الماركسية اللينينية الماوية: تقاتل، تصمد و تنتصر 4 - الاشتراكية العلمية (2)


خالد المهدي
2010 / 3 / 31 - 21:51     

لينين

لقد رأينا في المقالة السابقة كيف تمكن ماركس وانجلز من تحديد الأسس العلمية للاشتراكية بعدما توفرت الشروط الموضوعية لذلك . و كيف ان هذه الشروط المادية نفسها ، نتيجة لتطورها ، فرضت ضرورة تطوير الاشتراكية العلمية و هكذا فمن بين الإشكالات التي لم تقدم عليها الماركسية إجابات او إجابات شاملة نجد مثلا : قوانين تطور المجتمع الاشتراكي ، اتجاهات و محتوى النضال الثوري بالمستعمرات ، أشكال النضال المسلح ...الخ .
سوف نحاول خلال هذه المقالة أن نقدم للقارئ كيف تمكن لينين من اغناء الاشتراكية العلمية من خلال الإجابات التي قدمها حول هذه الاشكالات، لكن قبل ذلك ، و ارتباطا بالمنهج المادي التاريخي ، سوف نحاول بسط الشروط المادية الجديدة التي فرضت ضرورة تطوير الاشتراكية العلمية .
لقد أدى التمركز القوي و الهائل للرأسمال و اتساع رقعة سيطرة الراسمالية المتقدمة على العديد من شعوب العالم بآسيا و افريقيا و امريكا الجنوبية الى خلق شروط جديدة للصراع الطبقي على المستوى الوطني او العالمي . و هكذا شكل مثلا استعمار بعض الدول الراسمالية لشعوب العالم عاملا اساسيا في تطوير الانتاج الراسمالي من جهة و في خلق شروط جديدة استفادت منها البرجوازيات في صراعها مع الطبقة العاملة في بلدانها الخاصة ،حيث اصبحت الدول الاستعمارية تجني ارباحا طائلة من استعبادها لشعوب العالم . ان هاته الارباح التي كانت تحققها تلك البرجوازيات قد استخدمت ايضا في رشوة فئة معينة من الطبقة العالمة من اجل حثها على التخلي على فكرة و هدف تحطيم الراسمال ، لقد خلق تطور الاستعمار و هو في بداياته فئة جديدة داخل الطبقة العاملة ارتبطت مصالحها بمصالح البرجوازية انها الارستقراطية العمالية كما اسماها انجلز .ان هذه الفئة هي التي شكلت الاساس المادي المشين لنمو و تطور الانتهازية داخل صفوف العمال . و انه لمن الطبيعي ان نجد ان انجلترا التي كانت بفعل احتكارها الكبير للسوق العالمية ، تلك الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، هي مهد الانتهازية الاكثر خسة . لقد اشار انجلز نفسه الى هذا الواقع ، حيث كتب في جوابه الى كارل كاوتسكي 12 شتنبر 1882 قائلا "... انك تسألني ما هو رأي العمال الانجليز في السياسة الاستعمارية .
انه تماما نفس رأيهم في السياسة بوجه عام ؛ أي نفس رأي البرجوازيين فيها . فلا يوجد هنا حزب عمالي ، إنما يوجد فقط حزب محافظ و حزب ليبرالي راديكالي ؛ اما العمال فانهم يتمتعون معها بكل هدوء باحتكار انجلترا الاستعماري و باحتكارها في السوق العالمية "1.
ان هذا الواقع الذي اشار اليه انجلز سنة 1882 ، لم يعد خاصا بانجلترا مع مطلع القرن 20 بل لقد اقتفت اثره العديد من الدول الراسمالية التي كانت تشكل مركز الثورة العالمية : المانيا ، فرنسا ، الولايات المتحدة الأمريكية...الخ حيث تمكن الراسمال بهذه البلدان من شق صفوف العمال بخلق فئة ارستقراطية ارتبطت مصالحها المباشرة ببرجوازية بلدانها . ان هذا الاتجاه التاريخي لتطور الراسمالية و حتى قبل ان يصل الى مداه الاخير أي الامبريالية و الحرب العالمية الاولى قد جعل من مركز الثورة العالمية يتجه شيئا فشيئا من الغرب " المتحضر "الى الشرق " الهمجي " لكن دون ان يتغير وضع الغرب الراسمالي آنذاك كمركز للثورة العالمية .
