الموجة الاشتراكية الأولى ورهانات تفكيك الرأسمالية


عبد السلام أديب
2010 / 6 / 20 - 12:22     

شكلت ثورة أكتوبر سنة 1917 من القرن العشرين الاشتراكية حدثا دوليا بالنسبة لكافة البروليتارييين وجميع المسحوقين في العالم، لأن البروليتاريا الثورية الروسية غزت تحت قيادة الحزب الشيوعي الينيني سلطة الدولة عبر تدميرها للآلة البيروقراطية العسكرية وقلبها لإحدى أعتى الملكيات استبدادا وأكثرها تخلفا: القيصرية.
في السادس عشر من أكتوبر 1917 وضع لينين قرار الثورة المسلحة في جدول أعمال الحزب البولشفي. وفي 25 أكتوبر 1917 (7 نونبر 1917 حسب اليومية الحالية) نجحت الثورة المسلحة وتم اصدار نداء "للمواطنين الروس". وخلال مساء نفس اليوم سقط قصر القيصر الشتوي.

سبق لماركس أن قال "فلترتعد البرجوازية عند مواجهتها للثورة الشيوعية !". وبالفعل فقد ارتعدت البرجوازية الروسية وباقي العالم، أولائك الذين لم يتوقعوا أبدا بأن سلطة ستأول للعمال، والفلاحين والجنود وستتمكن من المقاومة. لكن الثورة البروليتارية أكدت لهم العكس. وقد شعر العمال والفلاحين وأشباه البروليتاريا في المدن والقرى، ومثقفي الشعب، والنساء والرجال، إضافة غالبية الشعوب المقهورة بالامبريالية وعمال ومستخدمي الدول الرأسمالية بأحاسيس أخرى مختلفة. فبالنسبة لهم لم تكن ثورة أكتوبر ممكنة فقط وإنما كانت ضرورية. فالثورة جاءت كالنسيم العليل المنعش الجديد الذي هب في ظل سيطرة رائحة كريهة من الاستغلال والقمع الرأسمالي والإقطاعي، فكانت بارقة أمل في وسط من اليأس، إنه حلم يتحقق.

لقد سادت سلطة العمال والفلاحين والجنود الذين بدءوا بتفكيك الرأسمالية وبنو لأول مرة في تاريخ الإنسانية صرح الاشتراكية وانتزاع الملكية الخاصة للرأسماليين والملاكين الكبار، وقدموا الأراضي للفلاحين، ونظموا مراقبة على الإنتاج وبنو الدولة الاشتراكية الجديدة .

لكن التيار العالمي المناهض للثورة انفجر ضد سلطة السوفيتيات الناشئة حيث خاضت ضدها ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، وقد وجد التيار المناهض للثورة داخل روسيا دعما من طرف أربعة عشرة قوة امبريالية. لكن العمال والفلاحين والجنود والمثقفين الأبطال المجهولين ضحوا بحياتهم من أجل الدفاع عن السلطة الناشئة. في ظل هذه الظروف بنيت القوة المسلحة للبروليتاريا، الجيش الأحمر، الذي هزم الجيش الأبيض في العديد من المعارك.

بعد ذلك وجد الشعب السوفيتي نفسه في مواجهة المهام الثقيلة لإعادة بناء بلاد محطمة وبشعب جائع يعيش في عالم من البؤس ونجح في العودة بهم الى السطح. لقد أنجزوا مهام بطولية خلال عقد الثلاثينات عندما نجحوا في خلق تعاونيات، والتأميمات، والتصنيع وثورة عميقة في المجال الثقافي.

ومن خلال التضحيات الكبرى، والنضال ضد سوء التدبير القيصري الموروث، وفي مواجهة التهديد بحرب الإمبراطورية الألمانية النازية، نجحت ديكتاتورية البروليتاريا في توفير الخبز والعمل والسكن والتعليم والصحة والأرض والأمن الاجتماعي بالنسبة لجميع العمال وللشعب بأسره. فلقد وضعت السلطة الجديدة حدا للعطالة والأمية وحققت يوم عمل بثمانية ساعات ثم بخمس ساعات وتم إدماج الملايين من النساء في دورة الإنتاج الاجتماعي. لقد شكلت هذه المنجزات اضافة جديدة لم تتحقق أبدا من قبل في المجتمعات الرأسمالية.

فقد أظهرت الديمقراطية البروليتاريا تفوقها على الديمقراطية البرجوازية. فقد شكل نهضة للأغلبية المستغلة، المقموعة، المهمشة وللمنتجين المباشرين للثروات على أرض الواقع، ونهوضا للجماهير الواسعة، أولائك الذين لم يكن لهم من قبل أي تأثير على قرارات الحكومات البرجوازية السابقة، حيث أمسكوا بالشؤون السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية. وبدأوا يمارسون التدبير الاشتراكي. وشكل كل ذلك انقلابا ثوريا في تاريخ الإنسانية.
فلا القوات المسلحة الأربعة عشر الامبريالية التي هاجمت روسيا خلال الحرب الأهلية للقضاء على الثورة، ولا القوات المسلحة النازية الألمانية ولا الأغلبية في أوروبا المناهضة للثورة العمالية في روسيا نجحت في القضاء على الاتحاد السوفياتي الاشتراكي. لكن الاشتراكية انهزمت في الداخل خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي سنة 1956 حينما استطاعت البيروقراطية والبرجوازية الوضيعة ببطاقة الحزب في الجيب الهيمنة على السلطة واستعادة الرأسمالية.

