- أول جيش ثوري للعمال و الفلاحين- من كلم لاينفد للرفيق ماو تسي تونغ


فاطمة الفلاحي
2010 / 4 / 26 - 08:29     



ماو المحارب 1936-1945

- 1 هذا الجزء من تاريخ حياة ماو يبين كيف أن ماو نجح في قيادة جيش كبير مكون من فلاحين فقراء و عمال الى النصر ضد جيش (جيش الحكومة) أكثر تجهيزا و مستند الى أكبر قوة امبريالية في العالم-الولايات المتحدة. حارب الثوار بقيادة ماو الحزب المكروه الكيومنتانغ لتشيانغ كاي تشيك لمدة سنيين عديدة. و قد أقام الجيش الأحمر قواعد الارتكاز حيث سلح و حرر الشعب. و لكن اضطر جنود ماو إلى الدفاع باستمرار ضد هجمات الكيومنتانغ.

- في سنة 1932، حدث شيء ذو أهمية كبيرة: اجتاح الجيش الإمبريالي الياباني الصين، و احتل جزءا مهما من البلاد. مما جعل ماو يطور إستراتجية جديدة لمتابعة الثورة على ضوء هذه الحالة الجديدة. لقد اعتبر ماو دائما الصين كبلد مضطهد من القوى الامبريالية الخارجية. و لكن بما أن إحدى هذه القوى اجتاحت البلاد كلها تقريبا، اقتنع على أن الثوار يجب أن يناضلوا من أجل أن يتحد الشعب كله ضد هذا الاعتداء. لقد رأى على أن الوقت قد حان لشن حرب التحرير الوطنية و أنه بعد الآن من الممكن دفع الكيومنتانغ على إيقاف هجماته ضد قواعد ارتكاز الجيش الأحمر و الالتحاق بالجبهة المتحدة ضد اليابان.

- طيلة عشرات السنين كاملة، كانت الصين مسيطرا عليها من طرف قوى خارجية كبريطانيا العظمى و الولايات المتحدة. و الآن، جاء دور اليابان لكي تحاول أن تجعل من هذا البلد مجرد مستعمرة. كانت جماهير الشعب الصيني تأمل أن تناضل حكومة الكيومنتانغ ضد اليابان و بالتالي أن تضع حدا للحرب الأهلية ضد الشيوعيين. حتى داخل الكيومنتانغ، وقد عارض بعض القياديين خط تشيانغ كاي تشيك الذي تمنى ״إنهاء التهدئة الداخلية قبل بدء المقاومة ضد الاحتلال الخارجي״. و قد اعتبر بعض القياديين داخل الحزب الشيوعي أن الحزب لا يجب أن يقوم بأي محاولة للتقرب من الكيومنتانغ. و على العكس من ذلك، كان آخرون مستعدين للالتحاق بدون شرط. و بالنسبة لماو، فكان يرى أن من الضروري خلق جبهة متحدة لمواجهة اليابانيين و التي يمكن أن تضم حتى بعض الفصائل من البرجوازية الكبيرة و بعض الملاكين العقاريين الاقطاعيين. و لكن و في نفس الوقت كان واضحا لماو على أن الحزب الشيوعي يجب أن يناضل بثبات من أجل الحفاظ على استقلاله السياسي و العسكري و الحفاظ بالتالي على قوة المبادرة داخل الجبهة المتحدة.

״انتصار حركة التحرر الوطني في الصين يعد جزءا لا يتجزء من انتصار الاشتراكية في العالم، لان الاطاحة بالامبريالية في الصين تعني تحطيم أحد معاقلها״(ماوتسي تونغ)

- في دجنبر 1936، قاد تشيانغ هسوه ليانغ، وهو قائد كبير في الكيومنتانغ، عصيانا ضم 170000 رجلا ضد تشيانغ كاي تشيك الذي تم اعتقاله. بعد لقائه لبعثة الحزب الشيوعي و وعدها بأنه سيكف عن هجماته على الجيش الأحمر، تمكن تشيانغ كاي تشيك من الحصول على حريته.

