ألثابت والمتحوّل ما بين الاممي، والقومي، والطائفي والذاتي


محمد نفاع
2010 / 4 / 9 - 00:00     

قبل البدء في طرح هذا الموقف والهدف منه، لا بد من ملاحظتين: الاولى ان الامور نسبية، وهذا ينطبق على العنوان بما فيه الاممي. فالحركة مطلقة والسكون نسبي. والثانية مرتبطة بالمواقف الاممية والقومية والطائفية والذاتية الانتهازية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، او العلاقة مع سوريا ولبنان على سبيل المثال.
عندما ارتأى الشيوعيون الامميون، في السابق واليوم ان الاستعمار- قل الاستدمار- والصهيونية والرجعية هو الثالوث الذي صنع النكبة، طبعا مع تفاوت معين في الادوار، وُوجهوا بالعداء من قبل هذا الثالوث. الرجعية العربية اتهمت الشيوعيين العرب بالخيانة، والصهيونية اتهمت الشيوعيين اليهود بالخيانة، والاستعمار حاربهم وحرّض ضدهم، وظل الامميون على موقفهم على اختلاف انتمائهم القومي او الديني المذهبي والطائفي، ولا تزال الرجعية العربية تتعامل معهم كأعداء، وتدلق وسائل اعلامها وفضائياتها مختلف السموم ضدهم وتروج لتيارات تدّعي انها تنضوي تحت راية القومية، ليس حبا في "القومية العربية"، فهذه الرجعية ارتكبت وترتكب اعظم الخيانة والموبقات تجاه هذه القومية وتجاه شعوبها. قلما تجد رجعية في العالم تقف مثل هذه المواقف الرخيصة في موالاتها للاستعمار على الاقل منذ اواخر القرن التاسع عشر، مرورا بوعد بلفور وثورة الفلاحين وثورة القسام واحداث الـ 48 والنكبة والموقف من سلسلة الاجتياحات الاسرائيلية للبنان والعدوان على العراق والتهديدات ضد سوريا وايران، والموقف من المقاومة الشعبية في فلسطين وحصار المقاطعة وبالتالي من الثوابت المشروعة جدا فيما يتعلق بحق الشعب العربي الفلسطيني، وهي تضغط على الجانب الفلسطيني الذي هو ضحية الاحتلال والاستيطان والنكبة والتشريد والقائمة تطول. صحيح ان هنالك قرارات عربية لكنها ليست اكثر من ضريبة كلام، وسمعنا مؤخرا عن عرض نفطي عربي بضغط امريكي على الصين وباسعار مخفضة بدل النفط الايراني لتحييد الصين عن الدعم النسبي لايران، فاي موقف رخيص مدمر هذا وكأن الخطر من ايران وليس من امريكا واسرائيل. وقد يكون الصمت الداعم لعدوان اسرائيل الاخير على لبنان والصمود البطولي للمقاومة اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله هو من احقر المواقف وينسحب ذلك على القوى الرجعية اللبنانية والعربية ومنها بعض فلول الرجعية الفلسطينية.
فشل العدوان الاسرائيلي وانتصار المقاومة اللبنانية ابهجنا نحن الامميين وأغاظ الرجعيين وهذا طبيعي جدا. وفي نفس الوقت ما معنى مغازلة قوى "الرابع عشر من آذار" من قبل قوى من عندنا هنا تدّعي انها في ذروة القومية لدرجة القومية الجوفاء، وبعضها فقط من منطلقات طائفية مهلهلة!! فأي تلون هذا واي دجل وعهر سياسي واخلاقي. كم يصح القول القائل: اذا دب التلون في ورق الشجر يكون دلالة على التساقط والسقوط. إن عددا من الشخصيات الدرزية التي ايدت زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي السيد وليد جنبلاط في موقفه السابق والخاطئ باعترافه هو، رمت الحجارة على اعضاء لجنة المبادرة الدرزية الذين اقاموا امسية ذكرى للزعيم الوطني العربي اللبناني كمال جنبلاط، كان ذلك في قرية عسفيا وحاولوا الاعتداء على الرفيق القائد طيب الذكر توفيق زياد وزوجته والذي كان الخطيب المركزي في تلك الامسية. وكم كنا نحن الامميين على حق عندما رفضنا موقف السيد وليد جنبلاط الذي انخرط في قوى الرابع عشر من آذار، انتقدنا ذلك ليس من منطلقات طائفية ضيقة خطيرة بل من منطلقات وطنية تقدمية وقومية حقيقية ليست مزيفة. ألتعصب الطائفي يؤدي في النهاية الى الخيانة الطائفية. والتعصب القومي يؤدي في النهاية الى الخيانة القومية. وكم في تاريخ شعبنا العربي الفلسطيني من امثلة ونماذج على ذلك في الماضي والحاضر. إن الذي يضع الاممي وكأنه ضد القومي الحقيقي هو مخطئ. لم توجد عندنا في وطننا اية قوة سياسية عملت من اجل الاقلية القومية العربية الفلسطينية التي تعيش في وطنها وستظل اكثر من الشيوعيين الامميين اليهود والعرب ومعهم كل القوى الشريفة من غير الحزبيين. وينسحب ذلك على قيادة معركة البقاء ونجاحها، ومعركة الانتماء ونجاحها. وينسحب ذلك على المجال الثقافي حيث خُلق هنا ادب المقاومة على يد عشرات الشعراء والكتاب والباحثين والفنانين والنقاد... هكذا حوفظ على اللغة وعلى البقاء وعلى الانتماء من على منابر جريدة الاتحاد والجديد والغد.
