في الماديّة الديالكتيكيّة ..3


فواز فرحان
2010 / 3 / 28 - 20:58     

في الماديّة الديالكتيكيّة ..

المادية الفلسفية ...

إن تقوية الحجج الماديّة ينطلق من الإجابة على السؤالين التاليين
ــ ما المادة ؟
ــ ما يعني أن نكون ماديّين ؟

السؤال الأول ... ما المادة ؟
يظن الناس عموماً أن المادة هي ما نستطيع لمسهُ ، ما هو جامد وصلب ، وهكذا تم تحيد شكل المادة في عصور الإغريق القديمة ..
ولنتابع تسلسل النظريات المتتابعة في المادة ..
ــ في اليونان كان يُظن أن المادة واقع ممتلئ لا يُخرَق ، ولا يستطيع الإنقسام الى ما لا نهاية ..
وكان يُقال .. في لحظة ما لا تعود الأجزاء قابلة للإنقسام ..
وسُميّت هذهِ الجزيئات بالذرّات ( الذرة تساوي شئ غير منقسم )
وكانوا يظنوا أن هناك نوعين من الذرات ..
1 _ ذرات ملساء مُدوّرة .. كذرات الزيت
2 _ ذرات خشنة ومعقوفة .. كذرات الخل
ويجب أن نشير الى ..
أول من حاول إعطاء قوام لهذهِ النظرية هو ديمقريطس وهو مادّي قديم .. ومع ذلك كان يعترف بوجود آلهة ، ويريد شرح كل شئ من وجهة نظر ماديّة ..
هذهِ النظريّة عُدّلت بصورة عميقة في القرن التاسع عشر..
لقد أُهمِلت نظرية اليونانيين عن الذرة ، ولم تعد هذهِ الذرات معقوفة أو ملساء لكن الإعتقاد أنها لا تُخرَق ولا تنقسم وتخضع لحركة التجاذبات فيما بينها ..
إن إكتشاف الخصائص الكهربائية للمادة وخاصة إكتشاف الألكترونات في بداية القرن التاسع عشر قد أحدث هجمة من قِبَل المثاليين ضد وجود المادة نفسهُ ...
لقد زعموا بأن ( الألكترون .. ليس فيه شئ مادّي ) وأنهُ ليس سوى شحنة كهربائية مُتحرّكة ، فإذا لم يكن من مادة في الشحنة السلبية ، فلماذا يكون في النواة الإيجابيّة ؟
في إعتقادهم إذاً أن المادة تلاشت وليس هناك سوى الطاقة !!
لقد أعاد لينين في كتابهِ الماديّة والنقد التجريبي (الفصل الخامس ) الأمور الى نصابها حين قال ..

( إن المادة والطاقة .. لا ينفصمان ) ..

فالطاقة هي ماديّة .. والحركة ليست سوى نمط وجود المادة
وبالإجمال ..
( يُترجم المثاليون الإكتشافات العلميّة بالمقلوب ) ..
يقودنا ذلك الى السؤال ..
ماهي المادة إذاً بالنسبة للماديّين ؟
من الضروري عند دراسة هذا الموضوع أن نُميّز ، فالمطلوب أن نرى أولاً ..
ــ ماهي المادة ؟
ــ كيف هي المادة ؟
جواب السؤال الأول عند الماديين هو ..
المادة ... هي واقع خارجي مُستقل عن الذهن ، ولا حاجة به للذهن حتى يوجد ..
يقول لينين في هذا الموضوع ..

(( مفهوم المادّة لا يُعبّر إلاّ عن الواقع الموضوعي يُعطى لنا في الإحساس )) ..

أما جواب السؤال الثاني فهو ..
أن العلم هو الذي يُجيب على ماهيّة المادة وليس نحن ...

ملاحظة ..
الجواب الأول عند الماديين لم يتغيّر أبداً منذ القدم ..
أما الجواب الثاني .. فيجب أن يتغيّر ، لأنه يخضع للعلوم ولحالة المعارف البشرية ، إنه إذاً ليس جواباً نهائيّاً ..
ويعتبر الأول هو الرئيسي بالنسبة للماديّين ، لأن الخاصة الوحيدة للمادة هي التي تحدد التسليم بها الماديّة الفلسفية وهي ..
(( أنها واقع موضوعي .. يعني انها خارج وعينا )) ..

المكان ، والزمان ، الحركة ، والمادة ..

إذا أكدنا أن المادة موجودة خارجاً عنّا ، فإننا نؤكد أيضاً ..
ــ أن المادة توجد في الزمان والمكان ..
ــ أن المادة في حركة ..