- كانت الجبهة المتحدة تضم العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة الحضرية و ״حتى كل الطبقات الأخرى الراغبة في المشاركة في الثورة الوطنية״. من أجل تحقيق وحدة أكثر اتساعا، كان يجب بطبيعة الحال القيام ببعض التغييرات. فأعيد تسمية الجيش الأحمر ب״جيش الطريق الثامن״ و تم دمجه شكليا داخل الجيش الوطني لتشيانغ كاي تشيك. راغبا في توحيد أكبر عدد من القوى الممكن –باستثناء الملاكين العقاريين- ضد المعتدين اليابانيين، قام الحزب باعادة النظر في سياسته إزاء الإصلاح الزراعي. فتوقف الاستيلاء على الأراضي في ملكية الملاكين العقاريين بالأولى من أجل القيام بالحملة في صالح تخفيض الكراءات و الضرائب المفروضة على الفلاحين. لكن ماو كان يؤكد على أنه من أجل انتزاع بعض الإصلاحات كان لابد من الاستمرار في تنظيم الجماهير و القيام بالنضال ضد الملاكين العقاريين.[...] من وجهة نظره، ستتكون تعبئة الفلاحين القاعدة من أجل أن يتحمل الشعب مسؤولية تطور الإنتاج بالشكل الذي يساند الحكومة و الجيش الثوريين.

- كان تشيانغ كاي تشيك يأمل بأن يخضع ماو لقيادة الكيومنتانغ، و يفرض عليه أن يفكك الجيش الأحمر و يوضع تحت مراقبة الكيومنتانغ. ولكن بالنسبة لماو كما رأينا ״بدون جيش شعبي، لا يملك الشعب شيئا״. على طول الحرب، لم يتنازل ماو أبدا عن قيادة مقاتليه.

- بينما كان ماو يقود الشعب في معارك ضارية ضد اليابانيين، كان تشيانغ كاي تشيك لا يقوم بالتعبئة الفعلية لمقاتليه، إلا لمهاجمة الشيوعيين بطبيعة الحال. و في إحدى اللحظات، قام 50000 من جنود الكيومنتانغ بمحاصرة 9000 من رجال ماو، حيث قضى 4000. في بعض الأحيان، كان مقاتلو الكيومنتانغ يتعاونون بشكل مكشوف مع العدو الياباني، أو يستسلموا بدون حتى أن يقاتلوا. في عام 1944، تم الوقوف على أن 60% من 425000 جندي صيني الذين يحاربون من جانب اليابانيين كانوا جنودا و ضباطا سابقين في الكيومنتانغ.

- أطلق اليابانيون حملة تهدف إلى ״قتل الكل و إحراق كل شيء״ في طريقهم، الشيء الذي أدى إلى مقتل زهاء 30 مليون صينية و صيني. كانت المناطق التي يتحكم فيها ماو مستهدفة بشكل خاص من طرف اليابانيين. في ممر من حوالي عشرين كيلومترا حول قواعد الارتكاز بقيادة الشيوعيين، انهمك العدو في قتل كل الرجال وترحيل النساء و الأطفال ثم إشعال النيران بشكل ممنهج في المنازل و المحصولات. في 19 دسمبر 1937، دخل المقاتلون اليابانيون الى نانكين، مركز القيادة العامة للكيومنتانغ،اندفع حوالي 50000 من جنود العدو في عربدة حقيقية من الاغتصاب و القتل و السرقة من كل الأصناف. في أقل من أربعة أسابيع، أطاحوا بأكثر من 300000 ضحية. قطع الجنود اليابانيون رؤوس الرضع و اغتصبوا آلاف النساء من الفتيات الشابات الى الجدات الأكبر سنا. ُوضع آلاف الرجال في صفوف و اعدموا فورا. و أخيرا تم رش آخرين بالكيروزين و إحراقهم أحياء. كان يتعلق الأمر بالفعل بحرب حمقاء و شرسة و التي تهدف إلى السيطرة التامة على الشعب الصيني و كسر كل ارادة في المقاومة.