كانت لجنة المبادرة العربية الدرزية ومنذ عشرات السنين هي هي التي خاضت المعركة من اجل الغاء التجنيد العسكري الاجباري عن الشباب العرب الدروز ولا تزال تخوض هذه المعركة، وهي التي تصدت وتتصدى لمصادرة الارض والهوية، وهي التي خاضت معارك بالايدي ضد تحويل مقدساتنا الى منبر سياسي للسلطات الصهيونية وحكام اسرائيل تطلق منه التصريحات الاجرامية ضد شعبنا العربي الفلسطيني وضد سوريا ولبنان وكمال جنبلاط بالذات. وكم حاولت السلطة واذ نابها تشويه التاريخ المشرف لسلطان الاطرش قائد الثورة السورية الكبرى وانسحب ذلك على الامير مجيد أرسلان وشكيب أرسلان وعادل أرسلان وكل من هو شريف وتقدمي. وقد الزمت السلطات الاسرائيلية عددا من الضباط الدروز هنا على تدريب اناس من المغرقين في الرجعية اللبنانية في الكتائب والعملاء من كل الطوائف تدريبا عسكريا في ارض "الخيط" بالذات التي صادرتها حكومة اسرائيل من سكان بيت جن. فأية خيانة اضخم من هذه، واي اذلال واهانة للكرامة الانسانية والوطنية والقومية والطائفية والشخصية!! فهل يحق لهؤلاء التبجح بالغيرة على الطائفة العربية الدرزية!! إن الغيورين الحقيقيين على مصالح العائلة والملة والطائفة والقومية هم اولئك من المناضلين المثابرين الامميين الوطنيين الحقيقيين. ولذلك ان محاولات الالتفاف على لجنة المبادرة العربية الدرزية وعلى الشيوعيين والحبهويين في التعامل هي فاشلة وتفتقد الى الامانة وتشتم منها رائحة ليست طيبة ولاهداف ضيقة ليست سليمة ابدا كما حدث بالامس القريب وكما يحدث اليوم.
وكم كان الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد بعيد النظر عندما بادر الى دعوة شخصيات عربية فلسطينية تعيش في وطنها الى زيارة سوريا ولاول مرة وبقيادة الشيوعيين كما اعلن ذلك من تل الصيحات مقابل بلدة مجدل شمس المحتلة. ولم تتم الزيارة بسببنا نحن في الحزب الشيوعي والجبهة ومن قبل رفاق في الحزب والجبهة، بعضهم خرج كليا من الخط الوطني، فلنا نحن ايضا أخطاؤنا وهي ليست قليلة.