المثاليون يظنون أن الزمان والمكان أفكار لذهننا ( كانط ) أول من دعم هذا الإتجاه ، بالنسبة إليهم ، المكان هو صورة نعطيها للأشياء ، المكان يُخلَق من ذهن الإنسان ، والشئ نفسه ينطبق على الزمان ..
الماديّون .. يؤكدون عكس ذلك
أن المكان ليس فينا ، إنما نحن الذين نوجد في المكان ، ويؤكدون أن الزمان شرط ضروري لمجرى حياتنا ، وإن الزمان والمكان هما بالتالي غير منفصلين عما يوجد خارج عنّا ، أي عن المادّة ..
إن الإشكالية الأساسيّة لكل كائن هي الزمان والمكان ، وأي كائن خارج الزمان خلف كبير ، بقدر ما هو خلف وجود الكائن خارج المكان ..
إذاً هناك واقعاً مستقلاً عن الوعي ، نعتقد جميعاً أن العالم وِجِدَ قبلنا ، وأنهُ سيُكمّل الوجود بعدنا ، إنهُ ليس بحاجة لنا ليوجد ..

هذهِ هي القناعة العامة ..
وقد أتاحت العلوم إضفاء دقّة وصلابة على هذهِ الحجة تحيلان كل الحذلقات المثالية الى عدم ..
فإذا كانت العلوم تقدم لنا البرهان على أن المادة موجودة في المكان والزمان ، فهي تعلمنا في نفس الوقت أن المادة مُتحركة ، هذا التدقيق الذي زودتنا به العلوم الحديثة مهم جداً ، لأنهُ يُحطم النظرية القديمة التي كانت المادة بموجبها غير قادرة على الحركة أي خامدة ..
الحركة إذاً ... هي نمط وجود المادة ، ولا يمكن تصوّر المادة بدون حركة ، كما لا يمكن تصوّر الحركة بدون مادّة ..
ليس الكون إذاً .. سوى المادة في حالة الحركة ، وهذهِ المادة التي هي في حالة الحركة لا يمكن أن تتحرّك إلاّ في المكان والزمان ..

الخلاصة ..

ــ حاصل هذهِ الملاحظات أن فكرة الله لا معنى لها ، لأن إلهاً خارج الزمان والمكان هو شئ غير ممكن الوجود ..
ــ الماديّون يؤكدون .. أن المادة موجودة في المكان ، وفي زمن مُعيّن أي الزمان ، وبالتالي ليستطيع الله خلق العالم عليه خلق لحظة لا تكون في أيّة لحظة ( لأن الزمان غير موجود بالنسبة لله) وسيكون واجباً أن يخرج العالم من لا شئ ، ولقبول الخلق يجب إذاً القبول أولاً بوجود زمن لم يكن الكون قد وِجِدَ فيه قط ، ثم أنهُ من لاشئ خرج شئ ..وهذا ما لا يمكن للعلم القبول بهِ أبداً ...
ماذا يعني أن يكون الإنسان ماديّاً ؟؟
ــ وحدة النظرية والممارسة ..
إن هدف الدراسة التي نتابعها هو العمل على معرفة ما هي الماركسية ..
نحن نعلم أن أحد أسس هذه الفلسفة هو الصلة الوثيقة بين النظرية والممارسة ..
( أساس المادية .. هو الإعتراف بأن الوجود هو مصدر الفكر ) .
ولكي نكون أنصاراً حقيقيين للمادية المُتسقة يجب أن نكون كذلك في مجالين ..
ــ في مجال الفكر ..
ــ في مجال الفعل ..

ماذا يعني أن يكون المرء نصيراً للماديّة في مجال الفكر ؟

أن يكون المرء نصيراً للمادية في مجال الفكر ، هذا يعني معرفة المعادلة الأساسيّة للمادية ، والتي هي ( الوجود ينتج الفكر ) ثم معرفة كيفية تطبيق هذهِ المعادلة ..
الوجود بالمعنى العام هو شئ مُجرّد ، والوجود بالمعنى الخاص هو شئ ملموس ، والشئ نفسهُ ينطبق على الفكر ..
ملاحظة مهمة ..

(( المادي .. هو الذي يعرف كيف يتعرّف في كل الظروف على موقع الوجود وموقع الفكر ، ويعرف كيف يجعلهُ ملموساً )) ..

مثال ...
الدماغ وأفكارنا ..
علينا تحويل الصيغة العامّة المجرّدة الى صيغة ملموسة ، فالمادّي يُحدد إذاً هوية الدماغ بكونهِ الوجود ، وهوية أفكارنا بكونها الفكر ..

مثال آخر ..
المجتمع البشري ..
حياة المجتمع مُركبة إجمالاً من حياة إقتصادية وحياة سيّاسية ، ماهي العلاقة بين الحياة الإقتصادية والحياة السيّاسية ؟ وما هو العامل الأول في هذهِ الصيغة المُجرّدة التي نريد تحويلها الى صيغة ملموسة ؟
العامل الأول ( أي الوجود ) هو الذي يُعطي الحياة للمجتمع أي الحياة الإقتصادية ، والعامل الثاني هو الفكر الذي خلقهُ الوجود والذي لا حياة بدونه وهو الحياة السيّاسية ..

المادي سيقوا إذاً ...
إن الحياة الإقتصاديّة تفسّر الحياة السيّاسية ، لأن الحياة السياسية هي نتاج للحياة الإقتصادية ..
(( هذهِ الملاحظة الموجزة .. هي أساس الماديّة التاريخية في تفسير المجتمع البشري )) ..

