ألموقف الماركسي من القضية القومية – فلسطين كمثل


خليل اندراوس
2010 / 4 / 22 - 09:33     

ألقضية الأهم بالنسبة للماركسيين وكل القوى التقدمية، في عصر الإمبريالية، وخاصة في عصرنا الحالي، عصر القطب الواحد، وهيمنة السوق الحرة المتوحشة، وغطرسة القوة، وحروب الاحتلال والعدوان، كما يحدث في العراق وأفغانستان وفلسطين، التمييز الواضح بين الأمم المظلومة والأمم والشعوب الظالمة.
فعالمنا المعاصر الإمبريالي منقسم إلى عدد كبير من الأمم والشعوب المظلومة، وعدد قليل من الأمم الظالمة والتي تملك الثروات الطائلة، وكذلك الشركات العابرة للقارات، والقوة العسكرية الجبارة والمهيمنة على مناطق واسعة في جميع قارات العالم.
فأكثر من ثلاثة أرباع الإنسانية يعيش في ظروف الاستعمار المباشر وغير المباشر، لا بل الاستعباد السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي، لذلك على الطبقة العاملة والأحزاب الشيوعية خاصة وقوى اليسار عامة، في عصر الإمبريالية وعولمتها المتوحشة، الاهتمام بالأوضاع والوقائع الاقتصادية المادية والسياسية للدول والشعوب المظلومة، لا بل المستعبدة، ومعالجة القضايا القومية، لا من خلال شعارات وطروحات مجردة، بل من مظاهر الحياة الواقعية لهذه القضية أو تلك. وبشكل عام على الأحزاب والحركات التي تمثل الطبقة العاملة وقوى اليسار، دعم الحركات الوطنية، مع كل السلبيات والأخطاء، لا بل في بعض الأحيان الانتكاسات التي تحدث للحركة الوطنية لهذا الشعب أو ذاك، مثل ما يحدث على الساحة الفلسطينية من انقسام وسلبيات وفساد، لأن الحركة الوطنية الفلسطينية، لا بل كل حركة وطنية لا يمكن أن تكون غير حركة برجوازية ديمقراطية، لأن الجمهور الواسع والأكبر للشعوب المظلومة والمستعمرة لا بل المستعبدة، إما سياسيا أو مباشرة، ومثال على ذلك العراق وفلسطين، يمثلون العلاقات الرأسمالية البرجوازية، والتي تفرز الكثير من الممارسات الانتهازية وعدم المثابرة والفساد والنفاق والذاتية، هذا بعض ما نشاهده على الساحة الفلسطينية.
ولكن يبقى الأمر الأساس دعم النضال الشعبي المثابر والمقاوم للشعب العربي الفلسطيني من أجل كنس الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهنا علينا أن نذكر بأن التقارب والمصالح المشتركة بين الطبقة البرجوازية للدول الامبريالية، وبرجوازية الشعوب المظلومة، وكمثال على ذلك البرجوازية الكومبرادوية في العالم العربي، جعلت الأنظمة العربية من خليجها إلى محيطها ومن محيطها إلى خليجها، مع تأييدها الإعلامي الديماغوغي الشكلي للشعب الفلسطيني، لا تفعل شيئا ملموسا على أرض الواقع، سوى عقد المؤتمرات المتتالية والتوجه لا بل الاستجداء والتوسل لدى أمريكا من أجل الضغط على إسرائيل ووقف مشروعها الاستيطاني المموّل أمريكيا. بل نجد أمريكا على مدى أكثر من مئة عام من الصراع القومي في فلسطين "مختطَفة" من قبل اللوبي الرأسمالي الصهيوني، والذي تتماثل مصالحه مع الرأسمال الأمريكي المالي والعسكري. وما حدث في الفترة الأخيرة من خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة، حول بدء المحادثات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والتي استمرت على مدى أكثر من 18 عامًا دون أن تحرز أي تقدم نحو السلام العادل، ما هو إلا خلاف حول التكتيك ولا يمكن أن يكون خلافا استراتيجيا.
ولذلك علينا كشيوعيين وكقوى يسار هنا وفي فلسطين دعم الحركة الوطنية الفلسطينية من أجل أن تحافظ على كونها حركة وطنية ثورية، والعمل على تربية وتنظيم الجماهير الشعبية الواسعة هنا وكذلك في فلسطين، تربية ثورية مقاومة وتنظيمها بشكل ثوري واعٍ، من أجل نجاح المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، من أجل كنسه والإلقاء به إلى مزبلة التاريخ.
وفي هذه الأوقات العصيبة والصعبة والقاسية والتي تمر بها الإنسانية جمعاء وخاصة الشعب الفلسطيني، علينا أن نكون إلى جانب المتألمين والمضطهدين في فلسطين وفي كل أنحاء العالم. وتوجهي هذا ليس فقط للجماهير الواسعة ورجال السياسة بل كذلك لرجال الدين من كل الديانات. فقط من خلال ذلك نستطيع أن نكون ملح الأرض.
عندما انتقلت الإنسانية من الحياة البدائية البربرية إلى الحياة المدنية، انتقلت من فلسفة الميتوس (الخرافة) إلى فلسفة اللوغوس (المنطق)، ولكن هناك في عصرنا الحالي بعض القيادات السياسية والدينية ما زالت تعيش وتمارس مفاهيم وسياسات الميتوس، الخرافة، وإلا ما معنى أن يقول بنيامين نتنياهو بأن والده علمه، بأن من لا يذكر تاريخه لا يستطيع أن يبني مستقبله، لقد نسي هذا الشخص دروس التاريخ الأوسع والأشمل والتي تقول أيضا بأن من لا يرى تاريخ الآخر وحضارته ومعاناته ونكبته وانسانية الآخر، سيجد نفسه خارج خيمة الإنسانية.
وهنا أود أن أقول لأقوياء عصرنا بل إلى مغروري غطرسة القوة في امريكا وإسرائيل، بأن من يقتل الطفل ليس في أوشفيتس فقط، بل في كل مكان وفي فلسطين بالذات، ويقتلع شجرة الزيتون ويبني الجدار العازل، ويخطط لطرد عشرات الآلاف من الشعب العربي الفلسطيني، أصحاب هذا الوطن، من خلال قرارات عسكرية لجيش الاحتلال والعدوان، سيجد نفسه يقتلع أي صلة له بهذه الأرض المقدسة فلسطين، وسيقتلع أي صلة له بالإنسان والإنسانية. وكقوى ثورية أممية قومية – قومية أممية علينا أن نناضل من خلال الأطر والمؤسسات السياسية، وغير السياسية من أجل إيقاظ الشعب الإسرائيلي من غيبوبته العنصرية السشوفينية، الميتوسية الخرافية الدينية، ومن الإيديولوجية اليمينية لطبقة رأس المال المسيطرة في إسرائيل، لأن المصلحة الحقيقية للشعب الإسرائيلي والفلسطيني هي السلام العادل والدائم. وكما قلنا دائما سلام الشعوب من حق الشعوب وفقط بالنضال الشعبي الثوري المثابر نستطيع أن نبني مملكة الخير والصدق والعدالة الاجتماعية، مملكة الكمال، مملكة الحرية على الأرض.
فليبقَ العلَم الأحمر خفّاقا ليس فقط في الأول من أيار، بل في كل أيام السنة، لكي نبني عالم المستقبل، مملكة الحرية على الأرض.