ان هذا الواقع قد طرح من جديد العديد من الإشكالات الحقيقية على جدول اعمال الحركة الشيوعية العالمية .تحديد اتجاهات الصراع الطبقي بالدول المستعمرة ، تدقيق الاجابة حول كيفية الوصول الى الاشتراكية بالدول التي لم تنهي بعد مرحلة الثورة الديمقراطية ...الخ.
انجلز نفسه قد أشار في رسالته الى كاوتسكي ، التي اشرنا اليها سابقا ، ان الشيوعيين آنذاك لا يستطيعون الاجابة على بعض هذه الأسئلة خصوصا تلك المتعلقة بالدول المستعمرة ، حيث كتب قائلا : " ... اية أطوار اجتماعية و سياسية يترتب على هذه البلدان اجتيازها قبل ان تبلغ ايضا التنظيم الاشتراكي ، فهذا ما لا نستطيع ، اليوم ، الإجابة عنه إلا بفرضيات لا طائلة تحتها " 2.
ان انجلز كان على قدر عميق من الوضوح الفكري و السياسي جعله يمتنع عن تقديم اجابات حول اسئلة لم تنضج بعد الشروط المادية للاجابة عليها تاركا الباب مفتوحا للماركسيين من بعده لانجاز هذه المهمة بعدما تتوفر شروط ذلك . لكن ليس هذا هو السؤال الوحيد الذي ظل بدون اجابة ، فقد اشرنا في المقالة السابقة كيف ان تطور التكنيك العسكري جعل من الأشكال المسلحة التي طبقتها البروليتاريا سنوات 1848 الى الكمونة تدخل الى متحف التاريخ و أصبحت عاجزة عن تحقيق النصر للبروليتاريا في الانتفاضة المسلحة . و هو ما فرض فيما بعد ضرورة إيجاد اشكال جديدة للعنف الثوري باعتباره الوسيلة الاساسية للاستيلاء على السلطة السياسية .

ان تطور الراسمالية سوف يخلق كما أوضحنا أعلاه ، الشروط المادية لنمو الانتهازية داخل الحركة العمالية كما ان تطور الراسمالية قد فرض اشتداد التناقض الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية و دفع بهذه الاخيرة الى تشديد سيطرتها و ديكتاتوريتها على الطبقة العاملة .ان هذا الواقع ايضا فرض على الماركسيين تطوير نظرية الحزب باعتباره قائد البروليتاريا و المعبر عن مصالحها أي طليعتها : تطوير نظرية الحزب سواء من اجل النضال ضد الانتهازية التي بدأت تنخر الحركة العمالية او من أجل النضال ضد الرجعية التي اصبحت تنحو الى الرجعية اكثر فاكثر .

و مع تطور الإنتاج الرأسمالي و تطور الصراع الطبقي و الدروس التي خلفها للبروليتاريا كما للبرجوازية ايضا و تطور العلم سوف تطرح اشكالات أخرى عديدة في جدول اعمال الماركسيين : المسالة القومية ، مسالة الفلاحين ...الخ.
و تعتبر الحرب العالمية الاولى الانعطاف التاريخي الاكبر والاول من نوعه في عهد لينين حيث شكلت الحرب بالضبط اعلان دخول الراسمالية الى مرحلة جديدة من تطورها ، المرحلة الاعلى من تطورها التاريخي أي الامبريالية .
بعد ذلك سوف تشكل ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى الانعطاف الاكبر الثاني من نوعه ، ان هذه الثورة قد قلبت كل موازين القوى الطبقية على النطاق العالمي و فرضت تغيرات جذرية في العديد من القضايا النظرية و العملية التي حددتها الاشتراكية العلمية سابقا و خلقت في نفس الوقت الظروف الملموسة لتطوير الاشتراكية العلمية في العديد من الجوانب و الاتجاهات و نخص هنا على سبيل الذكر : اشكالات بناء الاشتراكية و قوانين تطور المجتمع الاشتراكي .
