فانون والفلاحون


فريدة النقاش
2010 / 8 / 14 - 00:42     

فلاحو الدول الصناعية هم أقل الطبقات وعيًا أما في بلاد المستعمرات فيمثل الفلاحون في رأي فانون العنصر الانضباطي في المجتمع


حصل الباحث طه طنطاوي على درجة الماجستير بتقدير ممتاز في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات الأفريقية عن رسالته «مقاومة الاستعمار في فكر فرانز فانون».
ولد فرانز فانون 1925 في مدينة «فور دي فرانس» عاصمة إحدى جزر المارتنيك التي تقع بين أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية قريبا من قناة بنما التي خضعت للاحتلال الفرنسي منذ عام 1625، وكانت هذه الجزر موقعا من مواقع جلب العبيد الأفارقة منذ بداية هذه التجارة للعمل في مزارع قصب السكر. وانتمي «فانون» لأسرة من البورجوازية السوداء، هذه البورجوازية التي اعتمد عليها الاستعمار الفرنسي وسعت بدورها للاندماج في إطاره. ودرس «فانون» الطب النفسي في جامعة «ليون» بفرنسا، بعد أن كان قد تتلمذ علي يدي الشاعر «ايميه سيزير»، أحد رواد حركة الزنوجة التي اسسها الشاعر السنغالي ورئيس السنغال لاحقا ليوبولد سنجور، وانعكس هذا التأثير المهم لأفكار الزنوجة التي تمجد اللون الأسمر وتؤصل لتراثه وابداع أهله علي كتاب «فانون» بشرة سوداء وأقنعة بيضاء وقال عنه «سيزير» إنه «الكتاب الحاسم بشأن العواقب الانسانية للاستعمار والعنصرية، في حين أن كتابه «معذبو الأرض» يعتبر مفتاح إزالة الاستعمار، وكان «فانون» داعية للكفاح المسلح ضد الاستعمار وواحدا من المنظرين لأساليبه.
وإضافة إلي فكرة الزنوجة اتسم عمل «فانون» الفكري ونشاطه العملي بتمجيد قيم الريف ودور الفلاحين في الثورة المعادية للاستعمار وهي الخبرة التي شارك فيها فيما بعد، حين التحق بالثورة الجزائرية وتعرف عمليا علي دور الفلاحين فيها، وكانت هذه المرحلة التاريخية قد شهدت أيضا الدور الأساسي للفلاحين في الثورة الصينية، حتى إن «فانون» اعتبر الفلاحين هم الطبقة الثورية الوحيدة القادرة على القيام بالثورة ومواصلتها دونا عن الطبقات الأخرى، فهي الطبقة الوحيدة التي لن تخسر شيئا بالثورة بل تكسب كل شيء - على حد قوله.
ويري «فانون» فلاحي دول العالم الثالث برؤية مغايرة ومعاكسة تماما لنظرائهم الأوروبيين في دول العالم الصناعي ففي هذه الدول الصناعية نجد أن الفلاحين هم أقل الطبقات وعيا وانضباطا تسود في أوساطهم قيم الفردية والفوضوية كما أنها طبقة غير منظمة تعيش في بيئة صدعها تقدم التصنيع، وتتراوح مشاعرها بين الغضب الشديد واليأس العميق لانها تعيش في عالم ساكن تفتقد فيه الروح الثورية، وتنتفي المبادرة والرغبة في التغيير هذه الصفات اللصيقة بفلاحي البلاد الصناعية المتقدمة تضعهم في صف القوي المعادية للتغيير الثوري والمعوقة له. أما في بلاد المستعمرات فإن الفلاحين في رأي «فانون» يكونون علي العكس من ذلك تماما لأنهم يمثلون العنصر الانضباطي في المجتمع الذي يحمي التقاليد ويصونها، يعيشون في بيئة وإن كانت تقليدية إلا أن بنيتها الاجتماعية ظلت سليمة لم تتصدع كما في البلاد المتقدمة وهو لم يتوقف أمام ما في هذه التقاليد من قيم سلبية بالية وتعرضت نظرية «فانون» في حياته وبعد موته لانتقادات واسعة، خاصة بعد أن انتهت مرحلة الكفاح ضد الاستعمار العسكري المباشر ودخول البلدان المستقلة حديثا إلى مرحلة الاستقلال واختيار بعضها وبخاصة الجزائر التي كانت موطن خبرته ومناط أحلامه إلى ما أسمته التجربة الاشتراكية، وحتى في ظل التحرر الوطني انتقده «أميلكار كابرال» قائد الثورة التحررية في «غينيا بيساو» والتي لعب فيها الفلاحون دورا أساسيا والذي فرق بين الفلاحين باعتبارهم أغلبية السكان واعتبارهم قوة ثورية وكان «فانون» نفسه قد اقترب كثيرا من الفكر الثوري الاشتراكي العلمي الذي رأي أن تحول الفلاحين إلى قوة ثورية لا يتم إلا بعد تدريبهم وتنظيمهم علي يد كادر قيادي يعاونهم على الوصول إلى الوعي العلمي بأوضاع الاستغلال التي يعيشون فيها ولكنه أغفل ضرورة التحالف مع الطبقة العاملة من أجل تغيير هذه الأوضاع.
وتكتسب رسالة طنطاوي عن فرانز فانون والتي طبعها معهد البحوث والدراسات الأفريقية أهمية راهنة في الواقع المصري، إذ تندلع احتجاجات الفلاحين ضد سياسات الإفقار الليبيرالية الجديدة في معزل عن سكان المدن وعن الاحتجاجات العمالية المتصاعدة فيها، وهو ما يطرح سؤالا حول إمكانيات التواصل بين الحركتين واتساع برنامج القوي الديمقراطية ليشمل حركة ومطالب الفلاحين كقوة أساسية من قوى الثورة مع الوضع في الاعتبار أنهم لا يشكلون - علي العكس من العمال - طبقة متجانسة.