.قراءة في كتاب ... الطريق العظيم


مريم نجمه
2004 / 7 / 26 - 10:28     

... كانت أمه تغني له هذه التهويدة .. وهي تحرك حاجبيها بإيماءات وكان هذا الأمر يفرحه :
إن القمر يشبه حاجب العين
إن القمر متقوس ويتدلى طرفاه
إن القمر يشبه حاجب العين ,
إن القمر يشبه المنجل .
إنه ليس كحاجب العين الذي يعبس
ويتجهم أبدا .
... في الخريف كان هو وإخوته الأكبر منه سنا يصنعون طائرات ورقية ويطيرونها من الجبل وهم يغنون أغنية
( زهرة الأقحوان ) وهي أغنية حول النجاة من الكارثة :
إن زهرة الأقحوان صفراء , ونحن أقوياء
إن زهرة الأقحوان عطرة , ونحن أصحاء
في اليوم التاسع المزدوج .. نشرب نبيذ الأقحوان
الرجال والنساء والأقحوان .. شربوا في اليوم التاسع المزدوج .
.. سارت هذه الأغنية في حياته وكأنها نغم سيمفوني : تقول الخرافة .. إنه في الزمان القديم حذر ساحر تلامذته
وعائلاتهم لينجوا من الفيضان بالهروب الى الجبل . . ففعلوا ذلك , ومنذ ذلك الوقت وشعب الصين يطير ..
طائرات ورقية في ذلك اليوم ويغني أغنية الأقحوان .

تشودة ...
ينطبق على الجنرال ( تشو ) قولنا الشعبي المأثور : ( من له عمر لا تقطعه شدة ) .
الشخصية التاريخية التي أكتب عنها .. وأنقل جانبا بسيطا من سلوكها وصفاتها وخصائصها الإنسانية و ( القيادية )
الفطرية البسيطة المتواضعة بأعمالها وجهودها حتى في قمة انتصاراتها وانجازاتها – العمل الجبار الخليق ..
بالدراسة وتسليط الضوء عليه لما فيها من غنى وثراء ودروس لكل جيوش وأحزاب العالم .
لأنها نموذج .. ومدرسة ثورية وفلاحية وسياسية وعسكرية ووطنية.. . وأممية انسانية رائعة ,
إنه ابن الحضارة الصينية العريقة – وابن الشعب الصيني البطل .

أيقظتني الكلمة من نومي كالعادة ... !,
لأخط نبض القلب وصدق المشاعر الإنسانية لقراءة كتاب للمرة الثانية كتاب .. ( الطريق العظيم ) –
هو واحد من عشرات الكتب التي سجلت وكتبت .. وعاشت بأم العين الثورة الصينية العملاقة التي دامت أكثر
من خمسين عاما من الإنتفاضات والتمردات والثورات حتى حققت النصر على الإقطاع المتجذر في عمق
القارة الصينية , وعلى أمراء الحرب والتسلط والإستبداد ..وعلى الإستعمار والغزو الأوربي واحتلال الأمبريالية
اليابانية ثم الأميركية .. , في أعظم مسيرة نضالية كفاحية في هذا القرن – القرن العشرين – لتنقل الشعب الصيني
من حقبة الماضي العبودي الإستغلالي الى حقبة جديدة وعصر بناء الإنسان الديمقراطي الحر .. الى نهضة عارمة
هزت العالم .. وغيرت موازين القوى على سطح كوكبنا الجميل .
لقد قرأت هذا الكتاب بالدمع .. وبعقل متفتح وذهن مستنفر لكل جوانب الثورة والحركة الثورية في الصين أرضا
وشعبا – تاريخا وجغرافية _ ومبادئ ونظريات .. وخلفيات دينية وفكرية – العوامل والأسباب التي رافقت المسيرة
الشعبية الصينية من البدايات حتى النصر بقيادة ماو تسيتونغ – وشوئن لاي – وتشوده – ورفاقهم .
بكيت كثيرا كثيرا بين سطوره.. وتعلمت كثيرا كثيرا من مدرسته .. في عمقه وبساطته وأسلوبه الممتع .
أجل .. العلم نور .. الثقافة وعي ونور – ألم يكن عصرنا هو عصر العلم والمعرفة والنور ..؟
يحق لنا .. بل ومن واجبنا الوطني والتربوي والأممي أن نسلط الضوء على جوانب كثيرة وقيمة في هذا الكتاب-
ومن واجبنا الأممي الذي تلاشى وضاع بين رياح و ( أكوام العولمة ) – الجارفة – هذا الشعور الإنساني النبيل
الذي يشد الشعوب المستغلة المقهورة بعضها لبعض – داست عليه حوافر الإمبريالية الاميركية ودنسته .
كتاب ... ثورة الشعب الصيني العظيم البطل , جذبت عشرات الأطباء والصحفيين والكتاب والشعراء الأجانب
وخاصة الشعب الكندي والأميركي – ليشاركوا وينقلوا ما شاهدوه بأم عينهم في هذه الأرض الصفراء .. أرض
الأنهار الكبرى والجبال الشاهقة .. أرض الشاي والأرز .. والتحدي .. والتضحيات .
فكان كتاب .. النجم الأحمر فوق الصين – وغيره .. وغيره ..
وأخيرا .. كتاب الطريق العظيم – للكاتبة الصحفية الأميركية : أغنس سمد لي .