اذن بعد هذا العرض الموجز لبعض الشروط المادية التي فرضت ضرورة تطوير و اغناء الاشتراكية العلمية ، ما هي اسهامات الرفيق لينين في هذا القسم من الأقسام الثلاث المكونة للماركسية ؟

منذ ظهور الماركسيين بروسيا في العقد الثامن من القرن التاسع عشر ، تم تحديد هدفهم بوضوح تحطيم الرأسمال و إقامة المجتمع الاشتراكي . لكن روسيا آنذاك لم تكن قد اجتازت بعد مرحلتها الديمقراطية البرجوازية ، و هو ما جعل الصراع داخل الماركسيين او بين الماركسيين و المعبرين عن البرجوازية والبرجوازية الصغيرة يحتد حول سؤال كيف يمكن الوصول الى الاشتراكية ؟ و باية وسائل ؟...الخ
ان هذا السؤال لعلى قدر كبير من الأهمية ، خصوصا بالنسبة لنا نحن المغاربة حيث تتحدد طبيعة الثورة في بلادنا في المرحلة الحالية من تطور المجتمع المغربي باعتبارها ثورة ديمقراطية برجوازية ضد الإقطاع و الملاكين العقاريين و ثورة وطنية ضد الامبريالية و عميلتها البرجوازية الكمبرادورية ، فهل يمكن ان يحدد الآن الشيوعيين (ات )المغاربة مهمتهم المباشرة على صيغة تحطيم الرأسمال و اقامة ديكتاتورية البروليتاريا ؟ و هل البروليتاريا من مصلحتها ان تناضل في سبيل الثورة البرجوازية و في سبيل توطد الرأسمالية ؟
ان العديد من "الماركسيين " ( الماركسيين بين قوسين ) يهاجمون التجربة الصينية ، باسم لينين ، لانها سعت في مرحلتها الاولى الى حدود 49 الى "إقامة الرأسمالية" في الصين و يهاجمون ماو لانه سعى الى التحالف مع الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوطنية من اجل الثورة الديمقراطية ذات المضمون البرجوازي .
و اليكم نماذج من هذه المحاكمات التي تصدر عن أناس يقولون عن انفسهم انهم "ماركسيين لينينيين ": يكتب عسو الزياني في "نقده" لماوتسي تونغ متهما إياه بانه ممثل و معبر عن مصالح البرجوازية ضد الاقطاع ما يلي :
"... في وضع يتسم بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج و بتطوير نمط الانتاج الراسمالي في الصناعة و الزراعة و التجارة وباطلاق العنان للفلاحين الاغنياء سيتطور استغلال الطبقة العاملة و ستتطور الراسمالية كطبقة في الوجود المادي و في البنية السياسية كونها طرفا في " الديمقراطية الجديدة "3.
كان صاحبنا عسو الزياني يشن هجوما كثيفا باسم " الماركسية اللينينية " على ماو لانه لم يعارض الراسماليين و ان "ثورته ليست مناهضة للراسمالية "و مادام الامر كذلك فان صاحبنا "الماركسي اللينيني" يطلق سلسلة من الاسئلة الاستنكارية ضد ماو :
" الم يكن يعرف ان ثراء هؤلاء الرأسماليين سيكون على حساب الطبقة العاملة الصينية ؟ و " اذا كان ماو ماركسيا ألا يعلم ان القانون الذي يحكم تطور مشاريعهم واثرائهم هو ان يتحولوا الى امبرياليين لهم اطماع في استعمار و استغلال
بتطور الرأسمالية .و إذا كان من حق الفلاحين في هذه !! الشعوب خارج الصين و بالتالي عليه أن يعارض لا أن يسمح
المرحلة التي تحدث عنها ماو القيام بثورة ضد الاقطاع ، فما الذي يمنع العمال من الثورة على الراسمال ؟ ".
و نحن هنا لن نجيب صاحبنا بما قاله ماو .لانه لا يعرف عنه شيئا ، بل سوف نجابهه بنظرية لينين خصوصا و انه يدعي انتمائه للينين . سوف نجابهه بلينين لكن ليس لفضح " ماركسية " صاحبنا بل أساسا لنوضح إحدى المساهمات الكبرى للينين في تطوير الاشتراكية العلمية .
و لنجيب صاحبنا حول سؤاله " ما الذي يمنع العمال من الثورة على الرأسمال قبل تحقيق الثورة الديمقراطية البرجوازية؟.
في نقده لدوهرينغ كتب انجلز قائلا :
" و منذ ظهور اسلوب الانتاج الراسمالي في التاريخ و الافراد و الشيع على حد سواء يحلمون كثيرا باستملاك وسائل الإنتاج من قبل المجتمع باعتباره المثل الاعلى للمستقبل .بيد ان هذا الاستملاك لا يمكن ان يصير ضرورة تاريخية الا عندما تتوفر الشروط الفعلية من اجل تحقيقه "4.
