ان تكون قوميًا او ماركسيًا امميًا!


الاخضر القرمطي
2010 / 6 / 23 - 08:37     

ما هو الموقف الذي يفترض بالاشتراكي الماركسي ان يتخذه عندما يجد نفسه امام احد الخيارين: إمّا نصرة ما يُفترض انهم "قومه" و "امته" او نصرة المصالح الداخلية والاممية للطبقة الاجتماعية (العمالية) التي يناضل من اجلها؟ كماركسي فُرِض عليّ ان انتمي الى ما يسمّى وطن وقومية، لا بد ان اختار احدى الخيارين السابقين. ولا اظن ان محاولة التوفيق بين الخيارين (ان يكون المرء امميًا وقوميًا في الميدان الطبقي) امرًا يمكن ان يتم دون التضحية باحدى الخيارين، ذلك ان:
1- ليس الفكر القومي مجرد ايديولوجية برجوازية بالاصل، بقدر ما يعارض الفكر القومي ذلك الطبقي، مثل بسيط يوضّح وجهة نظري، فلنفترض انك اضطررت حفاظًا على مصالح دولتك وقوميتك الاقتصادية والمالية ومصالح الطبقة العمالية القومية المحلية ان تطالب بترحيل عدد من العمال "الاجانب" الموجودين على ارض دولتك، فما هو خيارك كماركسي اممي؟ ان تكون امميًا يعني ان تقف الى جانب العمال "الاجانب" وان تكون قوميًا يعني ان تتجه الى الخيار الآخر. لا اظن ان هناك حلاً ثالثًا قابل للحياة والاستمرار.
2- القومية تعني بناء حدود عرقية او اجتماعية او سياسية بين فئات وشرائح الطبقة العمالية المنتشرة حول العالم، وبالتالي فان ذلك يناقض مبدأ الاممية العمالية الاشتراكية. العمال بكل بساطة، وبكل واقعية حقيقية، لا وطن لهم، وبالتالي فليست الحدود المبنية سوى لخدمة مصالح متناقضة مع مصالح العمال، فالاستغلال عالمي واممي وبالتالي يتوجب ان يكون الكفاح ضد الاستغلال الرأسمالي خارج الحدود القومية المفروضة. ان التقسيم القومي والوطني لا يساهم فقط في تنظيم المصالح والعمليات البرجوازية بين الدول القومية بقدر ما يساهم في تشتيت وتفرقة واضعاف قوة الطبقة العاملة. خذ مثلاً ما يُعرف بالوطن العربي (او البلاد العربية والتسمية غير مهمة)، تتبجج السلطات العربية الرأسمالية الحاكمة بالانتماء القومي المرتكز على القطرية، وما تصنعه في الواقع هو انها تشدد على الفصل بين الطبقات العمالية في هذا الوطن، ثم انها باتخاذاها مواقف قومية موحدة تتجه وتأخذ معها الطبقة العمالية الى تبني مواقف شوفينية بوجه الشعوب الاخرى، أكانت ايرانية او اوروبية او افريقية او كردية...الخ.
3- الانسانية الماركسية، اي اعتبار ان الانسان، على حد قول ماركس، اثمن رأسمال يقتضي من كل ماركسي ان يقف الى جانب اخيه الانسان العامل بغض النظر عن الانتماء العرقي او الجنساني او الجغرافي، ذلك ان الماركسية كفلسفة ونظرية للنضال الثوري اوجدت لالغاء الاستغلال الطبقي والتعسف والاستعباد الحديث. لا اظن ان اي ماركسي حقيقي يمكن ان يتعاطف مع برجوازيي بلاده وهم ينادون بالوحدة الوطنية و القومية ويعملون لأجلها، فيما يستغلون العمال "الوطنيين" او "الاجانب". ولكن للاسف كثيرًا ما شهد تاريخ الاحزاب الشيوعية العربية حالالات من التحالفات السياسية مع البرجوازيات المحلية "الوطنية" بغض النظر عن استغلالها الطبقي اللانساني (حالة الاحزاب الشيوعية في لبنان والعراق وسوريا..)
4- بخصوص التحرير الوطني من الاستعمار والاحتلال، كحالات فلسطين والعراق وافغانستان و بعض بلدان افريقيا وهاييتي وغيرها، ما هو الموقف الذي يجب ان يتخذه الاممي الماركسي؟ الجواب واضح، النضال المسلح لاخراج المحتل والمستعمر الامبريالي، ولكن هل يجب اتخاذ هذا الموقف الثوري على اساس طبقي او من منطلق قومي وطني؟ من يراجع برامج اغلبية البرامج السياسية للاحزاب الشيوعية العربية مثلاً يرى ان التناقض الرئيسي في هذه الاحزاب هو التناقض القومي، اي بمعنى آخر يجب اخراج المحتل والمستعمر قبل الشروع بمهام النضال الطبقي والتحرير الاجتماعي (راجع برامج احزاب لبنان وسوريا...). من البيّن ما انتجته هذه الاستراتيجية "النضالية الثوري" بالتحالف مع الانظمة "التقدمية العربية الثورية"، فلا الارض تحررت ولا الانظمة "دمقرطت" (اصبحت ديمقراطية): المنطق القومي سهل على من يغوص في اعماقه: التحرر من البرجوازية الاستعمارية لتنتصر البرجوازية المحلية، وان استحال هذا الامر (وهو على كل حال مستحيل من اساسه) تتعايش البرجوازيتان، وفي نهاية الامر العدو واحد : الطبقات العمالية والكادحة في بلاد المستعمَر وبلاد المستعمِر! لا اظن ان الماركسي يعارض الحرب الامبريالية والاستعمار لمجرد ان وطنه تم احتلاله او اجزاء من بلاد امته "اغتصبت"، معارضة الماركسي للامبريالية والاستعمار والاحتلال ينطلق من مبدأ ان هذه الحالات اللانسانية والوحشية هي من صميم الرأسمالية والفكر البرجوازي العالمي، وبالتالي ان نناضل لتحرير العراق وفلسطين وافغانستان ينطلق من مبدأ طبقي انساني اممي، ولا اظن ان على الماركسي ان يكتفي ان كان "عربيًا او "مسلمًا" باعتبار ان هذه البلاد واقعة تحت الاحتلال وتستوجب النضال، بكلمة اخرى لا ارى اي افضلية للنضال من اجل تحرير شعوب فلسطين على النضال من اجل تحرير شعوب افغانستان او دلتا النيجر او تيمور الشرقية او هاييتي مثلاً، في نهاية الامر نناضل من اجل تقدم ورفاهية الطبقة العاملة وبالتالي الانسانية وليس من اجل "تراب الوطن" و"الشرف القومي" و"العزة او الكرامة الوطنية"!!!
في الختام،جاء النص مختصرًا جدًا على ما بدا لي، و قد يبدو منطقي ثنائيًا جامدًا الى حد بعيد، ولكن ذلك لا يمنع من الرفاق الكرام ان يحوّلوا "مطرقة" النقد والنقاش حول هذا الموضوع كما صغته.
.