الحركات الاجتماعية واليسار أية علاقة ؟


محمد بودواهي
2010 / 3 / 28 - 18:23     

في ظل ما خلفته وما زالت تخلفه هيمنة الولايات المتحدة الامريكية وكل ما يسير في فلكها من شركات متعددة الاستيطان ومنظمات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة من متغيرات على الاوضاع الاقتصادية لبلدان العالم الثالث ( والمغرب واحد منها ) ، والمتمثلة في تسريح فئات واسعة من الطبقة العاملة بسبب نهج سياسة الخوصصة وإغلاق المعامل وتصاعد وتيرة البطالة ، وتهميش البادية ، وتفقير الفلاحين الصغار وضمهم إلى جيوش المعدمين ، وتفكيك الخدمات العمومية من صحة وتعليم وضمان اجتماعي ...... وانتشار الفقر على نطاق واسع ، وضرب القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين ودفعهم لامتهان خدمات ماسة بكرامة الإنسان من أجل سد لقمة العيش أو التفكير والعمل بكل الوسائل للهروب إلى الضفة الأخرى من المتوسط عبر الهجرة السرية رغم ما يكتنف هده العملية من مخاطر قد تصل إلى حد الغرق والموت في أعالي البحار أو في أحسن الأحوال العيش في التشرد والغربة والسرية ..... هذا إضافة إلى تصاعد موجة التعصب الإثني والديني والطائفي ، وهجرة الأدمغة ، وممارسة القمع البوليسي والمحاكمات الصورية والإرهاب المادي والنفسي ضد كل الإطارات المناضلة السياسية منها أو النقابية أو جمعيات حقوق الإنسان أو الصحافة المستقلة .....
لقد شن رأس المال والإمبريالية هجومهما تحت رايات النيوليبرالية والعولمة ، وجاء المشروع الاقتصادي والاجتماعي المسمى بالنيوليبرالي ليستهدف تأمين قاعدة قوية ومستقرة لتراكم رأس المال وضمان تحقيق أقصى معدلات الربح بكل الوسائل الممكنة ، غير أن نضالات المقاومة حققت انتصارات حقيقية لاشك فيها حيث بدأت في إلحاق الهزيمة بالهجوم الرأسمالي والإمبريالي حيث اصبح عاجزا عن فرض شروطه كاملة باعتراف صندوق النقد الدولي الذي يعاني من أوضاع مالية متردية وتعثر كل الجولات التفاوضية لمنظمة التجارة العالمية ، وبداية صحوة العديد من الدول التي بدأت تطرح فكرة تكوين الاتحادات والتحالفات السياسية منها والاقتصادية لممارسة الضغط ، ناهيك عن العقبات المتصاعدة التي يواجهها المشروع العسكري الأمريكي الذي يستهدف السيطرة العسكرية على الكوكب تحت مظلة الحروب الاستباقية ، والذي اعتبر ضروريا لإنجاح العولمة .
إن أعظم قوة امبريالية في العالم تمر اليوم في مرحلة من الورطة والإهانة الكبيرتان اللتان تتمثلان في فشل مشروعها السياسي والاستراتيجي المسمى الشرق الأوسط الكبير ، وكذلك في مأزق احتلالها للعراق وافغانستان وحربها على عدة مناطق في العالم مما سيكون له تأثير كبير على الحد من قدرتها على التدخل العدواني في مناطق أخرى من العالم والحد من الهوس العدواني الذي عبرت عنه استراتيجية الليبراليون الجدد لجعل القرن الواحد والعشرون ( قرنا أمريكيا ) .
غير أن هذا النجاح لا يزال غير كافي لتغيير موازين القوى الاجتماعية والسياسية لمصلحة الطبقات العاملة ، إذ أن التحدي الكبير الذي تواجهه الشعوب يكمن بالكامل في مدى استعدادها للانتقال من مرحلة الوعي الجماعي بالتحديات إلى مرحلة بناء القوى الاجتماعية الضرورية والفعالة لإحداث التحول كما قال فرانسوا أوتار. إن التقدم نحو إحداث هذا البديل نشهده بقوة حاليا في أمريكا اللاتينية ، بينما على العكس تجد غيابا شبه تام لتقدم مماثل في إفريقيا وآسيا وحتى أوربا . ففي البرازيل وفنزويلا وبوليفيا والارجنتين وبيرو .....رجعت موازين القوى السياسية والاجتماعية لصالح الطبقات العاملة نظرا لنجاحها في الجواب الواقعي والعملي الذي قدمته في ما يتعلق بالتوجه الديموقراطي لمشاريعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إضافة إلى التغلب على وضعية التشتت والتفرقة التي تعتبر سائدة في مناطق أخرى . بينما في آسيا وإفريقيا فالملاحظ هو انتشار ما يمكن وصفه بالمشاريع ( الثقافوية ) والتي تغدي وهم المشاريع ( الحضارية ) المزعومة المبنية على أساس تجمعات توصف بالدينية والعرقية والتي غالبا ما تتمتع بمعاملة مشجعة أو على الأقل متسامحة من القوى الإمبريالية الرأسمالية .
ومما لا شك فيه أن التعامل المتزايد للحركات الاجتماعية مع وقائعها المحلية وانخراطها في النضالات الوطنية أدى إلى تأثير كبير عليها حيث أنها وجدت نفسها تعمل على الصعيد الوطني بخلاف نشاطات التضامن العالمية التي اعتادت عليها ، وأصبح من الصعب عليها الهروب من الحقل السياسي الذي كانت تتجنبه حتى لا تسقط في وهم إمكانية النجاح اعتمادا على الاكتفاء الذاتي بمعزل عن الحقل السياسي مثلما هو وهم اعتقاد الاحزاب السياسية بقدرتها على الانعزال عن الحقل الاجتماعي .
إن التنسيق بين اليسار السياسي والحركات الاجتماعية ضروري وأساسي لكنه يحتاج إلى أن يترافق مع فتح النقاش الجدي والهادف لإيجاد التوازن الصحيح والدقيق بين عمليتي التنسيق والاختلاف من خلال القطع مع الإيديولوجية العفوية السائدة في الحركات الاجتماعية التي لا ترى في هذه الحركات سوى حقل خاص محايد وإلى حد ما خارج السياسة ، والتي تأخد أشكالا متعددة من الطوبى كالفوضوية التي ترى أنه بالإمكان تغيير العالم بدون استلام السلطة ، أو الطوبى الكينزية ، أو تلك الطوبى التي تعتقد بالقدرة على تنظيم الأسواق الحرة .
في مثل هذه الظروف تقع على عاتق اليسار مسؤولية كبيرة تتمثل في واجب القيام بدراسة كل من نقط الضعف ونقط القوة في الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة الرأسمالية من أجل بذل الجهود الكاملة لتفادي وقوع الحركة في مطبات ومآزق قد تؤدي بها إلى الطريق المسدود .