و هذا هو السبب الذي يمنع العمال من الثورة على الرأسمال في مرحلة لم يصبح معها الرأسمال مسيطرا و متطورا . و في البيان الشيوعي ايضا يكتب ماركس و انجلز انه : " خلال هذا الطور لا يحارب البروليتاريون اعدائهم بل اعداء اعدائهم : بقايا الحكم المطلق ، الملاكين العقاريين ، البرجوازيين غير الصناعيين و البرجوازيين الصغار ، و على هذا النحو تكون الحركة التاريخية برمتها مركزة بين يدي البرجوازية ،و كل انتصار يتحقق في هذه الشروط انما هو انتصار برجوازي "5.
و على خطى ماركس و انجلز سوف يشن لينين حربا ضروسا ضد المناشفة و الاشتراكيين الثوريين من اجل تحديد مضمون الثورة الروسية و رسم خطة الطريق من اجل الوصول الى الاشتراكية . لقد اعتبر لينين الصراع الذي شهده الحزب إ ش د ر بين المناشفة و البلاشفة يقوم بالضبط و على وجه التحديد حول هذه النقطة ، ففي تقييمه للمغزى التاريخي للصراع الحزبي في روسيا انتقد لينين كل من مارتوف و تروتسكي اللذان لم يفهما مضمون هذا الصراع بقوله :" ... في مضمون الثورة الروسية الاقتصادي تقوم جذور الخلاف بين المناشفة و البلاشفة "6.
ان لينين الذي يدعي صاحبنا الزياني الانتماء اليه هو الذي قال انه " في بلدان كروسيا ، لا تعاني الطبقة العاملة من الراسمالية بقدر ما تعاني من النقص في تطور الراسمالية ، لذا فان من مصلحة الطبقة العاملة اطلاقا ان تتطور الراسمالية في منتهى الاتساع و الحرية و السرعة "7 ، و عليه فان " الثورة البرجوازية تقدم للبروليتاريا اكبر الفوائد ، و الثورة البرجوازية لا غنى عنها اطلاقا في مصلحة البروليتاريا "8 ، "و هذا الاستنتاج لا يمكن ان يبدو جديدا او غريبا او متناقضا الا لأولئك الذين يجهلون ألفباء الاشتراكية العلمية "9.
و هكذا يظهر أن صاحبنا الزياني هو من طينة اولئك الجهلة بالألف باء الاشتراكية العلمية . ان اتهاماتهم و محاكماتهم ضد ماوتسي تونغ هي في حقيقة الامر ضد لينين و ضد ماركس و هذه المسألة أصبحت واضحة جدا .
و لكي نوضح جيدا موقف لينين من مسالة توفير الشروط من اجل الثورة الاشتراكية سوف نحاول عرض المسالة من عدة زوايا أخرى .
ان الاشتراكية العلمية تعلمنا كما سبق و ان اشرنا أعلاه أن الوصول الى الاشتراكية بما هي حل للتناقض بين الطبيعة الاجتماعية للانتاج و التملك الخاص لوسائل الانتاج لا يمكن ان تتم دون تطور الراسمالية ، لماذا ؟ لان تطور الراسمال هو بالضبط الذي يجعل من الانتاج ذو طبيعة اجتماعية . و هكذا يكون من نافل القول التأكيد على أهمية و ضرورة المرور بمرحلة الثورة الديمقراطية ذات المضمون الاقتصادي البرجوازي من أجل توفير الشروط للمرور الى الاشتراكية ، إن الثورة البرجوازية و تطور الراسمالية من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية و كذا من الناحية السياسية الديمقراطية هو في مصلحة البروليتاريا و هو الشرط الضروري للانتقال الى مرحلة الاشتراكية .
"ان الماركسيين لعلى اقتناع مطلق بطابع الثورة الروسية البرجوازي ، ماذا يعني هذا ؟ هذا يعني ان التحويلات الديمقراطية في النظام السياسي ثم التحويلات الاجتماعية و الاقتصادية التي اصبحت ضرورة لروسيا ، لا تفترض بحد نفسها زعزعة سيطرة البرجوازية ، و ليس هذا و حسب ، بل انها على العكس، ستمهد ايضا السبيل حقا و للمرة الأولى لتطور واسع و سريع ، أوروبي لا أسيوي ؛ و ستجعل من الممكن للمرة الأولى قيام سيطرة البرجوازية بوصفها طبقة ..."10.