لقد عرف الرئيس الراحل حافظ الاسد أن اثبت المناضلين ضد الحركة الصهيونية وضد العدوان الاسرائيلين واحتلاله وكل جرائمه هم الامميون، هم الوطنيون المثابرون والذين كانوا ولا يزالون يشاركون اهل الجولان السوري المحتل في كل مسيرة نضالهم المشرفة، ولن يثنينا ابدا ما لنا من عتب ونقاش مع النظام السوري في انتقائية التواصل والتعامل. ولن نكون متقلبين في موقفنا ابدا بل نقف مع سوريا في نضالها الوطني العادل من اجل تحرير الجولان المحتل، وضد كل الضغوط عليها من قبل الاستعمار وحكام اسرائيل والرجعية العربية وبضمنها اللبنانية. لذلك رفضنا هذا التحريض الخطير على سوريا من قبل الخاطئين اللبنانيين. تماما كما نرفض التهديد على ايران وعلى المقاومة اللبنانية والفلسطينية بالرغم من الخلافات الفكرية مع تلك النظم والقوى السياسية. كما نرفض هذه المهزلة القائلة بخطر المد الشيعي، فالعدو هو الاستعمار الامريكي واسرائيل الذي يستهدف العرب جميعا بكل مللهم وطوائفهم، وكل مقاومة ضد المحتل هي حق مشروع، بل واجب وطني، وهذا ينسحب على العراق ولبنان وفلسطين وسوريا وافغانستان. امريكا لا تجلب الحرية بل الدمار، وهذا كان نقاشنا مع بعض الرفاق العراقيين الذين رأوا في الاحتلال الامريكي لوطنهم منقذا ضد حكم صدام حسين، من حق الشعب العراقي ان يقاوم نظامه، ولكن ليس من حق احد ان يسكت على الاحتلال الاجرامي. ونرى اليوم اية حرية جلبتها امريكا الى العراق!! وهي التي استهدفت محق العراق اقتصاديا وحضاريا وعسكريا حتى تظل اسرائيل هي المسيطرة في الساحة الشرق اوسطية، وهذا هو الهدف من الضغوط على سوريا وايران والقوى الوطنية اللبنانية لتعبيد الطريق امام العولمة ومخططات امريكا من اجل شرق اوسط اكثر موالاة وتبعية لها، وقد أفشلت المقاومة اللبنانية الباسلة هذا المخطط الاجرامي. إن المخطط الامبريالي الامريكي بالذات لتفتيت الدول الوطنية الى دويلات على اساس طائفي كما حدث في يوغسلافيا وكما تتوخى ان يحدث في لبنان والعراق والسودان وحتى في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، هذا المخطط يجب ان يواجه بتمتين الانتماء الوطني العام. لقد حاول الانتداب- الاستعمار- الفرنسي ذلك في سوريا، وأفشلت المحاولة على يد القوى الوطنية هناك وبضمنهم سلطان الاطرش. وحاولت اسرائيل ذلك خاصة إبان وبعد حرب حزيران العدوانية وفشلت المحاولة على يد القوى الوطنية في لبنان والجولان وداخل اسرائيل وبضمنهم الشبان العرب الدروز الاحرار والذين اقاموا بعدها لجنة المبادرة العربية الدرزية بمساندة الحزب الشيوعي.
لقد خططت الحركة الصهيونية لذلك منذ سنوات الاربعين قبل النكبة.
نواجه احيانا محاولة تسويق بعض الانتهازيين المتذبذبين الذاتيين المتنقلين من موقع الى موقع ومن موقف الى موقف، فهل هذا يخدم القضية الوطنية!! إن اكثر ما يميز هؤلاء الافراد الذين يستجدون تسويق انفسهم هو معاداتهم وتحريضهم على الشيوعيين وعلى لجنة المبادرة العربية الدرزية وحركة الحرية من اجل الحضارة العربية ولجنة التواصل، فأي خدمة وطنية وقومية هذه!! وهذه الفضائيات المشبوهة جدا جدا تساهم في ذلك، فشكرا هزيلا لها على هذا الدور الدنس.
ونقول بمنتهى التواضع والموضوعية: لسنا بحاجة الى شهادات وطنية من احد، شهادتنا من الشعب وشهادتنا من نضالنا المبدئي والمثابر في الماضي والحاضر والمستقبل، نحن نمنح الشهادات ولا نستجديها كأمميين وطنيين عريقين. ونرفض الرأي القائل بان السياسة عبارة عن ألاعيب وحيل وخداع وحتى قذارة. يستطيع الفرد ويستطيع الحزب السياسي ان يكون نقيا مبدئيا مستقيما جريئا مجابها وقادرا على اتخاذ اصعب المواقف والقرارات شرط ان تكون صحيحة ومسؤولة، وهذا هو ملخص تجربتنا النضالية وتثبت الايام مدى صحتها، وسنظل نكافح ضد كل انغلاق وتعصب، وضد كل الظواهر الانتهازية والانانية، وكلنا أمل ان تبذل كافة القوى التقدمية وفي العالم العربي بشكل خاص، وحتى تلك القوى المعرّضة لان تعود الى الخط التقدمي، ان تبذل الجهود الجريئة والمضنية احيانا لتمتين الصلة والتواصل فيما بينها ووضع ثقلها الهائل في المعركة ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية اينما كانت، كان ذلك مطلوبا على الدوام، وهذا ما هو مطلوب اليوم بالذات.