أوجه الشبه بين ستالين و بوش


مازن كم الماز
2010 / 4 / 9 - 08:16     

وصف التروتسكيان الأمريكيان المنشقان سي جيمس و رايا دونايفسكايا عام 1950 الستالينية بأنها الشكل الراهن للثورة المضادة , أنها النقيض المطلق للثورة العمالية . لا يوجد حالة أو شخص يقترب من هذا الوصف بالنسبة للديمقراطية هذه المرة أكثر من بوش نفسه , لقد كان هذا الرجل ذروة الثورة المضادة للديمقراطية , كان الزعيم الأخير للثورة المضادة لديمقراطية حقيقية للبشر و كان خطابه و سياساته تشكلان النقيض المطلق لأي تقدم ديمقراطي في حياة البشر على هذه الأرض . و كما أنه لم يضر أي شخص بسمعة الاشتراكية كما فعل ستالين فإنه لم يوجد من سبب ضررا لقضية الديمقراطية الحقيقية أكثر من بوش , على نفس السياق فإن ستالين كان هو عمليا من دمر الحركة العمالية الثورية و أعادها عقودا للوراء ( على أقل تقدير ) , كذلك سيذكر التاريخ ذات يوم أن بوش ( و أسلافه بالتأكيد , و غالبا خلفاءه أيضا ) هم من دمروا الحركة الديمقراطية في سبيل حرية البشر و سهلوا عودة الطغيان في كل مكان . ليس هذا فقط , بل إن أكثر الخطابات و السياسيين شبها بالستالينيين هم الليبراليون الجدد . قال دي ميستر : من دون البابا لا توجد سيادة , دون السيادة لا توجد وحدة , دون الوحدة لا توجد سلطة , دون السلطة لا يوجد إيمان" , يلخص هذا القول النزعة نحو "تديين" ( تحويلها إلى دين ) الإيديولوجيا عند الستالينيين و الليبراليين الجدد , نحو "تأليه" الزعيم , و القيام شخصيا بدور الأنبياء الجدد لهذه الآلهة . كما مارس الستالينيون عملية إفراغ منظمة لشعارات العدالة و المساواة من مضمونها و تحويلها إلى مجرد عنوان و تبرير لتسلط نخبة بيروقراطية على العمال و لوجود معسكرات الاعتقال و لقمع الحركة العمالية قبل أي شيء آخر باسم قمع العدو الطبقي , يمارس الليبراليون الجدد ذات الإفراغ و القلب لشعارات الديمقراطية بحيث تصبح بالضبط نقيضها أي الطغيان و الاستبداد و القمع الطبقي و السياسي و الاجتماعي و حتى الفكري , تصبح الحرية حرية الطغم المالية و الاجتماعية في نهب الناس , و الحرية السياسية أن يختار الناس بأنفسهم من سينهبهم لا أن يفرض هؤلاء فرضا عليهم ( خلافا لما قاله علاوي أخيرا عن استغرابه من صمت أمريكا عن تشويه الديمقراطية في العراق , فأمريكا صامتة ما دامت "ديمقراطيتها" بخير , أي حق الاحتكارات في النهب دون رقيب أو حسيب , الديمقراطية بالنسبة لعلاوي تعني أن يحكم هو العراق , الديمقراطية بالنسبة لبوش تعني أن يحكم العراق موال للنظام الرأسمالي العالمي , الديمقراطية بالنسبة للشعب العراقي تعني أن يحكم نفسه بنفسه ) , تعني ليبرالية هؤلاء شيئا واحدا : السجود لآلهة جدد , السمع و الطاعة لسلاطين جدد , و المجد و الطوبى لجلادين جدد , هكذا كان الستالينيون مجرد برغي في آلة الدعاية لنظام رأسمالية الدولة , بينما يقوم الليبراليون الجدد بمهمة رئيسية في الترويج لقمع الليبرالية الجديدة و تهميشها للجماهير , إنهم يصبحون مجرد جزء من ماكينة أنظمة و قوى سياسية و اجتماعية عفنة استبدادية حتى النخاع و يمارسون بكل رحابة صدر مهمة تنظيف أياديها و أيادي جلاديها من دماء البشر و آلامهم , إنهم قساوسة دين السلاطين الجدد , قساوسة دين البرجوازية و طغيانها الذي يسمونه زورا و بهتانا بالديمقراطية . و كما أصبح الستالينيون أكثر ستالينية مع كل صفعة كانت الجماهير توجهها للستالينية من انتفاضة المجر 1958 إلى الاضطرابات المتكررة في بولندا إلى ثورة براغ 68 , يزداد الليبراليون الجدد بوشية مع تفاقم أزمات الرأسمالية و تحديها لخطاب و تبريرات الرأسمالية نفسها , و على الأغلب سينتهي بهم المطاف للانفصام عن الواقع , بوادر ذلك موجودة اليوم , كما انتهى الحال بالستالينيين الذين يحلمون دون جدوى بعودة إلههم و انتقامه , كما كان يفعل في السابق , من الهراطقة الكافرين به . و غدا عندما تأتي الثورة , التي نراهن عليها كمدخل ضروري للإنسان إلى التاريخ , كحلقة جديدة ( و ليست أخيرة ) في نضال الإنسان من أجل أنسنة نفسه , من أجل التغلب على همجيته و همجية العالم من حوله , في نضاله ضد القوى القمعية في الطبيعة و المجتمع على حد سواء كصيرورة بطيئة و بطيئة جدا لكنها عنيدة نحو أنسنة الإنسان نفسه , سيتلفتون حولهم مشدوهين , لقد وعدهم إلههم بغير هذه النهاية , لقد انقلبت جنتهم و جنة أسيادهم إلى جحيم , هذا الجحيم هو انتصار الديمقراطية الحقيقية التي تخص كل إنسان على هذه الأرض لا أقلية تحتكر الثروة و السلطة بحجج شتى , عندها فقط ستبدأ قصة الديمقراطية الحقيقية و قصة الإنسان على هذه الأرض , و كما أن الستالينية ( كعدالة زائفة ) ستموت بمجرد تحقق عدالة الجماهير الحقيقية فإن الليبرالية ( كحرية زائفة ) ستموت بمجرد تحقق حرية البشر الحقيقية . و كما أن الستالينيون اليوم يشكلون أكثر التيارات رجعية داخل اليسار العالمي ( رافعين شعار إما ستالين و إما ليكن ما يكون ) فإنهم سيشكلون يومها أكثر القوى رجعية و سيساهمون في الضربة ( أو المحاولة ) الأخيرة التي ستحلم قوى الاستبداد و الطغيان في العالم بتوجيهها ليوتوبيا الحرية في قلوب و عقول المقهورين , و كما أننا نراهن على أن يواصل الإنسان مشروع أنسنته نحو حريته , يراهن الستالينيون و الليبراليون الجدد و الأصوليون و سائر التسلطيين على بقاء الإنسان في حالة قبل إنسانية , همجية , كحيوان مستحق للسوط و العصا و السجون و مراقبة الحراس و وعظ قساوسة دين السلطان , كما نراهن على حرية الإنسان يراهنون هم على بقائه عبدا إلى الأبد........

مازن كم الماز