- لقد رد ماوتسي تونغ على التقتيل الذي يتعرض له الجماهير بوضع قيادة جريئة: ״يجب أن نوسع حرب العصابات في كل المناطق المحتلة من طرف العدو و تحويلها إلى قواعد خلفية من أجل جعلها جبهات للقتال و حمل العدو على أن لا يكف على القتال داخل المناطق التي يحتلها. ״ كون ماو فرقا صغيرة من مدربين و دعاة من الحزب ذهبوا ينشرون الأمل و روح النضال عبر كل أنحاء الصين. من قرية الى اخرى، كانت تعمل هذه الفرق على أن توحد الشعب في النضال ضد العدو. أصبح للناس الحق في التصويت و التسيير. و الكراء و الضرائب التي كان على الفلاحين تحملها تم تخفيضها. و أصبح في مصلحة الملاكين العقاريين أن يظهروا صغارا...تم تنظيم العاطلين عن العمل، بينما غدا الشباب و النساء لأول مرة مشتركين في الحياة السياسية. و تكونت مجموعات الدفاع الذاتي، و أُقيمت برامج لتربية الجماهير. كان ماو يلح على تطوير الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في كل مكان، و قد بادر الى مجموعة من الحملات لتطوير الانتاج حتى يستطيع الشعب و الجيش أن يحصل على الأكل بشكل كافي.

- ״المهمة المركزية و الشكل الأرقى للثورة هو الاستيلاء على السلطة عن طريق النضال المسلح، انه حل المسألة بالحرب. ״ ماوتسي تونغ، «مسائل الحرب و الاستراتيجية»، نوفمبر 1938، الأعمال المختارة المجلد الثاني.

- كلما ذاع صيت عمل جيش الطريق الثامن، يسافر العديد من الأشخاص عبر المئات من الكيلومترات من أجل الالتحاق بالمعركة. حمل الفلاحون معهم رموحا بدائية و قنابل يدوية و فؤوسا. و جاء طلبة و عمال و ميكانكيون من المدن المحتلة من طرف اليابان و التحموا في حرب المقاومة. كما أن العديد من الأطفال شاركوا في المعارك: يتامى و متسولين و المشردين و أبناء المدمنين.

- نشر ماوتسي تونغ مجموعات صغيرة من الجنود مكلفين بالتقدم عبر خطوط العدو و الانتشار في الوديان و السهول و قرى كل منطقة. كانت مهمتهم تنظيم و تدريب و قيادة آلاف الملتحقين المنحدرين من الفلاحين و الذين يرغبون في امتلاك الأسلحة و اعطائهم تعليمات من أجل القتال. كانت كل من المجموعات المكونة من طرف ماو محاطة بفصائل من الميليشيا الفلاحية الذي كان عليها العيش معهم ومشاركتها في الانتاج بالنهار و قتال العدو بالليل. و هكذا تم استدعاء أحسن المقاتلين و القادة من داخل الميليشيات الفلاحية من أجل الالتحاق بجيش الطريق الثامن.

- في المناطق المحتلة من طرف الكيومنتانغ، كان الشعب يعاني من الجوع. من أجل درء خطر أي تمرد، أقام تشيانغ كاي تشيك النظام المسمى ״باو-تشيا״ الذي استعمل البنيات العائلية التقليدية لتقوية المسؤولية المشتركة. كان على مختلف الطوائف أن تتحمل المسؤولية جماعيا على تصرفات و نشاطات كل أعضائها. كان على الناس التجسس بشكل ممنهج على جيرانهم. و منذ اللحظة التي يشتبه في شخص بانتمائه للحركة الثورية، كانت كل الطائفة تعاقب. كذلك كانت تقام إعدامات للجماهير تحت أمر: ״من الأحسن قتل 100 شخص بريء بدل ترك شيوعي واحد يفلت. ״

- أرسل ماوتسي تونغ وحدات من الأنصار لتنظيم الجماهير، باستثناء المناطق المحتلة من طرف الكيومنتانغ. كانت مجموعات سرية من المتطوعين مكلفة بجمع المؤونة و جلبها إلى المناطق المحررة. لقد تأسست منظمة سرية للحزب التي لم تظهر إلى واضح النهار إلا بعد أن أصبحت الفرق المحلية الوطيدة مستعدة للثورة لتحرير المدينة. و أرسل ماو كذلك مثل هذه المجموعات إلى المناطق المحتلة من طرف اليابان. كان يتعلق الأمر في بعض الأحيان فقط بمجموعات صغيرة مكونة من ثلاثة أو أربعة جنود التي كانت مهمتهم اختراق مناطق العدو و القيام بعمل التربية و التعبئة و الاستقطاب بين الجماهير. بهذه الطريقة، يمكن ضمان على أن لا يستطيع اليابانيون أبدا تهدئة الشعب الصيني.