ان صاحبنا عسو الزياني و من على شاكلته الذين يتهمون ماو بانه أراد تطوير الراسمالية في الصين سوف يزجعون من هذا الكلام الواضح للينين و هم مثل أولئك الاشتراكيين الثوريين الروس أي انهم المعبرين الفكريين لا للبروليتاريا و إنما للبرجوازية الصغيرة، و هو التحديد الذي اعطاه لينين لأمثالهم " ان الاشتراكيين الثوريين لا يستطيعون إدراك هده الفكرة لأنهم يجهلون ألفباء قوانين تطور الانتاج البضاعي و الراسمالي ...إن عدم فهم الاشتراكيين – الثوريين لهذه الحقيقة يجعل منهم مفكري البرجوازية الصغيرة عن غير وعي منهم "11 ، كما هو حال صاحبنا عسو الزياني و من على شاكلته من مهاجمي ماو و الماوية .
إن قيام الثورة الديمقراطية البرجوازية يعني تطور الرأسمالية و يعني انها في صالح البرجوازية أكثر منها في صالح البروليتاريا و " لكنه لا ينجم من هنا إطلاقا ان الانقلاب الديمقراطي ( البرجوازي بمحتواه الاقتصادي و الاجتماعي ) ليس على درجة هائلة من الأهمية بالنسبة للبروليتاريا ، لا ينجم من هنا إطلاقا ان الانقلاب الديمقراطي لا يمكن له ان يرتدي على السواء أشكالا مفيدة على الأخص للرأسمالي الضخم و طاغوت المال ،و الملاك العقاري " المستنير "و اشكالا مفيدة للفلاح و العامل "12.
هذا نموذج من تحليل لينين بالرغم من أن الثورة الديمقراطية ( التي هي برجوازية في مضمونها ) هي في مصلحة الراسمال ، في مصلحة الملاك العقاري " المستنير" ( و هنا نود ان نفتح قوسا لاولئك الذين يهاجمون ماو لنقول لهم انظروا الى ما يقوله لينين حول الملاك العقاري " المستنير" أي الاقطاعي " المستنير ") انها في مصلحة كل هؤلاء لكنها أيضا في مصلحة العامل و الفلاح و كونها في مصلحتهما يعني العمل من أجلها و التحالف مع كل من له مصلحة فيها و يعمل من اجل انجازها.
و هكذا تطرح في جدول أعمال الماركسيين الاجابة على سؤال مدى مساهمة البروليتاريا في هذه الثورة و ما هي حدود تحالفاتها مع من لهم مصلحة في هذه الثورة أي على حد تعبير لينين نفسه " الراسمالي الضخم و طاغوت المال و الملاك العقاري " المستنير" و طبعا و قبل كل شيء الفلاح .
للاجابة على هذا السؤال خاض لينين صراعا قويا ضد المناشفة و الاشتراكيين الثوريين و ضد البرجوازية الليبرالية . و يعلمنا لينين في هذا الصدد " ان الماركسية لا تعلم البروليتاريا ان تبتعد عن الثورة البرجوازية و تتخذ منها موقف اللامبالاة ، وتترك قيادتها للبرجوازية ، بل هي على العكس ، تعلمها ان تشترك فيها انشط اشتراك و أقواه ، و أن تناضل اشد نضال في سبيل الديمقراطية المنسجمة تماما . في سبيل السير بالثورة الى النهاية "13 ، من أجل قطع الطريق على البرجوازية التي ترهبها البروليتاريا و تهرع الى التحالف مع الاقطاع و مع أشد الرجعيين بؤسا ،كما كان الحال في المانيا سنة 1818 وبفرنسا 1848 و بروسيا 1905.
إن لينين هنا يطور احدى الموضوعات الاساسية للاشتراكية العلمية : ضرورة قيادة البروليتاريا للثورة الديمقراطية البرجوازية، و يطرح السؤال في نفس الوقت مع اية طبقات او فئات يجب ان تتحالف البروليتاريا ، هل مع كل من له مصلحة في الثورة الديمقراطية البرجوازية ام مع كل من له مصلحة و يعمل من اجل انجازها و إنجاحها .