.. ملحمة شعب تجسدت في قصة رجل .. أسطوري – فلاح مناضل مثقف معلم مبدئي عسكري فدائي – جنرال –
القائد العام للجيش الثوري الشعبي الصيني –
شعب عريق في الحضارة والإنتماء والثقافة لا بد أن يعطي رموزا وقادة تاريخيين – لأن القائد الناجح والبطل
الشعبي هو ابن الشعب الحي هو امتداد لحضارته وتاريخه .
كل صفحة من هذا الكتاب تستحق أن تكتب قصة ورواية درامية كفاحية , تستحق أن تنتج فيلما أو مسلسلا
تلفزيونيا .. ملاحم متلاحقة لأكثر من خمسين عاما نضالات يومية .. وصدامات .. وصدامات .. وتظاهرات ..
وانتفاضات لا تنتهي لرد الحيف والظلم والسيطرة على موارد الصين برا وبحرا –
طوبى .. لهذا الشعب الحي الذي لم ييأس ولم يمل ولم يتقاعس عن المضي والسير في طريق تحريره حتى النهاية
فقد كتب بدمه .. حريته وكرامته وانتصاره على أعتى الرجعيات والإقطاعيات .. والإستعمار في العالم بكل فخر وجدارة.
إنها الثورة الشعبية الأعقد والأطول والأعمق والأبسل في العالم .
ثورة .. عشرات السنين , والملايين من الشهداء , والملايين من الأبطال الذين مشوا الصين القارة .. شبرا شبرا ,
ومدينة مدينة , ومنطقة منطقة , وتسلقوا جبل اثر جبل وعر , وعبروا نهرا تلو نهر هادر مخيف , وتسلقوا عشرات
القمم والممرات الخطرة, واجتازوا غابات شاسعة وكثيفة الحشائش والوحل والطين .. والجوع والمرض والبرد ,
والفقر والقهر .. ضمن التكتيك والأستراتيجية وما تمليه تطورات المعارك القتالية المضنية اليومية , بعزيمة عالية
وبروح كفاحية لا تنثني ,
بقليل من الملح والخبز .. وبكثير من التنظيم والألتزام الطوعي والتضحية والحب والعمل الدؤوب , بكثير كثير ..
من الإخلاص والأمانة للمبادئ الشيوعية والوطنية .. حققوا النصر والإستقلال .. والحرية .

وختاما ... لا بد لنا من طرح سؤال كبير أمام كوارثنا العربية وأمام مهازلنا وأمراضنا المستمرة حتى يومنا هذا ..؟
إن سورية تحررت من الإستعمار الفرنسي عام 1946 – والصين تحررت 1949 – لقد مضى نصف قرن ونيف –
لماذا الصين ذات المليار وربع المليار نسمة .. تقدم غذاء وملابسا للعالم ..
بينما نحن .. .تعيش أكثر من 50 بالمئة من شعبنا تحت خط الفقر , وشبابنا يتسكع في الشوارع دون عمل والباقي
يهاجر إما للعمل أو للحرية , وجولاننا ما زال محتلا ...؟؟
صحيح أن الفترة الذهبية التي عاشتها سوريا في الخمسينيات لو استمرت دون تدخل العسكر في السلطة وحكم
الأحزاب الشوفينية المستبدة – لكانت حياتنا وأوضاعنا أفضل – لأن الديمقراطية تعالج أمراض الديمقراطية .
هناك في رأيي سببان أساسيان لهذا الخلل والتراجع هما : 1 – فقدان القيادة الوطنية المخلصة الصادقة على رأس
الدولة والحكومة والأحزاب . 2- فقدان الخط السياسي الواضح الوطني الديمقراطي النابع من كل فئات الشعب...
وطموحاته .
علينا أن نستفيق ... ونتلمس الطريق .. ونصحح المسار ...
مريم نجمه – هولندا -