- تحت قيادة ماو، بين الشيوعيون بشكل ظاهر على أنهم كانوا أحسن المقاتلين في الحرب الوطنية. بينما كان تشيانغ كاي تشيك يحاول بقدر المستطاع الحفاظ على الأسلحة و الجنود من أجل التي المعارك التي كان يشنها ضد الشيوعيين، إن مقاتلو ماو الذين تحملوا ثلاثة أرباع المعارك ضد اليابانيين بين 1937 و 1945. بالفعل خاضت جيوش ماو 92000 معركة، قتلوا مليون جندي من العدو و أسروا 150000 سجينا و استولوا على 320000 بندقية و 9000 رشاشا و 600 قطعة من سلاح المدفعية.

- لقد اهتم ماو شخصيا بتدريب قادة الحزب. خصص وقتا كبيرا لكتابة دروس حول المسائل الفلسفية (الديالكتيك) و العسكرية (مسائل الإستراتيجية و التكتيك) و الاقتصادية و السياسية. بالنسبة إليه ״الحزب الذي يقود حركة ثورية كبيرة لن يعرف قيادتها إلى النصر بدون نظرية ثورية، بدون معارف عن التاريخ، بدون فهم عميق للحركة في واقعها. ״ في سنة 1936، أسس ماو في خونان جامعة كانغتا kangta الشهيرة لقياديَّات و قياديّي الحزب. لقد ألقى بها العديد من المحاضرات. على طول مرحلة سبع سنوات، تدرب بكانغتا 100000 ثوري.

- كان تشيانغ كاي تشيك مدعوما من القوى الامبريالية الخارجية خصوصا الولايات المتحدة. بعد هزيمة اليابان في نهاية الحرب العالمية سنة 1945، كانت الولايات المتحدة تريد أن يصبح الكيومنتانغ هو المتحكم،و ليس الشيوعيين، في المناطق التي كانت تحتلها اليابان. طالب تشيانغ من المقاتلين بقيادة الشيوعيين بأن لا يقبلوا أي استسلام من طرف اليابانيين و الاستمرار في مطاردتهم. و في هذا الوقت، ساعدت الولايات المتحدة الكيومنتانغ بنقل 500000 من محاربيه بالطائرة و الباخرة الى أماكن إستراتيجية عبر الصين كلها تقريبا. أُرسل 9000 من جنود المارنز الأمريكان ليحتلوا المدن الرئيسية و حماية الموانئ و المطارات و مراكز الاتصال و مناجم الفحم و السكك الحديدية لحساب الكيومنتانغ. و قد درب مستشارون أمريكيون ضباط تشيانغ كاي تشيك، و زودت الولايات المتحدة الكيومنتانغ بأسلحة عصرية و عربات. في أقل من عامين، توصل تشيانغ كاي تشيك بما قدره 1.5 مليون دولار على شكل تجهيزات و قروض من الولايات المتحدة.

- قد صرح ماو بالتالي:"بما أن تشيانغ كاي تشيك يصقل الآن سيوفه، يجب علينا أن نصقل سيوفنا كذلك." ("الوضع و سياستنا بعد الانتصار في حرب المقاومة ضد اليابان"، ( غشت 1945، أعمال مختارة، المجلد الرابع). لقد دعا مقاتليه إلى إقامة قواعد ارتكاز بشكل ممنهج في المجال القروي. و بالإضافة إلى ذلك أخذ جنوده يتحكمون في 197 مدينة صغيرة. ذهب ماو إلى تشونغكينغ للتفاوض على اتفاق مع تشيانغ يهدف إلى الحفاظ على غالبية المدن المحررة. و لكن هذا الأخير رفض الاعتراف بالحزب الشيوعي و الحكومات التي أقامها في هذه المناطق. لقد اعتقد تشيانغ على أنه في موقع قوة. بمساعدة الولايات المتحدة، استطاع إعادة احتلال أغلب المدن الكبيرة في شمال الصين. في أواسط عام 1946، أطلق تشيانغ كاي تشيك هجوما جديدا ضد ماو. لقد ابتدأت الحرب الأهلية الثورية. و أعاد ماو تسمية مقاتليه تحت اسم "جيش التحرير الشعبي."

