من أجل بناء عقلية جدلية معاصرة


خليل اندراوس
2010 / 4 / 14 - 08:39     

عالمنا المعاصر يتجه بخطى متسارعة نحو المزيد من توظيف الأعمال الذهنية، والمتراكمات المعرفية والمعلوماتية، في الحياة الاقتصادية المادية للمجتمع، مما يؤدي إلى تغيير الكثير الكثير في البناء الفوقي للمجتمع، من ثقافة، وسياسة، وأدب وفن، بل مجمل الوعي الجماعي للمجتمع، وهذا بدوره يؤدي إلى تغيير الكثير الكثير من أنماط الحياة المختلفة. فالتطور العلمي التكنولوجي والمعلوماتي يحتل يوما بعد يوم مجالات وأرضا بكرا لم توطأ من قبل.
ولذلك كشعوب عربية عانت من الاستعمار على مدى مئات السنين، وبعد ذلك عانت وتعاني من أنظمة الاستبداد القبلي، والديني والوراثي، والبعيدة كل البعد عن الدمقراطية والمشاركة الجماهيرية في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، من خلال تهميش المؤسسات المختلفة المختصة في إدارة شؤون الدولة، تفرض على الشعوب العربية، ومؤسساتها وأحزابها، تغيير الكثير الكثير من رؤيتها لأرض الواقع، وطريقة التعامل مع الكثير من المعطيات والمستجدات وتفاصيل ومفردات الوجود الانساني.
فعالمنا المعاصر يموج ويمور بالمفاهيم والأفكار والتطور العلمي والمعلوماتي، والتي بالمطلق لا تنبع من الأرض العربية، إلا نادرا، ولذلك نجد أنفسنا، ننشغل بمشاريع سخيفة وسطحية، مثل تحضير أطول "كعكة" أو اكبر كمية من "التبولة" أو "الحلويات"، بينما الشعوب الأخرى تصنع الحاسوب والأقمار الاصطناعية والطائرات والصواريخ العابرة للقارات، وغيرها وغيرها.
فما نحن بحاجة إليه هو التركيز على التطور الاقتصادي المادي، والتربية العقلية والعلمية، وإثراء عالمنا السياسي والثقافي والفني، من أجل خلق عقلية جديدة ترى العالم المعاصر على حقيقته والتعامل معه من منطلق جدلي، من خلال عملية الابداع والتلقي الايجابي، لأن هذا العصر فيه الغث والسمين، ألإيجاب والسلب، فلذلك نحن بحاجة إلى عملية فرز دقيقة وشفافة على أساس عقلاني علمي جدلي، وهذا لا يمكن أن يحدث من خلال انسلاخنا عن عصرنا، وتقوقع عقولنا والعودة السلفية الرجعية إلى الوراء.
فقط من خلال امتلاك فكر عقلاني علماني جدلي متحرر، نتمكن من فهم التغييرات الأساسية التي تطرأ على عصرنا كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم، وبالتالي تحدث التغييرات السريعة على ملامح عصرنا، وأوضاعه السياسية والاقتصادية والثقافية، خصوصا وأن عالمنا العربي يتعرض لغزو ثقافة الخواء والفراغ والابتذال، والمظاهر والشكليات، ثقافة تخلو من المضامين الانسانية التي تحصّن الذات وتعمّق الهوية وتبني الجسور مع الآخر.
حياتنا الاجتماعية تتعرض للكثير من التسميم، من خلال سلوكيات وعلاقات الاستهلاك، والانتهازية والفردانية والمظهرية والكذب والنفاق والخداع، وتقلب المواقف، والسطحية، وبعيدا عن المساءلة وعن مراجعة الذات، وبعيدا عن تحصين الذات والمجموع، وبعيدا عن وضع رؤيا مستقبلية لغدٍ أفضل.
لذلك نحن بحاجة إلى نماذج ومؤسسات وحركات تسعى من أجل المشاركة الشعبية الواسعة والمتجددة والفاعلة وخلق أدوات للنمو والانجاز، وتحديد الأهداف ووضع أساليب وممارسات تحقيقها، والتطور العقلاني الجدلي المثابر، لكي نتغلب على مفاهيم اليأس والإحباط والغيبيات والأوهام والعودة السلفية إلى سراب الماضي.
وبرأيي، هذه الرسالة، أي نشر الفكر الماركسي المادي الجدلي، يجب أن يكون مهمة أساسية أمام الأحزاب الشيوعية هنا وفي عالمنا العربي، من أجل حماية شعوبنا من ديكتاتوريات "الكهنة" والفكر السلفي الأصولي الرجعي ومن الفكر البرجوازي الرجعي، ومن انتهازية البرجوازية الصغيرة.