ان لينين يضع المسالة على الشاكلة التالية :
" ان تحول النظام الاقتصادي و السياسي في روسيا تحولا ديمقراطيا برجوازيا امر أكيد ، محتم ... و لكن التفاعل بين القوى الموجودة التي تحقق هذا التحول قد يؤدي الى نتيجة مزدوجة او الى شكل مزدوج لهذا التحول ، فنحن امام امرين لا ثالث لهما : 1 – فإما أن يؤول الامر الى " انتصار الثورة الحاسم على القيصرية " ؛ و إما 2- أ ن لاتكفي القوى لإحراز الانتصار الحاسم و ينتهي الامر بصفقة بين القيصرية و اشد العناصر " ذبذبة " و اكثرها "أنانية " في صفوف البرجوازية "14.
لينين الذي يعلمنا كيف يجب ان نكون ماركسيين ، كيف يجب ان ننبذ التحليل الذاتي و الدوغمائي يعرض المسالة من جانبين اثنين : الجانب النظري و الجانب العملي ، و لكي يجيب عن أي اتجاه سوف تتجهه الثورة الديمقراطية البرجوازية يقول لنا ان المسالة " رهن بالتفاعل الموضوعي بين مختلف القوى الاجتماعية "، " طابع هذه القوى انما حدده في حقل النظرية التحليل الماركسي للواقع الروسي "15.
التحليل الماركسي للواقع الروسي الذي حدد خلاله الماركسيون من لهم مصلحة في الثورة البرجوازية :" الراسمال الضخم ، طاغوت المال ، الملاك العقاري " المستنير" و العامل و الفلاح " على حد تعبير لينين نفسه .لكن المسألة لا تقف عند لينين في هذا الحد أي تحديد من لهم مصلحة في الثورة الديمقراطية البرجوازية بل ينتقل لينين الى مسألة النشاط العملي لهذه الطبقات و الفئات .
ان " طابع هذه القوى انما حدده في حقل النظرية التحليل الماركسي للواقع الروسي؟ أما الآن فيحدده في التطبيق العملي نشاط الفئات و الطبقات السافر إبان الثورة "16. و بعد أن يعرض لينين مضمون الممارسة السياسية لكافة الطبقات التي لها مصلحة في التغيير و كيف تنحو البرجوازية الليبرالية الى جانب القيصرية .ان هذا التحليل الماركسي الذي قدمه لنا لينين هو ضد كل تلك الجمل و العبارات الذاتية التي يتفوه بها بعض " اليسراويين "حول انعدام امكانية التحالف مع البرجوازية او بعض فئاتها إبان الثورة الديمقراطية البرجوازية و يقذف بهم الى موقع البرجوازيين الصغار .
فما هي إذن الخلاصة التي وصل اليها لينين بعد دراسة السلوك السياسي لكافة التعبيرات السياسية عن الطبقات و الفئات التي لها مصلحة في التغيير :" إن القوة القادرة على إحراز " انتصار حاسم على القيصرية "لا يمكن أن تكون إلا الشعب ، أي البروليتاريا و الفلاحين ، إذا أخذنا القوى الاساسية الكبرى و إذا وزعنا بين البروليتاريا و الفلاحين البرجوازية الصغيرة في الريف و المدينة ( التي هي ايضا من " الشعب ") . ان "انتصار الثورة الحاسم على القيصرية " انما هو ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية " 17 .
هكذا يطرح لينين المسألة و على هذا النحو يجيب : ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية ."و هذه الديكتاتورية لن تكون ، بكل تأكيد ،ديكتاتورية اشتراكية ، بل ديكتاتورية ديمقراطية . فهي لن تستطيع المساس بأسس الرأسمالية ( دون جملة كاملة من المراحل الانتقالية في التطور الثوري ) "18.
ان انتصار الثورة الديمقراطية ، انتصارا تاما هو الذي سوف يجعل ، حسب لينين ، البروليتاريا غير مقيدة اليدين في نضالها بعد ذلك ضد البرجوازية و ضد الرأسمال و في قيادتها للثورة الديمقراطية بأكبر النشاط و الفعالية هو الذي سوف يحول دون أن" تذوب" في الديمقراطية البرجوازية " و بكلمة لكي لا تكون البروليتاريا مقيدة اليدين في النضال ضد الديمقراطية البرجوازية المتذبذبة، ينبغي لها ان تبلغ من القوة و الوعي ما يمكنها ان ترفع الفلاحين الى الوعي الثوري و تقود هجومها " 19 .