- من جهة، كانت الولايات المتحدة تريد التحكم في الصين و الاستحواذ على سوقها. من جهة أخرى، كان تشيانغ كاي تشيك لا يأمل أفضل من التمكن من بيع الصين للامبرياليين. لقد رسم بنكيُّو الكيومنتانغ شتى أنواع الخطط التي تهدف إلى استخلاص أكبر الأرباح من استغلال عمل "الحمالة". و بدأ رجال الأعمال الأمريكان بالتوافد على الصين لإبراز"حقهم" لهذه القطعة أو أخرى من البلاد. و لكن لا يمكن لهذه الأحلام الجميلة للرأسماليين أن تتحقق إلا إذا كان الشيوعيين قد انهزموا. هكذا عملت الولايات المتحدة بكل ما في استطاعتها للانقلاب على ماو. ساعد المكتب السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (مكتب المصالح الاستراتيجية) تشيانغ على اقامة شرطة سرية مكلفة باعتقال و تصفية الأحرار، كل من تجرأ على التعبير عن رأي ضد الحكومة، نفس الشيء لكل من اشتبه بأنه شيوعي أو "متعاطف".

- في عامي 1946 و 1947، كانت هناك العديد من المظاهرات و الانتفاضات ضد الكيومنتانغ و الولايات المتحدة. تبين للجماهير الصينية التهديد الذي يحذق ببلادهم، يُراد تحويلها الى مستعمرة للولايات المتحدة. و لا يوجد ما يرمز الى هذا التهديد الا حضور هاته الجنود المتبجحة التي تعامل الصينيين كأنهم كلاب. كان الناس ينظرون بغيض الى الجنود يأمرون السائقين ب"ادفع-ادفع" بالسير بأكبر سرعة فأكبر، كما لو كانوا حصونا أليفة. و اليوم الذي اغتصب أربعة جنود امرأة صينية شابة على الطريق، اندلعت مظاهرات كبيرة مناهضة لأمريكا في كل الأنحاء.

- قاد ماو حركة ثورية كبيرة و تاريخية لتغيير علاقات الملكية في البوادي الصينية. على طول أزيد من 1500 سنة، كانت جماهير الفلاحين تقمع بشراسة من طرف طبقة صغيرة للملاكين العقاريين الاقطاعيين الذين يمتلكون غالبية الأراضي. لقد فهم ماو على أن ملايين الفلاحات و الفلاحين، الذين يشكلون غالبية الشعب الصيني، لن تتحرر مادام لم ُيقلب النظام الاقطاعي. و أكد بالتالي على أن الاصلاح الزراعي شرط لتعبئة الجماهير، و لمساندتها للثورة. فأطلق النداء:"لننزع جذور الاقطاعية" و "لنأخذ من الأغنياء و نعطي للفقراء". تطورت حركة كبيرة من أجل مصادرة أراضي الملاكين العقاريين و توزيعها بين الفلاحات و الفلاحين.

- تم إرسال فرق عمل ثورية إلى كل الأنحاء تقريبا لتنظيم تجمعات الجماهير حيث يحدد الناس الانتماء الطبقي للكل و لكل واحد. بالفعل كانت توزع الأراضي حسب الانتماء الطبقي للعائلات و الأفراد. عندما تحدث أخطاء في هذا المستوى، تعاد العملية من جديد. بعد فترة من عدة سنين، استطاع الفلاحون بأنفسهم في آخر الأمر فهم هذه المسائل، التي هي كيف نحدد ما إذا شخص ما مستغِلا أو مستغَلا؟ و ما هي الطريقة الصحيحة لإعادة توزيع الأراضي ؟

- هكذا كان يصف ابن فلاح بدون أرض عملية الإصلاح الزراعي كما كانت تجري في القرية:"كنا نهاب الملاكين العقاريين بشدة حتى أننا كنا نتردد في وضع ثقتنا في ضباط الجيش الأحمر عندما كانوا يطلبون منا الشهادة ضدهم و الظلم الذي كنا نلاقيه منهم. و لكن عند الاجتماعات التي كانوا ينظمونها، كان مسؤولو الجيش الأحمر يشرحون بصبر بأن الفلاحين سيملكون أراضيهم الخاصة، من الآن فصاعدا، و لن يوجد هناك ملاكون عقاريون لقمعهم. كل هذا كان يبدو جميلا أن يتحقق. كما كنا نرى أشخاصا شائبة شُعورهم يهزون رؤوسهم للتعبير عن شكهم... كان هؤلاء الأشخاص يقولون لنا أن الأمر لا يتعلق إلا بوعود من المحتمل ألا تتحقق أبدا. على كل حال، كان يظهر على أن الملاكين العقاريين كانوا دائما هنا و سيبقون دائما، كيف ما كان هذا الذي سيأخذ السلطة. و لكن، كان هناك كذلك أناس كانوا يرون أن رجال الجيش الأحمر أقدظهروا جدية إلى حد ما و أنه من الممكن أن تصبح أحلامنا أخيرا واقعا.

