لينين والثقافة الجماهيرية


شاكر فريد حسن
2010 / 6 / 23 - 19:47     

طرح لينين مسألة الثورة الثقافية باعتبارها واحدة من المسائل الجذرية لصيانة مكتسبات ثورة اكتوبر الاشتراكية المجيدة وترسيخها ، واوصى بحل المهمات الأساسية للبناء الثقافي السوفييتي في ترابط عضوي جدلي مع المهمات التاريخية الملموسة للدول الاشتراكية ، واخضاعها للهدف الرئيسي (الكفاح في سبيل الثورة الاشتراكية).وأكد ان بناء الاشتراكية بنجاح " يتطلب انقلاباً كاملاً ومرحلة كاملة من التطوير الثقافي لجمهور الشعب بأسره".كما واوضح بأنه لكي تستوعب الجماهير الواسعة العمل الفني، فلا ينبغي ان يسير هذا العمل نحو هدف التوضيح الى درجة التبسيط بل ان هذا يقتضي رفع المستوى الثقافي والتعليم العام حتى تستوعب الأدب والفن" .
وفي مقالته "التنظيم الحزبي والأدب الحزبي" شدد لينين على مبدأ "حزبية الأدب" هذا المبدأ الذي أضحى تعميماً نظرياً اسمى لآراء لينين والحزب الشيوعي بشأن الابداع الفني. ومما قاله:" يجب ان يصبح الأدب حزبياً ليقف في وجه الأخلاق البرجوازية والأدب البرجوازي الصناعي والتجاري ، وضد الأدب البرجوازي الداعي الى تعظيم الأفراد والمناصب راكضاً وراء الربح . يجب على البروليتاريا يجب على البروليتاريا الاشتراكية ان تطرح مبدأ حزبية الأدب وتعمل على تطويره وادخاله الى الحياة بشكل اكمل واعمق" .
ويفضح لينين الكتاب الفرديين البرجوازيين ، المرتبطين بمصالح الطبقات المستغلة ويعريهم بقوله :" ينبغي ان نقول لكم ايها السادة الفرديون البرجوازيون ، ان اقوالكم عن الحرية المطلقة رياء برياء. ففي مجتمع تفتقر فيه جماهير الكادحين وتعيش فيه حفنة من الاغنياء حياة طفيلية ، لا يمكن ان تقوم حرية فعلية وحقيقية . فهل انت حر من ناشرك البرجوازي ايها السيد الكاتب ؟ من جمهورك البرجوازي الذي يطالب بالخلاعة في الاطارات واللوحات بالدعارة بشكل "تكميل" للفن المسرحي "المقدس"؟ ذلك ان هذه الحرية المطلقة هي اما كلام فارغ برجوازي واما كلام فارغ فوضوي ( لان الفوضوية بوصفها مفهوماً عن العالم، هي مفهوم برجوازي مقلوب رأساً على عقب).فمن المستحيل ان يعش المرء في المجتمع ويكون حراً في المجتمع.
ويضيف: "ان حرية الكاتب البرجوازي والرسام البرجوازي والممثلة البرجوازية ليست غير تبعية مموهة او مقنعة برياء ونفاق حيال كيس من النقود، حيال الرشوة ، حيال الثراء .ونحن الاشتراكيون نفضح هذا الرياء ونمزق الستائر المزيفة ، لا لكي نحصل على ادب لا طبقي وفن لا طبقي فان هذا لن يكون ممكناً الا في مجتمع اشتراكي لا طبقي بل لكي نعارض الادب المزعوم نفاقاً ورياءً بانه حر ولكنه المرتبط فعلاً بالبرجوازية بأدب حر حقاً وفعلاً مرتبط على المكشوف بالبروليتاريا".
ويرى لينين ان ادب المجتمع الاشتراكي سيخدم عشرات الملايين من الكادحين الذين يشكلون زهرة البلد وقوته ومستقبله ويلقح آخر كلمة الفكر الثوري لدى البشرية بتجربة البروليتاريا الاشتراكية وعملها الحي ، ويخلق تفاعلاً متبادلاً دائماً بين خبرة الماضي (الاشتراكية العلمية التي انجزت تطور الاشتراكية من اشكالها البدائية) وخبرة الحاضر (النضال الذي يقوم به الرفاق العمال).
