شطارة فائقة في تزييف التاريخ وإنكار دور الشيوعيين


محمد نفاع
2010 / 7 / 23 - 11:00     

بين الحين والآخر، تطلع علينا بعض الصحف والمواقع في اقطار عربية، بمقالات وابحاث في غاية السحق والهراء من حيث التزييف والتسويف لواقع:
عرب الداخل، وعرب الـ 48، وعرب الارض المحتلة، والمقصود الاقلية القومية العربية الفلسطينية التي تعيش في وطنها في "الدولة العبرية" والكيان الصهيوني، والمقصود اسرائيل.
وهذه التعابير والتعريفات لها رنين خاص كما يبدو لدى قوى وحتى نظم عربية، ولذلك تتهافت على هؤلاء الباحثين والكتبة في اعلامها، وجوهر وهدف هذه المواد هو التحريض على الشيوعيين ومحاولة انكار دورهم، وتجيير بقاء العرب في وطنهم، وانتمائهم القومي، وحتى المحطات الكفاحية مثل يوم الارض الى افراد، فأحدهم يكتب ان من بين اعضاء لجنة الدفاع عن الارض كان سالم جبران، وعزمي بشارة وسميح القاسم وتوفيق طوبي ونايف سليم – كل هؤلاء كانوا اعضاء في الحزب الشيوعي وكذلك وليد الفاهوم الذي كان ولا يزال من اصدق اصدقاء الحزب الشيوعي. وتطرق المقال الى الدور الحاسم لتوفيق زياد رئيس بلدية الناصرة وهو الذي حمل موقف الحزب الشيوعي الى اجتماع شفاعمرو بناء على قرار هذا الحزب ومكتبه السياسي في حيفا في بيت الشيوعي الرسام عبد عابدي، وفي اجتماع شفاعمرو تجمع جمهور غفير بقيادة اعضاء الشبيبة الشيوعية والحزب ومنهم توفيق كناعنة ومحمد بركة وصالح مرشد، وعمر سعدي واحمد الحاج وعادل ابو الهيجاء وهم اعضاء الحزب اليوم، وكثيرون غيرهم. انا افهم مدى حساسية بعض القوى وحتى النظم العربية من الشيوعيين، وفي بلادهم وخارجها، فالشيوعيون أمميون وطبقيون وهم في قمة القومية، والشيوعيون ملحدون وهم مؤمنون الى اقصى حد، بعضهم مؤمنون بالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والاتحاد الاوروبي، فهناك قمة الايمان والورع ما يظهر في فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان.
في تاريخ نشوء القضية الفلسطينية والتي صنعها الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية ولا يزال يصنع النكبة. لم يكن هناك اصدق من الشيوعيين، وها هي نفس القوى يومها او استمراريتها توافق على اقل من برنامج الشيوعيين، مع ان قرار التقسيم مجحف جدا، لكن البديل اكثر اجحافا.
أية مصداقية لهذه القوى المتمترسة وراء القومية بعدم التعامل مع الشيوعيين اليهود والعرب، وهي اداة طيعة لامريكا وبقية الدول الاستعمارية، وتستقبل يهودا معادين للشيوعية وبجوازات سفر مزدوجة، وحتى بجوازات سفر اسرائيلية صهيونية وبضمنهم وزراء!! وهي صديقة جدا لكل قومي عربي شرط ان يكون معاديا للشيوعيين.
وكأننا لم نتعلم شيئا من دروس 1936، 1947- 48، 56، وهذه الاجتياحات الاجرامية المتكررة من قبل اسرائيل على لبنان حتى جاءت المقاومة الباسلة واوقفتها على الاقل الى الآن.
إن الصمود على ارض الوطن وبالرغم من كافة الضغوطات هو الثقافة الحاسمة في وجه مخططات الترحيل، والوحدة الكفاحية للاقلية العربية هي المحك، والكفاح السياسي الجماهيري العربي واليهودي العربي هو الاداة الناجعة والمجربة، وهو الادارة الموجعة والمؤلمة لاسرائيل اكثر من أي اسلوب نضالي آخر.
المطلوب الآن بالذات قمة المسؤولية في خطابنا السياسي، بعيدا من المراهقات المغامرة في الشعارات من اجل كسب مؤقت وقصير الامد، خاصة مخاطبة الاجيال الشابة الرائعة والتي افشلت محاولة تدجينها، وضرب انتمائها، وتشويه هويتها، وتزييف ثقافتها ولغتها وتراثها الانساني.
ان محاولة تطبيق هذا التنافس العربي ومزاوداته ليصل الى هذه الاقلية وشرذمتها وتحييدها عن كونها قوة دمقراطية هو لعب بالنار، وهذا انطبق على الشعب الفلسطيني بأسره.
كل افراد هذه الاقلية من رجال ونساء وعمال ومثقفين وطلاب ومفكرين وادباء هم مواطنون في وطنهم، هم مواطنون في اسرائيل، والذي يدعي غير ذلك فهو مضلل وغير صادق ومزاود بشكل مقرف ومملّ، ويلتقي في النهاية وبنوايا حسنة اكثر مما هو مطلوب مع المخططات الاسرائيلية. والحرب عبارة عن عملية صعبة يشكل فيها الصمود والبقاء والانتماء والمواجهة ومحاربة الانغلاق والتشرذم والعنف عناصرها الاساسية.