- "ثم، تحقق أخيرا "اجتماع الاتهام " الذائع الصيت الذي طالما سمعنا عنه. كان الملاكون العقاريون يساقون أمام الفلاحين الذين كانوا يقمعونهم طيلة حياتهم، و آبائهم و أجدادهم قبلهم. كما لو كانت نزلت السماء على الأرض، و العكس بالعكس. كل هذا أظهر على أن كل المعاني قد قُلبت. كان الفلاح البسيط يجلس على كرسي الرئاسة، بينما كان يتواجد الملاكون العقاريون و الموظفين السابقين على كرسي المتهمين. هؤلاء، الذين تعودوا النظر إلى الفلاحين من فوق، أصبحت الآن رؤوسهم واطئة إلى الأرض أمام أولئك الذين كانوا يقمعونهم بقسوة. في هذه اللحظة، فهمنا أن كل ذلك كان حقيقة، أن حياة جديدة ابتدأت بالنسبة لنا."

- " الأراضي و الحيوانات، التي كانت في ملكية الملاكين العقاريين، أُعيد توزيعها على الفلاحين . للمرة الأولى في حياتنا، استطعنا أن نأكل بما فيه الكفاية. للمرة الأولى ذهب أولادي إلى المدرسة. بعد ذلك قررت على أنه بمقابل هذه المنافع كان يجب أن أفعل شيئا. سجلت اسمي بمدرسة للكبار لكي أتعلم القراءة و الكتابة و التحقت أخيرا بصفوف الحزب الشيوعي."

- عند نهاية سنة 1946، الكل اعتقد على أن مقاتلي ماو يسيرون في عملية انسحاب كلي. لكن كانت تلك إرادة ماو بمغادرة وترك بعض المدن و بعض المناطق، على علم أنهم سيعودون، و لكن هذه المرة بقوة أكبر. كان الجنود، في غالب الأحيان، يقولون يظهر أن ماو كان قادرا على أن يصنع بالعدو ما يريد –كأن هذا الأخير يتلقى الأوامر مباشرة من ماو. كما لو كان الكيومنتانغ غير قادر على التحرك خارج الخطط و الحسابات الذكية المدبرة من طرف ماو. كان مقاتلو العدو يُدفعون للتوغل بعمق في المنطقة المعادية، حيث يجدون أنفسهم محاصرين ثم أخيرا مهزومين، "نقطة بنقطة". كان ماو على ثقة بالقدرة على ارجاع المدن المتروكة. فكان جنود الجيش الأحمر يغنون هذه الأغنية:"احتفظوا بالرجال، تضيعون الأراضي. هاته الأخيرة يمكننا استرجاعها بعد ذلك. احتفظوا بالأرض، تضيعون الرجال. و بالتالي تضيعون الاثنين معا."

- يتذكر يانغ تشانغ-لين، أحد الحراس الشخصيين لماو، كيف خطط ماو للمعركة:"أحرق العدو بشكل ممنهج جميع القرى القريبة. لم يعد هناك منزل واحد صالحا. من أجل تحطيم عجرفة العدو، عمل قياديونا بكثافة أكثر من أي وقت مضى. لقد كانوا يجتمعون ليل نهار لتحليل و نقاش الوضع. في مثل هذه الأوقات، نادرا ما يخرج القياديون من الكهف، إذ كان المساعدون فقط هم الذين يدخلون لجلب رسائل الراديو . ثم فجأة، خرج الرئيس ماو بدوره؛ كان يمشي بسرعة، ذهابا و إيابا، غارقا بعمق في أفكاره. يبدو أنه يفكر في أحد المشاكل. و بعد أن توصل برسالة راديو، صرح الرئيس ماو:"لنجدب العدو بعيدا، بعد ذلك سيصبح كل شيء جيدا." حالما قال ذلك، رجع للتو إلى الكهف لمواصلة الاجتماع. في الأيام التي تلت ذلك، نادرا ما استراح قياديونا. في بعض الليالي، كانت المصابيح تبقى مضيئة حتى الفجر. لقد كان واضحا أن الرئيس يخطط لمعركة جديدة تهدف إلى نقل العدو بعيدا. قريبا، كنا سنسمع عن انتصار كبير."