و ضد صراخ المناشفة الذين أنكروا ضرورة مشاركة البروليتاريا في الحكومة المؤقتة معتبرين إياها خيانة إزاء الطبقة العاملة و مطالبين في نفس الوقت بأن يتخذ الحزب موقع أقصى المعارضة اجاب لينين بهدوء : "...لأن البروليتاريا ليست الوحيدة التي يهما امر الثورة الديمقراطية و التي تشترك فيها بنشاط و لان الانتفاضة " شعبية" و تشترك فيها أيضا " فئات غير بروليتارية "... أي برجوازية ايضا ، فان المبدأ القائل بان أي اشتراك من جانب الاشتراكيين في الحكومة المؤقتة ، مع البرجوازية الصغيرة ، يشكل خيانة إزاء الطبقة العاملة قد قذف بها المجلس العام الى البحر ، و هذا ما كانت تعمل له " فيربود "20 ، و يضيف لينين قائلا " ان " الخيانة " لا تكف عن ان تكون خيانة إذا كانت الاعمال التي تشكلها جزئية ، مؤقتة ، منطقية ...الخ " 21.
بهذا المحتوى أغنى لينين الاشتراكية العلمية و قدمها الى الامام ، موضحا سبل الوصول الى الاشتراكية بالمجتمعات التي لم تنجز بعد ثورتها البرجوازية و محددا ايضا وسائل و تكتيك البروليتاريا من أجل هذا الهدف التاريخي .
الوصول الى الاشتراكية يتطلب بالضرورة انجاز مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية ( أي تطوير الراسمالية من الناحية الاقتصادية و اكتساب الحرية السياسية من الناحية السياسية ...) .
لكن إنجاز هذه المهام لا يمكن ان يكون إلا عن طريق قيادة البروليتاريا لهذه الثورة في شخص حزبها الثوري و أن المهمة الأولى في طريق الاشتراكية هي ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية .
إن لينين هنا هو ضد اولئك الذين يدعون انه لا يمكن ان تقام ديكتاتورية طبقات عدة متحالفة فيما بينها . فبعض " الماركسيين "يروجون لتلك الفكرة الخرقاء ،إما ديكتاتورية البروليتاريا و إما ديكتاتورية البرجوازية ولا يمكن ان يكون هنا شيء آخر بينهما .
ففي نقده سنة 1910 للمناشفة كتب لينين قائلا : " و إنه لخاطئ أصلا الرأي الذي يزعم ان ديكتاتورية هاتين الطبقتين " تناقض كل مجرى التطور التاريخي " ، فالأمر على العكس تماما .فمن شأن هذه الديكتاتورية وحدها دون غيرها ان تكنس كليا جميع بقايا الاقطاعية و تؤمن نمو القوى المنتجة بأسرع نحو " 22 . وقد أعلن قبل ذلك لينين انه "اذا لم يكن بوسعنا الاعتماد على الفلاحين ، فضلا على البروليتاريا في النضال من أجل الجمهورية الديمقراطية ، فان " الحفاظ على السلطة " يكون مشروعا يائسا "23.
نعتقد ان الامور اصبحت مكشوفة و واضحة، و واضح معها أيضا من يمثل بالفعل الخط الثوري المتشبث بفكر لينين و من يمثل الخط الانتهازي المتشبع بفكر البرجوازي الصغير الراديكالي الفج الضيق الافق داخل الحركة الشيوعية بالمغرب.
ان هذه الاطروحات الأساسية للرفيق لينين حول طريق العبور الى الاشتراكية و حول التكتيك البروليتاري الثوري يجب ان لا نستحضرها كشعارات و مواقف جاهزة ، بل يجب ان نفهم و ان نستوعب طريقة لينين في تناول القضايا النظرية و طريقته في التعبير عنها سياسيا ، و هذا هو الأهم .
