أزمة الفكر البرجوازي وإرهاصات العواصف الثورية


عبد السلام أديب
2010 / 5 / 14 - 09:08     

في الوقت الذي طورت فيه الإنسانية قوى الإنتاج إلى درجة جد متقدمة، والتي يمكنها أن تؤدي الى القضاء نهائيا على أي خصاص في وسائل العيش، من تغذية وصحة وسكن واتصالات وتعليم، ... الخ، في مختلف أرجاء العالم، نلاحظ أن هذه القوى والقدرات الإنتاجية الهائلة أصبحت جامدة ومحطمة بفعل التناقضات الداخلية لعلاقات الإنتاج الرأسمالية.


فساكنة العالم تحتاج إلى كل شيء، بينما البرجوازية تعاني من أزمة فائض الإنتاج الرأسمالي.


ففي الدول الصناعية الرئيسية تجاوز عدد العاطلين جميع الأرقام القياسية المسجلة منذ الحرب العالمية الثانية. وأصبح نمو عدد العاطلين في تسارع مستمر حيث أصبح يقذف بحوالي نصف مليون عاطل في كل شهر في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا.


نفس الأرقام القياسية ونفس التسارع نلاحظه في للعديد من الشركات متعددة الاستيطان وفي العديد من الدول التي أشرفت على الإفلاس المالي مثل اليونان والبرتغال واسبانيا وارلند. كما تضاعفت المجاعات وهيمنت على العديد من البلدان المتخلفة.

وقد أقفلت المصانع أو اشتغلت بجزء صغير جدا من طاقتها الإنتاجية (بأقل من 70 في المائة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبأقل من 50 بالمائة في مجال صناعة الصلب في أوروبا)؛ كما يتم تدمير الفوائض الفلاحية كشراء اليابان لكميات كبرى من الأرز ثم تدميرها مع أن المجاعة منتشرة في العالم وتتم المضاربة على أسعار المواد الأولية، الغذائية منها والصناعية، فترتفع الأسعار تارة وتنهار بسبب تناقص المشترين تارة أخرى.


إن وهم الخطاب الرسمي الذي يدعي "بأننا أشرفنا على نهاية النفق " استبدل بمقولة "يجب أن الاستعداد لسنوات التقشف والصرامة والتضحية" والذي لا يعني شيئا سوى المزيد من الضغط على الطبقة العاملة واستنزاف آخر مكتسباتها.


الحقيقة الصارخة تؤكد أن هذه التطورات ليست "طبيعية" كالنقص في الطاقة أو في المواد الأولية، لأنها تجمد القوى الإنتاجية: فالتجار الدوليين لا يعرفون ماذا يفعلون بمخزونات البترول أو الحليب غير المباع. كما انها لا تتعلق بنقص في قوى العمل من حاملي الشهادات أم لا: فالعطالة تطال في نفس الوقت العمال الأميين والحاملين للشهادات الجامعية.


ولا يتعلق أيضا بنقص في الإبداع التقني: فالقطاعات الأكثر تقدما في الصناعة الحديثة "كالسيليكون فالي" الكاليفورنية، وهو المكان المتقدم في العالم من الناحية الإلكترونيك المتقدم في العالم، تطاله لأول مرة عدوى العطالة. وليس الأمر في الأخير بسبب نقص في "السياسة المناسبة للتدبير الرأسمالي". فجميع الوصفات السياسية الاقتصادية أفلست: فالسياسات الريغانية النيوليبرالية التي أعلنت انطلاقتها في اطار من الصرامة والتوازن الموازناتي والتي اعتمدتها مختلف البورجوازيات الحاكمة لدول العالم ومنها بلادنا بشكل أعمى، لم تحقق لا انطلاقة اقتصادية ولا توازن: ففي الولايات المتحدة تراجع الإنتاج بقوة وتعمق عجز ميزانية الدولة ليشكل أكبر عجز في تاريخ البلاد وفي العالم. السياسات التي اعتمدتها الحكومات اليسارية والحكومات اليمينية في أوروبا أفلست على السواء فسياسات ميتران التي استهدفت الزيادة في الاستهلاك الشعبي وعجز الميزانية العامة، نجحت فقط في حفر المزيد من عجز الدولة، كما أن النمو الصناعي في فرنسا واصل تفتته بنفس القدر لمستوى معيشة العمال وتعمق مع الحكومات اليمينية خصوصا مع ساركوزي.


إن الأزمات المتزايدة تعمق وعي البروليتاريا بإن نمط الإنتاج العالمي الرأسمالي هو المتسبب فيها حيث تعمق التناقض بين قوى الإنتاج المتطورة وعلاقات الإنتاج المتخلفة.


فمنذ بداية القرن العشرين وانطلاقا من سنة 1914، تعيش الإنسانية النهاية التاريخية لقوانين الإنتاج الرأسمالي، حيث من أجل انقاد هذه القوانين انطلق تدمير البرجوازية للعالم تشبثا بالبقاء في حربين عالميتين ذهب ضحيتهما حوالي 80 مليون نسمة من البروليتاريين. ولا زال التدمير قائما في الحروب المحلية والمجاعات.


وسواء أرادت ذلك أم لا فإن البروليتاريا المستغلة، تجد نفسها اليوم في مواجهة مباشرة مع القضايا التي يطرحها أفق أصبح متلبدا بالغيوم والعواصف الثورية، وتعتبر أحداث اليونان إحدى الإرهاصات الأولية للعواصف الثورية المقبلة. ولن تتمكن البروليتاريا من انجاز مهامها التاريخية في تغيير العالم بدون تنظيماتها الذاتية المحكمة والواعية.