- في فبراير 1947، أطلق تشيانغ كاي تشيك 230000 جنديا ضد مدينة خونان التي أقام فيها ماو معقله. كان يجب إخلاء المدينة. قاد ماو مقاتليه إلى شمال مقاطعة تشينسي. كان بامكانه الاعتماد على الفلاحين المحليين الذين كانوا يعطونه تقارير حول نشاطات جواسيس الكيومنتانغ. كذلك كان بامكانه الاعتماد على كتمانهم عندما كان عملاء الكيومنتانغ يستجوبونهم. اخترع الفلاحون عبارة « الستة "كثرة" »(les six beaucoup ) لوصف الخصائص الرئيسية لمجموعة ماو: كثرة من الرجال يحملون مسدسات؛ كثرة من الرجال يقودون الأحصنة؛ كثرة من لفيف خيوط الهاتف؛ كثرة من النساء يشتغلون على الراديوهات؛ كثرة من مصابيح الجيب؛ كثرة من الحيوانات‼ لقد رد ماو على هذا المجاز قائلا:"يمكن أن نرى إلى أي حد يملك الناس في البادية قدرة جيدة على التحليل...لكن يجب أن نقول لهم بأن يحتفظوا بالسر. إذ أنه إذا حصل العدو على مثل هذه المعلومات، فلا يمكن أن نبقى هنا طويلا".

- " إن القوى الكبيرة للحرب لها مصادرها العميقة في الجماهير الشعبية. ، لقد تجرأت اليابان على اهانتنا لأن جماهير الشعب الصيني كانت غير منظمة. لنتجاوز هذا النقص، حتى يجد المحتل نفسه أمام مئات الملايين من رجال الشعب الصيني ثائرة،مثل الجاموس الوحشي أمام حائط من النار: يكفي أن نصرخ في اتجاهه حتى يرمي بنفسه خوفا في النار و يحترق حيا."(ماوتسي تونغ "حول الحرب الطويلة الأمد") ماي 1938، الأعمال المختارة، المجلد الثاني

- لقد تقدم ماو بالنظرية الثورية لمرحلة جديدة. برهنت إستراتيجيته الثورية على قيمتها. كان يتعلق الأمر بقيادة حرب شعبية مؤسسة على التعبئة السياسية للجماهير. هكذا كان يروي الحارس الشخصي لماو كيف كان هذا الأخير يتصرف ليتوحد مع الشعب و يعتمد عليه:"كل مرة نصل فيها الى مكان جديد، كان الرئيس ماو يدعو كوادر القرية الى اجتماع. في بعض المرات كان يطلب كذلك من كاتب الحزب الشيوعي للمنطقة أي عمل أنجز للتحضير للمعركة. كان يطلب من الناس إخفاء مدخرات الحبوب و إزالة كل ما يمكن أن يفيد العدو. أياًّ كان المكان الذي نذهب إليه، كان أول شيء يجب القيام به، بعد أن ننزل الحقائب من الأحصنة، هو البدء بعمل الدعاية بين الناس، و التحقيق لنرى كيف يعملون و كيف يعيشون، ما هي مجمع الساكنة، كم كانت من عائلة، كم كان عدد الأراضي التي تزرع و كم كان قدر الضرائب التي يجب على الفلاحين أدائها الخ. ثم كان يجب انجاز التقارير لكل هذه المعلومات. لأن الرئيس ماو يذكرنا دائما على أن هذا العمل أصبح تقريبا روتينيا بالنسبة لنا."

- أرسل تشيانغ كاي تشيك 50000 رجل لمطاردة ماو. لم يكن جيش التحرير الشعبي يتوفر إلا على 22000 جندي في كل المنطقة. لكن ماو أبان عن حس تكتيكي متألق. لقد نجح ماو في جذب مقاتلي تشيانغ من ورائه، بفضل سلسلة من عمليات التضليل. خلخل رجال ماو مقاتلي الكيومنتانغ بوضع أياديهم على مخابئ أسلحتهم و مخازن معداتهم. التهم جيش التحرير الشعبي تماما مقالتي الكيومنتانغ، قطعةً قطعة، باستنزافهم في مطاردات لا متناهية و بتدويرهم بشكل دائري. تم جذب جنود العدو في فخاخ و وديان حيث تمت محاصرتهم وفصلهم عن باقي المقاتلين. أخيرا، في غشت 1947، تحول جنود ماو إلى الهجوم على مقاتلين مستنزفين و أقل فطانة من ذي قبل، بتكبيدهم خسارة كاملة.