كنت اود مثلا ان يلتفت هؤلاء الكتاب والكتبة الى الانتفاضة الحمراء سنة 1958 والتي كانت المواجهة الجماهيرية الاولى بعد العدوان الثلاثي ومجزرة كفر قاسم سنة 56 والتي فجرها الحزب الشيوعي بيهوده وعربه واعتقل فيها المئات، كنت اود الاشارة الى خير الشيوعيين للمواجهة وليس الخنوع منذ اللحظة الاولى للبقاء بعد تشريد الغالبية.
كنا نودّ التأكيد على ادب المقاومة ودور الادباء الشيوعيين وصحف "الاتحاد" والجديد والغد، وكذلك الى تأسيس واقامة اتحادات الطلاب الثانويين والجامعيين العرب، ولجنة الرؤساء ولجنة المتابعة العليا، بالاضافة الى لجنة الدفاع عن الارض، وهي الامور التي بلورت هوية هذه الاقلية.
اية محطة كفاحية خاضتها هذه الاقلية منذ محاولة فرض الهويات المؤقتة الحمراء، والحكم العسكري، ومصادرة الارض وحتى اليوم لم يكن الشيوعيون هم المبادرون اليها او شركاء نشيطون ومسؤولون وامينون فيها!!
نحن نعرف ان هذه الحقيقة تؤلم البعض ونأسف لذلك، لسنا ضد التعددية، لكن ان يكون المحور والجوهر والهدف هو الكفاح ضد الشيوعيين فهذا عار. هنالك الاستعمار، وهنالك الصهيونية وهنالك الرجعية العربية في المنطقة وحتى المحلية هنا، إقحموا هذه المجالات بعيدا عن الخطاب الطائفي والانغلاقي والتعصبي على النطاق المحلي والقطري، هذه هي مصلحة الاقلية العربية الذين يتظاهرون في الشيخ جراح، من مختلف القوميات، والذين يتظاهرون في تل ابيب ضد الحرب والعدوان والاحتلال والاستيطان هم من اليهود والعرب ويرفعون العلم الفلسطيني الى جانب العلم الاحمر، هل هذا ضد مصلحة السلام العادل!!
القوى القومية الحقيقية لا يمكن ان تكون معادية للشيوعيين، والقومية الحقيقية ايضا هي التي تكتمل بالجانب الطبقي والاجتماعي، طبعا يكثر استعمال كلمة الصهيونية، إسألوا التاريخ من اول من ادان الصهيونية وعرّفها بالعنصرية غير الشيوعيين سنة 1924!!
كانت سنوات، وكانت بعض الاصوات القومية يرون في كل من بقي في وطنه خائنا لانه يعيش في اسرائيل، كان يجب ان نرحل لنصبح وطنيين، واقترح على بعض المفكرين والكتبة ان يقوموا بدراسة من وضع نفسه تحت سيارات الترحيل لمنع الترحيل، ومن سهّل عملية الترحيل الاجرامية!!
في عدد من المناسبات نسمع شعار: خيبر خيبر يا يهود...
تاريخيا الذي تعامل مع خيبر هم أقطاب قريش العرب الاقحاح المشركون وليس فقط لاسباب عقيدية بل لاسباب اقتصادية. والذين يتعاملون مع حكام اسرائيل اليوم هم عرب اقحاح تحت السوط الامريكي ومنهم اناس ينضوون تحت راية التديّن والامثلة على ذلك مرة وقاسية واكثر من ان تعد وان تحصى. فالمتدين والمؤمن الحقيقي يرى ويجب ان يرى في الاستعمار هو العدو الاساسي لشعبه وأمته ومقدساته وتراثه حيث الماكنة الاسرائيلية وبدعم كامل من امريكا والرجعية تعمل ليل نهار للقضاء عليها.
الحركة الشيوعية والعمالية واليسار الحقيقي في العالم ومنذ سنة 1917 فضحت وتصدت لمخططات الاستعمار، خاصة عندما فضحت اتفاقية سايكس بيكو، وهي كلها اليوم في مقدمة المجابهة والمواجهة مع الاستعمار والصهيونية والرجعية والاستغلال والتعصب والدكتاتوريات العفنة التي ترى في الوطنية حماية كرسي رئاستها بحماية امريكية واسرائيلية، بشكل مباشر وغير مباشر.
كثيرة هي الفئات والحركات التي نقشت على علمها شعار معاداة الشيوعية كأمر جوهري واساسي واكتسبت رضا السلطات الاسرائيلية احيانا، تمشيا مع وثيقة كيتنغ، بعضها اندثر او في طريقه الى ذلك، ونقول ذلك بألم.
ونذكر خلال الانهيار الفظيع للاتحاد السوفييتي اية بهجة كانت على وجوه بعض القادة العرب الاقحاح المعتزين جدا جدا بعروبتهم، أليس هذا طيش، وأليست هذه انتهازية وتلون!! وحتى دبّجوا كلمات تأبين ساخرة للشيوعيين والحزب الشيوعي، وفهم من كان من نشيطي احزاب الحكم لعشرات السنين، وكذلك كان على مستوى النظم وكأن الاتحاد السوفييتي هو الذي كان يستعمل حق النقض في مجلس الامن دفاعا عن العدوان الاسرائيلي، وكأن الاتحاد السوفييتي لم يقف مع الدول العربية ضد الاستعمار والاحتلال في فلسطين والجزائر ومصر وسوريا...
ان الكذب المكوي لا يمكن ان يتحول الى حقيقة.
وفي مرة لاحقة قريبة سنتطرق عينيا الى المزيد من هذا السيل من التزييف، حتى تبقى الحقيقة هي سيدة الموقف.