وفي خطاب له امام منظمة الشباب اوضح لينين ان الثقافة البروليتارية لم تنبثق من مكان مجهول ،ولم يخترعها الناس الذين يقولون عن انفسهم انهم اختصاصيون في ميدان الثقافة البروليتارية ، كل ذلك سخف وهراء .. فيقول:" ينبغي ان تكون الثقافة البوليتارية التطور المنطقي لمجمل المعارف ، التي صاغتها الانسانية تحت نير المجتمع الراسمالي ومجتمع الملاكين العقاريين والمجتمع الدواويني".
ويؤكد لينين موقف انتقادي من بعض افكار هذا الفنان والكشف عن نواحي الضعف والطوباوية والاراء الرجعية في مؤلفاته نفسها.كما ويعارض التفسير الميكانيكي للمضمون الطبقي للفنان ، ويرى ان الفنان الاصيل كثيراً ما يتخذ في عمله الفني موقفاً معادياً لطبقته البرجوازية نفسها.
وعن كيفية فهم تراث الماضي واستيعابه في الوقت نفسه قدم لينين مثالاً عملياً من دراساته حول العديد من الكتاب الروس ، من ضمنهم تولستوي الذي "عكس الحقد المستمر والتطلع الناضج الى الأفضل والرغبة في التخلص من الماضي ، كما عكس الاستسلام للأحلام وفقدان التربية السياسية وعدم الصلابة الثورية".
ويكشف لينين بتحليله الماركسي النادر من حيث العمق لنتاج تولستوي عن التناقض في اراء ووجهات نظر هذا الكاتب الروسي العبقري، ومما قاله :" تولستوي عظيم لتعبيره عن الافكار والميول التي نشأت لدى الملايين من الفلاحين الروس قبيل قيام الثورة البرجوازية في روسيا، وتولستوي اصيل لأن مجمل ارائه مأخوذة بكاملها من ما يعبر بالذات عن خصائص ثورتنا باعتبارها ثورة برجوازية فلاحية. وان التناقضات في وجهات نظر تولستوي ليست تناقضات فكره الشخصي وحده، انما هي ايضاً انعكاس للظروف والتأثيرات الاجتماعية والتقاليد التاريخية المعقدة والمتناقضة بالغة التعقيد والتناقض ، والتي حددت نفسية مختلف الطبقات ومختلف اوساط المجتمع الروسي في الحقبة التالية للاصلاح ولكن السباقة للثورة".
وعن رواية "الأم" لكاتب العمال والثورة مكسيم غوركي قال لينين "انها كتاب ضروري ، اذ ان كثيراً من العمال اشتركوا في الحركة الثورية اشتراكاً لا واعياً، عفوياً، وستعود قراءة كتاب "الأم" عليهم بنفع كبير".
وهكذا يعلمنا لينين درساً في فهم العمل الابداعي وفي النقد الادبي وذلك بتأكيده على ان النزعة الانسانية المعادية للقهر والظلم والاستغلال والاضطهاد الطبقي ، هي النزعة الحقيقية والاساسية والاهم في مضمون كتابات كل فنان اصيل وخلاق ، وضرورة فهم حركة الواقع والمرحلة التاريخية الراهنة، ووضع نتاج الكاتب في قلب هذه الحركة الواقعية والتاريخية .وكذلك فهم التناقضات في قلب العمل الابداعي للفنان وتقدير ما هو تقدمي في هذا العمل، وفي الوقت نفسه اتخاذ موقف انتقادي من بعض افكار هذا الفنان ، والكشف عن نواحي الضعف والطوباوية والآراء الرجعية في مؤلفاته نفسها ومعارضة التحليل الميكانيكي للمضمون الطبقي للعمل الفني وربطه بالاصل الطبقي للفنان.
ثم فان الفنان الحقيقي الأصيل هو الذي يتخذ موقفاً معادياً لطبقته البرجوازية نفسها ، واعتبار الطبقة العاملة المسحوقة الوريث الشرعي لكل الاعمال الفنية الأصيلة ، ولكل ما هو تقدمي وانساني في التراث الثقافي.
وعلى الطبقة العاملة ان تنشر هذا التراث وتدرسه وتستخدمه في المعارك الكفاحية والنضالية الشعبية من اجل الحياة والتقدم والخبز والعمل والفرح .
ويبقى القول ، ان تراث لينين الجمالي سلاح هام وبتار في ايدي الشعب والجماهير الكادحة والمضطهدة في المعركة ضد عدوها الطبقي ، وينبوع صاف نغترف منه الحلول للمسائل الأدبية الفنية الجمالية المطروحة في العالم وفي بلادنا العربية.