- في يوليوز 1947، صرح ماو بأن " الشعب هو حائطنا البرونزي"، و أعلن أن الوقت قد حان لنمر من الدفاع الاستراتيجي الى الهجوم الاستراتيجي. كان يعرف على أن مقاتليه هم على لحظة من الظفر بالنصر. في شهر ديسمبر، كانت قوى تشيانغ كاي تشيك معزولة في ممر ضيق بمحاذاة المدن المربوطة بالسكك الحديدية. عندما أخذ جيش التحرير الشعبي بالهجوم و دخل الى هذه المدن، لم يبقى لمقاتلي الكيومنتانغ أي حيلة.

- بتاريخ 25 مارس 1949، دخل ماو بكين و استقبلته الجماهير ببهجة، أصبحت بكين عاصمة الصين الجديدة. في الشهور القليلة الآتية، تم إلحاق الهزيمة بنصف مليون من جنود الكيومنتانغ. سقطت نانكين حيث أقام تشيانغ كاي تشيك عاصمته في 27 أبريل. تم رفع العلم الأحمر في مكان علم الكيومنتانغ. في الشهور التي تلت، أخذ جيش التحرير الشعبي مدينة بعد أخرى. بعد أن استطاع الفرار و الاختفاء بعض الوقت، اضطر تشيانغ كاي تشيك إلى الذهاب أخيرا إلى تايوان. و بعد أن أصبح النصر في المتناول، صرح ماو:"ان الثورة الصينية لعمل عظيم، و لكن الطريق بعد الثورة ستصبح أكثر طولا، و العمل أكثر كبرا و أكثر صعوبة...لم نكن جيدين في تحطيم العالم القديم فقط، بل سنكون كذلك جيدين في بناء عالم جديد" ماو تسي تونغ.

- في فاتح أكتوبر من سنة 1949،وقف ماو في ساحة تاي آن مين في بكين ، ليعلن عن تأسيس الجمهورية الشعبية للصين. و كان ملايين الأشخاص يسمعونه. يصرح للفلاحين و العمال الذين لم يكن لهم شيء حتى الآن:"أصبح الشعب الصيني واقفا... لن يستطيع أحد احتقارنا بعد الآن..."

- حصل تشيانغ كاي تشيك على مساندة الولايات المتحدة، أكبر بلد امبريالي. حصل على ما قيمته 5 ملايين دولار من أسلحة و تجهيزات من كل نوع، الذي جعل من جيشه حقا الأكثر تجهيزا الذي لم تعرفه الصين من قبل. لكن هذا الجيش هُزم من طرف جيش فقير و ضئيل، مكون من رجال و نساء و أطفال الذين كانت كل ثروتهم وعيهم الثوري، صلبه ماو و الحزب الشيوعي الصيني. أشعل جيش ماو المعارك بأي سلاح يسقط بين أيديهم تقريبا- أو بالأسلحة التي يستطيعون الاستيلاء عليها من أيدي العدو. كان جنوده فقراء و أميين، لكن الثورة علمتهم القراءة و الكتابة و أعطتهم و عيا طبقيا. كان مقاتلو تشيانغ كاي تشيك مجندين تحت فوهة البندقية و مُرغَمين على القتال ضد مصالحهم الخاصة، بينما كان جيش التحرير الشعبي مكونا من متطوعين يناضلون من أجل تحررهم.

- كانت الصين بلدا مليئا بالمتسولين و الجياع. لكن الحزب الشيوعي و الجيش الأحمر فتحا الطريق من أجل أن يقاتل الشعب و يحقق الأمل في عالم جديد. لقد ماو يقول للناس بأن يأخذوا التاريخ بأيديهم، و قد قادهم إلى النصر. مذ ذاك امتلكت للجماهير الصينية سلطة إعادة بناء و خلق مجتمع جديد.


____________________

من كلم لاينفد

العامل الثوري أسبوعية الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي RCP)، ترجمة الرفيق عسو الخطابي.