انهزام البروليتاريا ودولتها الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي عقب المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي وإعادة إقامة الرأسمالية أجبرت ماو تسيتونغ على مراجعة عميقة للأسباب التي أتاحت عودة الرأسمالية في أول دولة اشتراكية. وقد توصل الى قناعة بأن الطبقات، وتناقض الطبقات والصراع الطبقي ظلت قائمة في المجتمع الاشتراكي، والتي يمكنها أن تتعمق أو تضعف وأن مخاض الصراع الطبقي يوجد في قلب الحزب الشيوعي، لأن الصراع الطبقي يعبر عن ذاته في صراع الخطوط.
فإذا أفرز الحزب عقب الاستحواذ على السلطة مثل هذه البرجوازية وتبقرط، فإن البرجوازية الصغرى ببطاقة الحزب في جيبها تستطيع أن ترتبط بالمجالات الرجعية في الداخل والخارج. فلأجل ذلك تم التعبير عن هذا الصراع بصراع الخطين: الخط الاشتراكي والخط الرأسمالي، الخط الماركسي والخط التحريفي. وقد طبق ماو تسيتونغ المنهجية التي درس بها مجتمع الاتحاد السوفيتي والصين من أجل منع عودة الرأسمالية. وحاول تفجير الثورة الثقافية مابين 1966 و1976 أي خلال عشر سنوات لكن البرجوازية الصغرى داخل دواليب السلطة الشيوعية في الصين شكلت تيارا مناهضا للثورة وتمكن من استرجاع الرأسمالية للمجتمع الصيني .

في سنة 1991 انهار الاتحاد السوفيتي وانحرفت الصين نحو الرأسمالية. وكشف ذلك بوضوح الإفلاس الكامل للتحريفية الحديثة. وقد حاولت البرجوازية تصوير ذلك للجماهير في العالم بكامله كانهيار للاشتراكية.

الحروب الاحترازية التي دخلتها الامبريالية الأمريكية وحلفائها عقب هذا الانهيار في العراق وأفغانستان تحت دريعة ما تسميه بمحاربة الإرهاب ولد وضعا دراماتيكيا سرع انزلاق العالم نحو الأزمات والانهيار التام لصالح الأولغارشية البورجوازية وعلى حساب البروليتاريا. الجشع الشره والذي من خلاله تستغل البرجوازية وتنهب الطبقة العاملة والشعوب والأمم المسحوقة وتسرع بالقاء الملايين في الفقر يؤكد يؤكد أكثر من أي وقت مضى راهنية الثورة والصراع من أجل الاشتراكية والشيوعية والانسانية.

لندافع عن الحق في تحالف الأحزاب الماركسية اللينينية، ولنتخذ الأحداث والأسباب من أجل الصراع لأجل التحرر الثوري والحق في تقرير مصير الشعوب ضد الامبريالية والاستعمار الجديد.

لنحتفل جميعا بثورة أكتوبر، ولنكافح من اجل اشتراكية ضد تزييف الامبريالية للتاريخ.

لقد أصبح الصراع القوي المتزايد للعمال والشعوب ضد الاستغلال والقمع يتخذ طابعا دوليا، ويرتبط أكثر فأكثر بالماركسية اللينينية. فالبحث عن بديل للرأسمالية في العالم أصبح بديهيا. لذلك نلاحظ أن الامبريالية تطلق بكل حنق وغضب وكذب وكراهية حملة ضد الشيوعية والشيوعيين. فالملايين من الضحايا الذين ذهبوا ضحية الهجومين الإجراميين للقوات المسلحة الامبريالية في روسيا خلال السنوات الثلاث عقب ثورة أكتوبر، تم تقديمهم كضحايا للشيوعية. نفس الشيء بالنسبة لضحايا الجوع الناجمة عن هذين الهجومين ومخلفات القيصرية. إن هدفهم من ذلك هو تشويه سمعة الاشتراكية وتزييف المستقبل أمام الناس.

لقد أضافت الموجة الاشتراكية الأولى بالفعل نفسا جديدا للإنسانية، وها نحن اليوم أمام انسداد الأفق من جديد نظرا لانكسار الاشتراكية الناجم عن التحريفية داخل الأحزاب الشيوعية وتحكم البرجوازية المهيمنة في رقاب الشعوب وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهو ما يتطلب موجة ثورية جديدة على الصعيد العالمي من اجل استعادة الانسانية للانسان.