كيف نكون ماديّين في الممارسة ؟
الوجه الأول للسؤال ..
العالم البرجوازي في دراستهِ وتجاربهِ هو مادي دائماً ، هذا طبيعي لأنهُ من الضروري أن يَشتغل على المادة لجعل العلوم تتقدّم ، وإذا ظن العالم فعلاً بأن المادة غير موجودة إلاّ في ذهنهِ ، فإنهُ سيجد إجراء التجارب عملاً عديم الفائدة ..
إذاً هناك نموذجين من العلماء ..
1 _ العلماء الماديّون الواعدون المتسقون ..
2 _ العلماء الماديّون دون أن يدروا ( الماديون الخجلون ) ..
وكذلك فيهم النوع المؤمن المثالي ، وهؤلاء في تناقض دائم مع أنفسهم ..
الوجه الثاني للسؤال ..
الماديّة والفعل ... إذا كان صحيحاً أن المادي الحقيقي هو الذي يُطبّق الصيغة التي هي في أساس هذه الفلسفة ، أينما كان وفي جميع الحالات ، فعليه الإنتباه لتطبيقهِ جيداً ..
ولكي يكون الإنسان ماديّاً في الممارسة ، عليهِ أن يعمل بصورة مطابقة للفلسفة ، مُعتبراً الواقع العامل الأول والأهّم ، والفكر العامل الثاني ...
ماذا نُسمّي ذلك الذي يعيش وكأنّهُ وحيداً في العالم ؟
الجواب ..
الفرداني .. المنطوي على نفسهِ ، العالم الخارجي لا يوجد إلاّ بالنسبة لهُ ، المهم بالنسبة لهُ هو وفكره ، إنهُ مثالي صرف ..
والفرداني .. هو إنسان أناني ، وعندما يكون الإنسان أنانيّاً فهذا يعني أنهُ ليس لهُ موقفاً ماديّاً ، فالأناني يجعل حدود العالم داخل شخصهِ الخاص فقط ..
وذلك الذي يتعلم للذة التعلّم كهاوي ، ولا يجد صعوبة في الفهم ، لكنهُ يحفظ هذا لنفسهِ فقط ، يُعلّق الأهميّة الإولى على نفسهِ وفكرهِ ، والمثالي هو مغلق على العالم الخارجي وعلى الواقع ، بينما المادي منفتح دائماً على الواقع لذلك ..

(( على الذين يتابعون دراسة الماركسيّة ويتعلّموا أن يحاولوا نقل ما تعلموه الى مُحيطهم )) ..

إن الذي يفكر حول جميع الأشياء إنطلاقاً من ذاته يخضع لتشويه مثالي ..
مثال ..
سيقول الفرداني أو المثالي عن إجتماع قيل فيه أشياء غير مُستحبّة بالنسبة لهُ ( أن هذا الإجتماع سئ ) .. لا يجوز أن نحلل الأشياء هكذا ، يجب الحكم على الإجتماع بالنسبة لـ ..
ــ تنظيمهِ ..
ــ هدفهِ ..
وليس بالنسبة لذاتنا نحن ، هذهِ هي الفكرة الماركسيّة عن تقييم الأشياء ..

ما هو التزمّت العقائدي ؟؟

التزمّت العقائدي هو .. ليس موقفاً ماديّاً ، لأن المُتزمّت يُعطي الأهميّة الاولى لنفسهِ ، أو لفرقة معيّنة أو مجموعة ما ..
وهو المذهبي الذي درس النصوص وإستخلص منها تعريفات (هو أيضاً مثالي ) خاصة عندما يكتفي بإيراد النصوص الماديّة ، فهو يعيش فقط مع نصوصهِ لأن العالم الواقعي يختفي بالنسبة لهُ آنذاك ..
فيُعيد تكرار هذهِ الصيغ بدون أن يُطبّقها على أرض الواقع ، ويُعطي الأهميّة الاولى للنصوص والأفكار ، الحياة نفسها تجري في وعيهِ على شكل نصوص وأفكار ونستخلص عموماً أن المذهبي هو أيضاً متزمت عقائديّاً ..

ملاحظة مهمّة ..

(( يجب علينا أن نلاحظ الحالات التي لايفهم فيها الناس ، أن نبحث عن أسباب إنعدام الفهم ، أن نلاحظ حجم القمع المُسلط ، ودعاية الصحف البرجوازية وخدّامها كالراديو التلفزيون والسينما وغيرها ، ونفتش عن الطريقة الممكنة لإيصال أفكارنا وما نريد إيصالهِ عن طريق المنشورات والصحف والكتيّبات والمدارس )) ..

نحن مصابون لأننا ..
ــ نفصل النظرية عن الممارسة ..
ــ لأن البرجوازية تدفعنا الى أن لا نُعلق آمالاً على الواقع ..
ــ لأننا مُقصّرون في محاربة عيوبنا ..


ملخصات ماركسية ..
ــ مبادئ أولية في الفلسفة ... جورج بوليتزر
ــ المادية والنقد التجريبي .. لينين