إن لينين حينما تناول مسألة مهام الثورة في روسيا حددها آنذاك في الثورة الديمقراطية البرجوازية و حدد معها ايضا شكل و مضمون السلطة المقبلة باعتبارها ديكتاتورية الشعب أي البروليتاريا والفلاحين و البرجوازية الصغيرة لكنه في المقابل كان واضحا حول مسألة في غاية الاهمية ، مسألة قيادة الثورة و قيادة هذا التحالف : ضرورة قيادة البروليتاريا ، فهذه الأخيرة بوصفها الطبقة الثورية الى النهاية في المجتمع الحالي ، انما يترتب عليها ان تستلم زمام القيادة ، ان تبسط زعامتها في النضال الذي يخوضه جميع الشغيلة و المستثمرين ضد الظالمين و المستثمرين " 24 ، بل ان لينين لا يقف عند هذا الحد بل انه يذهب ابعد من ذلك بكثير حيث يعتبر ان البروليتاريا " ليست ثورية الا بقدر ما تعي فكرة الزعامة هذه و تطبقها عمليا "25.
لكن ماذا تعني فكرة القيادة هذه ؟ كيف يمكن للطبقة العاملة ان تبسط زعامتها على باقي الطبقات التي تناضل من أجل الديمقراطية؟ كيف يمكن للطبقة العاملة ان تقود الفلاحين من اجل الثورة الزراعية ؟

هناك مع الأسف ، بعض " الماركسيين " ممن يفهمون المسألة بطريقة اقتصادوية و يعجزون على الإجابة بشكل واضح دون السقوط في أحضان البرجوازية الليبرالية. هناك من يفهم قيادة البروليتاريا للفلاحين بوصفه "دعم " لنضالات الفلاحين بشكل هامد ، بوصفه دعم العمال ، للفلاحين داخل المعامل و المصانع ، إن هذا الفهم الاقتصادوي لمسألة القيادة قد خاض ضده لينين حربا لا هوادة فيها واصفا شعار " لا زعامة بل حزب طبقي " بأنه صيغة الإصلاحية الاشد انسجاما و تماسكا الى النهاية ، بل إنها أكثر من ذلك انها صيغة ارتداد مطلق " 26.
إن زعامة البروليتاريا للفلاحين و للثورة الديمقراطية البرجوازية يعني قيادتها للفلاحين و لكل من لهم مصلحة في هذه الثورة و يعملون من أجلها ، قيادة سياسية بالدرجة الاولى، ان البروليتاريا تقود الفلاحين و تقود الثورة عبر حزبها الثوري .ان حزب الطبقة العاملة ، الحزب الثوري هو أعلى ما يمكن ان تصله الطبقة العاملة من تنظيم ، هو التنظيم الأنضج و الاكثر وعيا على حد تعبير لينين، و حزب الطبقة العاملة لا يعني عمال المعامل ، ان الحزب يضم العامل و الفلاح و الطالب و المثقف و أي شخص من اية طبقة اجتماعية شرط الالتزام ببرنامج الحزب و قوانينه ...الخ .
و هنا نطرح السؤال عن مضمون ذلك النقد الذي يوجهه بعض المتمركسين لماوتسي تونغ باعتباره اعتمد على الفلاحين بل هناك من يذهب ليقول ان الحزب الشيوعي الصيني ليس حزبا للطبقة العاملة بل حزبا للفلاحين!!
على كل حال عش يوما ترى عجبا.

يتبع

___________________________


1- من انجلز الى كارل كاوتسكي 1882.
2 – من انجلز الى كارل كاوتسكي 1882.

3- عسو الزياني : ملاحظات حول مقال الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري لماوتسي تونغ .الحوار المتمدن 23/06/2009.
4- انجلز : ضد دوهرينغ .

5- ماركس/ انجلز البيان الشيوعي .
6- لينين . المغزى التاريخي للصراع الحزبي الداخلي في روسيا ص 121 ، مجلد ضد الانتهازية اليمينية و اليسراوية و ضد التروتسكية .
7- لينين خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 44
8- لينني. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 44.
9 – لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 45.
10-لينين .خطتا الاشتراكية الديمقراطي ص42.
11- لينين . خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 42
12- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 43.
13- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 44.
14- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 51-52.
15- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 51.
16- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 51
17- لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 53.

18 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية .
19 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 58.
20 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 48.
21 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية .
22 لينين: المغزى التاريخي للصراع الحزبي الداخلي في روسيا ص 126.
23 لينين. خطتا الاشتراكية الديمقراطية ص 91.
24 لينين : الاصلاحية في الاشتراكية الديمقراطية الروسية .
25 لينين : الاصلاحية في الاشتراكية الديمقراطية الروسية .

26- لينين : الاصلاحية في الاشتراكية الديمقراطية الروسية .