروحة الثورية الكفيلة بإنجاز مهمة بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين و تشتمل على :

ـ موقع حزب التحرر و الاشتراكية كامتداد للحزب الشيوعي المغربي بين تكتل الأحزاب البورجوازية الوطنية .
ـ مواقف الحزب التي تعبر عن الروح الطبقية البورجوازية و التي لا تختلف عن مواقف السياسيين البورجوازيين العرب المتخاذلة اتجاه قضايا الشعوب و على رأسها القضية الفلسطينية.
إنطلاقا من وضعية الحزب هذه لم يبق أمام المناضلين الثوريين بداخله إلا الإنسحاب و بناء حركة ماركسية لينينية في أفق بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و من أجل ذلك تم تشخيص التناقضات الطبيقية بالمجتمع المغربي و إبراز القوى الثورية المتواجدة بالمغرب ، و هكذا تقسم الوثيقة الطبقات في المغرب إلى ثلاث طبقات رئيسية و هي :

ـ الأوليغارشية الكومبرادوري :

تملك القرار السياسي و الاقتصادي و مدعومة من طرف الرأسمال المركزي و تمارس نظام الحكم المطلق حفاظا على مصالح الرأسمالية، و التي يعتمد على الأجهزة البوليسية السرية و العلنية في قمع الحركات الاجتماعية لضمان استمراريتها في الحكم .

ـ البورجوازية الليبرالية :

و تتكون من البورجوازية المتوسطة و الصغيرة و تشتمل المقاولين الصناعيين المتوسطين و الصغار و التجار المتوسطين و البورجوازية القروية المكونة من الفلاحين الأغنياء و صغار و متوسطي الملاكين ، و هذه الطبقة معاني من الاضمحلال نظرا لطغيان الحكم المطلق للأوليغارشية الكومبرادورية ، كما تشمل هذه الطبقة البورجوازية الصغرى وهي تتكون من أصحاب المهن الليبرالية أي المثقفون ، أساتذة التعليم الثانوي و المعلمون ، و كذا طلبة الجامعات و التقنيون المتوسطون و الموظفون الصغار و المتوسطون و صغار التجار و الصناع التقليديو المتوسطون باستثناء الفئات العليا التي تساهم فعلا في بناء البورجوازية البيرقراطية، و هاتين الطبقتين مهددتين بالإفلاس جراء سياسة النهب التي تمارسها الأوليغارشية الكومبرادورية .

ـ الجماهير الكادحة :

و تتكون من البروليتارية الصناعية و المعدنية والفلاحية و الفلاحون الفقراء و الخماسة و العمال المؤقتون و عمال الموقف و الباعة المستقلون و المستكتبون و الحرفيون الصغار و البروليتاريون العاطلون و النساء و مجموع شبه البروليتاريا .
و تعتبر الوثيقة البروليتارية الصناعية و المعدنية القوة الأساسية للثورة و أما الفئات الأخرى من البروليتارية الفلاحين الفقراء فتكون القوة الحاسمة للثورة .

و وضعت الأسس النظرية للثورة بالمغرب انطلاقا من :

استراتيجية الثورة :

تربط الوثيقة القضايا الإستراتيجية للثورة بالمغرب بالإستراتيجية الثورية العربية المرتبطة بدورها بالثورة العالمية ، و تعطي امكانية قيام الثورة خلال السنوات القادمة انطلاقا من معطيات تحليل القوى المتواجدة بالمغرب و النضالات الهامة للطبقة العاملة وأزمة الرأسمالية على الصعيد العالمي ، كما ترى احتمال التدخل الامبريالي ضد الثورة نظرا لموقع المغرب في الاستراتيجية الامبريالية .

و تولي اهتماما لدور التنظيم من خلال "دور الحزب الثوري" الذي تم وضع أسسه النظرية في الوثيقة الثانية التي صاغها الشهيد القائد " لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو " :

تعطي الوثيقة الإهمية القصوى للحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين الذي يعتمد الايديولوجية الماركسية اللينينية المندمجة في الواقع الملموس للبلاد و للثورة العربية و العالمية ، و تعتمد الهيكلة الحزبية المركزية الديمقراطية بالتفاعل الإيجابي بين القمة و القاعدة و بين النظرية و التطبيق ، و اعتماد السرية التامة من طرف المناضلين على أساس الممارسة النضالية الملموسة و النقد و النقد الذاتي و نبد كل نزعة فردية خدمة للثورة و اعتمدت ما يلي :

ـ بعض الأمثلة الخاصة التي تشخص تاريخ الحركة العمالية .

ـ المبادئ اللينينية للحزب الثوري .

ـ كيفية ربط الإستراتيجية الثورية في المغرب باستراتيجية التنظيم .

ـ كيفية ربط استراتيجية التنظيم بمبادئ الدفاع الإستراتيجي المذكورة سابقا.

المبادئ اللينينية للحزب الثوري التي يمكننا تلخيصها كما يلي:

1- تنظيم الثوريين المحترفين والمتجذرين داخل نضال الجماهير, هي الداعمة التي يقوم عليها لحزب.

2- إن منظمة المحترفين الثوريين تتكون من مناضلين انبثقوا من نضال الجماهير في سيرورة مرتبطة جدليا بإعداد الخط السياسي للحزب وانطلاقا من هذه الممارسة الثورية الجماهيرية نفسها لا من خلال تكوين إيديولوجي داخل حلقة مغلقة.

3- إن الحزب ليس منظمة الثوريين المحترفين المتفوقين على الجماهير, كما يدعي تقديم ما العمل في الطبعة الفرنسية لسلسلة كتاب الجيب Livre de poche بل إن الحزب مجموعة مكونة من منظمة الثوريين المحترفين إضافة إلى المناضلين الماركسيين اللينيين في المنظمات الثورية الجماهيرية.

4- من هنا بالذات, ومن خلال هؤلاء المناضلين, فإن الحزب يرتبط ويندمج(...) بالمنظمات الجماهيري .

و كان للشهيد القائد عبد اللطيف زروال الدور الهام في ترسيخ أسس البناء النظري و التنظيمي للحركة الماركسية اللينينية المغربية في مرحلتها الحاسمة و هي مرحلة التأسيس ، و نظرا لدوره الفعال في بلورة الفكر الماركسي اللينيني انطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس و إدماج التجارب الثورية الماركسية الناجحة و خاصة التجربة الصينية و نقد التجربة السطالينية و الأحزاب التابعة لها ، لم يبق أمام النظام القائم باعتباره نظاما دمويا إلا اختطاف الشهيد و اغتياله في ظروف القمع الأسود المسلط على مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية.